إيفان ويليامز
مؤسس مشارك، شركة بايرا لابز (بلوجر)
شارك إيفان ويليامز في تأسيس شركة بايرا لابز عام ١٩٩٩. وكانت بايرا تعتزم في الأساس تصميم أداة على الويب لإدارة المشاريع. وقد طور ويليامز خدمة بلوجر لإدارة مدونته الخاصة، وسرعان ما أصبحت آلية مهمة لمشاركة الأفكار داخل شركة بايرا.
وبمجرد إطلاق خدمة بلوجر علنًا، حققت نموًّا سريعًا وقررت شركة بايرا لابز التركيز عليها تركيزًا تامًّا. ولكنها لم تدر عائدات كثيرة في البداية، وعندما انتهت فقاعة الإنترنت عام ٢٠٠١، بدا أن شركة بايرا على شفا الانهيار. لكن ظل ويليامز يعمل وحده بالشركة وتمكن من إنقاذ الشركة. وبحلول عام ٢٠٠٣، بلغ عدد مستخدمي بلوجر المسجلين مليون مستخدم. وقد جذب هذا اهتمام شركة جوجل التي جعلت من شركة بايرا أول شركة تستحوذ عليها. ثم ترك ويليامز شركة جوجل عام ٢٠٠٤ للمشاركة في تأسيس شركة تقدم خدمة بودكاست تسمى أوديو.
***
ولم يسبق لي قط العمل في مكان محدد. وقد علمت نفسي بنفسي بالكامل على المستوى التقني، ولكني أسست شركة وأخذت أستنزفها لأكثر من ٣ سنوات تقريبًا حتى انهارت، وكانت تجربة مؤلمة ولكنني تعلمت منها الكثير. لكني كنت واثقًا أنني سأكررها مرة أخرى. فقد كنت أثق دائمًا أنني سأؤسس شركتي الخاصة.
التحقت بالجامعة، ثم تخلفت عن الدراسة لأنني لم أشعر بالحاجة للحصول على شهادة جامعية، لأنني لن أحاول التقدم للحصول على وظيفة. أتيت إلى كاليفورنيا بعد أن ظللت أزاول بعض المشاريع غير المهمة على الإنترنت لبضع سنوات لأنه كان من الواضح جدًّا أن ولاية نبراسكا ليست هي المكان الذي يناسبني.
انتقلت إلى كاليفورنيا وحصلت على عمل في شركة أوريلي، واتضح بعد ذلك أن هذا لحسن حظي، كما ستعرفين لاحقًا. وقد عملت هناك لبضعة شهور، مع أني كنت أعلم أنني لا أود العمل لحساب أحد. وعلَّمت نفسي تطوير تطبيقات الويب، وكان ذلك في منتصف فترة ازدهار شركات التكنولوجيا وكانت تتوافر الكثير من فرص العمل الحر. وكنت على ثقة بأنني سأؤسس شركة أخرى. ولكني لم أكن مستعدًّا لهذا بعد. ولهذا عملت مطورًا متعاقدًا لتطبيقات الويب لمدة عام ونصف تقريبًا، وعملت في شركات مختلفة مثل إنتل وإتش بي. وفي آخر الأمر، وصلت إلى المرحلة التي قررت فيها أن أؤسس شركة أخرى. وكان ذلك في منتصف فترة ازدهار شركات التكنولوجيا بالضبط.
وكان لديَّ رؤى فيما يتعلق بالحصول على التمويل وتصميم شيء مميز، ولكن كانت فكرة شركة بايرا تدور في الأساس حول إدارة المشروعات، أو العمل الجماعي، على الإنترنت وهو مجال كان يثير اهتمامي لوقت طويل. وكانت الفكرة التي تقوم عليها شركة بايرا هي نظام لإدارة المعلومات الشخصية ومعلومات المشروعات: أي تصميم مشروعات للعملاء على شبكاتهم الداخلية، ومساعدتهم في تنظيم عملهم ومعلوماتهم الشخصية. إنه تطبيق ويب تضع فيه بياناتك وأفكارك والمهام المطلوبة منك، وأشياء تودين مشاركتها مع الآخرين. ولم يظهر تطبيق يفعل هذا حتى الآن، ولكن هناك أدوات تفعل شيئًا قريبًا من ذلك مثل بيزكامب أو تا-دا ليست (ولكن تطبيقي أكثر تعقيدًا). وهناك منتجات كثيرة متخصصة في تنظيم العمل والبيانات. وكان هذا هو جوهر الفكرة التي أعجبتني، وكانت لديَّ أفكار محددة عن كيفية تنفيذ ذلك بطريقة أفضل من ذي قبل.
وتقريبًا في الوقت الذي كنت أفكر فيه في تأسيس الشركة، تحدثت إلى صديقة لي اسمها ميج هوريهان. وقد تحمست بشدة للفكرة، وقالت إنها تود أن تشاركني في ذلك. كانت ميج مستشارة في مجال الإدارة وتتمتع بذكاء شديد، فوافقت. وكنت أتعاقد على تنفيذ بعض الأعمال للشركات، ومن ثَم كان لديَّ مبلغ من المال ولذلك كان باستطاعتي مواصلة تسيير العمل لبعض الوقت، ولم نكن نعرف أحدًا. كما لم نكن قد ظهرنا على ساحة الشركات الناشئة بعد.
لقد كان الجميع يحصلون على تمويل، ولكن هذا يعتمد تمامًا على وجود شبكة من العلاقات. فعليك أن تتعرفي على الأشخاص المناسبين. وسواء أكنت تمرين بفترة نجاح أو وقت عصيب عليك أن تتعرفي على ممولين وتتوصلي لطريقة للتفاهم معهم، أما نحن فكنا من عالم مختلف ولم نكن معتادين على عالمهم على الإطلاق. فحددنا المنتج الذي سنحاول تصميمه، وشرعنا في ذلك. وظللنا نعمل بعقود على هامش العمل — فكان لديَّ عقد مع إتش بي آنذاك. وهكذا كنا نسدد المستحقات التي علينا، فحولنا عقدي الشخصي إلى عقد لشركتنا، فكنا نعمل بموجب هذا العقد قليلًا ونعمل في مشروعنا قليلًا، وهكذا بدأنا.
لقد سبقني بول في تحويل موقعه onfocus.com إلى مدونة. ولأننا كنا مطوري تطبيقات ويب، أظن أن كلًّا منا كتب نصوصه البرمجية الخاصة لإنجاز المدونة والتي لا تختلف عن تلك الخاصة بخدمة بلوجر. ولم يبدُ ذلك بالأمر المهم في ذلك الوقت، ولكنه غيَّر علاقتي بالفعل بموقعي، بل حتى علاقتي بالويب.
وهكذا كان الأمر يقوم بعض الشيء على المعرفة الحدسية. فقلت في نفسي: «يا إلهي، هذا مفيد.» ولكنه لم يكن مختلفًا عما يفعله الآخرون بالمدونات. فكانوا إما يقومون بهذا يدويًّا أو ربما يكتبون نصوصهم البرمجية الصغيرة لإنجازه. ولكن خطرت لي فكرة مفادها أن ذلك التعديل البسيط ربما يكون من شأنه أن يضفي أهمية على الأمر. لا أقصد أنني تصورت ما سيكون عليه المستقبل فقررت التصرف بناءً على ذلك. فحين أفكر في الأمر أرى أنه كان بمنزلة إشارة خفية نوعًا ما مع أني لم أدرك ذلك آنذاك.
أخذنا النص الذي وضعته لنشر موقعي، وصممنا موقعًا داخليًّا يمكننا منه القيام بالشيء نفسه. وهكذا حتى عندما لم يكن بالشركة سواي أنا وميج، كان لدينا مدونتنا الداخلية الصغيرة التي أطلقنا عليها اسم «ستاف»، وكنا نضع فيها ما نشاء. كانت مدونة، ولكنها لم تحتوِ إلا على أشياء على غرار مواد طرحها أحد منافسينا أو صفحة من المحتمل أن تفيدنا أو معلومات يرسلها كلٌّ منها للآخر. لقد كانت بمنزلة مكان نجمع فيه كل شيء، وفي ظل النمو الذي شهدته الشركة أصبحت هذه المدونة هي نواة بايرا. فقد كانت هي المكان الذي يشهد إنجاز المهام.
وطوال ذلك الوقت كنا نصمم أداة العمل الجماعي الحقيقية الخاصة بنا ونحاول أن نطبق عليها جميع أنواع التصميمات والأفكار الكبرى، ولكننا كنا نستخدم مدونتنا كثيرًا. ثم كتب بول إضافة صغيرة على المدونة، حتى يمكننا وضع معلومات معينة ننشرها في المدونة الداخلية على المدونة الخارجية للشركة.
لقد كنا من أوائل الشركات التي يكون لديها مدونة على موقعها، وهذا لا يعني أننا كنا نحظى بكثير من القراء. ولكنها كانت منظمة. فكنا ننشر الأخبار وأشياء متفرقة أعجبتنا وغير ذلك.
وكان هذا تقريبًا في مارس ١٩٩٩، لذا فقد حدث كل هذا بسرعة. وفي ذلك الوقت خطرت لي فكرة خدمة بلوجر، لأنني سجلت النطاق في ذلك الوقت. وقد كانت لديَّ فكرة واضحة عما ستكون عليه لأنها كانت مستمدة من الأنشطة التي كنت أزاولها من قبل، كما كانت مستمدة من الطريقة التي كنا ننشر بها المدونة الخاصة بنا على موقع خارجي. فاقترحت أن نحول ذلك إلى منتج. إذ إنني لطالما كنت مهتمًّا بالمنتجات وتسويقها، وأعجبتني الفكرة للغاية.
ومع أن بناء الخدمة كان سهلًا نوعًا ما كما يبدو، فقد كان الأمر يمثل معضلة لأن التركيز كان من بين أهم الدروس المستفادة التي تعلمتها من شركتي الأولى. فبعد انهيار شركتي الأولى أجريت حصرًا للمشروعات التي عملت بها في العام السابق. فقد بدأت العمل فيما يقرب من ثلاثين مشروعًا ولم أنتهِ منها. وكانت نقطة الضعف الوحيدة هي عجزي عن التركيز. وهكذا خطرت لي هذه الفكرة وأعجبتني، ولكن بالطبع لم يكن هناك سوى نحن الثلاثة، وكان علينا أن نستمر في التعاقد مع الشركات الأخرى حتى نسدد ما علينا من مستحقات، ولم نكن قادرين على إنتاج شيء آخر. وكان لدينا مشروع كبير نحاول تنفيذه. وهكذا ظلت الفكرة تحتل جانبًا من تفكيري دون أن أدري، وقد ظلت تلح عليَّ. وبالطبع ما جعلني أستمر في التفكير فيها هو أننا كنا نستخدمها لأغراضنا الخاصة بالعمل الجماعي، ونحن نبني أداة لها هذا الهدف. وفي الواقع فكرنا عدة مرات في أن نجعل هذه المدونة هي منتجنا. ووافقنا على هذا في النهاية ورأينا أنه سهل للغاية، بل تافه جدًّا. كما أننا لم تكن لدينا الموارد الكافية لإنتاج شيئين. واستمر هذا لوقت طويل، وأظن أنه في يوليو أطلقنا أخيرًا تطبيق بايرا، وحاز استقبالًا طيبًا، وإن كان محدودًا.
وبدأ الناس يستخدمون بايرا، وقد اكتشفت المبرر وراء إنشاء خدمة بلوجر أثناء تطويره. إذ كان المشروع يقوم على فكرة محاولة البحث عن حل لمشكلة كبيرة للغاية، ألا وهي ترتيب جميع أنواع معلومات المستخدمين. ووجدنا أن تلك المشكلة أكبر من أن نبدأ بها ومن ثَم كان علينا توجيه الأداة لفئة بعينها. فقررنا أن نخصصها لمن يصممون المواقع لتكون مكانًا يتعاونون فيه. ثم ابتكرنا ذلك التصميم الذي سيحتوي على بضعة تطبيقات مصغرة، وسيكون بلوجر أحدها. وهكذا صممت أنا وبول خدمة بلوجر على أساس هذا التبرير (وكانت ميج في إجازة لمدة أسبوع) وأطلقناها في غيابها. وهو ما كان تصرفًا سيئًا للغاية، ولكن ثبت في النهاية أنه جيد، ولكن ليس رائعًا.
وكانت إمكانياته في البداية بسيطة للغاية، ولكنه كان يفي بما نريد بالضبط، وكان لدينا النص البرمجي الخاص به. وكنا نظن أن إطلاقه سيستغرق يومين، ولكنه استغرق أسبوعًا، ولكننا أطلقناه وميج غير موجودة. وقد ضايقها ذلك بالطبع، ولها كل الحق في ذلك. فقد أطلقنا منتجًا كاملًا دون علمها وهي من المؤسسين المشاركين في الشركة. ولكننا أقنعناها أن ما فعلناه كان منطقيًّا. قلنا لها: «إنه سيكون المنتج البسيط الذي لا يتطلب أي مجهود. وسرعان ما سيجذب المستخدمين إلى منتجنا الحقيقي فور إطلاقه وعندئذٍ يمكننا العودة للعمل على منتجنا الأصلي.»
أطلقنا الخدمة في أغسطس وسرعان ما وجدنا أنفسنا في مأزق؛ إذ أصبح لدينا منتج يستخدمه الجمهور، لكنه ليس المنتج «الحقيقي».
وكانت المشكلة تكمن في أننا لم نرَ أن خدمة بلوجر أي نموذج عمل. وكان ذلك في أثناء فترة ازدهار شركات التكنولوجيا، ولكننا لم نكن من بين تلك الشركات التي كانت تسعى فقط لجذب الأنظار دون أن يكون لها نموذج عمل واضح. بل كثيرًا ما تحدثنا عن مدى غباء الكثير من شركات التكنولوجيا التي كانت تسعى للحصول على تمويل كبير. فقد كان الاهتمام بما نطرحه من منتجات هو ما يحركنا. فقد أردنا إنتاج شيء رائع يتيح لنا عملًا دائمًا. وربما نبيع الشركة بعد ذلك لأحد ما، ولكننا لم نرَ أي نموذج عمل تجاري في بلوجر. كما أننا لم نحصل على تمويل من أحد، لذا فقد كان إدرار الأرباح مهمًّا للغاية.
وكان المنتج الآخر يلبي احتياجًا تجاريًّا ورأينا أن الناس سيدفعون مقابل الحصول عليه. ورأينا أن بلوجر هو الشيء الصغير الذي سيحث المستخدمين على الدفع مقابل الحصول على المنتج الحقيقي. ومن ثَم كان من الواضح أننا نواجه معضلة: إما التركيز على ذلك التطبيق البسيط الغبي الذي يستخدمه الناس وهو بلوجر، أو العمل على منتجنا الحقيقي. وحاولنا تقسيم وقتنا بين الأمرين، بالإضافة إلى التعاقد على بعض الأعمال لسداد ما علينا من مستحقات. وكنا ثلاثة أشخاص فقط، ومن ثَم فقد كان ذلك صعبًا بعض الشيء. ودارت بيننا مناقشات طويلة عن التصرف الأمثل الذي ينبغي اتخاذه في ذلك الشأن. وأظن أننا في النهاية أجرينا تعديلًا على خدمة بلوجر في نوفمبر جعلها أفضل بكثير، وبدأ الناس يستخدمونه.
وبدأ الناس يستخدمون تطبيقنا الآخر أيضًا، ولكنه لم يكن مكتملًا لأنه كان أكثر تعقيدًا بكثير.
وفي بداية عام ٢٠٠٠، بدأنا بالفعل نحصل على تمويل من شركة أوريلي. وكانت من الشركات القليلة التي أعرفها. وأظن أنني تركت انطباعًا جيدًا لديها. فقد عملت هناك موظفًا لسبعة أشهر فقط، ثم عملت لشهرين آخرين بعقد لتنفيذ مهمة مختلفة تمامًا، ولكني تركت انطباعًا جيدًا بما يكفي حتى أني استطعت أن أعود إلى هناك وأعرض عليهم منتجنا. وكانوا قد سمعوا بخدمة بلوجر، ولكننا كنا مشغولين بمشروع بايرا أيضًا ووافقوا على استثمار نقودهم معنا.
وبدأ ميلي يزداد تجاه بلوجر في نهاية عام ١٩٩٩. وأظن أن ميج وبول كانا يؤيدان بشدة الخدمة، وكنت أنا لا أزال مترددًا. فقد كان بايرا هو منتجي الأصلي وكانت لديَّ أفكار كثيرة أسعى لتحقيقها من خلاله. وشعرت بالحاجة إلى التركيز على أحد المشروعين، ولكن من ناحية أخرى كانت خدمة بلوجر هي التطبيق الذي ينطلق ويحقق نجاحًا. فلم أستطع اتخاذ قراري.
وفي الواقع حصلنا على التمويل من أجل الفكرتين. فلم تكن هناك خطة محددة. فكان لدينا تطبيق يحقق نجاحًا مدويًّا لدى المستخدمين، ومشروع آخر له مستقبل كبير. وكان الأمر وكأن الممولين منحونا التمويل لنستخدمه كيفما شئنا. ولم نحصل على النقود في واقع الأمر إلا في أبريل أو مايو من عام ٢٠٠٠، أي تقريبًا في فترة الانهيار، ولكن (في مجالنا) لم ينتهِ كل شيء فجأة. فقد كان الناس يتحلون بالتفاؤل.
وكان لا يزال بإمكاننا الحصول على النقود دون أي مجهود يُذكر. فحصلنا على نصف مليون دولار من أوريلي، وأدفانس دوت نت (وهي الشركة الأم لكوندي ناست) ومن جيري، ووالدي ميج، وجون بورثويك من شركة إيه أو إل، ومن والد زوجة جيري. وكان نصف مليون دولار مبلغًا ضخمًا بالنسبة لنا في ذلك الوقت. وزاد عددنا إلى سبعة أشخاص، وبعد ذلك بوقت قصير قررنا التركيز على بلوجر وتطويرها.
وحين تأملنا خدمة بلوجر وجدنا أنها من الناحية التقنية خدمة بسيطة (أو على الأقل حتى وصلنا إلى مرحلة التوسع). فلم تكن قائمة على أي تكنولوجيا حديثة. ولكني اقتنعت بالأمر ليس بسبب حداثة التقنية المستخدمة، بل لأننا نحن الذين تمكنا من فهم هذه الوسيلة، فهي تعد واحدة على الأقل من بين الأشكال الأساسية للمهام التي يصلح لها الويب. لقد كانت الفكرة تقوم في جوهرها على الجِدة والتكرار، وإتاحة وسائل الإعلام أمام الجميع ومنح السلطة للجميع، فضلًا عن الرغبة العامة لدى الجميع في التعبير عن الذات، وجاذبية امتلاك منبر حقيقي مؤثر. بالإضافة إلى الروابط التشعبية. وكانت كل تلك العناصر من القوى الحتمية التي من شأنها أن تؤثر تأثيرًا رهيبًا على الويب ووسائل الإعلام بصفة عامة.
وحينئذٍ بدأت أفكر لأول مرة بجدية في وسائل الإعلام، ثم في الوقت نفسه كانت بايرا تنطوي على أفكار مهمة سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لتنفيذها، في حين أن بلوجر كانت مسلية أكثر. فقلت: «حسنًا يمكننا تحويل الخدمة إلى عمل يدر ربحًا. فيمكننا فرض رسوم على إنشاء حسابات المحترفين، ويمكننا ترخيص الخدمة للشركات، أي يمكننا بناء استراتيجيات تجارية على أساسها (مع أنها لم تكن قوية بالضرورة).»
وفي ذلك الوقت كان الاعتقاد السائد هو إذا كان لديك منتج يثير ضجة ومستخدمون ومستثمرون موثوق بهم يتولون الاستثمار التأسيسي، يمكنك الحصول على مزيد من التمويل. فقلنا في أنفسنا: «إننا سنحقق أرباحًا لكن هذا سيكون في المستقبل، لذا لا ينبغي لنا أن نركز على ذلك الآن. علينا التركيز على إضافة المزيد من السمات واجتذاب المزيد من المستخدمين.»
وهكذا مضينا قدمًا في هذا الطريق، وفي الخريف أدركنا أن النقود تنفد منا، وبدأنا نحاول التحدث إلى بعض الممولين. ولم أكن أجيد ذلك على الإطلاق. فقد شعرنا في ذلك الوقت بأننا توصلنا لإقامة علاقات جيدة مع الجهات الممولة ولكن ذلك لم يكن كافيًا، ولم نكن قادرين على الحصول على تمويل من أصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة. وهكذا لم تتح لنا الفرصة للحصول على التمويل. فبدأنا نحاول الخروج من المأزق. وقررنا إطلاق بعض الخدمات التي تتاح بمقابل مادي.
وكانت الشركات الأخرى في ذلك الوقت تتجه إلى الشركات؛ لأنها هي التي لديها المال. فبدا الأمر كالتالي: «المستهلكون لا يدفعون نقودًا. فيجب التوجه إلى الشركات لأنها هي التي لديها استعداد للدفع.» وهكذا حولت الكثير من الشركات في ذلك الوقت خدماتها على الإنترنت التي كانت موجهة للمستهلك إلى منتجات وخدمات موجهة للشركات ثم انهارت في النهاية. وقد دارت بيننا مناقشات كثيرة في هذا الشأن. ولدينا قصة رائعة عن مدى جدوى الخدمة داخل الشركات، فكان لدينا صديق يعمل في سيسكو أراد استخدام الخدمة وثبتناها بالفعل داخل سيسكو. ولم تكن الخدمة إلا خدمة تجريبية لكننا بدأنا نعلن على موقعنا أن لدينا خدمة بلوجر موجهة للشركات. ولكن نشب قدر كبير من الضغط الداخلي، واختلاف شديد في وجهات النظر حول تنفيذ خدمات تقتصر على الشركات فقط، وهو ما كنت أرفضه بشدة لأنني كنت أرى أن ذلك لا فائدة منه سواء أكان سيدر نقودًا أم لا. وفي ذلك الوقت كنت شديد التحمس لفكرة إتاحة وسائل الإعلام للجميع وهذا ما كان يهمني. بل في الواقع كان ذلك يهمني أكثر من الشركة نفسها. وعندما يفكر المرء بهذه الطريقة، من الصعب أن يقول إن الشركة لا تهم، نظرًا لتحمسنا جميعًا لها، فضلًا عن أنها مصدر رزقنا.
وفي أواخر عام ٢٠٠٠، صممنا نسخة بها المزيد من السمات ولكننا لم نرَ أننا أتقنا الخدمة إلى الدرجة التي تجعلنا لا نجد غضاضة ونحن نطلب نقودًا مقابل الحصول عليها. لذا تحدثنا إلى مجموعة من الشركات بخصوص الاندماج، وهي شركات خاصة تقدم تمويلًا. ودارت بعض المناقشات الجادة، واقتربنا من إتمام صفقة. وكانت إحدى تلك الصفقات مع شركة مور أوفر، التي كانت تجمِّع عناوين الأخبار قبل أن تنتشر الجهات المقدمة لخدمة آر إس إس. وقد أسس الشركة نيك دينتون وهو المسئول عن شركة جوكر ميديا. وقد كان نيك وشريكه في التأسيس ديفيد جالبريث من المعجبين بخدمة بلوجر وكانا يريدان شراء الشركة. لم يكن العرض مميزًا، ولكننا كنا على شفا الانهيار ورأينا أنه يمكننا قبول الصفقة ويحصل كل منا على عمل.
وكان جميع العاملين بالشركة يؤيدون إتمام الصفقة إلا أنا. ولكني تنازلت حتى لا أكون أنا الأحمق الذي يفوت على الآخرين فرصة الاحتفاظ بوظائفهم. كما أن نقودنا نفدت. ولحسن الحظ لم يوافق مجلس إدارة شركة مور أوفر على الصفقة. وقد كان عرضًا بخسًا للغاية، قدره ما يقرب من مليون دولار من أسهمهم. ولكنها شركة خاصة. ومن ثَم كان كل منا سيحصل على وظيفة.
وطوال ذلك الوقت كانت الخدمة تزداد نموًّا. كنا نزداد نجاحًا كل يوم من حيث عدد المستخدمين. وهو ما سبب أيضًا مشكلات أخرى من حيث إننا كنا بحاجة للمزيد من المكونات المادية وواجهنا مشكلات فيما يتعلق بالقدرة على التوسع. وفي يناير، تقريبًا في الوقت الذي كان فيه باقي العاملين في الشركة يتركون العمل، قمنا بما أطلقنا عليه «حملة لتمويل شراء الخوادم». وأعلنا عنها على الموقع وقلنا للمستخدمين: «إننا نعلم أن خدمة بلوجر بطيئة حقًّا. لأننا نحتاج إلى المزيد من المكونات المادية. ولكننا لا نملك النقود اللازمة لشرائها. فادفعوا لنا لنشتري المزيد من هذه المكونات فتصبح بلوجر أسرع.» والمثير للدهشة أن هذا الأسلوب نجح. فقد كنا نتمتع بسمعة طيبة، وكان المستخدمون يحبون الموقع وكنا نتمتع باسم تجاري جيد لأن الخدمة كانت رائعة، وكنا أمناء معهم. فقد أخبرناهم أننا لا نستطيع شراء المكونات المادية، ولكن لدينا خططًا، وإننا لن ننهي عمل الخدمة إذا تمكنا من تخطي هذه العقبة، وطلبنا منهم إرسال نقود لنا. فاستجابوا لنا وأرسلوا النقود.
لكننا أخبرنا الناس أننا سنشتري بهذه النقود مكونات مادية فقط، لذا لم أكن لأستخدمها في دفع رواتب الموظفين. فأنفقتها فقط على شراء تلك المكونات، ولكن هذا أعاد الموقع للعمل على أكمل وجه، وفي الوقت نفسه استغنينا عن جميع الموظفين. ولم تكن علاقتي بميج جيدة على الإطلاق، فقررت أن ترحل وكذلك قرر الجميع أن يرحلوا.
ثم ظهرت أفكار أخرى بدت قابلة للتطبيق أكثر، ودخلت في بعض المباحثات الأخرى. فبعد أن أصبحت الشركة معروفة، بدأت الفرص تلوح في الأفق. كانت واحدة من أولى الفرص التي أتيحت لنا مع شركة صغيرة تسمى نو ناو، وطلبت منا أن نصمم لها شيئًا، وبعد ذلك عمل اثنان ممن كانوا يعملون في بايرا، ومنهما ميج، لدى هذه الشركة. وعقدت معهم أنا صفقة صغيرة لتصميم شيء لم يُطلق قط. وقد أوقفوا المشروع، ولكنه عاد عليَّ بمبلغ ٣٥ ألف دولار، وهو ما كان يساوي أشهرًا من إنفاق رأس المال المخاطر قبل إدرار الربح آنذاك.
وبعد ذلك بوقت قصير في فبراير قابلت دان بريكلين بالصدفة. وكان دان قد كتب إليَّ بعد أن قرأ مدونتي. فكانت الشركة ذائعة الصيت إلى حد ما من حيث الاتصالات، فظللت أكتب وأنشر عندما غادر الجميع ووضعت القصة بالكامل في المدونة التي كان لها قاعدة عريضة من القراء، فكتبت: «هذا هو الوضع: إن الجميع رحلوا. ولم يتبقَّ سواي.» وقد حصلت من هذا على سيل من رسائل المساندة، وكانت إحداها من دان بريكلين الذي قال إنه يرى أننا حققنا إنجازًا مهمًّا، وكان يريد أن يمد لنا يد المساعدة. ثم تقابلنا في مؤتمر أوريلي الذي عقد في فبراير ٢٠٠١. واجتمعنا ووافق هو بسرعة. فقيَّم الموقف؛ أي قدَّر ما كنت أحتاج إليه للاستمرار. (وفي ذلك الوقت كان لدينا الكثير من الفواتير المتأخرة، وكان علينا دفع فواتير خدمة الاستضافة كي تظل الخدمة تعمل.)
وقد انتشرت قصص متضاربة عن ماهية الصفقة. فكان لدى دان شركة اسمها تريليكس باعها في وقت لاحق، وكانت منصة للنشر على الويب. وقد رخصت تريليكس خدمة بلوجر كي تضيف خدمة المدونات إلى مجموعة السمات التي تقدمها. وقد حرص دان على إعداد الأمر بطريقة تختلف عن الطريقة العادية؛ إذ إن الطريقة العادية (أي شهور من العمل الجاد ومحاولة التأكد مما إذا كنا نريد هذا) لم تكن ستكون مجدية وكان متأكدًا من ذلك. فكان يرى أن هناك سببًا تجاريًّا وجيهًا لإتمام الصفقة، وأضاف أنه سيسعى لإنجاح الأمر حتى يعود بالنفع علينا. ولم تكن قيمة الصفقة مرتفعة؛ إذ بلغت قيمتها ما يقرب من أربعين ألف دولار فحسب، ولكنها كانت تتضمن عقدًا أبرمناه بعد ذلك أفادنا كثيرًا أيضًا. وكان هذا هو ما نحتاج إليه آنذاك.
وللأمر جانب آخر كان يدور في ذلك الوقت تقريبًا لا أريد التحدث عنه أكثر من اللازم. ولكن يكفي أن أقول لكِ إن زملائي السابقين لم يرحلوا من الشركة وهم راضون، وأنفقت تقريبًا على المحامين عام ٢٠٠١ كل النقود التي حصلت عليها كراتب.
بالإضافة إلى هذا، عندما رحل كل هؤلاء، أخذوا يتحدثون بالسوء عني في الوسط الذي كانت تربطنا به علاقات. وكانوا يقولون عني إنني طردت جميع أصدقائي ولم أسدد لهم رواتبهم واستوليت على الشركة. وكان ذلك شنيعًا حقًّا، وبالطبع كان لدينا أصدقاء مشتركون وكنا نحضر حفلات معًا. فظللت أعمل سرًّا ولم أفعل شيئًا سوى محاولة الحفاظ على استمرار تشغيل خدمة بلوجر.
وكان هذا أكثر ما ميز عام ٢٠٠١. المضحك في الأمر أن كل سنة من عمر بايرا كانت تختلف عن الأخرى؛ فعام ١٩٩٩ كان أول عام لنا وكنا نمول أنفسنا، وعام ٢٠٠٠ كان العام الذي حصلنا فيه على التمويل وكبرت الشركة، ثم عام ٢٠٠١ هو العام الذي عملت فيه وحدي، وانهارت الشركة. ولكن بطريقة ما بحلول نهاية عام ٢٠٠١، بدأت أعيد بناءها من جديد. فانتهينا من القضايا، وبدأ الموقف يتحسن.
وبعد ذلك بدأت أطلق بعض السمات غير المجانية في بلوجر. وهي خدمات يدفع المستخدمون في مقابل استخدامها. وبعد مرور عامين على بدء هذا الأمر، بدأت الخدمة نفسها تدر أرباحًا، ليس مباشرة لكن من خلال بعض الطرق. فمثل المدونات التي كنا نستضيفها، كانت لدينا خدمة الإعلان التي لم تحقق لنا أي أرباح قط لأنها ظهرت في الوقت الذي لم تكن تدر فيه الإعلانات على الويب أي نقود. (فكانت بعد أن أدرت ربحًا المرة الأولى وقبل أن تعود لتدر الأرباح المرة الثانية.) وقد ابتكرت آلية لفرض رسوم على المستخدمين ممن يريدون إلغاء الإعلانات التي تظهر في مدوناتهم، وقد أدر هذا عليَّ أرباحًا بالفعل. فقد وضعت إعلانًا يقول: «ادفع ١٢ دولارًا في العام وتخلص من الإعلانات في مدونتك.» وبدأت بهذا «المنتج» لأنه كان على الأرجح أسهل شيء يمكنني تصميمه ورأيت أن الناس سيدفعون مقابلًا له. وقد صدق ظني.
وصممت بضعة أشياء بسيطة أخرى من هذا القبيل ووصلت إلى مرحلة أنها كانت كفيلة بسداد فواتير الاستضافة. وكنت قد تخلصت من مكتبي في ذلك الوقت، ولم يكن لديَّ مكان أعمل منه في المنزل. لذا نشرت في مدونتي الخاصة أقول إنني بحاجة لاستئجار مكتب في مكان ما. فعرضت عليَّ شركة بيج ستب مكتبًا مجانيًّا، وكان هذا لطفًا منهم.
ثم بدأت أصمم المزيد من السمات. ففي مكتب بيج ستب، صممت واجهة برمجة تطبيقات بلوجر وأطلقتها، والتي لم تدر أي نقود ولكنها أصبحت مهمة فيما بعد. ووظفت مبرمجًا متعاقدًا وبدأت أعمل مع جاسون شيلين في المسائل المختصة بتطوير الأعمال. أي إن الأوضاع كانت تتحسن. وهكذا كان عام ٢٠٠٢ عامًا مختلفًا تمامًا.
وأخيرًا أطلقنا نسخة بلوجر برو التي تتطلب دفع مقابل مادي. وقد حققت نجاحًا طيبًا للغاية، وعيَّنت مزيدًا من الموظفين. وبمساعدة جاسون، أتممنا صفقة كبيرة في البرازيل مع شركة طلبت الحصول على ترخيص باستخدام بلوجر. أي إن عام ٢٠٠٢ كان عام إحراز التقدم. فكان كل شيء في تقدم، وأصبح لدينا فريق مختلف تمامًا. فكنا نتدبر أمورنا وكانت الأرباح تزداد وبدأنا نصمم أشياء جديدة، وكانت الأمور تبدو على ما يرام.
وفي أكتوبر ٢٠٠٢، جاءت جوجل تطرق أبوابنا. كان لدينا مكتب صغير في وسط المدينة، وهو أشبه بغرفة مؤتمرات منه إلى كونه مكتبًا. وكان المقر الأول لشركة أدابتيف باث، وانتقلنا إليه بعدها. وعيَّنا متخصصًا في الدعم الفني، واختصاصي إدارة نظام. ثم بدأت جوجل تحاول الاتصال بنا. لا أذكر كيف حدث هذا … وأظن أن شركة أوريلي كان لها دور في ذلك مرة أخرى.
وفي تلك المرحلة، أظن أن بايرا قد عادت إلى الحياة، فيما يبدو. وكانت فكرة إنشاء المدونات قد انتشرت طوال ذلك الوقت. وازداد عدد منافسينا، ولكن الظاهرة انتشرت. وأصبحنا جزءًا أقل أهمية في عالم المدونات، ولكن المدونات نفسها أصبحت أمرًا أكبر بكثير. وقد ساهم ذلك في دفع نمو الشركة وجعلنا لاعبين أساسيين في مجال كبير لا ينفك عن الاتساع.
وهكذا أدركت شركة أوريلي أن بايرا لا تزال موجودة. وعقدنا اجتماعًا في شركة أوريلي في ذلك الوقت تقريبًا، وكان تيم أوريلي ومارك جاكوبسن يحاولان التوصل لطريقة لمساعدتنا. وكان من بين الاقتراحات التي عرضت علينا تعريفنا على القائمين على شركات مثل أمازون وجوجل.
وبعد ذلك بوقت قصير — وفقًا لما سمعته — كان لاري أو سيرجي يتحدث هاتفيًّا مع تيم فأخبره عنا، وكان سيرجي قد حضر مؤخرًا مؤتمرًا يحضره المهتمون بالمدونات وتنصب أحاديث الحاضرين فيه على المدونات، فوافق على عقد اجتماع معنا.
ووافقنا على الاجتماع ولكن تساءلنا عن السبب. فلم يدر بخلدنا حتى أنهم قد يرغبون في شراء شركتنا لأن جوجل حتى ذلك الوقت لم تكن قد اشترت أي شركة بعد. وكانت شركة متخصصة في البحث. لذا فكرنا في جميع الأفكار التي يمكن أن ننفذها مع جوجل وتوجهنا إلى مقر الشركة، واتضح أننا سنجتمع مع مسئولي تطوير الشركة، أي المختصين بشراء الشركات. وبدأنا نتحدث عن الأفكار المقترحة وفي الخمس الدقائق الأولى قالوا: «نعم، هناك الكثير من الأفكار، لكن من الصعب على شركة مثلنا أن تشارك شركة صغيرة مثل شركتكم، لمَ لا تأتون إلى شركتنا وتنفذون جميع هذه الأفكار؟» فقلنا لهم: «أوه، هذا مثير للاهتمام.» (فكنا نحاول أن نتظاهر بعدم الاكتراث.)
كنت قد تفاوضت مرة أو مرتين مع جهات استحواذ محتملة. وكان من بينها لايكوس عام ٢٠٠١، وكان ذلك سيصبح أمرًا فظيعًا، مع أنه كان سيبدو منطقيًّا بالنسبة لنا لأن لايكوس كانت تمتلك خدمتي تريبود وإينجيل فاير (وهما اثنتان من أكبر مواقع النشر الموجودة آنذاك). ولكن لم يكن لديهم أي نقود لهذا المجال، لذا لم تسفر المباحثات عن أي نتيجة.
وقد عرضت جوجل الاستحواذ على الشركة. فأخبرناهم أننا تحدثنا إلى آخرين من قبل في هذا الصدد، ولكن جوجل لم تطلب ذلك من قبلُ. فنحن مثل الجميع، كنا ننظر بعين التقدير الشديد لجوجل، وقررنا أن نتحدث عن الأمر. وبعد أربعة أشهر كنا نجلس في شركة جوجل.
ولا تنسيْ أن هذا لم يكن قرارًا سهلًا. فقد قضيت وقتًا عصيبًا وأنا أحاول أن أقرر هل الانضمام إلى جوجل هو التصرف المناسب. فلم نكن في موقف سيئ. بل في الحقيقة كان معروضًا علينا مذكرة شروط من شركة نيوتني التي يمتلكها جوي إيتو (التي انتهى بها الحال باستثمار نقودها في شركة سكس أبارت) للاستثمار في شركتنا بمليون دولار. وبعد أربع سنوات من العمل بكل اجتهاد في بلوجر، وجدت أن هناك مخاطرة كبيرة في التخلي عن زمام القيادة.
وفي نهاية الأمر، قررت أن جوجل على حق. وكنت أرى أننا يمكننا تنفيذ الكثير من الأفكار الرائعة في ذلك الوقت، وكانت جوجل قد حققت إنجازات أعظم مما أنجزه غيرها، فأردت أن أصبح جزءًا منها وأتعلم وأستفيد بهذه الإمكانيات.
وقد تقبل معظم موظفي بايرا القدامى الأمر بعد ذلك. ولكن عام ٢٠٠١، انتشرت شائعات مفادها أنني استوليت على الشركة وطردت الجميع وأنني أتصرف تصرفات بشعة. وهذا كان أسوأ ما في الأمر.
وكنت في ذلك الوقت مسئولًا عن هذه الخدمة المجانية التي يستخدمها الآلاف وكل ما سمعته كان الشكاوى التي انطلقت عند توقف الخدمة عن العمل. لذا وجدت الأمر سيئًا لعدة أسباب. ولا أدري إلى أي مدى كنت على وشك الانسحاب والتوقف، ولا أظن أنني كنت على شفا الانسحاب، مع أنه كان ينبغي أن أكون كذلك. لقد كنت دائمًا شديد التفاؤل. وهذا هو ما ساعدني على المضي قدمًا. وليس لأني كنت أعتقد أنه بإمكاني تحمل هذه المشقة لوقت طويل، بل لأنه كان يحدوني الأمل أن تتحسن الأمور في الغد. وكانت لديَّ عدة أفكار مهمة، ولم أستطع التوقف عن التفكير في المنتج وما سأصممه بعد ذلك.
وكان ذلك كله هو ما ساعدني على التغلب على جميع المواقف السيئة. هذا فضلًا عن إحساسي بالاعتداد بالنفس في تلك المرحلة. فقد كان أمر الشركة معروفًا للجميع. ولو كنت قد توقفت، لذاع الأمر أيضًا.
فتعرض الموقع للقرصنة يعد موقفًا عصيبًا فعلًا، ولكني كنت في آيوا أحاول تقدير الضرر عن طريق اتصال هاتفي بالإنترنت وجهاز كمبيوتر محمول صغير. ولم يكن لديَّ اختصاصي لإدارة النظام، أو أي شخص آخر يعمل لديَّ في ذلك الوقت. وقضيت معظم اليوم في أحد فروع متاجر كينكوس أحاول السيطرة على الضرر. وهكذا انتهت فرصتي للاستمتاع بعطلة الكريسماس.
أنا بطبيعتي لم أحب المدرسة قط وكنت أرفض الطرق التقليدية لتنفيذ المهام. وحتى عندما كنت في المدرسة حاولت أن أبتكر حلولًا بديلة لمسائل الرياضيات. وعندما كنت في جوجل، كانوا يهتمون أيما اهتمام بالشهادات الأكاديمية. فكانت الشهادات العلمية في غاية الأهمية لهم. إن الحصول على درجات جيدة في كلية جيدة يعتبر أحد مقاييس تمييز الأذكياء، ولكنه قد يشي أيضًا بأنك ممن يحبون اتباع القواعد.
هذا بالإضافة إلى أن الحظ يأتي في عدة صور، وغالبًا ما يبدو سيئًا في البداية. فدائمًا ما أتذكر الصفقات التي لم نتممها والأشياء التي لم تنجح، وأدرك أن ما بدا حينها سيئًا كان من حسن الحظ. ومن أمثلة ذلك فرص الاستحواذ المبكرة. فمن الواضح أنها كانت ستسفر عن نتائج سيئة مقارنة بما آلت إليه الأمور بعد ذلك. وطوال تلك التجربة بالكامل، كان هذا أحد الدروس التي استفدتها: إذا كانت لديك خطة ما ولم تسر كما خططت لها، فلا تستسلم واستمر. فلا سبيل لمعرفة ما إذا كانت تصلح أو لا تصلح إلا فيما بعد، هذا إذا تسنى لك معرفة ذلك من الأساس.
وأظن أنني فوجئت أيضًا بنجاح شيء بسيط للغاية. فالبساطة من الكلمات التي تتردد كثيرًا في عالم التكنولوجيا. فالخدمة التي صممناها لم تكن مذهلة. إنما كانت تقوم على فكرة الجمع بين عدة أشياء والقدرة على تحقيق الريادة بتنفيذ شيء في منتهى البساطة. فمن الرائع أن يجد المرء أنه يحقق نجاحًا باهرًا انطلاقًا من فكرة بسيطة. وأنا أميل لإضافة المزيد إلى الفكرة الأصلية، فدائمًا ما تزداد الأفكار تعقيدًا إلى درجة يصبح من الصعب تنفيذها حتى قبل أن تنطلق ويصبح لها وجود مادي. فالبساطة تنطوي على القوة.