تيم برادي
أول موظف غير مؤسس، شركة ياهو
تأسست شركة ياهو عام ١٩٩٤ كمجموعة من الروابط لأبحاث يتحكم فيها طالبان في الدراسات العليا في جامعة ستانفورد هما جيري يانج وديفيد فيلو. وأضافا روابط لأنواع جديدة من المعلومات تدريجيًّا وازدادت شهرة الموقع بسرعة. وبنهاية عام ١٩٩٤ كان يانج وفيلو يفكران في تحويل الموقع إلى شركة ناشئة، وطلبا من تيم برادي أن يصوغ لهما خطة عمل للشركة.
كان برادي رفيق يانج في الغرفة بالجامعة وكان في ذلك الوقت يدرس للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية هارفارد لإدارة الأعمال. وكان برادي يتوقع في البداية أنه سيتمكن من إنهاء الفصل الدراسي، ولكن في ظل نمو إمكانيات ياهو، أصبح من الواضح أنه لا يمكنه الانتظار. فقدم خطة عمل الشركة لتكون واجبه الأخير في المواد التي كان عليه اجتيازها، وسارع بالسفر على متن طائرة متجهة غربًا ليصبح أول موظف فعلي في شركة ياهو.
وكان المنصب الذي شغله برادي في السنوات الثماني التي قضاها في ياهو هو نائب رئيس الإنتاج. وكانت مسئوليته، على حد قوله، هي «المنتج». وكان هو محرر موقع ياهو في واقع الأمر. طرحت أسهم ياهو للاكتتاب في أبريل ١٩٩٦ ومنذ ذلك التاريخ وهي أكثر شبكة من شبكات المواقع رواجًا في العالم. وفي النهاية ربحت ياهو حرب البوابات الإلكترونية لأنها كانت تفوق الكثير من المواقع الأخرى، وقد وصلت إلى ما وصلت إليه إلى حد بعيد بفضل تيم برادي.
***
إن لجامعة ستانفورد برنامجًا في كيوتو، ودرس جيري هناك لثلاثة أشهر، وعمل بالصيف خارج طوكيو. وكنت أنا هناك لبضع سنوات لذا عدنا نلتقي ونمضي الوقت معًا. ثم عدت أنا إلى كلية إدارة الأعمال، وعاد هو للانتهاء من رسالة الدكتوراه وظللنا على اتصال. وكنا دائمًا نتحدث عن الوظائف التي نتمنى الحصول عليها حتى قبل التخرج من الجامعة، وما كنا نحلم بتحقيقه. فكنا نقول: «ألن يكون من الرائع أن نفعل كذا وكذا.»
وبعد ذلك اتصل بي جيري في بداية العام الثاني من كلية إدارة الأعمال وقال لي: «أنا ورفيقي في المنزل المتنقل بدأنا مشروعًا وبدأ يكبر. أريدك أن تلقي عليه نظرة.» وهو لم يكن يسعى للنصح، وإنما كان يطلعني على ما يفعله فحسب. واطلعت على المشروع وانبهرت بفكرة الويب كلها. وكنت قد عملت في شركة إيه أو إل، وكنت أعرف القليل عن الإنترنت، ولكن لا شيء عن الويب. فكان لا يزال في بدايته في ذلك الوقت.
فنظرت إليه وقلت إن هذا المشروع رائع حقًّا. وأخبرني أن الأمور تسير معهم على خير ما يرام. فسألته عما يعنيه بذلك. فأخبرني أن مشروعهم يكبر، وعرض عليَّ المشاركة في العمل في المشروع بعد الانتهاء من الدراسة. فقلت لنفسي: «أنا أحب الشركات الصغيرة، ويسرني العمل مع جيري، وهي فكرة تبدو رائعة.» كان هذا في نهاية عام ١٩٩٤، وكانا يعملان عل هذا المشروع لما يقرب من ثمانية أشهر قبل أن أعرف بوجوده.
وفي أوقات فراغهما، كان جيري وديفيد يضيفان الفئات محل اهتمامهما. فجيري، كان شديد الاهتمام بمصارعة السومو، بعد عودته من اليابان، فأضاف فئة السومو الرائعة. وقد أدرجا في قائمتهما كل ما يرتبط بالهندسة الكهربائية على الويب فضلًا عن المجالات الأخرى محل الاهتمام. وكان ذلك في وقت مبكر من عمر الويب حتى إنه كان الوحيد من نوعه، أعني من بين القوائم الكبيرة. فقد كانت هناك قوائم صغيرة ولكن دون وجود قوائم كبيرة، فظل الناس يرسلون لهما رسائل بريد إلكتروني يطلبون منهما إضافة أشياء معينة للقائمة. ويخبرونهما أنهم عرفوا بأمر القائمة من أصدقائهم وأنهم يودون إضافة مواقع معينة إليها.
فكان جيري وديفيد يلبيان تلك الطلبات، واستمرا في إضافة فئات أخرى، وفجأة تحول كلاهما من العمل على الدراسات العليا إلى إضافة المواقع إلى القائمة لثماني ساعات يوميًّا. وبالصدفة كان المشرف على رسالتهما في إجازة لذا لم يكن هناك من يشرف عليهما، وهكذا نجح الأمر. فلو كان المشرف موجودًا، ربما لم يكن الأمر لينجح. وهكذا ظلا يعملان عليها لثماني ساعات يوميًّا — وربما أكثر — كل يوم لثمانية أشهر. وقد أنشآ تلك القائمة الهائلة، في الوقت المناسب في المكان المناسب. وبدأ المشروع ينطلق.
وقد كان المشروع ينطوي على قدر هائل من القوة الدافعة حين بدأت أتحدث إليهما لأول مرة. فكان اتجاه الحوار عند بداية التحاقي بالمشروع على غرار: «يمكنك أن تأتي إلى هنا الصيف القادم عندما تنهي دراستك وتحصل على عمل في وادي السليكون من التاسعة إلى الخامسة، ثم تعمل معنا في المساء.» وبعد ثلاثة أشهر أصبح اتجاه الحوار على غرار: «إن الأمر يخرج عن السيطرة، احضر إلى هنا على الفور.» لم تكن لديهما أدنى فكرة عن حجم القوة الدافعة للمشروع، ولكن ما بين أكتوبر ١٩٩٤، ويناير ١٩٩٥، لا أستطيع أن أذكر لكِ الإحصائيات بالضبط، ولكن حركة الزوار زادت بمقدار عشر مرات في غضون بضعة شهور.
وفجأة، أدركت شركات رءوس الأموال المخاطرة نشاطهما. واكتشفت ذلك جهات أخرى، وفي ذلك كل من كان يفكر في وسائل إعلام حديثة في ذلك الوقت. فانهالت عليهما الاتصالات الهاتفية — على سبيل المثال، من جريدة «لوس أنجلوس تايمز»، وإيه أو إل، ومايكروسوفت — تطلب منهما الانضمام إلى شركاتهم. لقد كانوا يقولون لهم: «لماذا لا تنضما إلينا بمشروعكما؟ إننا سنستضيفه وسنساعدكما على إنجاحه.» وقد دفعهما هذا إلى البدء في التفكير في مشروعهما كمشروع تجاري، وليس مجرد هواية. ثم نُشر مقال في مجلة «نيوزويك»، أظن أن ذلك كان في نوفمبر ١٩٩٤ تقريبًا. وكانت تلك الفترة التي امتدت لثلاثة أو أربعة أشهر هي الفترة الحرجة التي تفصل بين تحول الأمر من مجرد هواية إلى مشروع تجاري مكتمل.
وكانا يفكران في الحصول على تمويل؛ إذ قررا: «إننا لا نريد بيع المشروع. لنبدأ في محاولة الحصول على تمويل.» ومع أن الممولين كانوا يرحبون بمنحهم التمويل، فقد قالا في نفسيهما: «نحتاج إلى إعداد خطة عمل لنأخذها معنا في زياراتنا لأصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة. فمع أننا يمكنا التحدث عن المشروع وإقناع أصحاب الشركات بتمويله بدونها، فسيكون من الأفضل أن تكون معنا واحدة.» فقلت: «إن هذه فرصة مناسبة، فقد كنت أدرس بضع مواد دراسية يتعين عليَّ تقديم خطة عمل فيها. فلماذا لا ترسلان أفكاركما إليَّ وأنا سأضعها في شكل خطة عمل؟» فأرسلا لي أفكارهما وكتبت أنا لهما خطة العمل، واصطحباها لبعض أصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة، وأنا قدمتها للحصول على الدرجات النهائية في بضع مواد دراسية.
كان هذا من حسن الحظ، لأنهما، كما اتضح بعد ذلك، بحلول فبراير ١٩٩٥ أخبراني أنهما بحاجة إليَّ على الفور وليس في يونيو عندما أنهي دراستي. فقلت لهما: «إنني أدرس ووالدي قد دفع رسوم الدراسة. هل تقترحان أن أخبر والدي أنني لن أحصل على الشهادة؟» فأجابني جيري: «كلا إننا لا نريد منك أن تفعل هذا. ليس عليك أن تفعل هذا ولكننا بحاجة إليك الآن.» وهكذا تحدثت مع بعض أساتذتي في الجامعة، واتضح أنه يُسمح للطالب بالرسوب في عدد معين من المواد في كلية هارفارد لإدارة الأعمال طوال فترة الدراسة؛ فهو نظام يقوم على النجاح أو الرسوب. ولم أكن قد رسبت في أي مادة بعد، ومن ثَم كان بإمكاني ترك ثلاثة مواد والتخرج أيضًا. وكنت وقتها أدرس خمس مواد، فقدمت خطة العمل باعتبارها البحث النهائي لمادتين من بين خمس مواد، ونجحت بهاتين المادتين.
وكان هذا في نهاية مارس ١٩٩٥، وأصبحنا نعمل نحن الأربعة في الشركة: أنا وجيري وديفيد وصديق ديفيد، دونالد لوبو. وكنا نتوقد حماسًا، ولكن لم نكن ملمين بالكثير عما ننوي القيام به.
فلما كنا نريد أن تحقق الشركة النمو الذي نطمح إليه، فقد أدركنا أننا لسنا المناسبين لإدارتها، مع أننا كنا نود أن نقوم بذلك. وهكذا ظللنا نبحث عن رئيس تنفيذي لمدة ستة أشهر. وقد عانينا طوال تلك الفترة، وحتى أقنعنا تيم كوجل بالانضمام إلى الشركة.
واستخدمنا شركة مبيعات خارجية لمساعدتنا في بيع الإعلانات. فبعنا خمسة عروض لخمس شركات كبيرة، من بينها ماستر كارد. وقد حصلنا على أول جولة لنا من الإعلانات قبل انضمام كوجل للشركة.
وأضفنا رسومًا، وهو ما كان من المميزات الرائعة. وهو ما يبدو سخيفًا للغاية الآن، ولكن في ذلك الوقت كان موقع ياهو يحتوي على نصوص فقط. وكانت سرعة الاتصال في ذلك الوقت بطيئة للغاية حتى إن أي موقع يضع الكثير من الرسوم كان يتسم ببطء شديد يجعله غير صالح للاستخدام … ومعظم العاملين بوسائل الإعلام التقليدية لم يفهموا هذا لأنهم لم يدركوا أن المستخدمين كانوا يتصلون بالإنترنت باستخدام أجهزة مودم بطيئة. ولكننا أدركنا أننا إذا أردنا أن يكون لشركتنا اسم مميز، يجب أن يكون على الموقع رسوم. لذا فقد انتقلنا إلى استخدام الرسوم في الوقت نفسه الذي وضعنا فيه الإعلانات.
بدأنا نعين موظفين ونبني مؤسسة بدون رئيس تنفيذي. وكانت لدينا إدارة مؤقتة ساعدتنا سيكويا على العثور عليها: وكانت تتألف الإدارة من رئيس تنفيذي ومسئول مالي. ولما لم يحالفنا الحظ في العثور على رئيس تنفيذي، فإن سيكويا أصرت على توظيف هذين المديرين. ولم تسر الأمور على ما يرام. فلم يكونا مهتمين بمساعدة ياهو على المدى البعيد كما كنا نحن. فهناك فرق واضح بين من يعمل بصفة مؤقتة وبين من يهتم اهتمامًا كاملًا، مثلي، بإنجاح الشركة. لقد نقلت حياتي بأكملها من الساحل الشرقي للولايات المتحدة من أجلها، وارتبط مصيري بها، ولم يكن الأمر كذلك بالضرورة بالنسبة لهما.
وفي تقديري فإنهما لم ينفعا الشركة أو يضراها. فقط ساعدا على الحفاظ على اتزان السفينة لمدة ستة أشهر حتى أتينا بتيم كوجل.
وبدأ الإنترنت يحقق نجاحًا في يوليو ١٩٩٥. وطُرحت شركة نت سكيب للاكتتاب العام، وقد أطلق هذا فتيل سلسلة من الأخبار الصحفية. فلم يعد الإنترنت شيئًا رائعًا فحسب، ولكن فجأة أصبح من الممكن جني الربح من ورائه. وبدأت الصحافة تلاحق جيري وديفيد، فقضينا وقتًا طويلًا في التعامل مع الصحافة. واستخدمنا شركة علاقات عامة مؤقتة متوسطة المستوى. ولم نكن بحاجة إليها أساسًا لأن الناس كانوا يتصلون بنا، وكان جيري يجيد بطبيعته التعامل مع الصحافة، وهكذا سارت الأمور دون جهد كبير.
وبعد ذلك عندما جاء تيم إلى الشركة، وظف جيف ماليت في غضون شهر، ثم عيَّن جيف فريق عمله في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر.
وكنا بالطبع نشعر بالقلق بالتأكيد من إكسايت، ومن مايكروسوفت. وفي صيف عام ١٩٩٥ نشر بيل جيتس مذكرة شهيرة على الإنترنت. وأظن أنها كانت من أولى المذكرات التي نشرها. وقد تحدث فيها عن حاجة مايكروسوفت للدخول إلى اللعبة وختم المذكرة بقوله: «موقعي المفضل هو ياهو. إنه رائع! رائع! رائع!»
وتمثل رد فعلنا في البداية في إحساسنا بالسرور لأنه أشاد بموقعنا، وبعد ذلك تساءلنا: «هل هذا معناه أننا أصبحنا هدفًا في مرمى نيران بيل جيتس، أم أن موقعنا أعجبه فحسب؟» ففي أي وقت تتحدثين فيه إلى مايكروسوفت، تكتشفين من الطريقة التي ينفذون بها العمل أنهم يمكنهم تنفيذ أي شيء أيًّا كان، لذا فعندما تذهبين إليهم، دائمًا ما يكون أسلوب تفكيرهم كالآتي: «يمكننا مشاركتكم، أو يمكننا تنفيذ ما تفعلونه بأنفسنا.»
ولطالما كان يستبد بنا القلق الشديد من احتمال تنفيذهم أي شيء. ففي ذلك الوقت أظن أن برنامج إنترنت إكسبلورر كان قد ظهر لتوه وكانت تعوزه البراعة؛ إذ كان يمثل أول محاولة لهم لتصميم برنامج تصفح، ولكن مع ذلك، كان من المؤكد أنهم سيحققون نموًّا. وظل هذا الخطر يلوح في الأفق ويهددنا.
وكان هناك أيضًا بضع منافسين آخرين مثل لايكوس وويب كرولر. وكانت شركة إيه أو إل أيضًا تنمو أسرع من الإنترنت في فترة معينة. فكان الجميع يسمعون كلمة إنترنت، ثم يذهبون ويشتركون في إيه أو إل لأنها كانت أسهل طريقة للدخول إلى عالم الإنترنت. وظلت خدمة إيه أو إل التي كانت تتحكم في المواقع التي يمكن للمستخدم دخولها — لبضعة أشهر — أكبر من الإنترنت، رغم غرابة ذلك، وهو ما جعل من الصعب تنفيذ استراتيجيتنا. ولا شك أن ذلك كان يمثل تهديدًا.
الشيء الوحيد الذي لم ننفذه وكان منافسونا يستثمرون فيه كثيرًا هو البحث. فكانوا يجوبون الويب ويبحثون عن نصوص كاملة، وكانت استراتيجيتنا هي: «إنها لعبة من ألعاب التقنية. إننا لسنا شركة متخصصة في التقنية، إننا شركة إعلامية. ونظرًا لكثرة الشركات العاملة في هذا المجال، فسيكون بإمكاننا دائمًا استئجار خدمات إحداها.» كان هذا هو اتجاه التفكير آنذاك، وظلت هذه الاستراتيجية ممتازة حتى ظهرت شركة جوجل. لأن هذا هو بالضبط ما حدث، كما اتضح بعد ذلك.
كنا نقدم دليلًا يمكن البحث فيه. وكان ضخمًا ويضم جميع المواقع الشهيرة، ومن ثَم يمكنك البحث عن أي شيء عليه. ولكنه لم يكن يشمل كل شيء. فإذا كنت تبحث عن إبرة في كومة قش، فهذا لا ينطبق علينا. لكن كان لدينا الكثير من المستخدمين. لقد كانوا يقرءُون إحدى المقالات ثم يدخلون إلى الويب ويعتقدون أنه بإمكانهم العثور على أي شيء في ياهو. فكانوا يتوقعون أن يساعدهم ياهو على العثور على أي شيء، ولكننا لم نمنحهم بالضرورة تلك الإبرة التي يبحثون عنها.
فكنا نبحث في دليلنا أولًا ونعطي المستخدم تلك النتائج، وبعد ذلك إذا لم نجد شيئًا نحيله إلى بحث عن نصوص كاملة. لذا عندما أقول إننا «استأجرنا» تلك التكنولوجيا فإننا عملنا مع شركات البحث عن النصوص الكاملة لتعويض الجوانب التي نقصر نحن فيها.
وتتبع ستانفورد نهجًا تقدميًّا للغاية في هذا الشأن. فياهو ليست أول شركة ناشئة تتأسس هناك ولن تكون الأخيرة. لقد كانت جديدة، ولم تكن تمثل تقنية محددة ولكنها كانت علامة تجارية. ولم تكن اختراعًا حقًّا، كما لم تكن تقنية معينة. وكانوا هم أذكياء بما يكفي ليدركوا أن أي محاولة لعرقلتها ستقضي عليها، لذا كان أفضل خيار هو عدم اتخاذ أي خطوة والانتظار حتى يقوم جيري وديفيد بسداد النقود فيما بعد وهو ما حدث بالفعل. وصدقيني لقد حققوا أفضل النتائج.
وحين أتذكر، لا أظن أنني فهمت الالتزام الزمني أو العاطفي الذي يستلزمه الأمر لإنشاء كيان ما وإنجاحه. ورغم الطريقة التي تطور بها كل شيء، فالمهمة كانت تقتصر على مواكبة سرعة التغير على الإنترنت. وكنا نعمل لساعات طويلة للغاية. وكان فريق العمل رائعًا، لذا لم يكن أحد يخشى من ساعات العمل الطويلة. فكنا نستمتع بوجودنا في مقر العمل، مع أن ساعات العمل كانت تستمر في بعض الأحيان إلى ١٦ أو ١٨ ساعة يوميًّا. وهذا هو الشيء الوحيد الذي أفكر فيه كثيرًا بالتحديد.
ولكن بالطبع كانت هناك شركات فاتتنا فرصة التعاون معها. هناك مثلًا هوتميل. كنا نتناول العشاء أنا وجيري مع صابر باتيا وجاك سميث وشرحا لنا الفكرة لكننا — ويؤسفني الاعتراف بهذا — كنا نقول لهم إننا نفهم الفكرة، ولكن دون أن نفهم كيف يمكن أن تحقق نموًّا. لقد كنا نعمل في مجال يتقدم بسرعة الصاروخ، وكانا يتحدثان عن شيء لم يحقق انتشارًا واسعًا.
فكل ما كنا نعرفه هو أنك تحصلين على بريدك الإلكتروني من العمل. ولكنهما كانا يقولان: «لا. إن هناك كثيرين يكرهون بريدهم الإلكتروني الخاص بالعمل لأنه يتعرض للغربلة.» وكانت فكرة وجود البريد الإلكتروني في كل مكان في جميع الأوقات، وإمكانية الدخول عليه من المنزل أو الوصول إليه في أي مكان لا تزال بعيدة للغاية حتى إننا لم نعتقد أنها ستنتشر بالسرعة التي انتشرت بها. ولم نتابع الفكرة بالحماس المطلوب كما كان ينبغي علينا أن نفعل.
لقد أخفقنا ولكننا مضينا في طريقنا ووجدنا البديل رقم اثنين، وهو روكيت ميل، ونجحنا في ذلك، وأصبح ياهو الآن أكبر من هوتميل. لقد كان خطأنا ولكننا صححناه.
وقطعًا لا يعتبر توجيه المستخدمين إلى منافسيك من بين ما يتعلمه المرء في كلية إدارة الأعمال، ولكن هذا ساهم في إرسال الرسالة المناسبة للمستخدمين التي مفادها «إننا نهتم بك في المقام الأول. وسنحضر لك البيانات التي تريدها. فإذا كانت موجودة على الويب فسنبحث لك عنها حتى لو لم نحقق أرباحًا من ورائها مباشرة.» ولكن هذا يضمن عودة المستخدمين لاستخدام الموقع لأنهم يعرفون أننا نضع مصلحتهم في اعتبارنا. وأظن أن هذه كانت فكرة رائعة. وكان هذا إقرارًا بأننا كشركة واحدة لا يمكننا أن نلبي احتياجات الجميع. فإننا لا نستخدم التكنولوجيا التي تتحكم في المواقع التي يمكن للمستخدم الوصول إليها على الإنترنت مثل إيه أو إل؟ بل إننا نقطة اتصال، ومهمتنا هي توصيل المستخدم إلى الجهة التي يريد الوصول إليها.
كما ظهر إقبال كبير على استخدام فئة معلومات المنتجات. فسرعان ما بدأ الناس البحث عن معلومات المنتجات قبل اتخاذ قرارات شراء مهمة، وتشمل تلك المعلومات السيارات والمقالات النقدية وأشياء من هذا القبيل.
ومن بين أكبر الإنجازات التي نفذناها في الشهور الستة الأولى أننا وضعنا وكالة أنباء رويترز على الإنترنت. وأعتقد أن شبكة سي إن إن الإخبارية كانت متاحة على الإنترنت بالفعل في ذلك الوقت، ولكن أداءها كان ضعيفًا، على ما أعتقد، فكانت بطيئة وتمتلئ بالرسوم. وكانت رويترز تقدم مجموعة متنوعة من الأخبار التي لم يتمكنوا من عرضها في أي مكان. فكانوا يبيعونها للمستخدمين بالقطعة ولم يكن يتاح لأحد مشاهدة الخدمة كاملة، واتضح أن الفكرة رائعة حقًّا.
وفي النهاية أزلنا جميع روابطنا التي تحيل إلى تلك المواقع، وذلك بعد عام ونصف تقريبًا من محاولات للبحث عن وسائل لتنفيذ ذلك بطريقة مناسبة وتنطوي على تحمل للمسئولية، دون أن نتمكن من التوصل إلى طريقة مناسبة. وقد تزامن ذلك مع صدور قوانين حماية الأطفال، ولكن أظن أننا تخلصنا من كل شيء قبل صدور هذه القوانين.
كما كانت كيفية التعامل مع المواقع الإباحية تمثل خلافًا آخر. فقد كانت الخلافات كثيرة للغاية. ولم يكن هناك خلاف معين يمثل نقطة تحول في حد ذاته. وقد صدر الكثير من التشريعات المرتبطة بالإنترنت في السنوات الأولى من عمر الشركة، ولم يكن لدى الكونجرس — من وجهة نظري — فكرة واضحة عما كان يحدث. فكان من الواضح أنه يتأثر بآراء جماعات الضغط التابعة لوسائل الإعلام التقليدية التي كانت لديها مخططات معينة لم تكن بالضرورة في مصلحة تطور الإنترنت. فكنا دائمًا نتساءل: «أمن المفترض أن نقول شيئًا؟ كيف يجب أن يكون رد فعلنا؟» بالطبع كانت هناك مرات فعلنا فيها ذلك. فقد حولنا الموقع بضع مرات إلى اللون الأسود على سبيل الاحتجاج؛ إذ جعلنا الخلفية سوداء والنصوص بيضاء. ولا أذكر التشريع المقترح الذي اعترضنا عليه آنذاك.
لم أكن قد نمت لبضعة أيام، وشعرت برغبة قوية في لكمه. ولكنه كان على حق تمامًا. فقال: «إذا كنا نريد أن نبدو شركة كبيرة، فينبغي لنا أن نتصرف كشركة كبيرة، وهل هذا هو ما نقدمه؟ لا يمكنك تقديم هذا.» أتذكر ذلك جيدًا، وكان بالفعل درسًا رائعًا لي، وقال أيضًا: «أعلم أنك مجهد وأعلم أنك تعمل باجتهاد، ولكن هذا ليس عذرًا لتوزيع أشياء تحمل طابع الشركات الناشئة.»
عندما جاء جيف كان قد مضى عليَّ ثمانية أشهر وأنا أعمل باجتهاد، وكنت متعبًا بعض الشيء، ولم أظن أنه سيحقق تقدمًا. ولم أكن أعرفه جيدًا، ولكنه كان يتمتع بحيوية تفوق الجميع. وبدأنا نسافر في رحلات جوية ليلية مرتين أسبوعيًّا إلى نيويورك في رحلات عمل. ونعود في اليوم التالي، فكان يخبرني: «علينا مقابلة القائمين على قناة إم تي في غدًا. سنسافر على متن رحلة جوية ليلية. وسنحضر الاجتماع. ونعود في اليوم نفسه.» وقمنا بهذا لثلاثة أو أربعة أشهر، وأذكر أنني قلت لنفسي عندما جاء إلى الشركة إنه لا يمكنني العمل بجد أكثر من هذا. ولكننا أصبحنا نعمل أكثر وأسرع وأبرع. وكان ذلك يمثل بلا شك خطوة إلى الأمام على مستوى الجهد وإتقان العمل.
وقد أسهم وجودنا في كل مكان طوال الوقت في أن نبدو بحجم أكبر من حجمنا الحقيقي؛ فكان يقول لي مثلًا: «دعنا نذهب إلى نيويورك.» فكنت أخبره أن لديَّ الكثير من المهام المطلوب تنفيذها، فيجيب: «كلا، سنسافر». لقد كان الموقف نابعًا من انضمامه إلينا بعد عمله في شركة كبيرة وخبرته في تسيير العمل بطريقة تليق بالشركات الكبيرة، مع أن الشركة في الواقع كانت شركة ناشئة.
في أول بضعة أشهر، مرت عليَّ أيام قليلة سألت فيها نفسي: «أهذا ما تركت دراستي من أجله؟» لأنني عندما تركت الجامعة لم أكن أعلم أنني سأتخرج؛ فقد تركتها دون تفكير. وكنت واثقًا بنسبة ٧٠ بالمائة أنني سأتخرج، ولكن كانت نسبة ٣٠ بالمائة لا تزال قائمة. ولما كان والدي هو من سدد النفقات، فقد كان من الفظيع أن أخبره أنني لم أحصل على الشهادة ثم تفلس الشركة.
فقبل أن أنضم إلى الشركة كنت أدرك الحدود المتاحة، وكنت أدرك متى سأترك العمل وفي أي مرحلة، وهكذا عندما دخلت اللعبة، لم تخطر الفكرة بذهني قط. وكنت أدرك أيضًا سبب التحاقي بالعمل في هذه الشركة، والدوافع التي تحفزني، ولم أمضِ وقتًا طويلًا أعيد التفكير في هذه الأمور مرارًا وتكرارًا. ففي نهاية الأمر، لن يفضي هذا إلى أي نتيجة. فهو أمر مهم ولكن من الناحية المجردة فقط، وذلك بالمقارنة بإنجاز المهام اليومية. وينطوي التفكير مقدمًا على طرح أسئلة على غرار: ما سبب التحاقي بالعمل بهذه الشركة، ومتى أتركها، وإذا كنت سأرحل بعد ذلك لمَ أعمل في هذه الشركة أساسًا، وما الذي يحفزني كي أستيقظ في الصباح وأذهب للعمل، وما الذي قد يحدث ويغير هذا؟ لقد رأيت الكثيرين يبالغون في التعبير عن انفعالاتهم الغاضبة لأنهم يقررون الالتحاق بوظيفة ما بدون أسباب وجيهة، ويعود ذلك إلى أنهم يشرعون في التفكير في كل ذلك وهم يعملون، وعندما لا تسير الأمور على ما يرام، فأقل ما يقال أنهم لا يتصرفون تصرفات عقلانية. وهذا ليس بالأمر الهين؛ فقد ينفعل المرء بشدة لأنه منهك القوى ومثقل بقدر كبير من العمل. ينبغي التفكير بإمعان في جميع هذه الأفكار المحفزة قبل البدء في العمل.
لقد كان جيري من أقرب أصدقائي قبل أن نؤسس الشركة، كما أنها شركته، ومن ثَم فقد كنت أعمل مع صديقي، وأنت تسمعين دائمًا عبارة: «إنها لفكرة سيئة أن يعمل المرء مع أصدقائه». لذا كان من بين العوامل التي ساعدتني حقًّا هو أننا تحدثنا قبل أن أنضم إلى الشركة، وقد أوضح لي في ذلك الحديث القواعد الأساسية للعمل. وهذا ما جعلني أفكر في الأمر. وأحدد له الأمور التي في حالة حدوثها سأنسحب. وقد دار بيننا هذا الحديث لنحافظ على صداقتنا، فلم تكن لدينا أي فكرة عما سيحدث، ولكن ذلك الحديث جعلني أفكر في الأمر وفي الأسباب التي دفعتني للالتحاق بالعمل.