ميثولوجيا الذاكرة والنسيان
عندما شُغف اليوغي حبًّا بالملكة
يُعَد ماتسي يندرانات وغورخنات من أكثر المعلمين اليوغيين شعبيةً في العصر الوسيط الهندي. كانا يتمتعان بقوًى سحرية هائلة كانت سببًا في نشوء أدب ملحميٍّ كثير الغِنى. من الحكايات المركزية في هذا الفولكلور الميثولوجي حكاية نشأت عن نسيان أصاب ماتسي يندرانات. تذهب أشهر الروايات إلى أن هذا المعلِّم قد شغفته حبًّا ملكة سيلان؛ فأقام في قصرها لا يبرحه بعد إذ نسي هُويته تمامًا. وتذهب رواية أخرى، وهي رواية نيبالية، إلى أن ماتسي يندرانات قد خضع للشروط التالية: ظل جسده تحت حراسة تلميذه، لكن روحه شاعت في جثمان ملك مات لتوِّه فدبَّت فيه الحياة. هذه هي المعجزة اليوغية الشهيرة عن «العبور في جسد آخر»؛ وقد يلجأ إليها الأولياء أحيانًا لكي يعرفوا طبيعة الشهوة من دون أن يتلوثوا بها. ثم يقع المُعلِّم في أَسر نسوة من بلاد كادالي، كما تذهب إلى ذلك روايةٌ أخرى.
ترتد هذه الموضوعة الميطيقية إلى العناصر التالية: (١) معلِّم رُوحيٌّ يقع في غرام ملكة أو في أَسر نساء، (٢) في الحالتَين، حبٌّ جسديٌّ يؤدي على الفور إلى نسيان المعلِّم نفسَه؛ (٣) يعثر عليه تلميذه؛ فيعينه على استعادة ذاكرته؛ أي وعيه لهويته، متوسِّلًا إلى ذلك بمختلف الرموز (رقص، علامات سرية، لغة ملغوزة)، (٤) يتمثل «النسيان» بالموت، أمَّا «اليقظة»، التذكر، فتبدو وكأنها شرط الخلود.
يذكرنا الموضوع الرئيسي — النسيان، الأَسر الذي يستثيره الانغماس في الحياة، والتذكر الحاصل نتيجة لعلامات وكلمات ملغوزة يفوه بها التلميذ — يذكرنا إلى حدٍّ ما بالأسطورة الغنوصية الشهيرة، وهي أسطورة «المُخلِص المخلِّص»، كما تعرضها «ترنيمة الدرة». كما سوف نرى، هناك وجوه شبه أخرى بين الغنوصية وجوانب معينة من الفكر الهندي، لكن ليس من الضروري، في الحالة الراهنة، أن نفترض تأثيرًا غنوصيًّا، فالأَسر والنسيان اللذان وقع فيهما ماتسي يندرانات يشكلان موضوعًا رئيسيًّا في جميع أنحاء الهند. وهاتان الحادثتان المزعجتان تعبران عن سقوط الروح (النفس، أتمن، بوروشا) في دورة الوجودات، وبالتالي عن فقدان الوعي على الذات. والأدب الهندي يستخدم بلا تمييز صور الربط والقيد والأَسر والنسيان والجهل والنعاس للتعبير عن الشرط البشري؛ وبالعكس، يستخدم صور الخلاص من الروابط وتمزيق الحجاب (أو رفع العصابة التي تغطي العيون)، أو الذاكرة، أو التذكر، أو الصحو أو اليقظة … إلخ، للتعبير عن تجاوز الشرط البشري، والحرية والخلاص (موكشا، موكتي، نرقانا).
رمزية النسيان والتذكُّر في الهند
يشرح شنكرا هذا الفصل من «الشندوجيا-أوبانيشاد» في بضع صفحات شهيرة. يقول شنكرا: هذا ما جرى مع الرجل الذي اختطفه اللصوص بعيدًا عن الوجود (بعيدًا عن «الأتمن-براهمن»)، وأوقعوه في أَسر هذا الجسد. اللصوص هم الأفكار الخاطئة من «الجدارة، عدم الجدارة»، وغيرها. والعينان معصوبتان بعصابة الوهم، والرجل تعوقه الشهوة التي يحسسها تجاه زوجته وحبِّه لابنه وصديقه وقطعانه … إلخ. «أنا ابن فلان، أنا سعيدٌ أو شقيٌّ، ذكيٌّ أو غبيٌّ، تقيٌّ أو فاسقٌ … إلخ. كيف يجب أن أعيش؟ أين يوجد طريقٌ للهرب؟ أين سلامي؟» هكذا يحدِّث نفسه، مأسورًا في شبكة رهيبة حتى اللحظة التي يواجه فيها الذي يعِي الوجود الحقيقي (براهمن-أتمن)، الذي تحرر من الأَسر، السعيد، الممتلئ عطفًا على الآخرين. يتعلم منه طريق المعرفة وغرور الدنيا. بهذه الطريقة، يتحرر الإنسان الذي كان أسير أوهامه الخاصة من اعتماده على الأشياء الدنيوية. عندئذٍ يعرف حقيقة وجوده، ويدرك أنه ليس هو المتشرد الضائع الذي كان يظن أنه موجودٌ. على العكس، يدرك ما هو الوجود، إنه ذاك الذي يكون أيضًا. بذلك تُرفع عصابة الوهم عن عينيه، الوهم الذي خلقه الجهل (أبيديا)، ويغدو مثل رجل «غنذارا» الذي عاد إلى بيته، واستعاد «الأتمن»، ممتلئًا غبطةً وسلامًا.
من المهم أن نبين هنا أن الخلاص في «السمخيا-يوغا»، وكذا في «الفيدانتا»، يمكن اعتباره «يقظة» أو وعيًا لوضع كان موجودًا منذ البدء. من بعض النواحي يمكن اعتبار «الجهل» — الذي هو جهلٌ بالنفس في نهاية المطاف — «نسيانًا» للنفس الحقيقية (أتمن، بوروشا). و«الحكمة» (جنانا، فيديا … إلخ) التي تتيح الخلاص؛ إذ تمزق حجاب «المايا» أو تقضي على الجهل، إنما هي «يقظة». والمستيقظ بامتياز، وهو البوذا، إنما يمتلك المعرفة الكليَّة المطلقة. وكنا رأينا في فصل سابق أن بوذا، وشأنه في هذا كشأن حكماء ويوغيين آخرين، قد تذكر وجوداته السابقة. لكن، كما تبيِّن النصوص البوذية، بينما يصل الحكماء واليوغيون إلى معرفة عدد معين، وأحيانًا عدد كبير، من الوجودات، كان البوذا هو الوحيد الذي عرفها جميعًا. بعبارة أخرى، أن البوذا هو وحده الكلي المعرفة.
«النسيان» و«الذاكرة» عند قدماء الإغريق
وفي اليونان نجد وضعًا مماثلًا. ليس علينا أن نعرض هنا لجميع الوقائع التي لها صلة ﺑ «النسيان» والتذكُّر أو الذكرى في العقائد والأفكار الإغريقية، بل نرى أن نتتبع مختلف التعديلات التي طرأت على «ميثولوجيا الذاكرة والنسيان»، والتي رأينا دورها الرئيسي الذي لعبته في المجتمعات الزراعية الأولى، كما مرَّ معنا في الفصل السابق: في الهند، كما في بلاد الإغريق، قام الشعراء والمتأملون والفلاسفة الأوائل بتحليل وتفسير وتقويم معتقدات مماثلة لمعتقدات الفلاحين الأوائل المرة تلو المرة. وهذا يعني أننا، في الهند واليونان، لم تَعُد لنا صلةٌ بأوجه السلوك الدينية وبالتعابير الميثولوجية حصرًا، بل بصفة خاصة بأوليات علم النفس والميتافيزيقا. ومع ذلك فهناك استمرارية بين المعتقدات «الشعبية» والتأملات «الفلسفية». وهذه الاستمرارية هي التي تهمنا على وجه الخصوص.
بفضل الذاكرة البدئية، وهي قابلةٌ للاستعادة، يصل الشاعر الذي تُلهمه ربَّات الفنون إلى الحقائق الأصلية. وتتجلَّى هذه الحقائق في أزمنة البدء الميطيقية، وتكون الأساس لعالمنا هذا. لكن هذه الحقائق، لمجرد أنها ظهرت في الأصل، لم يعد بالإمكان بلوغها في الخبرة الراهنة. وبحق شبه ج. ب. فرنان إلهام الشاعر ﺑ «استحضار» ميت من عالم جهنميٍّ أو بنزول إلى الجحيم يقوم به أحد الأحياء بغية تعلُّم ما يريد تعلُّمه. «والامتياز الذي تمنحه متيموزين للشاعر امتياز تعاقد مع العالم الآخر، بموجبه يستطيع الدخول فيه والخروج منه بكل حرية. هنا يبدو الماضي بُعدًا من عالم الغيب.»
لذلك كان «الماضي» بمقدارٍ ما يمكن «نسيانه»، سواء أكان ماضيًا تاريخيًّا أم بدئيًّا، مماثلًا للموت. أن ينبوع «لاتيه»، وهو النسيان، يشكل جزءًا لا يتجزأ من مملكة الموت. والموتى هم الذين فقدوا الذاكرة. إلا أن هناك بعض الممتازين، مثل ترسياس أو أمفياروس، يظلُّون يحتفظون بذاكرتهم بعد الموت. فهرمز، لكي يهب الخلود لابنه «إيتاليد»، وهبه ذاكرة لا تتغير. وقد كتب عن ذلك أبولينوس الرودوسي: «حتى عندما اجتاز الأشيرون، لم يغمر النسيان نفسه، وعلى الرغم من أنه أحيانًا كان يسكن في أماكن الفيء، وأحيانًا تحت ضوء الشمس، إلا أنه ظل يحتفظ بذكرى ما قد رأى.»
لكن «ميثولوجيا الذاكرة والنسيان» يطرأ عليها تعديلٌ وتحويرٌ باغتنائها بالمغزى الإسكاتولوجي الذي يندرج فيها، حين تتخذ شكل عقيدة في التقمص. هنا تصبح وظيفة ينبوع «لاتيه» مقلوبة: مياهه لم تَعُد تلاقي النفس التي غادرت الجسد لتوَّها، بغية إنسائها الوجود الأرضي. على العكس، «لاتيه» يمحو ذكرى العالم السماوي من النفس التي تعود إلى الأرض بغية أن تتجسد ثانيةً: «النسيان» هنا لم يَعُد يرمز إلى الموت، بل إلى العودة إلى الحياة. والنفس التي لم تحاذر الشرب من نبع «لاتيه» («امتلأت بالنسيان والخبث.» مثلما وصف ذلك أفلاطون، فادر، ٢٤٨، ج)، تتقمص وتنقذف ثانيةً في دورة الصيرورة. في الرقائق الذهبية التي يحملها المستلمون في «الأخوية الأورفو-فيثاغورية، يُطلب من النفس ألا تدنو قربًا من نبع «لاتيه» على الطريق الأيسر، وأن تأخذ الطريق الأيمن حيث تلقى النبع الذي يصدر عن بحرية منيموزيل، وتُنصح النفس بأن تتوسل أمام حرَّاس النبع كما يلي «أعطني سريعًا من الماء العذب الذي يجري من بحيرة الذاكرة.» «ومن تلقاء أنفسهم سوف يعطونك لتشربي من النبع المقدس، وبعد ذلك تصيرين السيدة بين الأبطال الآخرين.»
كان فيثاغوراس وأمبدوكليس وآخرون غيرهما يعتقدون التقمص ويزعمون أنهم يتذكرون وجوداتهم السابقة. يقول أمبدوكليس: «كنتُ متشردًا منفيًّا عن المقام الإلهي، كنت فيما مضى غلامًا وفتاة، شجيرة وعصفورًا، سمكة خرساء في البحر.» كذلك كان يقول: «نجوتُ من الموت إلى الأبد.» ويتكلم أمبدوكليس عن فيثاغوراس. فيصفه بالقول إنه «رجل عِلم خارقٌ للعادة.» ذلك أنه «هناك حيث يتسع بكل قدرة روحه، ويرى في سهولة ما قد كان في عشرة، عشرين وجودًا بشريًّا». من ناحية ثانية، يلعب تدريب وتثقيف الذاكرة دورًا هامًّا في الأخويات الفيثاغورية. ويذكرنا هذا التدريب بالتقانية اليوغية التي تقوم على «العودة إلى الوراء» التي درسناها في الفصل الخامس. ونضيف أن الشامانيين أيضًا يزعمون أنهم يتذكرون وجوداتهم السابقة، وهو ما يدل على قِدمية هذه الممارسة.
الذاكرة «البدئية» والذاكرة «التاريخية»
عند الإغريق، إذَن، نوعان من الذاكرة: (١) ذاكرة ترجع إلى الحوادث البدئية (كوسموغونيا «نشأة الكون»، ثيوغونيا «نشأة الآلهة»، الأنساب). و(٢) ذاكرة الوجودات السابقة، أي الحوادث التاريخية والشخصية. والنسيان، «لاتيه» يتعارض في قوة مساوية مع هذين النوعين من الذاكرة، لكنه لا يستطيع شيئًا أمام بعض الممتازين، وهُم، أولًا، الذين استطاعوا استعادة ذكرى الحوادث البدئية، إمَّا لأن ربَّات الفنون قد ألهمتهم، وإمَّا لأنهم هبطت عليهم «نبوَّة معكوسة»، وثانيًا، الذين وصلوا إلى تذكر وجوداتهم السابقة، وهؤلاء مثل فيثاغوراس وأمبدوكليس. هاتان الطائفتان من الممتازين قهروا «النسيان»، وبالتالي قهروا الموت على نحو من الأنحاء. الأولون وصلوا إلى معرفة «الأصول» (أصل الكون والإله والشعوب والأُسر المالكة)؛ والآخرون تذكَّروا «تاريخهم»، أي تقمُّصاتهم. وعند الأولين، المهم هو ما حدث «في الأصل». وما حدث قد حدث لأول مرة من دون أن يكون لهم ضلعٌ فيه بصفة شخصية، على الرغم من أن هذه الحوادث — الكوسموغونيا، والثيوغونيا والأنساب — قد كوَّنتهم على نحوٍ ما: أنهم بما هُم عليه كائنون لأن هذه الحوادث قد حدثت. من نافل القولِ إن نبيِّن أن هذا الموقف شديد الشبه بموقف إنسان المجتمعات القديمة الذي يرى نفسه مكوَّنًا من سلسلة من الحوادث البدئية التي ترويها الأساطير حسب الأصول.
في المقابل، الذين أفلحوا في تذكر وجوداتهم السابقة منصرفون، في الدرجة الأولى، إلى معرفة «تاريخهم» الخاص بهم، مُنبثًّا في تجسيداتهم التي لا حصر لها؛ يعملون على توحيد هذه الشظايا المنعزل بعضها عن بعضها الآخر، وضمها في لُحمة واحدة، بغية معرفة معنى أقدارهم. ذلك أن توحيد هذه الشظايا بواسطة التذكر، على الرغم من عدم العلاقة فيما بينها ظاهريًّا، إنما معناه أيضًا «ربط البداية بالنهاية»؛ بعبارة أخرى، المهم في هذا السياق معرفة كيف حصل التقمص أول مرة. مثل هذا الانكباب، ومثل هذا التدريب، يذكرنا بتقانيات الهند التي تتعلق ﺑ «العودة إلى الوراء» وتذكُّر الوجودات السابقة.
لقد عرف أفلاطون هاتَين العقيدتَين المتعلقتَين بالنسيان والذاكرة، لكنه غيَّرهما وفسَّرهما واستفاد منهما، بغية إدراجهما في نظامه الفلسفي. وعنده أن التعلم معناه «التذكُّر» في نهاية المطاف. بين وجودَين أرضيَّين، النفس تتأمل الأفكار: تقسم المعرفة الصافية التامَّة. لكنها عندما تتقمص، تنهل من نبع «لاتيه» (النسيان)، وتنسى المعرفة التي كانت حصَّلتها في تأملها المباشر بالأفكار. ومع ذلك، تظل هذه المعرفة كامنة في الإنسان المتجسد، وبفضل الفلسفة تنتقل هذه المعرفة من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل. الأشياء الفيزيقية تساعد النفس على الانطواء على ذاتها، وبواسطة نوع «العودة إلى الخلف» تساعدها على استعادة المعرفة الأصلية التي كانت تتمتع بها في شرطها غير الأرضي. تبعًا لذلك، يكون الموت عودة إلى حالة بدئية وتامة، ما نلبث أن نفقدها بالتقمص.
النوم والموت
في الميثولوجيا الإغريقية، النوم والموت، هبنوس وثناتوس، أخوَان شقيقان. وعند اليهود أيضًا، يُشبَّه الموت بالنوم، على الأقل ابتداءً من زمن ما بعد السَّبي، النوم في القبر (أيوب ٣: ١٣–١٥؛ ٣: ١٧)، أو في شيئول (الجامعة ٩: ٣؛ ٩: ١٠)، أو في المكانين معًا (المزامير ٨٨: ٨٧). والمسيحيون، بدورهم، أخذوا بهذا التشبيه بين الموت والنوم وأحكموا صياغته: «في سلام ارقُد، ارقد في نوم هادئ. في سلام نَم، في سلام الرب ارقُد!» هذه من أكثر الصيغ شيوعًا في الأدب الجنائزي.
وبما أن هبنوس أخٌ لثناتوس، يصبح مفهومًا لدينا لماذا كان لفعل «اليقظة»، في اليونان كما في الهند وفي الغنوصية، معنى سوتريولوجي (بالمعنى الواسع للكلمة). سقراط يوقظ مخاطبيه، أحيانًا رغمًا عنهم. «ما أعنفك يا سقراط!» هكذا يعبر كاليكلاس عن تعجبه! (غورجياس ٥٠٨د). لكن سقراط يعي تمامًا بأن مهمته في إيقاظ الناس مهمة سماوية. فهو ما ينفك يذكَّر بأن مهمته في أنه «في خدمة» الله (أبولوجيا ٢٣ج؛ أيضًا ٣٠و؛ ٣١آ؛ ٣٣ج). «أيها الأثينيون، لن تجدوا مثيلًا لي في يسر لكنكم إن آمنتم بي، حافظتم عليَّ. لكن ربما يعوزكم الصبر، كالنائمين الذين يوقظون، ربما تضربونني، وأنتم تستمعون إلى أنيتوس، وتجعلونني أموت طيشًا، ثم تنامون طوال حياتكم، إلا أن يرسل الله لكم رسولًا آخر، حبًّا بكم» (أبولوجيا. ظ ﻫ).
لنتناول هذه الفكرة القائلة بأن الله هو الذي يرسل للناس، حبًّا بهم، معلِّمًا «يوقظهم» من سُباتهم، سُبات هو في نفس الوقت جهل ونسيان و«موت». هذا الموضوع ما نلبث حتى نجده في الغنوصية في صياغة محكمة وشرح وافٍ. فالأسطورة الغنوصية المركزية، وهي التي تمثلها «ترنيمة الدرة» المحفوظة في «أعمال توما»، تدور حول موضوع النسيان والتذكر: قَدِم أحد أمراء الشرق إلى مصر يبحث عن «الدرة الفريدة التي توجد في وسط البحر الذي يحيط به الثعبان ذو الفحيح العالي.» فاقتاده المصريون إلى الأَسر وراحوا يُطعِمونه الفتات. أما الأمير نفسه فقد نسيَ هويَّته. «نسيت أنني كنت ابنًا لملك فقمتُ على خدمة مليكهم، ونسيتُ الدرة التي أرسلني أبوايَ للإتيان بها، وبسبب ثقل طعامهم رحتُ في سُبات عميق.» لكن أبويه حين علِما بما جرى عليه كتبا إليه رسالة: من أبيك، ملك الملوك، ومن أمك سلطانة الشرق، ومن أخيك، الذي يلينا في الرتبة، إليك، يا ولدنا، سلام! استيقظ وانهض من سُباتك، واستمع إلى كلمات رسالتنا. تذكَّر أنك ابن ملك. انظر في أية عبودية وقعتَ. تذكَّر الدرة التي من أجلها أرسلناك إلى مصر.» طارت الرسالة كالنسر ثم حطت عليه وصارت كلامًا. «على صوتها وخفيفها أفقتُ من نومي. جمعتُ أوراقها ثم قبَّلتُها وفضضتُ ختمها وقرأتُها. كانت كلمات الرسالة متفقةً مع ما كان محفورًا في قلبي. تذكرتُ أنني كنت ابنًا لأبوَين ملكيَّين. تذكرتُ الدرة التي من أجلها جئتُ إلى مصر، فعمدتُ إلى سحر الثعبان ذي الفحيح العالي. نوَّمتُه تنويمًا سحريًّا، ثم نطقتُ عليه باسم أبي وأخذتُ الدرة ثم طفقتُ راجعًا إلى بيت أبي.»
النفس، إذ تتوجَّه نحو المادة «وتتحرق شوقًا إلى التعرف على الجسد-النفس، إذ تفعل هذا، تنسى حقيقة نفسها. «نسيَت موطنها الأصلي، مركزها الحقيقي، وجودها الأزلي». بهذه اللغة يعرض الشاطبي العقيدة المركزية عند الحرَّانيين. يذهب الغنوصيون إلى أن الناس لا ينامون وحسب، وإنما يحبون النوم أيضًا. «لماذا تحبون النوم دائمًا وتتعثرون مع مَن يتعثرون؟» هكذا يتساءل «الجينزا»، وفي إنجيل منسوب إلى يوحنَّا: «ليستيقظ مَن يسمع من النوم الثقيل.» نفس الموضوع ما نلبث حتى نجده في الكوسموغونيا المانوية، على نحو ما حفظه لنا تيودور بار-شوناي: «يسوع المنير نزل إلى آدم الساذج؛ فأيقظه من نوم الموت لكي يهبه الخلاص.» والجهل والنوم يعبَّر عنهما أيضًا بلغة «السُّكْر». «فإنجيل الحقيقة» يشبِّه صاحب العرفان ﺑ «شخص يصحو بعد سُكْر، وعندما يعود إلى نفسه يؤكد ما هو جوهريٌّ له» و«الجينزا» تروي لنا كيف استيقظ آدم من نومه ورفع عينيه نحو مكان النور».
إن جوناس على حقٍّ عندما يلاحظ أن الوجود الأرضي حدُّه الهجر والخوف والحنين من جهة، ويوصف من جهة ثانية بالنوم والسُّكْر والنسيان؛ أي أنه «يرتدي (إذا استثنينا السكر) جميع الصفات التي كانت تنسب إلى شرط الأموات في عالم ما تحت الأرض.» والرسول الذي يوقظ الإنسان من نومه إنما يمنحه الحياة والسلام. «أنا الصوت الذي يوقظ من النوم في دهر الليل.» هكذا تبدأ فقرة غنوصية حفظها لنا هيبوليت. «اليقظة» تنطوي على «التذكر»، أي على التعرف على هوية النفس الحقيقية، التعرف على أصلها السماوي. والرسول حين يوقظ الإنسان من نومه إنما يكشف له الوعد بالفداء ويعلمه كيف يجب أن تكون عليه سيرته في العالم. جاء في نصٍّ مانويٍّ من طُرفان: «زلزل السكر الذي تنام فيه، استيقظ وتأمل!» وفي نصٍّ آخر: «استيقظي، يا نفس الروعة، من نوم السكر الذي وقعتِ فيه … اتبعيني إلى المكان الرفيع الذي كنت فيه تقيمين في البدء.» وهناك نصٌّ من عند الصابئة يروي كيف أيقظ الرسول السماوي، ثم يمضي قائلًا له: «إنما جئت لكي أُعلمك، يا آدم، وأُخلِّصك من هذا العالم، انهض مجيدًا إلى مكان النور.» ويتضمن التعليم أيضًا أمرًا بألا يترك نفسه يغلبها النوم بعد الآن. «لا تسني ولا تنامي، لا تنسي ما كفلكِ به الربُّ.»
في الحقيقة، إن هذه الصيغ ليست حُكرًا على الغنوصيين. فالرسالة إلى أهل أفسس تشتمل على هذا القول المغفل اسم قائله: «لِذلِكَ يَقُولُ: اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ.» (٥: ١٤). ثم ما نلبث حتى نجد موضوع النوم واليقظة في الأدب الهرمزي. جاء في «البوامندر»: «أنتم، أيها المولودون من الأرض، الذين أسلمتم أنفسكم للسُّكْر والنوم والجهل بالله؛ عودوا إلى الصحو! ثوبوا إلى رشدكم وتخلَّصوا من فتنة النوم التي تذهب بعقولكم!»
إذَن، الامتناع عن النوم ليس يعني الانتصار على التعب الفيزيائي وحسب، وإنما هو البرهنة على القوة الروحية بصفة خاصة. أن تبقى «يقظانًا» معناه أن تكون واعيًا تمامًا، أن تكون حاضرًا في عالم الروح. وقد كان يسوع لا ينفك يحث تلامذته على السهر: «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَة يَأْتِي رَبُّكُمْ.» (متَّى ٢٤: ٤٢). وقد اعتُرت ليلة جستماني ليلة مأساوية؛ لأن التلاميذ لم يستطيعوا السهر مع يسوع: «فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي.» (متَّى ٣٦: ٣٨). لكنه حينما عاد وجدهم نيامًا. فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟» (متَّى ٢٦: ٤٠). «ثم حثَّهم على السهر والصلاة، لكن بلا جدوى، ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً» (متَّى ٢٦: ٤١–٤٣)، (مرقس ١٤: ٣٤ وما بعدها)، لوقا ٢٢: ٤٦).
يتضح لنا من هذا أن «السهر الاستسراري» يفوق القوى البشرية.
الغنوصية والفلسفة الهندية
كما رأينا من قبلُ، يعرض لنا الفكر الفلسفي الهندي، ولا سيما «سمخيا-يوغا»، وضعًا مماثلًا. النفس (بوروشا) «غريبة» بامتياز، ولا علاقة لها بالعالم (براكرتي). وقد عبَّر عن ذلك بصورة أوضح «أسوارا كرشنا (سمخيا-كاريكا) بقوله: «النفس معزولةٌ، غير مبالية، مجرد مُشاهد غير فعال.» في درامة الحياة والتاريخ.» أكثر من ذلك، إن صحَّ أن دورة التقمص يطيلها الجهل والخطايا، فإن سبب هبوط «النفس» في الحياة، وأصل العلاقة (فضلًا عن كونها وهمية) بين النفس (بوروشا) والمادة (براكرتي)، تبقى مسائل بدون حل — بتعبير أصح، بدون حل في الشرط البشري الراهن — على كل حال، وكما هو الحال عند الغنوصيين، إن ما قذف بالنفس في دولاب الوجودات ليس خطيئة أصلية (بشرية).
لغرض بحثنا، تنهض أهمية الأسطورة الغنوصية، مثلما ينهض الفكر الفلسفي الهندي، على إعادة تفسير علاقة الإنسان بالدرامة البدئية التي كوَّنت هذه الأسطورة. مثلما هو الحال في الأديان القديمة التي درسناها في الفصول المتقدمة، يُهمُّ الغنوصي أيضًا أن يعرف— أو بالأحرى أن يتذكَّر — الدرامة التي حدثت في الأزمنة الميطيقية. لكن الغنوصي، خلافًا لإنسان المجتمعات القديمة الذي يتعلم الأسطورة لكي يتحمل النتائج التي نجمت عن هذه الأحداث البدئية، إنما يتعلم الأسطورة بغية التخلص من هذه النتائج. فالغنوصي ما إن يستيقظ من نومه القاتل حتى يدرك أنه غير مسئول أبدًا عن الكارثة البدئية التي تكلَّمت عنها الأسطورة، وأنه تبعًا لذلك لا علاقة له حقيقية بالحياة والعالم والتاريخ.
التذكر وتدوين التاريخ
ما من هؤلاء المؤلفين — حتى ولا هيرودوت المغرم بالآلهة واللواهيت الأجنبية — من كتب «تاريخه» كما فعل الكتَّاب العبريون من قبلُ لكي يبرهنوا على وجود خطَّة إلهية وتدخُّل من الإله العلي في حياة شعب. وهذا لا يعني بالضرورة أن المؤرخين الإغريق واللاتين كانوا مجرَّدين من المشاعر الدينية؛ إنما مفهومهم للدين لا يلحظ تدخلًا من إله واحد وشخصي في التاريخ؛ وقد ترتَّب على ذلك أنهم لم يمنحوا الأحداث التاريخية ذلك المعنى الديني الذي كان يمنحه العبران لها. زدْ على ذلك أن التاريخ عند الإغريق لم يكن غير مظهر من سياق كونيٍّ مشروط بقانون الصيرورة. يبين لنا التاريخ، وشأنه في هذا كشأن كل ظاهرة كونية، أن المجتمعات البشرية تولد وتنمو ثم تضمر وتبيد. ولهذا السبب لا يمكن أن يشكل التاريخ موضوعًا للمعرفة. أما كتابة التاريخ فما كانت فائدتها للمعرفة بالقليلة، ما دامت تصوِّر لنا سياق الصيرورة الأزلية في حياة الأمم، خصوصًا وأنها تحفظ لنا ذكرى مآثر مختلف الأقوام وأسماء الشخصيات الاستثنائية وما قاموا به من مغامرات.
ليس من أغراض هذا الكتاب درس مختلف فلسفات التاريخ ابتداءً من أوغسطين ويواكيم دي فيور وانتهاءً ﺑ «فيكو» وهيغل وماركس وأصحاب المدرسة التاريخية المعاصرين. كلٌّ من هذه الأنظمة يزعم أنه وجد للتاريخ العالمي «معنًى» و«وجهةً». ليست هذه مشكلتنا، ليس المعنى الذي يمكن أن يكون للتاريخ هو ما يهمنا في بحثنا هذا، بل تدوين التاريخ. بعبارة أخرى السعي المبذول من أجل الاحتفاظ بذكرى الحوادث المعاصرة، والرغبة في معرفة ماضي البشرية على أقصى ما يمكن من الدقة.
في العصر الوسيط، وخصوصًا منذ عصر النهضة، نما حبُّ اطلاع مماثلٌ، وكان نموًّا تدريجيًّا. صحيحٌ أنه كان هَم مؤرخي عصر النهضة البحث قبل كل شيء عن نماذج لسلوك «الإنسان الكامل» في التاريخ القديم. يمكننا القول إن «تيت-ليف» وبلوتارك، بتزويدهما لنا بنماذجَ مثالية عن الحياة المدنيَّة والأخلاقيَّة، كانا يلعبان في ثقافة النخبة الأوروبية ما كانت تلعبه الأساطير من دور في المجتمعات التقليدية. لكن كتابة التاريخ لم يقدر لها أن تلعب دورًا من الطراز الأول إلا اعتبارًا من القرن التاسع عشر. والثقافة الغربية تُبدي عن جهد هائل من «التذكر التاريخي»، في سعيها إلى الكشف عن ماضي المجتمعات الغريبة والهامشية، بل وأكثرها غربة وهامشية»، و«إيقاظ» هذا الماضي واستعادته، وفي سعيها إلى الكشف عن حقب ما قبل التاريخ في منطقة الشرق الأدنى والثقافات «البدائية» الآخذة في التلاشي. إن تاريخ البشرية كلَّه هو ما تريد إحياءه. نشهد الآن توسيعًا للأفق التاريخي يدير الرأس.
والحق أن هذا لمِن اجتماع الظواهر النادرة التي تبعث على التشجيع في العالم الحديث، فالإقليمية التي كانت تسِمُ الثقافة الغربية؛ إذ كانت تبدأ التاريخ بمصر، والأدب بهوميروس، والفلسفة بطاليس؛ هذه الإقليمية هي الآن في طريقها إلى التلاشي. خيرٌ من هذا: بفضل التذكُّر التاريخي ينزل الإنسان بعمق إلى داخل نفسه. عندما نستطيع أن نفهم أوستراليًّا من أيامنا هذه، أو صيادًا من العصر الحجري الأول، نستطيع في نفس الوقت أن «نوقظ» في أعمق أعماق نفوسنا الوضع الوجودي الذي كانت عليه بشرية ما قبل التاريخ، وأوجه السلوك المستمدة منه. ليس الأمر أمر معرفة بسيطة، «خارجية»، كما نتعلم أو نحفظ اسم عاصمة بلد أو تاريخ سقوط القسطنطينية. التذكر التاريخي الصحيح إنما هو تواحدٌ مع هذه الأقوام البائدة أو ما قبل التاريخية. نحن هنا أمام استعادة حقيقية للماضي، حتى الماضي «البدئي» الذي كشفت عنه حفريات ما قبل التاريخ أو الأبحاث الإثنولوجية في هذه الحالات الأخيرة، يواجه «أنماطًا من الحياة»، وأوجهًا للسلوك ونماذج من الثقافة، باختصار مباني وجود قديم.
ظلَّ الإنسان، طوال آلاف السنين، يعمل طقسيًّا ويفكر ميطيقيًّا في أوجه الشبه بين العالم الأكبر والعالم الأصغر. لقد كان العمل والتفكير على هذا النحو أحد الإمكانيات المتاحة له من أجل «الانفتاح» على العلم. وهو إذ يفعل هذا فإنما يساهم في قدسية الكون. منذ عصر النهضة، أي منذ أن اتَّضح لنا أن العالم غير محدود، حُرِمنا من هذا البعد الكوني الذي كان يُضفيه على وجوده. لقد كان من الطبيعي أن يعمد الإنسان الحديث، الواقع في قبضة الزمان، الذي استحوذت عليه تاريخيته الخاصة، إلى «الانفتاح» على العالم، لكي يكتسب منه بُعدًا جديدًا في الأعماق الزمانية. من غير شعور منه، يتحصن في وجه ضغط التاريخ المعاصر بواسطة «تذكر تاريخي» يفتح أمامه مشاهد يستحيل عليه أن يشكَّ فيها إذا هو اقتصر على «الاتحاد بالروح العالمي»، عندما يقرأ جريدة الصباح، مقتفيًا أثر هيغل.
لذلك يجب ألا نصرخ عندما نكتشف أن الإنسان، منذ العصور القديمة، كان يتعزى من رعب التاريخ بقراءته لمؤرخي الأزمنة الغابرة. لكن الإنسان المعاصر عنده ما هو أكثر من ذلك: باعتبار سعة أفقه التاريخي، يحدث له أن يكتشف بواسطة التذكر ثقافات كانت مبدعة إلى حد الإعجاز فيما كانت تقوم ﺑ «تخريب التاريخ». ماذا عساه أن يكون عليه الرجع الحي من غربي حديث حين يعلم، مثلًا، أن الهند لا تحفظ اسم الإسكندر الأكبر، على الرغم من أنه قد غزاها واحتلَّها، وعلى الرغم من أن هذا الغزو كان له تأثيرٌ على تاريخها اللاحق؟ الهند، وشأنها في هذا كشأن غيرها من الثقافات التقليدية، إنما تهتم بالنماذج المثالية وبالحوادث التي تجري وفق نماذج معينة، دون ما هو خاصٌّ وفرديٌّ.
التذكر التاريخي، الذي يمارسه العالم الغربي، لم يزل بعدُ في بداياته. يجب أن ننتظر بضعة أجيال على الأقل حتى نحكم على آثاره الثقافية. لكن يمكننا القول إن هذا التذكر يطيل أمد التقويم الديني للذاكرة والتذكر، على صعيد آخر. لم يَعُد الأمر يتعلق بأساطير أو ممارسات دينية بل يقوِّي هذا العنصر المشترك: أهمية تذكر الماضي المضبوط والكلي: تذكُّر الحوادث الميطيقية في المجتمعات التقليدية، وتذكُّر كل ما حدث في الماضي في الغرب الحديث. والفرق بين النموذجَين أظهر من أن نحتاج إلى إبرازه، لكن مع ذلك أن بينهما عنصرًا مشتركًا من حيث إن كليهما يقذف بالإنسان خارج «لحظته التاريخية». والتذكر التاريخي الصحيح فينفتح هو أيضًا على زمن بدئي، هو الزمان الذي أرسى فيه الناس أوجه سلوكهم الثقافية، مؤمنين بأنها إنما أوحى بها إليهم الكائناتُ العليا.
عند يونغ أيضًا، «الخافية الجامعة» تسبق النفس الفردية. إن عالم النماذج البدئية يشبه نوعًا ما عالم الأفكار الأفلاطونية؛ فالنماذج البدئية غير شخصية ولا تشترك في الزمن التاريخي للفرد، بل في زمن النوع، وحتى في الحياة العضوية.