إمبراطور يصير ملكًا١
أعني الرصيف الذي طلب أهالي بورت سعيد استبدال اسمه «فرنسوا جوزيف» باسم ملك إيطاليا، وغريب أن يكون المرء إمبراطورًا فينقلب ملكًا، رغم اعتقاد البشر أن الأول أرفع من الثاني، ورغم أن الملوك لا يهدأ لهم بال في هذه الأيام إلا إذا غنموا لقب إمبراطور!
قد يكون الحق في يد إخواننا البورسعيديين، غير أني لا أفهم لماذا يطلق اسم ملك أجنبي على شارع أو رصيف مصري، ولا أدري ما هي علاقة عميد أسرة هبسبورج، أو كبير أسرة سافويا بأماكن شرقية عمومية أو خصوصية؟!
معقول وواجب أن تطلق على شوارعنا وأرصفتنا أسماء المحسنين من الأجانب، فإذا ما رأيت تمثال دي لسبس قائمًا عند اليم، الذي أوجد له دي لسبس يدًا زرقاء تصافح البحر الأحمر، وتنقل بين قارات العالم القديم — بصرف النظر عن كل ما يتخلل ذلك من السيئات وأشباه السيئات — حسنات العلم والتجارة والاقتصاد، إذا ما رأيت ذلك التمثال قلت: «أحسنتِ أيتها الأمواج بلثم موطئ قدميه!» وإذ أرى تمثال ماريت باشا منصوبًا فوق ضريحه على مقربة من المتحف المصري الذي سعى لإنشائه، قلتُ: «لقد جمعت أيها المحسن آثار الفن المصري في متحف جميل، فنم آمنًا في ظل المتحف المجيد!»
ولكني لا أحذق معنى تسمية رصيف في بورت سعيد، أو في غيرها من البلاد المصرية والشرقية جميعًا، باسم رجل أجنبي منتهى ما يعلم الباحث من مميزاته أنه إمبراطور!
تؤخذ أسماء الشوارع من أسماء عظماء البلاد وأبطالها وكتَّابها والمحسنين إليها من أبنائها إحسانًا ماديًّا أو معنويًّا، أو هي تستخرج من تاريخها القديم، أو تقتبس من حادث طرأ عليها وترك فيها أثرًا. هذا هو الاصطلاح الذي يتمشون عليه في سائر البلدان، فما لإمبراطور النمسا والمجر ولشوارعنا، وما لنا ولاسمه مهما يكن طويلًا عند ما يكتبه باللاتينية؟
كان وما زال سمو الخديو السابق صديقًا لهذا الإمبراطور، فلم نسمع أن حكومة النمسا دعت أحد شوارع فينا باسم عباس حلمي، وكان وما زال سمو البرنس فؤاد شقيق الحضرة السلطانية صديقًا حميمًا لإيطاليا وأبنائها، وحتى الآن لم نعلم أن رصيفًا في روما أو شارعًا في نابولي يُعرف باسم هذا الأمير المصري.
فلماذا نعطيهم ما لا يعطوننا؟ ولماذا نُجَرِّدُ أبناء الشرق من نصيبهم الطبيعي؟
نعم، إن شوارع كثيرة تُدْعى بأسماء الحوادث التي طرأت على المدينة وبأسماء نفر من المصريين، ولكن آخرين يستحقون الذكر ولا يذكرون، بينا كثير من أسماء الشوارع تدهش وتضحك، وتحمل على التساؤل ما إذا كان رؤساء مصلحة التنظيم من الاستغراق في التأملات الفلسفية بحيث لا يدركون، مثلنا نحن عامة الناس، ما تُكِنُّه وتبديه تلك الأسماء من النكتة والمهزلة!