زواج الشرقيين بالغربيات
(أ) من الوجهة الجنسية، (ب) الاجتماعية، (ج) الوطنية، (د) الأخلاقية.
- (أ)
أما والغاية من الزواج في النظام القائم هي: البنيان الاجتماعي بواسطة إنشاء الأسرة، وزيادة عدد المواليد، والربط بين أبناء الوطن الواحد برابطة القومية؛ فعلى الشرقيين أن يتزوجوا من بنات بلادهم، إلا أنه يستحسن الاستثناء، بل هو يتحتم في بعض الأحوال؛ لأن الشعوب كالأسر المتزاوجة على الدوام فيما بينهما، تنحط مع الوقت أخلاقيًّا ومعنويًّا، وينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والانقراض. فإدخال بعض الدم الغريب على الدم القديم ضروري لتحسين النسل، وتجديد القوى، وشحذ المواهب.
- (ب)
الأضرار المباشرة للزواج المختلط من الجهة الاجتماعية في: تبدل العادات العائلية، وتغير المبادئ القومية بالتبع، وما قد ينجم عن احتكاك الميول وتضارب النزعات من نفور واستياء؛ إذ ليست كل غربية لتتنازل عما تحب وترغب فيه إكرامًا لزوجها وحرصًا على المستحسن من عادات محيطه وتقاليد جماعته. ولا كل شرقي — حتى وإن كان من أنصار المرأة العاملين على إنهاضها — ليحتمل ما ألفه الغربي من اختلاط النساء بالرجال ولو في أبسط المظاهر وأطهرها، وقد يحتمل فيكون مقاومًا ما يرتاح إليه في صميم قلبه، وداهمه من جراء ذلك نكد متتابع، وهذا يجب ألا يكون في الحياة العائلية.
أما الفوائد ففي: احتكاك الشخصيات، واستيحاء الجيد النافع عند الآخرين؛ لأن لكل أمة خصائص وثروات لا يخلو اقتباسها والاهتداء إليها من بواعث الاستنهاض والتنشيط والتدريب.
- (جـ)
المنفعة من الوجهة الوطنية أقل من الضرر. ذلك أن المرأة ذات العاطفة العالية قد تبث روح الوطنية وتذكيها في محيطها، إلا أنها تؤولها سهوًا أو عمدًا في مصلحة قومها وبلادها. لذلك كان ابن الوالدين المختلفي الجنسية أقرب إلى شيوعية الوطنية، واقتباس الحسنات منها والسيئات، وكان الزوجان من الوطن الواحد أدنى إلى التفاهم والاتحاد حيال المشاكل الوطنية والقومية.
- (د)
يتعذر تحديد القول في الوجهة الأخلاقية؛ لأنها مرهونة بالأخلاق الشخصية، إلا أن هناك خطرًا عامًّا لا يستهان به؛ لأنه إذا انصرف الشرقيون إلى التزوج بأجنبيات فمن يتزوج الشرقيات؟! ومن الجور أن تُقْهَر بنات الشرق على عيشة الخلو والوحدة، وقتل عواطف المحبة وبذل الذات في نفوسهن، وأن يحرمن عذوبة الحياة العائلية لتتمتع بها الغربيات على حسابهن، وليس أدعى إلى طرح القيود المحترمة المقبولة من وقوع الظلم والتعسف على امرئ دون أن يجني إثمًا؛ فقد تتسرب المرارة إلى خلقهن من هذه الناحية فيناهضن محيطهن تمردًا، أو مكابرة، أو انتقامًا.
الجواب: لا أستحسن الإرغام مطلقًا، لا سيما فيما يتعلق بالدين، ولا بد أن ينظم الزوجان علاقتهما وفقًا لمزاجيهما مع بعض التساهل من الطرفين دفعًا للمشاكل والمصاعب. ولا أسوغ الإرغام إلا عند الضرورة القصوى؛ أي إذا ساء سلوك المرأة فسهت عن كرامتها، أو عندما تكون هي في حاجة إلى ذلك. لأن مما لا ريب فيه أن بعض النساء، غربيات كن أم شرقيات، لا تنتظم منهن الحياة إلا إذا عرفت تقودهن يد حاذقة قادرة، بينا أخريات يزددن كرامة وارتفاعًا كلما أجيز لهن التصرف بحرية.
الجواب: التزاوج بين المصريين المسلمين وغيرهم من الأمم الإسلامية خير ناشر للرابطة الإسلامية، وقد سبق أن المسلمين جنوا فوائد هذا التزاوج أيام الفتوحات؛ إذ كانوا يصاهرون القوم في كل بلد ينزلونها، فلا ينقضي زمن إلا وهم من الأهلين. على نقيض اليونان واللاتين الذين احتلوا البلاد قبلهم، فلم يمتزجوا بالأهالي وظلوا، حتى تقلص ظلهم، الغرباء الممقوتين. على أننا نرى العناصر الإسلامية اليوم غير ميالة إلى التضحية بعنصريتها القومية في سبيل قومية إسلامية كبرى، بل نرى المصري شديد التمسك بمصريته، والتركي بتركيته … إلخ، وإن هم رغبوا في الوقت نفسه في إيجاد الرابطة الشرقية المعنوية للوقوف في وجه الغرب وصد تياره الجارف.
الجواب: إن المسيحيين غير المصريين لا يتزوجون عادة إلا بعد الاجتماع والتعارف، بخلاف المسلمين الذين كانوا إلى هذه الأيام يتزوجون بلا سابق معرفة شخصية بين العروسين، وقد غلبت العادات الإسلامية على الأقباط؛ فحالت دون امتزاجهم بالمسيحيين غير المصريين. والمسلمون المصريون يشبهون المسلمين غير المصريين، في الغالب، عادات وأساليب اجتماعية. أما المسيحيون غير المصريين فلهم من العادات وشئون الاجتماع على اختلاف الطبقات ما لم يألفه الأقباط، والشاذ لا يُعدُّ قياسًا.
وأظن أن الزواج بوجه عام أقرب إلى المسلمين منه إلى المسيحيين؛ بسبب سهولة الطلاق التي تمكن كل رجل وكل امرأة من تنظيم حياتهما على طريقة جديدة في زواج جديد.