«الإجبشن ميل» تضحك
استهلت جريدة «الإجبشن ميل» الإنجليزية هذه السنة المباركة بضحكة مطبوعة ذات عنوانين أنيقين، يزينان العمود الخامس في الصفحة الأولى من عددها الصادر صباح أول يناير سنة ١٩١٩، لقد أضحكها ما قلتُ عن المجمع اللغوي فترجمته إلى الإنجليزية تحت هذا العنوان: «إهمال «الخالدين» في مصر»، ونشرت مقدمة وجيزة قالت فيها: إن «تهاون أعضاء المجمع يترك اللغة العربية ملوثة بالألفاظ الغريبة، مثل: بوستة، وبيسكليت، وتراموي، وغيرها من الكلمات التي تشوب صفاء اللغة».
ثم عادت فنقلت كلام «الأخبار» في تصريح فضيلة شيخ الجامع الأزهر ورئيس المجمع اللغوي بأن جلسات المجمع ستعود إلى الانعقاد، وأنهم (أي الأعضاء) يبذلون جهدهم في إيجاد ألفاظ عربية للمسميات الإفرنجية.
هذا التصريح أثبتته «الإجبشن ميل» بالحرف دون أن تعلق عليه بكلمة، إلا أنها جعلت له هذا العنوان الضخم الذي ينم عن بسمة الازدراء وراء لهجة الجد: «جهد المجمع الجهيد»، وهي تعني بذلك كلام الأستاذ الأكبر القائل: «إننا أجهدنا النفس كثيرًا في سبيل إطلاق أسماء عربية على كثير من الآلات الزراعية، وفي سبيل وضع تعبيرات عربية صحيحة بدلًا من عديد الاصطلاحات المتداولة.»
لا لوم على الصحيفة الإنجليزية، ولكن أتتفضل فتقول لنا: لماذا هي تنظر إلى هذا المشروع بعين المرتاب في نجاحه، القائل أن لا ضرورة لهذا المجمع ولا فائدة من أعماله؟!
وإلاَّ فما الذي يُضحكها يا تُرَى؟
لماذا لا يجوز للمجمع اللغوي ولكل كاتب عربي أن يؤثر استعمال ألفاظ عربية دون التعبيرات الإفرنجية؟! أليست الحال كذلك عند جميع الشعوب؟
ولو اقتصرنا على لغتها دون غيرها ألا تذكر «الإجبشن ميل» أن الإنجليز أنفسهم يفضلون الكلمة السكسونية الأصل على الكلمة اللاتينية؟ وأن كبار كتابهم إذا وجدوا أمامهم كلمتين اثنتين تؤديان المعنى تمامًا إحداهما سكسونية، والأخرى لاتينية سارعوا إلى استعمال الكلمة الأولى؛ لأنهم يرونها أفصح وأبلغ؟
فلماذا يُنْكَر علينا ما هو في نظرهم عين البلاغة وكل الحق؟