(٢) في ضواحي الواحد الكل
لماذا «يهرب» الفلسفي. ليس لأنه يخشى على حريته، ولا لأنه ابن الكاوس، السديم أصلًا، أو لأنه يأبى التلبُّس بشيءٍ ما يحبه أو لا يحبه؟ السؤال الفلسفي هارب أصلًا لأنه لا يلوي على شيء (أصلًا). والاستعارة اللغوية هنا تأتي على المحك؛ فهو حقًّا لا يملك، ولا يمكنه أن يمتلك شيئًا. إنه يفرُّ لا يلوي على شيء. يقفز ويتقافز على العتبات. يقرع الأبواب المغلقة، ولا ينتظر جوابًا، إذ يترحل إلى أبواب أخرى، والعتبة ليست وطنًا انتقاليًّا إلا نحو عتبة أخرى.
كل فيلسوف، قلَّما يجد نفسه في الأبنية الفلسفية المشيدة قبله. فينطلق من نقطة الصفر؛ فالفلسفة لا تتراكم، وكل حجر منها لا يلقى مكانه من البناء القائم. وقد يظل سقراط عين سؤاله وهو في عز تجواله، ومرح مآدبه، وألاعيب حواراته، كما هو عين سؤال كأس السم التي يتجرَّعها في نهايته، ومع صفوة صحابه، كما الفلسفة لا تتراكم، كذلك السؤال الفلسفي لا ينمو. وقد يكون بليغًا على لسان طفل السابعة الذي يستفهم عن عجائب الدنيا حوله، كما هو لسان سقراط أو باسكال أو دولوز. ذلك السؤال الذي لا تهرم طفولته أبدًا.
والصيغة البرهانية في: أفكِّر إذن أنا موجود، ليسَت برهانيةً على الإطلاق، ولا تبرهن أو تدعم أطروحة، حتى لو دُعيت تاريخانيًّا بعتبة الحداثة. فهي قد تكون عتبة الحداثة ولكن ليس لأنها برهانية، ولا لكونها تضع حدًّا للشك اللامنهجي، ولكن لكونها فحسب، قد أبدعت بطريقة عبقرية واستثنائية كيفيةً نادرةً لتراكُب السؤال والمفهوم، كسفحين لموجة واحدة من الانسراع، صاعدَين هابطَين معًا، لكنهما يحملان زخم الخضم وحركية لُجَّته الصامتة اللانهائية. ذلك أن امتياز الكوجيتو أنه وضع ضمير المتكلم عتبةً بين الفكر والوجود، وهذه البادرة لا تعلن عن مولد الذاتية في إطلاقية الفلسفة، لكنها تخترع العروة أو الطية — حسب التعبير الدولوزي — التي تمفصل بين أشمل انسراعَين هما الفكر والوجود، كما حدَّدهما التراث المدرسي. وبقدر ما ينسرع الانسراع، أي يتابع مطلقه الحركي الصيروري، بقدر ما لا يمكن أن يحدَّه أو يستوعبه المفهوم، لكن هذا المفهوم بالمقابل، المتشبث بإرادة الفهم، والمثابر على ملاحقة الانسراع، فإنه ينقلب بالضرورة إلى تسآل مفتوح، يُناظر ويوازي حركية موضوعه. إن انفتاح المفهوم يدرِّبه على استقبال فُجائية الانسراع، وما يمكن أن تجلبه كل لحظة مما هو المنتظر، أو غير المنتظر منها.
كل عروةٍ تمفصلية تقع وتنعقد على تقاطع خطَّين أو أكثر من الانسراع، المشتق هو نفسه من الكاوس، فلا يمكنها أن تُنشئ مفهومًا إلا على شكل تسآلٍ يستبق حدود المفهوم ويتجاوزها؛ فالمفهوم هو بما يثيره خارج ضواحيه بأكثر مما يغلقه داخل حدوده من معطيات. والكوجيتو الديكارتي ظل طيلة الحداثة الفلسفية، يثير إشكاليته ويحددها بعد كل حل، يعرض له على يد هذا المذهب أو ذاك. لقد كان السرد الفلسفي قبل الكوجيتو بلا هُويات ولا شخصيات، متجنبًا ضمائر القول والفعل. كانت الألفاظ مقيدةً بمعانيها القاموسية، ومعانيها تلك مقبولة في المصطلح المنطقي، والسردي المنطقي، إن انبثاق فعل الأنا أفكِّر أعطى أول تكثيف للمفاهيم كانسراعات كانت قبله محجوزةً أو مُقَوْلبة منطقيًّا. أدخل إلى الفضاء المتجانس، إمكانية الترسيمات البيانية. صارت الجهوية في الفضاء، كما في الكاوس، ترشحهما لاستقبال الزمكانية. فالانسراع المطلق كاللاانسراع. والإنَّويَّة في الكوجيتو لا تدخل مركزية الإنسان وسط الخَواء الأعظم، إنها بالأحرى تصيب بالصدع سواسية الانسراع، تزرع فيه بذرة الاختلاف الأول مع نفسه. فالأنا أفكِّر عروة تمفصلية تمنح الوجود حدًّا كيما يتحوَّل إلى الفكر، وتمنح الفكر حدًّا كيما يتحوَّل إلى وجود. ومن دون هذه العروة فالسواسية تسيطر على كل شيء، ولا لفظ يسميها أو يلتقطها.
الكوجيتو ليس نهاية لرحلة الشك، السؤال. إنه يؤسس «الحادثة الأولى» كحادثة نفسها بدئيًّا، وسط صحراء من سواسية الانسراع. يدشن الحادثة كمؤسسة للاختلاف. وبذلك، فإنه يضع حدًّا للشك المنهجي (نعم!)، لكنه يقيم بدلًا عنه مملكة مطلقة للسؤال، اللامنهجي أبدًا. السؤال الذي لا صفة له تأتيه من خارج أحرف اسمه. هي اللحظة السقراطية التي لا تتكرَّر. ولكن بدونها ليس ثمة تكرارٌ ولا اختلاف. ذلك أن إعجازية السؤال السقراطي أنه أنشأ كل الفلسفة، دون أن يبرح حدوده كسؤالٍ شعرةً واحدة. أنشأ كل الفلسفة دون أية أجوبة.
لا يشكل السؤال مفترق طرق بين الإمكاني والافتراضي إلا أنه، في بنيته غير البنيوية أصلًا، يفتح على الجُزافي كذلك، ليس كطريقٍ ثالث، ولكن كشرطٍ لكلا الطريقَين الآخرَين؛ قد لا يطالب به أحد، لكنه يخصُّ السؤال نفسه قبل أن يكون أو يتطوَّر إلى سؤال أي كائن، أو أي شيء. والسؤال جزافيٌّ لأنه يحمل آثار فوضويته السابقة قبل أن ينتظم كسؤالٍ فلسفي، جزافية السؤال الفلسفي علامة ماضيه غير الزمكاني. إنها تمنحه صلته بالحالة القَبْفلسفية، باعتبارها كشرط إمكاني افتراضي في وقت واحد، لفلسفيَّتِه؛ لإجازته ذاته باعتبارها كذلك، أي سؤال الفلسفة لذاتها أولًا، ودائمًا أو ما دامت تسآل الأغيار.
فلا غرابة، أو من الغرابة فعلًا، أن السؤال الفلسفي يبدو أنه يهبط من الفراغ، من لا مكان وأنه لا معنى له، ولا فائدة منه، وأن مجيئه وغيابه سيان؛ لأنه جزافي، ويحمل معه أبدًا آثارًا من جزافية المعدن المنحوت منه، معدن السديم الذي يجره وراءه كدليل على لاأصوليته، ولاجذريته، السؤال الفلسفي أثمن ما يتحلَّى به وما يتمسك به هو برهانيته الفورية على قَبْفلسفيته، على عجزه الثري عن عدم قدرته، على مبارحة قَبْفلسفيته، مهما كلَّفه ذاك الاتهام بالعرضية والعبثية واللاأدرية. أهم ما يتبقَّى بعد كل فلسفة جديرة باسمها هو سؤالها: ما هي الفلسفة؟
سقراط يترك نفسه وأصدقاءه ومحبي الفلسفة والفلسفة، يتركهم على قارعة الطريق ويمشي. بينا يشرع تلميذه الأول أفلاطون في بناء الأكاديمية ترميزًا لأبنية الوثوقية (الدغمائية) القادمة.
إن القبفلسفي ليس هو ما يسبق الفلسفي، ولكنه ما يشكل بريته وأرضه، باعتبارها وطنه الأصلي. لا يمكنه أن يسبق الفلسفي؛ لأنه يرافقه دائمًا، ممارسًا عليه حق النقض، إلى درجة الإنكار. القبفلسفي هو الرفيق المنافس إلى درجة التدمير لهذا الذي يدَّعي أنه يصير فلسفيًّا. فما يدريه — هذا المدعي — أنه يصير، أو لا يكاد، فلسفيًّا. ها هنا حيثما تندرس المعيارات كلها للفلسفي المعهود لا بد له أن يخترع لذاته ثمة معيارية ما، وفي مضمار الفلسفة عينها!
يبقى أن القبفلسفي ليس سوى طريقةٍ أخرى، قد تكون الأصعب، من أجل ألَّا يفارق السؤالُ الفلسفي قَبْليته الصامتة وهو مستغرق في ضجيج لفظياته البعدية المتزاحمة على أبوابه. من أجل ألَّا يتخلى الفلسفي الفقير عن نعله المهترئة، التي يخلفها وراءه على قارعة العتبات، وهو يغوص بأطرافه كلها في أمواجٍ من طنافس وأرائك القصر المدعو بالمعرفي؛ وقد يحسب نفسه أنه صار من أسياده، وهو لم يزل من أضيافه، إنْ لم يكن من الفضوليين فيه، والمتطفلين على أبهائه ودهاليزه. فإن ديوجين لم يكن أبله، ولا مجنونًا؛ لأنه يتشبَّث بضوء مصباحه منارًا في واضحة النهار، بل كان يصرُّ على الاحتفاظ بذُبالة الضوء النحيلة التي تخصُّه وحده، دون رحابة النهار جميعه.
فالسؤال الفلسفي هو أقرب ما يكون إلى وجودية الفرد وخصوصية معاناته من ناحية، وإلى أبعد وأشمل ما يكون من الكونية. وهو سؤال الطفل الناشئ، كما هو سؤال سقراط شيخ الفلاسفة جميعًا. تلك هي فرادته؛ لأنه يجعل من مسألة الواحد الكل حقيقةً معاشة ومعيشية. إنه السؤال العفوي والأولي، ومع ذلك يقضي تاريخُ الفكر حياته كلها باحثًا عنه وفيه. ولقد كان أخطر انصراف مقصود عن هذه المقاربة الطبيعية هو اختراع لعبة الفصل بين الواحد والكل، وتشغيل أسطورة المرجعية بينهما؛ فتارة ينبثق الكل عن الواحد، وتارة ينتأ الواحدُ من الكان نتوء العَرَض والصدفة، ولكن، ونادرًا ما يحدث الفكر، أي عندما يتم للفكر التقاط الواحد-الكل، لا في نوعٍ من الموازنة أو التوازي، ولا في نوعٍ من الإحالة الفورية المتبادلة بين الحدَّين، ولا عبر صيغةٍ تبسيطيةٍ من مصطلح التكامل والتضامن المبذول، بل هي الصعوبة الحقيقية في استحضار كل حدٍّ وهو في مطلق اختلافيته مع الآخر، وبما ليس ذلك تمامًا؛ لأن الواحد ليس الكل. وهذا ما ينبغي التأكيد عليه، والاعتراف به بعد كل تلك الرحلة الطويلة التي قضاها العقل في الخوف من ذلك التعارض والتخالف، والدأب على محاولة إلغائه بشتَّى التركيبات المصطنعة أو الاضطرارية؛ حاول ذلك دائمًا فرارًا من الفكر.
ولأن الواحد ليس الكل، يعيش السؤال ويدوم؛ إذ إنه يقيم الجسر بين الطرفَين ويحطمه. كما لو أن السؤال يريد أن يجعل أحد الحدَّين مفهومًا بالنسبة للآخر، أو مستعصيًا عليه، أو مرتدًّا عليه وضده في آنٍ. فالسؤال اعتراف أصلًا بوجود الإشكالية، التي هي نمط العلاقة (الطبيعية) بين الواحد والكل، ولا علاقة سواها. والحقيقة أن تاريخ الفلسفة التقليدي كان تنويعًا شيقًا على هذه الموضوعة. كان تاريخ أجوبة وحلول تلصق بهذه الإشكالية. كان فرارًا متماديًّا أمام السؤال، دون أن يسبقه مرة واحدة. ويكفي القول إن هذا التاريخ بتمامه كان أفلاطونيًّا دائمًا. وأنه لم يتقدم على نفسه أبدًا. وأن تقدُّمه الوحيد كان هو تكراره المختلف. ليس ذلك عين الفقر بل عين الغنى اللامحدود؛ لأنه في كل مرة يحدث الانحراف عن الواحد-الكل فإنه يقع الفراغ نفسه. لا مهرب من الصيرورة. شرط ألَّا ينظر إليها على خط موازاة بينهما وبين المحايثة؛ إذ ليس ثمَّة صيرورةٌ خارج المحايثة. فالمحايث هو الصائر، بالرغم من وجود صلة تخارج مفهومية بينهما، إلا أنها تلك الصلة التي في اللحظة التي تؤشر الصائر فإنها تؤشر المحايث. فالأول لا يدخلن على الثاني دخولًا خارجانيًّا، رغم أنه هو كذلك بالفعل، لكن لشدَّة التآخذ بينهما؛ فالمحايث لا يكاد يثبت كمحايث لأنه صائر في ذات لحظته كمحايث. فالواحد لا يترجم الكل، لكنه يُمَفْرِدُه. بمعنى أن كل وحداني يشهد على الكل لا يصير إليه أبدًا. ولكن دون هذه الشهادة فإن الكل يغدو لعبة لفظية تجريدية. وتلك هي إشارة الغنى المفقود من كل تحقيب معرفي.
في ضواحي الواحد الكل
وفي اللحظة الراهنة لماذا يغدو السؤال وحده باقيًا دون بقية الأجوبة، ودون تاريخ حافل من الأفكار الكبرى، الأجوبة، المذاهب؟ لأن الأجوبة كانت محاولات، بل مغامرات خطيرة في ردم تلك الهُوَّة بين الواحد والكل. وكان الردمُ إلغاءً غير مباشر للسؤال. لكن استنزاف تلك المحاولات يفترض إعادة الحالة البَدْئية. والواقع، فإن سقراط أسس الحالة البَدْئية وليس «بداية» التفلسف فحسب، اكتشف السؤال ورفض تجاوزه. وكان أفلاطون هو الجواب، والأفلاطونية من بعده هي الشروع المتواصل في تأسيس ضرورة الجواب. فنشأ تاريخ للفلسفة كان يريد في كل لحظة أن يكون تاريخًا للفكر، لكنه في أفضل ظروفه كان يبلغ لحظات نادرة، من التوازي مع تاريخ للفكر غير تاريخاني. ولا تندرج تلك اللحظات في سيرة الاثنين، تاريخ للفلسفة وآخر للفكر، إلا في أزمات القطيعات، وحلول الانعطافات الكبرى، المعروفة والملحوظة، أو المُتجاهَلَة والمنبوذة. وقد لا تأتي تلك المنعطفات بالفكر نفسه، بقدر ما تؤذن ﺑ/أو تعلن عن شهادة ما حول غيابه وانسحابه، وأفضل ما يوفق فيه هذا التاريخ، عندما ينجح في إعطاء الإرشادات فقط.
ليسَت الأشياء محلًّا للسؤال. ليس العالم وطنًا للسؤال. ومع ذلك فالعالم وأشياؤه يؤلِّفان معًا ذاكرة تراجعية، وليست مستقبلية. فالإيغال في العالم وأشيائه يؤدي إلى التراجع منه إلى عالم أصلي سواه، هو الواحد الذي تذكِّر به الكثرة؛ قد تعكسه، ودون أن تستحضره، بل تخفيه وتنكِّره أي تقنِّعه، وقد تزيِّفه حقًّا.
كل المذاهب العقلية الحديثة بدءًا من ديكارت نفسه، لم تستطع أن تطوِّر نظرية التذكر الأفلاطونية إلى أكثر من نظرية في الفطرية، والصياغة الديكارتية ركزت على خصوصية المثال، فاعتبرته أنه مثال الكمال. وليس له ثمة مصدر إلا العقل نفسه؛ لأن كل ما يكتسبه العقل من خارجِه ليس سوى النقص أنطولوجيًّا ومنطقيًّا في آنٍ معًا. والديكارتية ارتكبت المعصية الكبرى بالنسبة للمدرسيات القروسطية، عندما قرَّرت قسمة شبه متوازية بين الامتداد أو العالم الخارجي، وبين الفكر، أو جوهر العقل الحاوي على جميع كنوز فطريته مقدمًا، لكن الامتداد — ذلك الاعتراف الأول بالمادة، كنافذة على العالم، كأهم خاصية للعالم — يصحُّ من جديد أن يكون محلًّا للسؤال الآني أو المرحلي. ومن هنا كانت ثورة الشك المنهجي. ومهمة هذه الثورة أنها تثبت أمرَين في ثقافة السؤال لأول مرة، وهما: أن «الموضوع» يتمتع بوجود ما، وثانيًا أن الموضوع يحتمل الصواب والخطأ معًا؛ وبالتالي فإن المعرفي ليس تذكريًّا، ليس لقاء النسخة بالأصل، ولكنه بناء النسخة كما لو كانت هي الأصل، فالكوجيتو يقترح هذه التكئة التي تمثلها ذات العارف التي هي ذات الشاك، والمصحِّح في آنٍ. وهي ذاتٌ مسئولةٌ عن بناء المعرفي؛ لأنها لا تتذكره فحسب، ولا تلقاه مباشرة ملقًى في عالم التعدديات والأشياء الخام، كما أنها تبذل الجهد المطلوب الذي هو العلم في النهاية؛ من أجل إحداث التطابق بين المبدأ الفطري والحادثة العالمية. ها هنا ينشأ عالم آخر هو جهد العقل العارف، هو استنباط الصيغ التي تنفتح على الأشياء، وفي الآن عينه تُعيد تنظيمها تحت شكل التصورات؛ فالسؤال العام ينفرط عقده إلى أسئلةٍ لا محدودة؛ لأنها تغدو أسئلة الأشياء نفسها موقتًا، التي لا تلبث أن تغيب وراء ترميزاتها المعرفية.
الفارق بين حداثة ديكارت التقليدية، وما بعد حداثة دولوز، أن التصورات لا يمكنها أن تحل محل الأشياء، وأن أية مَفْهَمة للعالم تظلُّ أضعف بكثير من أية فورية تماس مع هذا العالم. فالتصور وحدة مفردة تقول الماضي، في حين أن المفهوم يترك جزءًا غير يسير منه، يحتمل اللامفهوم؛ وبالتالي يخلق الاستعداد لفورية ما، لفُجائية العالم، فإن فوكو لم يقترح دخول العالم من عتبة «واحد» معينة. هناك في الأصل انفصالية الأشياء، وأما وسائل مقاربتها فكريًّا فقد تحتوي أنظمة معرفية، وشبه معرفية، أو مجرد إيحائية، وإلى جانب الإبستميات العلمية الكبرى، فإن تواضع الحادثات، يجعلها تنفلت من التأطير المسبق، والسؤال يكتشف لذاته، كل لحظة، ما لم يكن يدري من قبل أنه شيء ما، وأنه قابل لأن يصير موضوعًا لسؤال، وإن السؤال بالأحرى هو اكتشاف الموضوع والالتقاء به، قبل أية عملية استحواذ عليه بواسطة جواب ما؛ العالم يولد جديدًا أو بكرًا مع كل سؤال.
إن الذهاب في مساحة أي معرفي ينبغي أن يصل، ليس إلى اللامكتشف منه بعد؛ بقدر ما يبلغ منطقة اللامأوى منه، حيثما يقصر المعرفي نفسه عن اختراع إيوائه، أو طريقة استحواذه. فالمنفصل والمنقطع ليس هو كذلك؛ بسبب من مقاومة الأشياء الأخرى له، ومن مزاحمة الكثرة لابتلاع مفردته، أو جرفها في السياقات العمومية. بل لأن المنفصل يأتي كنقطة انفراغ في الممتلئ. فلا يمكن القول عن المنفصل إنه داخل المجموع أو خارجه، لأنه يؤم حد فراغه. والفراغ ليس له داخل ولا خارج؛ فلم تبقَ سوى قفزةٍ واحدةٍ للانتقال من تسمية المنفصل إلى اسم المختلف. ذلك أن المختلف يحمل فراغه وحده، وكل تحديد آخر مهدد مقدمًا بالسقوط في ذلك الفراغ؛ فالمختلف يتحدى المعرفي، ليس لأنه نقيضه، وليس لأنه يحتمل خاصيات لم يُحِط بها المعرفيُّ بعد، بل لأن المعرفي نفسه هو مساحة أضيق من المختلف نفسه، إنما يمتلك امتيازًا خاصًّا، وهو أنه قبل أن يكون معرفة لموضوع، فإنه يعرف نفسه أنه كذلك، أي أنه لا يزال تلك المساحة «من» المختلف، وليس مساحة المختلف كله؛ حتى لا يركن المعرفي إلى مصير «المفروغ منه»، فإنه يكافح للإبقاء على شاطئه الآخر الذي يفصله، وقد يُدنيه، من المختلف. عندما يخرج المعرفي من المختلف، من «اللامأوى»، ملتجئًا إلى أية خانة مُعدَّة لاستقباله في سجل المعهود والمعروف، فإنه لا يلبث حتى يمزِّقه حنينٌ إلى اللامأوى الذي كان فيه، يتذكَّر «اختلافه» الذي أضاعه. فالمعرفي الذي يرفض مفارقة انتمائه أصلًا إلى المختلف، إنما يتشبَّث حقًّا بالقوة التي كان يمنحه إياها ذلك الانتماء … ذلك النوع من الانتماء المتعارض في حد ذاته؛ ذلك (الالتجاء) إلى اللامأوى، فإن المعرفي الذي يئول إلى خانته التدوين، قد يفوز بحصته، بما يستحقه من تراتبية النسق العلمي أو الدلالي؛ بحيث يشغل وظيفة ما، ولكن ذلك المعرفي الآخر الذي يتشبث بمساحته من لا مأوى الاختلاف، مهما استعارته أو أسَرَتْه لمامًا وظائفُ وأنساقُ التدوين، فإن تشبُّثه المتعارض ذاك قد يمنحه قوة الانتظام أو الاندراج في مدونة ما، وتلك القوة الأخرى على الاستثناء منه في آنٍ معًا.
ولكن ماذا يعني المعرفي في هذا السياق الراهن على الأقل. إنه سؤال نفسه عبر سؤاله للأغيار. تلك هي مقاربة أولى، لكنه إن كان سؤال ذاته فهو يعني أنه لا يتحقق إلا بتوسط الشيء الذي هو عين شيئه، قبل أن يلتقطه المعرفي، لكن التقاط المعرفي للشيء إنما هو احتياز على علائم وملامح تنزع إلى أن تعطيه ثمة وجهًا، ثمة شكلًا. ما يُعرف من الشيء هو هذا الشكل الذي يصير بمثابة وجهٍ له. صحيح أن وراء هذا الشكل تختفي كل الخصائص الأخرى، لكنها ستظلُّ تلك الخصائص التي ساهمت عنوةً وبالضرورة في تشكيل الشكل. والتشكيل هذا هو قوة الشيء. هو عنفه الخاص. بمعنى أنه هو استثناؤه الحقيقي عن سواه، مهما شابه السوى الغير؛ فأهم من أفهوم الهوية التقليدي، أو الدلالة الآتي مع ثورة السيميولوجيا، هو أفهوم القوة. فالقوة شكل يفرض صاحبه. والشكل قوة تُدرج صاحبها في الصميم من سجل المحايثة. والقوة هنا لا ترتكز على مفهوم الطاقة الطبيعوي، وإن كان من جملة حمولتها الترميزية، لكنها تلك القوة التي تصنع شيئها؛ تعطيه قوامه، تفرضه هو وخصوصيته. أي إنها تأتي بالشيء ونظامه معه.
البرانية قوة، وما تعرضه هو قوًى، أو مشتقات القوة، والبرانية ليست مشهدية اختيارية، لكنها مفروضة. وكل مفروضٍ يستند إليها أولًا باعتبارها هي الأمر الواقع. ولقد كان النظر أقوى وسائل الإنسان للاتصال بالخارج، والأسرع في تلقِّي عنف الخارج؛ فإنه يعطي البرانية أقوى ما فيها كمشهدية، وهو الشكل. ورؤية الشكل تفرض دلالته الأولى. وقد كان رفض العالم فلسفيًّا ثم غيبيًّا، ينطلق من رفض الشكل. وليس رفع الشكل، أي تجريد الملامح، والوجه، والحجم، وكل الأبعاد الهندسية الأخرى؛ ليس رفع الشكل طريقًا رئيسيًّا للتجريد العقلاني، فحسب، بل كان تمهيدًا مواقعيًّا لإلغاء البرانية، وتثبيت الجوانية كامتياز، وليس كنقص للذاتية، ولقيام الذاتية كمصدر وأساس ضروري للواحد. (للواحد في مواجهة الكل ضديًّا).
والواحد الذي لم يقدر على قوة الأشياء لجأ إلى اختراع الترميز كعالم موازٍ لعالم الأغيار؛ فالترميز صناعة العقل. منها جاء امتيازه، كما نقصانه وانعزاله. الترميز بما هو لغة أخرى، فإنه يشحنه بقوًى أخرى يعزوها إلى التصورات، ومعها كل الملفوظات التي تعجُّ بها صيغ القول والتفكير، واستخراج ما يسمَّى بالمعنى والقيمة. إنه عالم موازٍ قد يُسقط العالم الأصلي. وهو بذلك ينحت برانية شاحبة تخضع لقوى الجوانية، فإن التراجع أو الانزياح أمام قوى الأشياء، لن تعادله في الجهة المقابلة إلا تلك المشاريع الكبرى في عَقْلَنة الواقع، أي في إعادة الاحتياز عليه، بواسطة التصوير أو الترميز، أو التلفيظ. إن سؤال الواحد يشتغل فلسفيًّا على تشجيع العقل في ابتكار وتنويع وسائل دفاعه المضاد، ضد عنف الأشياء بتنظيم موجاتٍ متواليةٍ من الترميزات، تجتاح العالم الأصلي، وتراكم فوق أشيائه ظلال الافتراضات والخيالات، لكن العالم (الموازي) يريد أن يصير إلى العالم الحقيقي. وهذه الإرادة تحرر عنف الترميز من ضوابطه وضوابط موضوعه معًا. ذلك أن ضياع مادة المشهدية الأولى، سوف يقلب تاريخ الفكر إلى سلسلة أو شبكة من تناسخ المشهديات عن بعضها، مع ضياع متمادٍ لسؤال المشهدية الأولى، للمكان السري واللغزي الذي التجأ إليه الواحد أخيرًا أمام طغيان الواحديات الأخرى المشبوهة، أو الأشباه التي لا تقدم نفسها إلا كأصول دائمًا. فالواحد (الأصلي) ليس له سوى نسخة واحدة. والفرق بينها والنسخ الأخرى، أنها تعرف أنها كذلك؛ وبالتالي فإن التكرار ليس صناعة عبثية. إنه نوع آخر من الاختلاف لا يعرف نفسه أنه كذلك.
المصنوعات تتكرر، أما المخلوقات فلا، وكذلك الأفكار. والعود الأبدي النيتشوي لا يقول بعودة الأصل، بل بعودة المفاجئ، الذي لشدة فُجائيته وفوريته، يحسب أنه كان الأصل، أو الأصل لكل شيء. والعائد هو الراهن دائمًا. يدخل الأزمنة الثلاث، الماضي الحاضر المستقبل، كأنها من استحقاقاته، دون أن يستحقَّه أحد منها بمفرده. العائد «الأبدي» ليس إسقاطًا لأصل سابق عليه. العائد الأبدي هو السؤال الذي يبقى سؤالًا بعد كل جواب.
والموازاة بين عالمٍ من الأشباه وعالم من الأصول، تعيد صياغة علاقة منطقية خالصة بين الفرد والكل. وفي هذه الحالة لا يجيء الكل إلا تكرارًا للواحد، دون امتيازه الواحدي، إن الكل يهدر الواحد، ما دام يمتنع عليه أن يكرره. فلا يمكنه أن يهمله ولا أن يستدعيه. لا يتبقَّى له إلا أن يحجبه، وفعل الحجب هو علاقة كذلك بالمحجوب. وإن علاقة الحجب هي عينها علاقة الكشف؛ لأن الحجب يستدعي الكشف والعكس صحيح. ها هنا تجاوز للاستنتاج المنطقي بين حدَّي الكل-الواحد، وللتراكم العددي الرياضي. فالكل ليس مجموع الآحاد، وإن كان كذلك رياضيًّا؛ وليس استنتاجًا منطقيًّا بين الخاص والعام، وإن كان كذلك منطقيًّا. لكن الكل هو الذي يحجب في عين الآن الذي فيه يكشف. فالعلاقة ذاتية بين الكل والواحد، ولكن خارج ثنائية الذات/الموضوع. لكل ذلك لا يتبقَّى إلا التمعين كينونيًّا؛ فالواحد هو الأصل الذي يتراجع متقدمًا، وعلى طريق الكل، دائمًا؛ ولهذا لا يعود الأصل أصلًا بالمعنى المتعارف عليه، ثيولوجيا خاصة. إنه لا ينتج الكل، كما لا يضيع فيه. فالحركة الوحيدة التي ينفذها الواحد ليس أن تكون أصلًا لسواه، لكنه أن يخرج خروجًا إلى الكل؛ بحيث لا يأتي إليه (إلى الكل)، كل مرة، إلا ونظام خروجه معه. بمعنى أن الواحد يأتي الكل حاملًا معه اختلافه. فإن الواحد ليس هو من يسبغ الوحدة على الكل، بالعكس إنه يُدخل عليه الاختلاف. رحلة الواحد عبر الكل ليست سوى ترميزية الكل عن كونه اختلافيةً نائمةً توقظها حركة الواحد في دياره؛ فالواحد ليس خارج الكل، بل يكاد الواحد يغدو هو الكل، ليس بمعنى الاستيعاب الكلي أو الكيفي، لكنه هو حركته عينها بالنسبة لذاته، كما لو كانت حركة الآخر، أو هي الآخر نفسه.
ذلك هو تأسيس الفارق بين الواحد والفرد؛ فهذا الثاني هو فرد بالنسبة للمجموع حوله، لكنه واحد بالنسبة للكل، عندما يُتاح له أن يتخطَّى العلاقة الموضوعية بين ذرته ومجموع الذرات الأخرى. أي عندما يرتدُّ إلى ذاتيته. والذاتية لا يمكن أن تقرأ نفسها كليًّا. ومن هنا تأتي أوهام «الكل» إلى مفهوم الاستيعاب سواء على صعيد الوصف، أو التشميل الكلياني في المفهمة والتشكيل.
إن السؤال يجدد طرح إشكالية الواحد الكل، كما لو كان طرحًا لأول مرة؛ وذلك لأنه يعفو على طرق الطرح السابقة جميعها. من وجهة النظر هذه، فقد كان دولوز سبَّاقًا ورائدًا في هذا الاتجاه؛ لأنه لم يرَ للفلسفي أصلًا إلا فيما هو قَبْفلسفي، وقد اكتشف أن المفهوم هو موقع ملتبس على حافة الكاوس، أو الخاوس اليونانية، القريب من الخواء العربية؛ شرط ألَّا يُعرَّف الخواءُ بالخلاء أو الفراغ أو العدمية. إن الخواء هو كالأصل المعرفي التخييلي الذي تولد فيه الأشياء. إنه انتظار الأشياء. والسؤال هو لحظة خواء تنتظر توالد الأشياء، وتناسخ العوالم، لكن جوهر هذا الخطاب يكرِّر القديم تحت قناع الجديد؛ فالجديد هنا قناع لسواه، وليس جدة لنفسه وفي نفسه؛ ولذلك كان لا بد بعد كل رحلة أن يعيد السؤال تسآل عينه، ها هنا، فإن القَبْفلسفي هو موطن السؤال، الرجراج. إنه كاوس لا يتحدد مع العدم المطلق، ولا يقدم ترميزًا لخضم التكوُّن واللاتكوُّن؛ وذلك لأنه محدود/لا محدود بالفلسفي الذي يعدُ ﺑ «بَعْديته» نسبة إلى أسبقيته هو. السؤال هو عتبة الوَصْل الفَصْل التي تبني فجأة، وداخل الكاوس، ثمة حافة له، تخترع تلك الحافة. تتوهم أنها تخترع حافة، أي تبدع ثمة اختلافًا داخل الكاوس عينه. فلا يعود الكاوس كما كان نفسه دائمًا، (وإن لم — لا يخرج عن نفسه أبدًا).
من ناحيةٍ أخرى، فإن الفلسفي ليس هو كذلك إلا بقدر ما يأتي ونظامه معه، أي بقدر طاقته على تكثيف حدٍّ له بالنسبة للقَبْفلسفي الذي يشحنه وراءه، وقد يسبقه أمامه دائمًا. فلا يمكن سرد السؤال عينه الذي لا يخصُّ أحدًا، ويخصُّ أحدًا في الوقت عينه. تلك هي الذاتية المشروعة عند ذاتها أولًا، التي هي فاعل السؤال وموضوعه.
فالذات ليست معطاة. وسردها متلعثم. تترك الآخرين يسردون عنها قصصها. وكل قصة تُبدع حقًّا عندما تتيح للذات أن تتذكَّر ذاتها فيها، أي في القصِّ الذي يدَّعي تصويرًا منحرفًا أو منزاحًا عنها، قليلًا أو كثيرًا. ولأن الذات غير معطاة، فإنها تأتي مع كل سؤال مختلفةً. فالذات لا تكفُّ عن السؤال وإلا ابتلعها السديم، الكاوس مرة أخرى.
والكل مصطلح يختصر الكثرة القابعة خارج كل مصطلح. ورحلة الفلسفي كانت من حقبة التوجُّه إلى الكل، إلى حقبة انفراط الكل فيها، ليس إلى مجرد عناصره (هو) بل إلى الكثرة، من حيث هي كذلك، لكن عصر الكثرة لا يشطب الكل بل يصححه. والتصحيح لا يتناول الكل وحده، بل الواحد كذلك. لأن الكثرة تجتاح الواحد نفسه، بل توجد فيه، فالواحد تكثيف، أو طريقة تكثيف ما. تقع في بحران الكثرة، لكي يغدو الواحد أشدَّ تكثيفًا، أعظم تكثيرًا للكثرة.
وقد كان ينبغي قراءة هوسرل وبرغسون من خلال تناصِّ دولوز، لنبلغ تخوم الاصطفاف الجديد: بدلًا من الواحد الكل، صار لدينا: الواحد الكثرة، والكثرة الواحد؛ فالكثرة عينها ذات متغيرات عديدة لا حدَّ لها. هنا يغدو التفكير فن التقاط الأشياء كأفكار، والأفكار كأشياء. وحتى يصير الفكر إلى مثل الفن، كان عليه أن يكسر نفسه كمرايا تعكس سكونية المشاهد الخارجية. كان عليه أن يصير إلى فاعل الفكر، أن يصير إلى: السؤال. فالسؤال يحطم مرايا الفكر ويزحزح أشياء العالم. السؤال يلتقط الانسراع؛ لأنه أصلًا منحوت من انسراعه عينه.
الفكر سؤاليًّا، يبارح وظائفه الكلاسيكية، كعاكس، كفاهم، كملتقط. الفكر سؤاليًّا يغدو إعصاريًّا يتشهَّى مشهدية كوكب الأرض في تكوناته الجيولوجية البَدْئية، عندما كان مسرحًا لأعاصير الماء والتراب والنار والهواء فقط. الفكر سؤاليًّا هو الممتنع عن مبارحة الحالة الكاوسية، الكارثية، هو الصائر في كل ما يصير، دون أن يكون إنتاجًا لأي صائر. قد يتلامح على «الفرجة» بين المعرفة والحقيقة، حيثما المعرفة تحتمل نفسها جزئيًّا، وسواها (من اللامعرفة والخطأ والشُّبْهة …) من الالتباس في الوقت عينه. السؤال يذكر بالحقيقة بطريقة معرفية، وسواها كذلك.
السؤال يتقرَّى عُري العالم مهما تقنَّع وجهه بألف أدلجة أو قضية أو حقيقة. وعندما ينتقل التاريخ المعرفي من صنميات الأدلجة إلى حالة فرط المعلومات بالتكثير اللامتناهي سمعيًّا بصريًّا، فليس ذلك إلا تجديد الخوف من عودة السؤال إلى اكتشاف أن العالم عارٍ في الأصل مهما جرى تقنيعه وتنكيرُه.
وأخطر ما في «العولمة» أنها آتية في لحظة استهلاك جميع الأقنعة، وفي العتبة ما بعد التحقيبات المعرفية، في نهاية الانتظارات كلها، لا يجيء عُري العالم عاريًا حقًّا، مع ذلك تجيء المرآوية؛ يحدث فرط إفراط الضوء إلى درجة السطوع المطلق، كيما لا يضيء الضوء شيئًا حتى نفسه. ها هو الزمن الذي يموت فيه السؤال حيثما لا يتبقَّى ثمة موضوع لأي سؤال. طغيان الكم الهائل من المعلومات، بَذْلها وابتذالها على كل صعيد، في كل اتجاه، يوهم بعصر الأجوبة، في حين لا يلقى السؤال أمامه إلا الصحراء.
Deleuze: Différence et répétition, pp. 269–274.
Deleuze: Différence et répétition, pp. 269–274.
H.-G. Gadamer: Vérité et méthode, trad. de P. Fruchon, J. Grondin et G. Merlio, ed. Seuil, Paris, 1996.
H.-G. Gadamer: Vérité et méthode, trad. de P. Fruchon, J. Grondin et G. Merlio, ed. Seuil, Paris, 1996.