الشياطين «١٢» فقط
كانت هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها الشياطين إلى قاعة الاجتماعات، وقد نقصوا واحدًا، فمنذ بدءوا مغامراتهم وهم دائمًا «١٣»؛ ولذلك فإنهم عندما أخذوا أماكنهم داخل القاعة، كان هناك سؤال واحد يتردد في أذهانهم: أين ذهب «خالد»؟ وماذا حدث له؟
إنهم يعرفون أن «خالد» قد ذهب في مهمة سرية، لم يخبرهم بها رقم «صفر»، غير أن المدة المحددة له كانت قد انتهت، وهذا ما جعلهم يتساءلون: ماذا حدث له؟ إنه منذ خرج في مهمته السرية لم يرسل رسالة واحدة، لا إلى رقم «صفر» ولا إلى الشياطين، مع أن هذه ليست عادتهم … وعندما جاءهم استدعاء رقم «صفر» لحضور اجتماع اليوم، كانوا يتوقعون أنه خاص ﺑ «خالد»، وربما بأخبار جديدة عنه.
طال وقت انتظارهم لوصول رقم «صفر»، حتى إنهم فكروا في أن الأمر ربما قد تطور إلى أسوأ … وأن «خالد» قد أُصيب في مكان ما …
نظر «أحمد» حوله … كان الشياطين لا يزالون في استغراقهم، وعندما فكرت «إلهام» في الكلام، كان صوت أقدام رقم «صفر» أسبقَ منها، فلزمت الصمت وتعلَّقت أبصارُ الشياطين بمصدر الصوت. ظلت أقدام رقم «صفر» تقترب حتى إذا هدأت، جاء صوته مرحبًا بهم: أهلًا بكم في الاجتماع الجديد …
لم ينطق أحد من الشياطين، فاستمر رقم «صفر»: أنتم تعرفون أن «خالد» قد خرج في مهمة سرية … وهذه المهمة التي لا تعرفون عنها شيئًا، تتعلق بتلك الانفجارات التي تحدث لبواخر النقل عندما تقترب من جزر «أزورس» في المحيط الأطلنطي.
صمت رقم «صفر»، وأُضيئت الخريطة المُثبَّتة أمام الشياطين. كانت الخريطة توضح جانبًا من قارة أفريقيا وآخر من قارة أوروبا ثم جانبًا من الأمريكتين، حيث يمتد المحيط الأطلنطي بينهما جميعًا … وانطلق سهم أحمر يقطع الخريطة من أقصى الشرق، ثم يتفرع إلى فرعين؛ شمالًا وجنوبًا … إلى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية … وعند نقطة محددة، ظهرت دائرة صفراء ثابتة … وجاء صوت رقم «صفر»: هذه هي جُزر «أزورس».
صمت رقم «صفر» مرة أخرى، واختفت الخريطة، ثم ظهر مكانها خريطة أخرى للعالم، وقال رقم «صفر»: حيث تشير الأسهم يكون خط سير البواخر التِّجارية، وهي تقطع العالم لتنقُل حمولاتها من الشرق إلى أوروبا … وأمريكا …
ظهرت أسهم حمراء تقطع الخريطة من أقصى الشرق، لتمر في المحيط الهندي ثم بحر العرب ثم البحر الأحمر فقناة السويس فالبحر الأبيض المتوسط، بعدها يتجه السهم إلى أوروبا. أمَّا الفرع الآخر من السهم فكان يمر بمضيق جبل طارق إلى المحيط الأطلنطي … وعندما يقترب من جزر «أزورس» كان يختفي في مياه المحيط.
ظل الشياطين يراقبون حركة الأسهم على الخريطة، وأخيرًا قال رقم «صفر»: كانت مهمة «خالد» … هي التوصل إلى معلومات عن شركة النقل البحري التي تحدث الانفجارات في ناقلاتها، خصوصًا في تلك المنطقة القريبة من جزر «أزورس». إنَّ عملاءنا في العالم قد أرسلوا لنا رسالات متعددة عن شركة «أزورس» للنقل البحري، التي تُصاب ناقلاتها بالانفجارات، لكن أحدًا منهم لم يستطع أن يتوصَّل إلى سبب هذه الانفجارات، وهذه كانت مهمة «خالد» … لقد كانت المدة المحددة له عشرين يومًا، على أن يُواليَنا بالرسائل؛ حتى نضع تصوُّرَنا الكامل لما يحدث، إلا أنه لم يَعُد، ولم يُرسل شيئًا … والمسألة هامة … سواء بالنسبة لمصير «خالد» … أو للبضائع العربية التي تنقُلها الناقلات وتذهب إلى المحيط.
وأخذ رقم «صفر» يُقلِّب بعض الأوراق أمامه، بينما كان الشياطين يتابعون كلماتِه وقال: هذه هي مغامرتكم الجديدة … إن المعلومات لدينا تقول إن شركة «أزورس» للنقل البحري يملكها الثري اليوناني «زوس»، الذي كان يعمل بين أعضاء إحدى عصابات المافيا، لكنه تركها واتجه إلى العمل فوق البواخر التجارية. وبعد عشرين عامًا، ترك العمل فوق البواخر … وبدأ يعمل وكيلًا للنقل، واستأجر ناقلة متوسطة الحجم، اشتغلت في النيل لمدة ستة أشهر، ثم أصابها انفجار جعلها تتحول إلى قطعةٍ من الحديد.
أُضيئت لمبة زرقاء في أقصى الخريطة، قال رقم «صفر» على إثرها: سوف أترككم لحظة. ثم أخذ صوت أقدامه يبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفى، بينما كان الشياطين في حالة قلقٍ؛ لأنهم حتى الآن لم يتوصَّلوا إلى شيء … وليس لديهم صورة كاملة للموقف … واختفاء «خالد» يزيد الموقف تعقيدًا.
قالت «إلهام»: إذا كان «خالد» قد اختفى فهذا يعني أنه وقع في يد عصابةٍ ما … وربما يكون مسجونًا، أو …
قاطعتها «زبيدة»: أو اكتُشِفَ أمرُه … وهذه كارثة!
أحمد: لا أظن أن «خالدًا» يمكن أن يقع ببساطة! من يدري! قد تكون واحدة من ألعاب الشياطين.
نظروا إليه جميعًا، غير أنه لم يُكمل كلامَه، فقد كانت أقدام رقم «صفر» تقترب، وتركزت أبصارُهم في اتجاه مصدر الصوت، وقال رقم «صفر»: إنَّ وجهة نظر «أحمد» سليمة تمامًا!
صمت لحظة ثم قال: جاءتنا رسالة من أحد عملائنا في إسبانيا … حيث يقع المركز الرئيسي لشركة «أزورس» للنقل. وتقول معلومات الرسالة: إن شركة «أزورس» تقوم بالتأمين على ناقلاتها في أكثر من شركة تأمين، وقد لوحظ أن الناقلات التي تغرق تكون دائمًا قديمة ومستهلَكة؛ بمعنى أنها تكون ضئيلة الثمن … وتكون قد عَمِلت لسنوات طويلة … وفي نفس الوقت، فإن قيمة التأمين تكون مرتفعة … وواضح أن المستفيد من التأمين هو وحده صاحب المصلحة في غرق البواخر!
تناهى إلى أسماع الشياطين صوت أوراق تُقلَّب، ثم قال: من المؤكد أن هناك نقطة ما … هي التي سوف توضح الموقف كله … وخبراؤنا في أماكن متعددة من العالم يقومون بالبحث عن هذه النقطة … وعند كشفها يمكن تحديد المتهم وتوجيه الاتهام إليه.
سكت بعض الوقت، ثم قال: إنَّ مهمتكم تنقسم إلى شقين؛ البحث عن «خالد» … ثم الوصول إلى سبب انفجار الناقلات في تلك المنطقة … إن خبراءنا يبحثون عن السبب، وعملاءنا يجمعون المعلومات. وأنتم تعرفون طبعًا جغرافية مغامرتكم، إنها جزر «أزورس» حيث تقع تلك الانفجارات، التي جعلت شركات التأمين على البواخر تصرخ بالشكوى، والتجار العرب يخسرون ملايين الجنيهات.
ثم انقضتْ دقيقة قبل أن يقول: أتمنى لكم التوفيق … وسوف تجدون تقريرًا كاملًا عن «زوس» وناقلاته وثروته … عند خروجكم.
مضتْ لحظة، قبل أن تُسْمَع أقدام رقم «صفر» وهي تبتعد، وظلَّ الشياطين في أماكنهم لحظة أخرى، قبل أن يتحركوا للانصراف. ثم فُتِح باب قاعة الاجتماعات، وبدأ الشياطين اﻟ «١٢» يخرجون. كانوا يشعرون بالغضب لغياب زميلهم «خالد» … كما كانوا يشعرون بالتحدي لكشف السر … وفي قاعة الاجتماعات الصغرى جلس الشياطين يحددون المهام المطلوبة من كل منهم، والفريق الذي سيسافر للمهمة.
قال «بو عمير»: إننا يجب أن ننطلق الآن.
عثمان: فلنحددِ الأشخاص أولًا.
بو عمير: إننا نحتاج إلى المجموعة كلها … فسوف نغطي مساحة واسعة!
التقت أعينهم دون أن يتوصلوا إلى اتفاق، غير أن «أحمد» قال في النهاية: أعتقد أننا نحتاج لأكثر من مجموعة … سوف أقترح عليكم وجهة نظري.
أمسك «أحمد» بقلمٍ وبدأ يُخطِّط بعضَ الدوائر، ويرسُم حولها خريطة مبسطة لامتداد المحيط الأطلنطي، ثم نظر إلى الشياطين وقال: يجب أن تبدأ مجموعة منَّا السفر فورًا إلى جزر «أزورس» … على أنْ تبقى … وقبل أن يُكمِل جملته … جاءتهم إشارة سريعة تدعوهم للاجتماع فورًا في قاعة الاجتماعات الكبرى.
فقال «أحمد»: يبدو أن هناك مفاجأةً ما.