الأخبار … في مقهى برشلونة!
أسرع الشياطين إلى قاعة الاجتماعات التي كانت الإضاءة فيها قد تغيرتْ، فأصبحت أقل حِدَّة. وجلسوا في صمت ينتظرون رقم «صفر» … كانت هذه الدعوة السريعة مثيرة بالنسبة لهم، فلأول مرة يستدعيهم رقم «صفر» مرتين … في أقل من نصف ساعة. واقتربت أقدام رقم «صفر» … ثم جاء صوته في النهاية: لقد وصَلَنا تقرير من عميلنا في جنوب شرق آسيا … يقول: إن ناقلة ضخمة من ناقلات البترول التابعة لشركة «أزورس» للنقل البحري قد أُصيبت بلغم مائي فانفجرتْ، ولا تزال النيران مشتعلة فيها حتى الآن … رغم أن الانفجار قد حدث منذ أكثر من عشرين ساعة، وأن سطح الماء لا يزال مشتعلًا نتيجة لطبقة البترول العائمة على السطح.
وعندما سكت رقم «صفر» سكت كل شيء … وكانت اللحظة غير مشحونة بالتفكير … أخيرًا قال: إن هذا يعني أن أعمال التخريب بدأت تظهر في أماكنَ أخرى … وهذا ما يجعل عبء مهمتكم أكبر … لكنه واجب قومي.
لمعت لمبة حمراء أمام الشياطين، فعرفوا أن هناك رسالة عاجلة وهامة، ثم أخذت أقدام رقم «صفر» تبتعد، فالتقت أعين الشياطين. إن المغامرة سوف تُغطِّي العالمَ كله إذن. فما دامت قد ظهرت أعمال جديدة في مياه آسيا، فهذا يعني أنها سوف تظهر في أماكن أخرى، حيثما تعمل ناقلات الثريِّ اليوناني «زوس».
طالتْ دقائقُ الانتظار … وكان كل واحد من الشياطين يُفكِّر في الموقف بطريقته. ومضت دقائق أخرى، ثم بدأت أصوات أقدام رقم «صفر» تقترب … ركز الشياطين انتباههم، ثم جاء صوت رقم «صفر»، وكان يبدو هادئًا: رسالة من «خالد»!
اهتزَّ الشياطين لسماع تلك الجملة، والتقت أعينهم عند «أحمد»: إنها إذن إحدى ألاعيب الشياطين. قال رقم «صفر» بعد لحظة: إن الرسالة ليست طويلة … غير أنَّ المعلومات مطَمْئنة … إنه يقول: إن السمكة قد اقتربت من السنَّارة، وإنه يحتاج لبعض الصيادين.
فهِم الشياطين مضمون رسالة «خالد»؛ أنه قد توصل إلى النقطة التي كانوا سيخرجون من أجل البحث عنها … لقد وضَحَت المغامرة إذن.
ثم قال رقم «صفر»: موعد اللقاء الساعة الثانية صباحًا في المقر السري … في برشلونة! وأُضيئت الخريطة، وظهرت دائرة خضراء … وفي خطٍّ موازٍ لها ظهرت دائرة أخرى حمراء. كانت الأولى تشير إلى برشلونة في إسبانيا، وكانت الثانية تشير إلى جزر «أزورس».
قال رقم «صفر»: هل هناك أسئلة؟
مضت لحظة صمت، ثم قالت «زبيدة»: وماذا عن انفجار جنوب شرق آسيا؟ …
رقم «صفر»: إن اكتشاف سبب واحد يعني اكتشاف الأسباب الأخرى … إن الناقلات المصابة تابعة لجهة واحدة، وهذا يعني أن العملية واحدة أيضًا!
صمت لحظة، ثم قال: يجب أن تنطلقوا الآن مباشرة، أتمنى لكم التوفيق.
عندما بدأت أقدام رقم «صفر» تبتعد، كان الشياطين يأخذون طريقهم بسرعة للخروج من القاعة. ولم تمضِ لحظات حتى كانت الأبواب الصخرية للمقر السري تُفْتَح لتخرج منها سيارة واحدة، تنقُل أربعةً من الشياطين؛ هم «أحمد» و«بو عمير» و«باسم» و«مصباح» … في نفس اللحظة كان الباقون يستعدون … فربما احتاج الأمر لسفرهم إلى نقطة انفجار جديدة …
كان الوقت يمر سريعًا على بقية الشياطين في المقر، فنظرت «إلهام» في ساعة يدها وقالت: لقد وصلوا برشلونة الآن!
وتمامًا كما حددت «إلهام» كانت الطائرة تنزل في مطار برشلونة الدولي، ليأخذ الشياطين الأربعة طريقهم إلى خارج المطار. وكانت الساعة تدق الواحدة، عندما وقفوا عند الباب الخارجي للمطار، يشيرون إلى تاكسي، وعندما دقت الساعة الواحدة والنصف تمامًا، كانوا ينزلون من التاكسي أمام باب المقر السري.
قال «باسم»: لا بدَّ أن «خالد» بالداخل الآن!
قال «بو عمير» بحبٍّ: لقد أَوْحَشَني كثيرًا!
وتتابعت خُطُواتهم السريعة إلى الداخل. كان المقر السري هادئًا … ولم يكن ثمة صوت لشيء؛ اللهمَّ إلا صوت السيارات والمارَّة في الخارج، كانوا يسمعونه بين لحظةٍ وأخرى …
قال «مصباح»: ربما يكون نائمًا الآن، فالوقت متأخر.
أطلق «أحمد» صفير الشياطين المتقطع وهو يشبه صوت البومة، لكن أحدًا لم يرد، وأعاد الصفير مرة أخرى، لكن أحدًا لم يردَّ أيضًا … التقت أعين الشياطين، وتقدم «باسم» من حجرات النوم، وفتح إحداها … إلا أنه لم يجد شيئًا.
فجأة، أُضيئت لمبة حمراء في جهاز الاستقبال الرئيسي للمقر؛ فعرف الشياطين أن هناك رسالة. أسرعَ «أحمد» إلى الجهاز وبدأ يتلقَّى الرسالة: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» … آسف لتأخيري، إنني في المصيدة … السمكُ كثير.
أدرك «أحمد» ما يقصده «خالد»، ونقل الرسالة إلى بقية الشياطين، فقال «مصباح»: لكن … أين «خالد» الآن؟! إننا نحتاج إلى معلومات أكثر.
«بو عمير»: المؤكد أنه إذا وجد الفرصة … فسوف يرسل ما لديه من معلومات.
ظل الشياطين في حالة صمت كاملة … لم يكن أمامهم ما يمكن أن يتحركوا من أجله … لكن الوقت لم يَطُل … فقد جاءتهم صَفَّارة الشياطين، التي تعني أن «خالد» قد وصل. وقبل أن يتحرك أحدهم، كان «خالد» يقف أمامهم في ملابس البحَّارة. تَعانَقَ الشياطين، وقال «باسم»: لعلك جائع الآن!
ابتسم «خالد» وقال: لقد أكلت لتوي مع الزملاء … أخشى أن تكونوا أنتم جوعى!
أحمد: لا … إننا فقط جوعى للمغامرة!
وبدأ «خالد» يحكي لهم رحلته كلها منذ بدأت … وكيف أنه اضطُر إلى الصمت حتى يصل إلى ما يريد. لقد استطاع في النهاية أن يعمل في شركة «أزورس» نفسِها، لكن عمله كان لا يزال على الشاطئ دون السفر على إحدى الناقلات الكبيرة … لكنه في النهاية استطاع أن يكسب ثقة الكابتن «بال»، الذي يعتبر أقدم قباطنة السفن في الشركة، والرجل الأول عند «زوس» صاحب الشركة، ولقد وعده «بال» برحلةٍ على السفينة الجديدة «لايت» التي سوف تنزل الماء قريبًا …
قال «مصباح»: هل نستطيع أن نجد عملًا في الميناء؟
خالد: سوف أُدبِّر ذلك خلال أيام، ولقد أخبرت الكابتن «بال» أن لي زملاءَ يحتاجون للعمل، لكنه لم يرد، وإن كان قد نظر لي طويلًا، ثم ابتسم وانصرف!
بو عمير: هل نستطيع دخول الميناء، أو أن هناك محظورات على الدخول!
خالد: سوف أحصل لكم على تصاريح دخول غدًا، حتى تبدوَ المسألة طبيعية!
أحمد: هل رأيت «زوس»؟
خالد: نعم، مرة واحدة. إنه شخصية مثيرة … فهو لا يتحدث كثيرًا؛ إنما عيناه هما اللتان تتحدثان! والكابتن «بال» يفهم حديثه الصامت جيدًا.
تحدَّث «خالد» كثيرًا عن «زوس»، فقال إنه متقدم في السن، أبيض الشعر تمامًا، قوي البنيان، عيناه كالصقر، لا يدخن … يلبس دائمًا بدلة «جينز» زرقاء وحذاءً خفيفًا، لا يبدو عليه الثراء رغم ثرائه الفاحش.
وسهِر الشياطين في أحاديثَ متناثرة، حتى استغرقوا في النوم. وعندما استيقظوا في الصباح، لم يجدوا «خالد» الذي ترك لهم رسالة كتب فيها: الشياطين … صباح الخير، سوف أرسل لكم رسالة عند الظهيرة.
نظر «أحمد» في ساعة يده ثم قال: لا يزال الوقت مبكرًا … يمكن أن نخرج في جولة حتى يحين موعد الرسالة.
لم تمضِ دقائقُ قليلة … حتى كانوا يأخذون طريقهم إلى خارج المقر، الذي كان قريبًا من الميناء، وقال «باسم»: هل نذهب إلى هناك؟ ولم يرد أحد من الشياطين، كانوا يسيرون ببطء … أخيرًا قال «أحمد»: يمكن أن نذهب إلى مقهًى من المقاهي التي تتناثر بجوار الموانئ. إنها مفيدة؛ فطالما حصلنا على معلومات من مقاهي الموانئ … كما حدث في مغامرة القرصان.
اتجهوا إلى الميناء، كانت المقاهي تبدو صغيرة وقد ازدحمت بالبحَّارة، ودخلوا مقهًى مكتوبًا عليه «برشلونة»، وعندما أخذوا أماكنهم حول منضدة مستديرة، جاءهم الجرسون بسرعة، فطلبوا شايًا … ثم أخذت آذانهم تتنصَّت لأحاديث البحارة التي كانت تملأ المكان … كانت الأصوات مرتفعة كعادة البحارة عندما يتحدثون، قال أحدهم: لعل الرحلة تكون هادئة هذه المرة.
فردَّ عليه آخر: هل تصل المركب الليلة؟
ردَّ الأول: لقد كانت رحلة سيئة، تلك التي حدث فيها الانفجار!
الثاني: كانت خسائر الرجال قليلة!
استرعى انتباهَ الشياطين حديثُ البحارة، وكان واضحًا أنهم يتحدثون عن إحدى ناقلات «أزورس». التقت أعينهم … غير أن أحدًا منهم لم ينطق بكلمة. واستمر حديث البحارة حتى وقف أحدهم قائلًا: سوف أتغيب قليلًا، ثم أعود.
ضحك آخر وقال: إيَّاك أن تتزوج هذه المرة!
ردَّ ضاحكًا هو الآخر: إن عملية الانفجارات تجعلني أتراجع عن التفكير في الزواج … وإلا فسوف يصبح الأولاد بلا أب! ثم خرج.
تأكد للشياطين أن هؤلاء البحارة يعملون في شركة «أزورس» للنقل البحري … فهمس «باسم»: إنها فرصة طيبة، لو تحدَّثنا إلى واحد منهم!
فقال «مصباح» فجأة بصوت مرتفع نوعًا: إن انفجار شرق آسيا … يعتبر كارثة، فالناقلة ضخمة هذه المرة.
لفت نظر البحارة ما قاله «مصباح» الذي استمر في قوله: إن البحارة بدءوا ينسحبون من شركة «أزورس» هذه الأيام!
فجأةً وقف أحد البحارة … ثم أخذ طريقه إلى الشياطين، حتى إذا اقترب منهم، ألقى عليهم تحية الصباح، ثم قال: هل يسمح الزملاء؟ ثم جلس، فنظر «أحمد» بسرعة إلى الجرسون، ثم أشار إليه، غير أن الرجل قال: لا داعي، لقد كنت فقط أريد أن أسألكم … من أين لكم هذه الأخبار؟
رد «بو عمير»: إن الصحافة العالمية تتحدث كثيرًا في هذه المسألة … فقد كثرت الانفجارات في الفترة الأخيرة.
سأل الرجل: وكيف عَرَفتَ أن البحارة ينسحبون؟
قال «أحمد» بسرعة: لقد قرأت إعلانًا تطلب فيه الشركة بحارة جددًا … وهذا يعني أن الذين يعملون لديها ينسحبون.
هزَّ الرجل رأسه وهو يقوم قائلًا: هذا حقيقي … إنك شاب ذكي. ثم انصرف.
تشاغل الشياطين في أحاديث مختلفة، حتى لا يلفتوا النظر. ولم تمر لحظات حتى كان «أحمد» يدفع للجرسون الحساب، ثم انصرفوا. وفي الطريق قال «باسم»: كان ينبغي أن نستغل الفرصة.
أحمد: أخشى أن نلفت نظر أحد. فمن المؤكد أن «زوس» له عيون كثيرة في كل مكان، خصوصًا في الأماكن التي يتردد عليها البحارة.
أخذوا طريقهم إلى المقر السري، وكان وقت الظهيرة قد اقترب. وعندما فتحوا الباب كانت إشارات جهاز الاستقبال في انتظارهم، فأسرع «أحمد» إلى الجهاز … كانت هناك رسالة من «خالد»: استعدوا … الهواء يملأ الشراع … فنظر «أحمد» إلى الشياطين، ثم ابتسم قائلًا: الريح في صالحنا.
سأل «باسم»: ماذا تعني؟
أحمد: سوف ندخل المصيدة!
هزَّ «باسم» رأسه، فقد فهِم ماذا يعني «أحمد».