نهاية معركة وبداية أخرى
لم يتحرك أحد من الشياطين رغم أنهم توقعوا الشر … وكما توقعوا تمامًا، ما إن وصلت أقدام الرجال إلى الزورق حتى كان أحدهم يُوجِّه لكمةً قوية إلى «مصباح»، الذي كان أقرب الشياطين إليهم، إلا أن «مصباح» كان أسرع منه، فقد مال بجسمه إلى اليمين، فجاءت اللكمة في الهواء … ووجَّه لكمة مستقيمة إلى بطن الرجل؛ جعلته ينحني بكل جسده في اتجاه «مصباح»، الذي عاجله بلكمة أخرى في وجهه، جعلته يفقد توازنه … أَعْقَبها بأخرى في وجهه أيضًا، جعلته يتهاوى ولا يستطيع أن يحتفظ بتوازنه فسقط في الماء.
في نفس اللحظة كان الشياطين قد اشتبكوا مع الرجال. طار «بو عمير» وتعلَّق بكابينة الزورق، ثم ضرب أحدهم ضربة مزدوجة بقدمه، جعلت الرجل يطير في الهواء، ثم يصطدم بمؤخرة الزورق.
في نفس اللحظة كان «أحمد» قد اشتبك مع آخر حتى سقطا في داخل الزورق، وكان الرجل قويًّا، حتى إنه ضرب «أحمد» ضربة جعلت «أحمد» يفقد توازنه، غير أنه في اللحظة التي ترنح فيها، كانت قدمه اليمنى قد طارت لتضرب الرجل في أنفه ضربة عنيفة، جعلته يدور حول نفسه ويسقط.
وكان «باسم» قد أمسك بذراع رابعهم، ثم دار به حول سارية من ساريات الزورق، فالتفَّتْ ذراع الرجل حول السارية حتى كادت تنكسر، وصرخ الرجل، إلا أن «باسم» كان قد عاجله بضربة قوية بقدمه، فأصابت بطنه … ثم ضربَه ضربةً أخرى في رأسه جعلته يتهاوى، فدفعه بقوة فسقط في الماء.
تنبَّه «مصباح» إلى الرجل الأول الذي سقط في الماء، وكان قد عاد إلى زورقه، ثم اختفى داخله، فأسرع «مصباح» إلى حافة الزورق، ثم قفز إلى الزورق الآخر. كان الرجل قد خرج في نفس اللحظة يحمل مسدسًا … اختبأ «مصباح» خلف كابينة الزورق، حتى إذا اقترب الرجل، كانت قَدَمُ «مصباح» أسرع إليه من مجرد أن يفكر في شيء، فضرب المسدس من يده، فطار في الهواء، ثم سقط في الماء. وبسرعة كان «مصباح» قد قفز في الهواء ليضربه بكلتا قدميه، فترنَّحَ الرجل حتى سقط في قاع الزورق.
عندما نظر «مصباح» إلى زورق الشياطين، كانت المعركة قد انتهت، والرجال جميعًا في الماء. أسرع إلى قاع الزورق فأمسك بالرجل، ثم لوى ذراعه في قوة جعلت الرجل يصرخ، ثم صعد به إلى السطح. كان الشياطين يقفون في انتظاره، بينما كان الرجال في الماء قد تباعدوا كثيرًا … نظر «مصباح» إلى الشياطين وقال: هل أتركه يلحق بهم؟!
قال «أحمد» بسرعةٍ: لا … لا … إنَّه قد ينفعنا!
دفع «مصباح» الرجل أمامه، حتى وصل به إلى زورق الشياطين.
في نفس اللحظة كان «أحمد» يقفز إلى الزورق الآخر، وهو يقول: ينبغي أن أجربه.
اقترب من الماكينة، ثم أدار المفتاح فزَعَقَ صوتُ الآلة، ودارت الماكينة، فنظر إلى الشياطين وقال: هيَّا الحقوا بي!
ضبط البوصلة على نفس اتجاه زورق الشياطين، ثم انطلق. غير أن زورق الشياطين كان قد تجاوزه، وكان واضحًا أنه أبطأ كثيرًا … أشار «أحمد» إلى الشياطين فتوقف «بو عمير» الذي كان يقف في مكان القيادة، وعندما لحق به، اقترب منه، وقال «أحمد»: ما رأي الشياطين؟ هل نصحب الزورق، أم نتخلص منه؟
لم يرد أحد من الشياطين بسرعةٍ … إلا أن «باسم» قال بعد قليل: أعتقد أنه سوف يُعطِّلنا كثيرًا … يمكن أن نُحْدِثَ به عَطَبًا، ثم نلقي أثقاله، حتى يظل في مكانه، على أن يكون ذلك بعد مسافة أخرى؛ حتى لا يمكن استخدامُه بواسطتهم.
كانت هذه وجهة نظر طيبة، فانطلق «أحمد» بالزورق، وسار خلف زورق الشياطين، حتى إذا مضت نصف ساعة، توقف «أحمد» ثم أبطل الماكينة تمامًا، ونزل إلى المحرك فنزع أحد مساميره، واحتفظ به، ثم أنزل أثقال الزورق التي تجعله في مكانه لا يتحرك. في نفس اللحظة، اقترب «بو عمير» بزورق الشياطين حتى قفز «أحمد» إليه، ثم انطلق.
كان الرجل الذي صحبوه يجلس ساكنًا، ينظر إلى وَثاقه الذي أَوْثَقه به «مصباح»، واقترب منه «أحمد» وسأله: هل يمكن أن نتعرف إلى الزميل؟
نظر له الرجل في غيظ ولم يرد. فقال «أحمد»: إننا نستطيع أن نجعلك تنطق بالقوة، لكننا فقط لا نحب أن نؤلم أحدًا!
لم يرد الرجل. فقال «باسم»: لا بأس الآن، إنه يحتاج إلى بعض الراحة!
غمزَ «مصباح» وهو يقول: قد يجد راحته عندما نُلقي به ليلحق بزملائه!
ظهر الفزعُ على وجه الرجل، ثم قال بعد جهد: أيها الزملاء … لا داعي … لا داعي!
سأله «أحمد»: إذن دعنا نتعرَّف إليك … إنك بالتأكيد سوف تجد فينا زملاءً ينفعوك!
هزَّ الرجل رأسه وقال: نعم، نعم. إنني أعتقد ذلك! وصمت قليلًا ثم قال: أُدْعَى «جيروم»، بحَّار قديم كما ترون … أعرف جيدًا هذه الأماكن.
أحمد: دعني أسألك، مَنْ صاحب العمل؟
وقبل أن يُنْهِيَ «أحمد» سؤاله كان الرجل ينطق بسرعة: إنني لا أعرف بالضبط من هو صاحب العمل. إنني أعمل مع آخر، وأتقاضى أَجْرِي منه!
أحمد: مَن هو؟
جيروم: إنه يُدْعَى «بال»!
نظر الشياطين إلى بعضهم. وسأل «مصباح»: إلى أين نتجه الآن؟
جيروم: إلى الشرق؟
مصباح: إنني أعرف ذلك، ولكن إلى أي أرض؟
أدار الرجل عينيه بينهم، ثم قال مترددًا بعد لحظة: إلى … إلى جزر «أزورس». ثم صمت قليلًا، وقال: هل يمكن أن تفكوا وَثَاقِي؟ … إنني متعب الآن تمامًا!
بعد قليل وقف «أحمد»، ثم فكَّ وَثاقه … وظل «جيروم» يُدَلِّك مكانَ الحَبْل، ثم قال: هل أطمع في سيجارة؟
باسم: لا أحد بيننا يُدَخِّن!
«جيروم» بعد قليل: هل أطمع في كوب من الشاي؟
هزَّ «مصباح» رأسه، ولم يكد يتحرك حتى كان «بو عمير» يقول: هناك شيء ما … أمامنا!
لحظة … ثم جاء جرس الإنذار في الزورق يُنْبئ عن وجود جسم صُلْب في الطريق …
أسرع «أحمد» إلى المنظار المكبِّر، ثم ظل يضبط عدستيه، حتى أصبح الجسم واضحًا. كان عبارة عن زورق صغير، يبدو فوق ظهره بعض الرجال … نظر «أحمد» إلى «جيروم» وسأله: ما هذا؟
تردد «جيروم» قليلًا، ثم قال: إنه … إنه زورق! ثم أضاف بعد لحظة: إنني لا أراه جيدًا … دعني أراه!
أخذ المنظار من «أحمد» ثم اقترب من حافة الزورق، وما هي إلا لحظة، حتى كان قد ألقى بنفسه في الماء، وغاص فيه. نظر الشياطين في إثره قليلًا … كان «بو عمير» قد دار بالزورق حوله، وظل الشياطين ينتظرون ظهوره، وهم ينظرون في كل اتجاه، وفجأة هتف «باسم»: هذا هو! …
كان «جيروم» قد ظهر بعيدًا، فقد كانت دورة الزورق واسعة، فأخذ «بو عمير» طريقه إليه، إلا أن «جيروم» اختفى مرة أخرى. فقال «بو عمير» بعد قليل: إننا يمكن أن نتخلص منه في مكانه … إنه قد يُعطِّلنا … فلا تزال الرحلة أمامنا طويلة.
صمت الشياطين قليلًا، حتى قال «أحمد»: لكنه يمكن أن يكون مصدر معلومات طيبة لنا، ما دام من رجال «بال».
باسم: هذا صحيح!
أشار «أحمد» إلى «بو عمير» أن يتجه إلى «جيروم» الذي كان يبدو بعيدًا. ومرة أخرى، اختفى «جيروم»!
هزَّ «باسم» رأسه وقال: اتجه إلى مكانه … سوف أقبض عليه!
اقترب الزورق من «جيروم» الذي لم يكن قد ظهر بعد، وظل الزورق ثابتًا في مكانه؛ بينما كان الشياطين يرقبون جميع الاتجاهات.
فجأة ظهر «جيروم» على بعد حوالي مائة متر، فقال «باسم»: سوف أنزل من الجانب الآخر … بعد نزولي بدقيقتين، أطلقوا عليه إبرة مُخَدِّرة!
ما إن انتهى من كلامه، حتى نزل إلى الماء ثم غاص فيه، وكان «جيروم» يسبح مبتعدًا، عندما همَّ «أحمد» بإخراج مسدسه … وفي نفس الوقت كان الزورق البعيد يأخذ طريقه في اتجاههم، في نفس اللحظة التي كان فيها «جيروم» يرفع إحدى يديه، مشيرًا في اتجاه الزورق إشارات كان من الواضح أن لها معنًى. أسرع «أحمد» بإطلاق الإبرة المخدرة، ومضت لحظة، ثم أخذ «جيروم» يختفي … لكن في خلال لحظات كان «باسم» يظهر على السطح وهو يحمل «جيروم» على ظهره.
أسرع «بو عمير» بالاتجاه إليه … وقال «أحمد»: إننا سوف نشتبك معهم حالًا.
اقترب الزورق حتى وقف بجوار «باسم»، فأخذوا بيد «جيروم». ثم صعد «باسم». وفجأة، دق جرس الإنذار … أسرع «أحمد» بالضغط على زر الرادار، فأضيئت شاشة وظهر جسم أسود، ليأخذ طريقه إلى الزورق. قال «أحمد»: إنه قذيفة مائية!
كانت القذيفة متجهة ناحية زورق الشياطين في سرعة مذهلة … فأسرع «أحمد» إلى ذراع القذف، ووجه البوصلة الخاصة بالقذائف … في اتجاه القذيفة القادمة، ثم أطلق قذيفة انطلقت في قوة. ولم تمضِ دقيقة حتى ارتجفت المياه … ثم اندفع عامود من الماء إلى السماء، وقال «أحمد»: لقد أصبنا الهدف، وانفجرت القذيفة. وصمت لحظة … ثم قال: لقد بدأت المعركة.