الصراع … بقذائف الأعماق!
كانت أعين الشياطين مركزة على شاشة الرادار، حتى يمكن مراقبة أي قذائف أخرى … وكانت يد «أحمد» فوق يد إطلاق القذائف، في انتظار ما يحدث … طالت لحظة الانتظار، وأصبح واضحًا الآن أن المعركة سوف يكون لها شكل آخر … وأساليب أخرى … كانت شاشة الرادار توضح في أعلاها نقطة سوداء ثابتة، وكان واضحًا أنها الزورق المضاد، فقال «أحمد»: هل نُطلق عليه قذيفة مباشرة؟
لكن لم يرد أحد من الشياطين بسرعة، وفي النهاية قال «بو عمير»: إننا حتى الآن لا نعرف حقيقة هذا الزورق، إن مهمتنا أن نستفيد من «جيروم»!
أحمد: هذه فكرة طيبة … على «مصباح» و«باسم» أن يبدآ المهمة!
كان «جيروم» يرقد في قاع الزورق، فاتجه إليه الاثنان … كان لا يزال يرقد مخدَّرًا بتأثير الحقنة، وقال «مصباح»: إننا نحتاج إلى شيء مُنبِّه.
أسرع «باسم» إلى مطبخ الزورق، ثم بدأ يبحث عن شيء. لكنه تذكر بسرعة أنه يمكن أن يجد شيئًا في صيدليته. وهناك وجد زجاجة، فملأ قطنةً منها، ثم أخذها بسرعة إلى حيث يرقد «جيروم»، وقبل أن يتطاير الأثير من القطنة قرَّبها من أنفه، حتى كادت تدخل فيه … استنشق «جيروم» لحظة … ثم ظهرت على وجهه دلائل الرفض … أمسك «مصباح» بأنفه ليُرغمه على الاستنشاق من الأثير، لكن «جيروم» أخذ يقاوم … أصرَّ «باسم» على الاحتفاظ بقطنة «الأثير» عند أنفه. وعندما رفع «مصباح» يده، تنفَّس «جيروم» بعمق؛ فقد امتلأت رئتاه بالأثير الذي جعله يسعل بشدة، ثم بدأ يُفيق شيئًا فشيئًا. وأسرع «باسم» وأعدَّ له كوبًا من الشاي الساخن، وعندما عاد كان «جيروم» قد أفاق تمامًا، فقدَّم له «باسم» كوبًا من الشاي، فأخذه بسرعة … وبدأ يحتسيه في سرور …
قال له «مصباح»: أظن أنك أحسن كثيرًا الآن!
هزَّ «جيروم» رأسه، وأضاف «مصباح»: هل تخلع ملابسك، حتى نضعها لك في الشمس؟
نظر له «جيروم» قليلًا، ثم هزَّ رأسه موافقًا. أخذ «مصباح» ملابسه ثم علَّقها على حبال الزورق. فقال «أحمد»: إنها سوف تكون مثيرة بالنسبة لهم … إنها تحمل إشارة معينة، يمكن رصدها!
مصباح: إنَّ ذلك يجعل لحظة الصدام قريبة ومثيرة!
نزل «مصباح» مرة أخرى إلى حيث يرقد «جيروم»، وكان الزورق ثابتًا في مكانه لا يتحرك، وكان الزورق الآخر على نفس الحالة.
نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وقال: سوف أنزل إلى «جيروم» … لا بدَّ أن نستفيد منه.
ظل «بو عمير» راصدًا حركة الزورق الآخر … في نفس الوقت الذي نزل فيه «أحمد» إلى «جيروم». فوجده جالسًا في هدوء، وتبدو عليه علامات الرضا … اقترب منه «أحمد» قائلًا: هيه أيها الصديق «جيروم». هل نعقد اتفاقًا؟
لم يردَّ «جيروم» بسرعة، غير أنه قال بعد قليل: استمعوا إليَّ جيدًا … إن العصابة … ولم يُكمل، لقد أدرك أنه قد أخطأ في الحديث، لكنه تدارك بعد لحظة: إنَّ البحَّارة هناك يعرفون الآن أنني هنا … وأي حركة سوف تقومون بها، أكون أنا مصدرها … لا تضعوني في الموقف الصعب!
أحمد: أظن أنك تستطيع الانضمام إلينا، ولا داعي للعودة إلى العصابة!
لم ينطق «جيروم»، فسأله «أحمد»: هل لكم قاعدة بحرية هنا؟
ظل «جيروم» صامتًا لا يرد على أي سؤال يوجهه إليه أحد من الشياطين، ولذلك فقد قال «أحمد» أخيرًا: إنني أستطيع الحصول على ما أريد من المعلومات ببساطة … ما رأيك؟ وأشار إلى «مصباح» الذي تحرك، وعاد بصندوق متوسط الحجم … نظر له «أحمد» وقال: إن هذا الصندوق يستطيع أن يحصل على اعترافك!
فجأة، سمِع الشياطين صوت «بو عمير» يقول: لقد اختفى الزورق!
أسرع «أحمد» إلى «بو عمير». كانت شاشة الرادار خالية تمامًا من أي علامة. وفجأة، دَوَّى جرس الإنذار، وظهر جسم أسود يندفع إلى زورق الشياطين. قال «أحمد»: إنها قذيفة أخرى … تحرك!
أسرع «بو عمير» بالانطلاق، إلا أن القذيفة ظلت مندفعة في اتجاه الزورق. عرف «أحمد» أنها قذيفة مُوجَّهة، فأسرع إلى ذراع إطلاق القذائف، وضبط البوصلة مع الرادار، ثم جذب الذراع، فانطلقت قذيفة في لحظات، ثم ارتجَّت مياه المحيط، وارتفع عامود الماء إلى عَنان السماء. فابتسم «بو عمير» وقال: لقد أصبت الهدف!
كانت لحظة مشحونة بالتوتر. إن هذه المحاورة يجب أن تنتهي … ظلت عينا «أحمد» فوق الرادار، لكن لم يكن هناك شيء … أسرع «أحمد» إلى حيث كان «جيروم»؛ إنه الوحيد الذي يمكن أن يُنهيَ هذا الموقف … أشار إلى «بو عمير» أن يظل في انطلاقه تبعًا لاتجاه البوصلة، إلى النقط التي حددها «خالد» منذ البداية، ونظر إلى «جيروم» وقال: ما رأيك أيها الزميل، هل نصل إلى اتفاق، أو نأخذ معلوماتنا بالطريقة التي نعرفها؟!
صمت «جيروم» ولم يرد … أخذ «أحمد» يده ثم أدخلها في ثقوب الصندوق، فأسرع «جيروم» بسحب يده، إلا أن شيئًا داخل الصندوق كان قد قبض على أصابعه. قال «أحمد»: ما رأيك الآن؟
لم يرد، غير أن معنًى ساخرًا كان قد ظهر على وجهه، فضغط «أحمد» على زِر في الصندوق، فصرخ «جيروم» ثم قال: سوف أقول! سوف أقول!
رفع «أحمد» يده عن الزر، فهدأ «جيروم»، وإن كان قد ظل يتألم بعض الوقت. وفي النهاية بدأ يتحدث … إلا أن «بو عمير» كان قد أعلن بصوت مرتفع: هناك جسم ظهر على الشاشة.
أسرع «أحمد» إليه، وترك «باسم» و«مصباح» يسمعان ما يقوله «جيروم». كان هناك جسم يتحرك بعرض الرادار، غير أنه بعد لحظات اختفى في منتصف الشاشة تمامًا.
قال «أحمد»: إن الجسم يأخذ طريقه كما هو. هناك فقط إشعاعات تؤثر على الرادار، مصدرها الجسم نفسه، وينبغي أن نتصرف.
ظهر «باسم» واقترب من «أحمد» قائلًا: لقد اعترف «جيروم». هناك محطة بحرية قريبة من هنا، ومنها تخرج زوارق تقوم بنسف ناقلات «زوس»!
فجأة، سمعوا صوتًا قويًّا لسقوط جسم ما … أسرع «باسم» إلى عمق الزورق … وهناك كانت تدور معركة بين «مصباح» و«جيروم». كان «جيروم» قد ضرب «مصباح» فجأة … في صدره بقدمه، ثم قفز متحفزًا، إلا أن «مصباح» كان قد قفز قفزةَ الثعبان طائرًا في الهواء، ثم ضربَ «جيروم» ضربتين متتاليتين، وجعله يسقط هذه السقطة التي سمعوها.
وقف «باسم» دون أن يتحرك، بينما كان «جيروم» ممددًا في قاع الزورق، وأسرع «مصباح» وأمسك بذراع «جيروم» ثم جذبه بشدة، ولوى الذراع إلى الخلف في نفس الوقت ثم دفعه أمامه، فقام «باسم» بربطه بأحد حبال الزورق، ثم عاد الاثنان إلى حيث يقف «أحمد» و«بو عمير».
قال «أحمد»: إن مهمتنا أن ندع ناقلة «زوس» تمر بسلام … ليس فقط من أجل شركات التأمين، ولكن أيضًا من أجل «خالد» … إنه فوق الناقلة مع الكابتن «بال» … إن علينا الآن أن نعثرَ على هذا الزورق!
قال «باسم»: ينبغي أن نتوقف قليلًا؛ إن الزورق يقوم بمهمته في هذه المنطقة!
نظر «بو عمير» إلى مقياس السرعة أمامه، ثم قال: إننا الآن في دائرة جزر «أزورس».
توقف الزورق وقال «مصباح»: أقترح أن ننزل أنا و«باسم» إلى الأعماق … ربما يكون الزورق من طراز حديث، ويمكن أن يؤديَ دور الغوَّاصة في بعض الأوقات!
لم يردَّ أحد من الشياطين، غير أن «أحمد» قال بعد لحظة: انزلا، وسوف أكون في انتظار رسالة منكما.
لم تمض لحظات حتى كان الاثنان ينزلان الماء في هدوء … ثم يختفيان فيه … أوقف «بو عمير» محرك الزورق، فلم يعد هناك صوت، ثم قال: لماذا لا نجرب رادار الأعماق؟
نظر له «أحمد» لحظة … ثم ضغط زِرًّا في أسفل جهاز الرادار أمامه … فبرقت الشاشة ثم ظهر جسمان يتحركان … قال «بو عمير»: إنهما «مصباح» و«باسم»!
فجأة ظهر جسم آخر يتحرك ناحيتهما … فقال «أحمد»: لا بدَّ أنه الزورق!
ظلا يرقبان حركة الأجسام على شاشة الرادار، إلى أن انطلق جسم رفيع من الزورق، يأخذ طريقه إلى «مصباح» و«باسم». هتف «أحمد»: لقد رصدهما الزورق!
مر الجسم الرفيع بينهما دون أن يصيبَ أحدَهما، ولمعت لمبة جهاز الاستقبال، فعرف «أحمد» أن هناك رسالة في الطريق. بدأ يتلقى الرسالة، وكانت من الشياطين. جاءت الرسالة: السمكة الصغيرة عند النقطة «ف» ثابتة!
فهِم «أحمد» الرسالة، فضبط البوصلة على النقطة «ف» … ثم أمسك ذراع الإطلاق، بينما كانت عينه على الرادار، عندئذ لمعت اللمبة الحمراء في جهاز الاستقبال، فأسرع يتلقى الرسالة وكانت تقول: يصل الحوت في الصباح!
عرف أن الرسالة من «خالد» وأن الناقلة سوف تصل إلى النقطة التي سوف تضرب فيها في الصباح، وأحكم النيشان، ثم جذب الذراع، فانطلقت قذيفة الأعماق، وكانت واضحة على شاشة الرادار … وهي تأخذ طريقها حيث يقف جسم الزورق. ظل يتابعها، حتى اصطدمت به، فتناثرت أجزاؤه … في نفس اللحظة كان «باسم» و«مصباح» يأخذان طريقهما إلى زورق الشياطين.
أشار «أحمد» إلى «بو عمير» أن ينطلق في اتجاه الهدف. فتحرك الزورق في سرعة، وكانت الشاشة تسجل اقتراب «باسم» و«مصباح» حتى ظهرا على السطح، فالتقطهما زورق الشياطين … في نفس اللحظة كانت تطفو بقع الزيت على السطح، وبعض قطع الزورق.
فجأة اهتزَّ الزورق اهتزازًا عنيفًا … وكانت مجموعات من سمك القرش تدور حول الزورق، بعد أن أثارتها رائحة البحَّارة الذين سقطوا من الزورق الذي نُسِف.
أخذ الزورق طريقه إلى النقطة الأخيرة التي حددها «خالد»، وفي نقطة مخالفة توقَّف الزورق، وألقى مراسيَه. ولم يكن أمام الشياطين شيء … سوى انتظار وصول الناقلة.
•••
كان الوقت يمر بطيئًا … حتى جاء الليل … كانت الظلمة شديدة. غير أنهم لم يفكِّروا في إضاءة أي ضوء. وطَوال الليل، تناوبوا الحراسةَ حتى بدأ النهار وكانت وردية «أحمد». ومن بعيد شاهد ناقلة عملاقة تقطع المحيط، فأرسل رسالة سريعة إلى «خالد» يُخبره فيها بما حدث. فردَّ «خالد»: تحية إلى الشياطين!
وأرسل «أحمد» رسالة أخرى: في رعاية الله، إن المغامرة لم تنتهِ بعد.
وعندما استيقظ الشياطين، نقل إليهم «أحمد» الرسائل التي تبادلها مع «خالد» … وفعلًا لم تكن المهمة قد انتهت … كانت هناك القاعدة البحرية التي تنطلق منها أدوات الدمار!
أرسل «أحمد» رسالة إلى رقم «صفر» بما حدث … فرد رقم «صفر»: تهنئتي … ولا تعودوا قبل أن تُنجزوا مهمتكم كاملةً بنجاح.