الفصل الثاني

سر الملكة السوداء

على جداريات معبد روعة الروائع بالدير البحري بالأقصر، نقش الفنان المصري ضمن تقريره الدقيق رسمًا لملكة بلاد بونت: سوداء شديدة الامتلاء، ومعها عنصر بشري يبدو أنه ينتمي إلى ذات جنس الملكة: أسود تبدو في ملامحه إفريقية واضحة، كذلك العنصر الأحمر المشار إليه باسم إرم مع عنصر ثالث يشبه المصريين، وتتضح عليه السمات السامية.

ويحدثنا الكتاب المقدس زمن حكم الملك سليمان، المؤسس الحقيقي لمملكة بني إسرائيل في فلسطين، عن زيارة ملكة لم يذكر لنا الكتاب المقدس اسمها، وعرفها فقط بأنها «ملكة سبأ»، في رواية أراد بها الكاتب التوراتي الإشادة بعظمة الملك سليمان، الذي يزعم ذلك المقدس أن حكمته وشهرته قد طبقت الآفاق، وأن ملوك الارض قد سعوا إليه يطلبون مودته، ومع ذلك لا نسمع أية رواية في ذلك المقدس عن زيارةٍ ملكية، حدثت لبلاد سليمان سوى زيارة «ملكة سبأ»، وتقول الرواية:

وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب، فأتت لتمتحنه بمسائل، فأتت إلى أورشليم بموكبٍ عظيم جدًّا، بجمال حاملة أطيابًا وذهبًا كثيرًا جدًّا وحجارة كريمة، وأتت إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبها … وأعطت الملك مائة وعشرين وزنه ذهبًا، وأطيابًا كثيرة جدًّا وحجارة كريمة، لم يأتِ بعد ذلك مثل ذلك الطيب في الكثرة، الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان، فعمل سليمان خشب الصندل درابزينًا لبيت الرب، وبيت الملك، وأعوادًا وربابًا للمغنين، لم يأتِ ولم يرَ مثل خشب الصندل ذلك إلى اليوم.

(ملوك أول، ١٠: ١٢، ١٠، ٢، ١)
ولنلحظ أن خشب الصندل لا يأتي إلا من جنوب شرقي آسيا وجنوب الهند (وخاصةً مع القول: أنه لم يعرف مثل هذا الخشب من قبل)، وفي سفر أيوب، ذلك العبراني الذي كان يعيش على حدود فلسطين الجنوبية في جوار آدوم، نجد ذكرًا متكررًا لشعب باسم سبأ والسبئِيِّين، ومثال ذلك:

نظرت قوافل تيماء، سيارة سبأ رجوها.

(أيوب، ٦: ١٩)
وتيماء في الجوار الشرقي لبلاد آدوم، لكن النص قد يفهم منه خاصة من كلمة «سيارة سبأ» بلاد اليمن، حسبما اعتدنا من معلوماتٍ متواترة، تحدثنا عن كون ملكة سبأ عاشت في اليمن، خاصة أنهم في هذا النص التوراتي يظهرون جماعات تاريخية متحركة (سيارة)، وهو ما يذهب بنا فورًا إلى اليمن، مع ما نعلمه من التاريخ المتواتر عن مملكة سبأ اليمنية، لكن المشكلة هنا أن الكتاب المقدس لم يذكر لنا إطلاقًا أن ملكة سبأ كانت ملكة يمنية، أما اللغز فهو أن إشارات الكتاب المقدس يفهم منها تارة أن سبأ كانت بلادًا بعيدة عن فلسطين، وتارة أخرى لا يمكن أن نفهم إلا أن السبئيين كانوا جيرانًا مباشرين، بل وملاصقين لجنوب مملكة سليمان في فلسطين، فهناك نص يشير إلى أن السبئيين من ديارٍ بعيدة، ويمثل ذلك في القول:

وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا، ليبيعوهم للسبئيين، لأمة بعيدة، لأن الرب قد تكلم.

(يوئيل، ٣: ٨)
بينما هناك نصوص أخرى تؤدي معنى مخالفًا تمامًا، كما في رواية أيوب الذي يحكي كيف هبط عليه مهاجمون استولوا على ثروته، ويقول:

البقر كانت تحرث، والأُتن ترعى بجانبها، فسقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف.

(أيوب، ١: ١٤، ١٥)
وتعبير «سقط» هنا يشير إلى قرب شديد لموقع السبئيين من فلسطين الجنوبية، ويدعمه أن الكتاب القدس كان يربط دومًا بين عددٍ من الشعوب، يعتبرها من نسبٍ واحد وجنس واحد، ونموذجًا لذلك قوله:

وبنو حام: كوش ومصرايم وفوط وكنعان، وبنو كوش سبأ وحويلة وسبتة ورعمة وسبتكا، وبنو رعمة شبا وددان.

(تكوين، ١٠: ٦، ٧)
ويتكرر ذات النسب في موضعٍ آخر يقول:

وبنو كوش: سبأ وحويلة وسبتا ورعما وسبتكا، وبنو رعمة شبا وددان.

(أخبار أيام أول، ١: ٩)

ولنلحظ هنا أولًا ذلك الربط بين المصريين والسبئيين، فالمصري «مصرايم» حامي من بني حام، و«كوش» ويقصد به الجنس الزنجي، وهو أيضًا حامي من بني حام، فهما إذن شقيقان، ومن أبناء «كوش» بنو رعمة، ومن أبناء رعمة «شبا» الذي يأتي مقترنًا باسم «ددان»، ويتكرر ذلك الاقتران مما يشير إلى تجاورٍ جغرافي، و«ددان» هي «العلا» شرقي «آدوم» الآن.

ويكرر الكتاب المقدس ربطه المستمر بين الجنس الزنجي «الكوشي» وبين السبئيين، فعدا كونه قد اعتبر سبأ ابنًا من أبناء كوش، فقد كان الكوشي والسبئي حليفين، كما في النص:

هكذا قال الرب: تعب مصر وتجارة كوش والسبئيون ذوو القامة، إليك يعبرون ولك يكونون، خلفك يمشون، بالقيود يمرون، لك يسجدون، إليك يتضرعون قائلين: فيك وحدك الله وليس آخر إله.

(إشعيا، ٤٥: ١٤)
ولمزيدٍ من التحديد وراء اتساق ذلك المبعثر، نقرأ بالكتاب المقدس:

بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا، تحمل ذهبًا ولبانًا وتبشر بتسابيح الرب.

(إشعيا، ٦٠: ٦)

فهذه جمال مديان بلاد التجار الآدومية، تحمل منتجات نعرف نوعها ومصادرها، منها: الذهب واللبان (البخور)، وربما يكون المقصود أن تجار مديان يأتون بمنتجات سبأ من بلادها البعيدة، أو أن يكون المقصود أن مواطن مديان هي ذات مواطن سبأ (؟!).

وحتى لا يتصور القارئ أن بنا جموحًا، لا يستند إلى مقوماتٍ تدعمه لمزيدٍ من تأييد مذهبنا، في موطن التجار الميتانيين أصحاب بلاد نهرين الحورية، فإننا لا بد أن نقر بصدق ما وصلنا إليه من كشوفٍ في بلاد اليمن، أكدت قيام مملكة كبرى باسم سبأ في تلك البلاد حوالي عام ٩٠٠ق.م. وأن تلك الكشوف تملأ المنطقة ولا ينكرها عاقل، ومن ثم سنحاول الإمساك بطرف الخيط للوصول إلى الغرض من أقصر السبل، فنبدأ بقول العالم الأركيولوجي في حضارات الجنوب العربي «فرتزهومل»: «إن الأماكن التي عثر فيها على آثارٍ عربية جنوبية خارج حدودها، وجدت في أقصى الشمال الغربي، أي بلاد مدين القديمة»،١ أي إنه قد عثر على آثارٍ عربية جنوبية في بلاد مدين القديمة بشرقي سيناء حول العقبة، بعيدة عن بلاد العرب الجنوبية، أصحاب تلك الآثار بمسافاتٍ شاسعة من الصحارى الكبرى، ومن ثم يطرح «هومل» سؤالًا غريبًا مستغربًا يستريب في أي المكانين كان هو الموطن الأصلي للحضارات التي اصطلح على تسميتها حضارات الجنوب العربي؟! وكانت تلك الحضارات تتمثل في أربع ممالك هي: قتبان وحضرموت ومعان وسبأ، ثم يخص سبأ بالذكر، فيتساءل عن حضارتها التي قامت في بلد اليمن ويقول: «هل هذه الحضارة قد بلغت هذه الدرجة من النمو والاكتمال في البلاد ذاتها، أو أنها جاءت إلى البلاد من الخارج كاملة ناضجة؟».٢

ثم يجيب على السؤال الذي طرحه باكتشاف جديد تمامًا، وهو أن الشعب الذي ظهر في بلاد العرب الجنوبية حوالي عام ٨٠٠ق.م. أو ٩٠٠ق.م. كان يعيش في منطقة أخرى قبل ذلك بأزمان، وأنه كان له في تلك الفترة تاريخ هام، وأن تلك المنطقة الأخرى كانت بداية التاريخ الحقيقي للسبئيين، وأن هذا الوطن الأول أو الخارجي كان يقع في شمالي بلاد العرب.

ثم استنتج «هومل» أنهم عاشوا في الإقليم العربي الشمالي، الذي كان يطلق عليه الآشوريون: بلاد «عريبي»، وأن لدينا معلومات أخرى عن ذلك الإقليم، من المأثور الآشوري، فالكتابات الآشورية تذكر هذا الإقليم، مع عدد من الملكات على التوالي، منهن الملكة زبيبي ملكة بلاد عريبي، ومنهن الملكة سمسي حوالي ٧٣٨ق.م. وذكر لملكة أخرى باسم يتعي أيام الملك سنحاريب الآشوري، وملكة رابعة زمن الملك آسر حدون الآشوري باسم «تبوءه».

وهنا ننقل عن «هومل» نصيًّا قوله:
ورد مرة لفظ سبأ في نقش معيني، وكان هذا النص يشير إلى أن هذا اللفظ يدل على قبيلة بدوية، كانت تسطو على الطريق التجاري، الممتد بين بلاد العرب الجنوبية، وبين معان الواقعة في شمال بلاد العرب، وكانت تسطو أيضًا على القوافل المعينية القادمة إلى مصر، ثم نقرأ القصة التي تحدثنا عن زيارة ملكة سبأ لسليمان، فهذه القصة لا يمكن فهمها جيدًا إلا إذا قدرنا أن السبئيين كانوا يقطنون في شمال بلاد العرب، وليس الإنسان في حاجةٍ هنا إلى تأويل، ونستطيع أن نعتقد أن هناك نواة تاريخية لهذه القصة، كذلك مما يؤيد وجود وطن للسبئيين أصلي في شمال بلاد العرب، وورد لفظ سبأ مصحوبًا بلفظ ددان في العهد القديم. كذلك من العبارات التي تذكر وطن السبئيين في شمال بلاد العرب، ما جاء في النقوش السبئية ذاتها، حيث نجد سبأ ويهبليج، وكذلك سبأ وبيشان، وما إليها، ولا نجد لفظ سبأ مستقلًّا؛ وذلك لأن يهبليج هي دقلة في بلاد الجوف في شمال بلاد العرب، وبيشان هو وادي الدواسر.٣

وهكذا وجد هومل إشارات أركيولوجية ونصوصية قديمة، استنتج منها أن السبئيين كانوا خارج بلاد اليمن، في شمالي بلاد العرب، قبل أن يهبطوا جنوبًا إلى اليمن، ليبدءُوا هناك حضارة جديدة حوالي عام ٩٠٠ق.م. وأن موطنهم الشمالي الأول هذا، هو المكان الذي أطلقت عليهم نصوص الرافدين «بلاد عريبي» أي «العربية» أو «العربة»، وأن تلك المملكة اشتهرت بحكم النساء لها، ومنهن ملكات شهيرات، وهو الأمر الذي يلتقي مع ما ورد بالكتاب المقدس، عن ملكة سبأ التي زارت سليمان، على أن «فرتز هومل» أبدًا لم يحدد لنا مساحة بعينها أو موقع معلوم بعينه، أو تسمية أخرى قديمة لتلك الأرض التي قامت فيها مملكة سبأ الأولى، ولا حدود تلك الأرض.

لكن في نصٍّ آخر لعالمٍ آخر متخصص في جنوب الجزيرة، لا يقل شأنًا هو «رينيه ديسو»، نفهم أن هناك قبائل عاشت شمال بلاد العرب، جاءت إليها من الجنوب اليمني، وهو ما يقوله نصًّا: «ومن المحقق أن السكان الذين أقاموا في اللجة ببادية الشام في قرية باسم نجران، قد أتوا من جنوب الجزيرة العربية؛ لأن اسم هذه القرية يذكرنا باسم المدينة المشهورة في جزيرة العرب، أما قرية بوريكة Bourke التي توجد أيضًا في اللجة، فقد كان الرومان يطلقون عليها اسم βορελα θξα∂αυ أي بوريكة السبئيين».٤

وهذا يعني أن السبئيين جاءوا من الجنوب إلى الشمال من زمنٍ بعيد، وأقاموا لهم ممالك في الشمال إذا أخذنا بالقولين، ثم جدَّتْ أحداث اضطرتهم إلى العودة مرة أخرى إلى مواطنهم الأولى في اليمن، حوالي عام ٩٠٠ق.م.

ثم تستوقفنا لفظة «بوريكه» أو «بوليكة» لنجد لها صدى في لسان العرب؛ إذ يقول تحت مادة أيك:

في التهذيب: في قوله تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، وقرئ أصحاب ليكة، وجاء التفسير أن اسم مدينتهم كان ليكة.

ولو صرفنا الاسم «بو – ليكة» بإضافة US، فستصبح «بوليكيس» أو «بلقيس»، ذلك الاسم الذي تواتر في المأثور الإخباري العربي بحسبانه اسم ملكة سبأ زمن الملك سليمان.

وهنا نقف مع «هومل» نتأمل:

البلاد باسم بلاد عريبي، والوادي الممتد بين العقبة والبحر الميت منذ وصلنا اسمه مدونًا، يحمل اسم وادي عربة، ويقع في شمالي غربي جزيرة العرب، وهومل يقول: إن بلاد عريبي لا شك تقع شمالي جزيرة العرب.

فهل نجازف ونقول: إن الموقع الذي اخترناه للأحداث منذ بداية هذا البحث، هو الموقع الذي كان لا بدَّ أن يبحث عنه هومل؛ حتى يجد بلاد عريبي، حيث قامت سبأ الشمالية بعيدًا عن اليمن؟ ثم نرجح مع المرجحين الآن أن الملكة العربية، التي ذكرتها أخبار العرب وأشعارهم وأساطيرهم باسم الزباء، ليست زنوبيا ملكة تدمر زمن الرومان، خاصة أن هومل نفسه يقول إنه جاءنا اسم لملكة من ملكات بلاد عريبي باسم زبيبي في نصوصٍ رافدية حوالي عام ٧٣٨ق.م. وهو تاريخ قريب من تاريخ قيام دولة سبأ اليمنية من بعده، وربما كان هناك خطأ بسيط في الحسابات التاريخية، فإذا كان ذلك كذلك، فإن الملكة زبيبي كانت ضمن الخط الأخير لملكات سبأ الشمالية، وربما كان اسم زبيبي اسمًا متواترًا في مسميات ملكات سبأ الشمالية، ويبدو أن واحدة من سلسلة الملكات «الزباء»، قد اكتسبت شهرةً لأسبابٍ لم تزل مجهولة لدينا، فذكرتها أساطير العرب وأخبارهم.

ولنلاحظ أن اسم «الزباء» أو «زباء» العربي، يتطابق لسانيًّا مع اسم المملكة والشعب المعروف باسم «سبأ»، وهو الأمر الذي يعني أن المجد الذي حققته الملكة الزباء، جعل الإشارة بعد ذلك إلى بلادها باسمها وإلى شعبها منسوبًا إليها، بلاد الزباء أو بلاد الملكة سبأ.

وربما كانت «زباء» التي قيل إنها من ملكات سبأ، كانت هي ملكة سبأ التي زارت سليمان، وأغفل الكتاب المقدس ذكر اسمها دون سبب واضح، اللهم إلا إذا كانت الترجمة قد حولتها من «الملكة زباء» إلى «ملكة سبأ»، وهو الفرض الذي يجد تأييده في فراسة «فليكوفسكي»، الذي قضى شطرًا من عمره يدرس التلمود، ليخرج ضمن ما خرج به بالقول: «إن الراي الواضح في التلمود كله، أن سبأ في تسمية ملكة سبأ، ليست تسمية جغرافية تعود إلى مكانٍ معين، بل إنه اسم شخص، حتى المخطوطات العديدة عن جنوب شبه الجزيرة العربية، أغفلت أي ذكر لملكة سبأ هذه، عدا الكثيرين من الرحالة والباحثين، الذي قلبوا كل حجر في جنوب شبه الجزيرة، بأمل العثور على أي دليل، ولكن بلا أدنى أي نجاح يذكر في الكشف عن هذا اللغز.»٥
أما أصحاب الأخبار العرب، فقد رووا نتفًا عارضة عن الزباء، فهي عند ابن قتيبة ابنة ملك الجزيرة، وأنها قتلت زوجها جذيمة الأبرش.٦
وإن ذهبت الأغلبية منهم إلى أن الزباء من العمالقة، ويلخصه القول إن: «العمالقة من ملوك حمير كانوا بالشام، ومنهم الزباء قاتلة جذيمة الأبرش الملك الأزدي، وهم من ولد عمليق بن السميدع بن الصوار بن عبد شمس، والعماليق من ولد عملاق بن لاوذ بن سام، منهم الفراعنة ملوك مصر.»٧
أما المؤرخ «ابن العبري» فيقدم لنا تعريفًا بالملكة، التي زارت سليمان بقوله: «وأتته ملكة التيمن، وقدمت له مائة وعشرين قنطارًا من الذهب، وطيبًا وجواهر ثمينة»،٨ والتيمن ليس اليمن إنما هو واحدة من كور بلاد آدوم، وقبل «الملكة سبأ» ومملكة سبأ، نجد ذكرًا لحضارة جنوبية تجارية كبرى باسم معين، وأنها أقامت لها محطات تجارية كبرى، وأنها قامت في الجنوب، وامتدت حتى حدود الجزيرة الشمالية عند معان المصرية، والظن أن معان المصرية اكتسبت اسمها من كونها أصلًا محطة معينية، ثم نعتت بموضعها في جوار مصر الأقصى «آدوم وسيناء»، فسميت معان المصرية «معان مصران»، أما النص المعيني أو المعاني الذي جاء به «هومل» من بلاد اليمن، واكتفى بترجمته، دون أن يخبرنا بدلالته، فهو القائل: إن القوافل التجارية المعينية كانت تذهب بتجارتها إلى غزة ومصر (بالنص) وذلك:

عبر نهران وآدوم؟!

إن وصول التجارة المعينية إلى مصر المعروفة، كان يمر أولًا مخترقًا منطقة تحمل اسم نهران، وما زلنا نذكر نهارين/ميتاني/مديان، ثم منطقة آدوم في الجوار، وفي النقش رقم «٥٣٥» الذي جاء به من الزمن الأركيولوجي «هليفي»، نجد حديثًا يُترجم بلا معنًى بدوره، يتكلم عن علاقات تجارية لمعين اليمنية مع مصر وآشور، وأن الطريق التجاري كان يمر:

عبر نهران.

التي يترجمها:

أرض النهر.

ويضيف: لا بد أنها غزة (؟!) ثم لا يُعطينا تفسير لماذا غزة؟! أما الأغرب فإنه ضمن نقوش «هليفي»، وبالتحديد في النقش رقم «٥٠١»، نجد في بلاد مدين عند العقبة ملكًا معينيًّا، والمفترض أن معين باليمن (؟!)، وأن هذا الملك يحمل اسم «وقهي إيل نبط»،٩ وهو ما يذكرنا باسم تلك البلاد الذي افترضناه بلاد «بونت»، التي عُرفت بعد ذلك باسم «النبط» أو «الأنباط»، ثم نجد المؤرخين المسلمين من الإخباريين القدامى، يذكرون لنا «يثرون» كاهن مديان نسيب موسى باسم «شعيب»، وأن «شعيب النبي من حمير».١٠

أليست تلك بقرائن مبينة؟ وأن زمان المعينيين كان يعرف بلاد «آدوم/مدين» بأنها «نهرن» أو «أرض النهر»، وأن العلاقات بين الشمال والجنوب وصلت حد الالتحام، حتى حكم بلاد «مديان/آدوم» ملكٌ معينيٌّ؟ وعاش فيها «شعيب» الحميري، وشعيب مدياني كما نعلم، مما يعني أن بعض سكان مدين كانوا من اليمن، ونتذكر أن هيرودوت جاء بالكنعانيين الفينيقيين من جنوب البحر الأحمر.

ومما يثري رصيدنا هنا ذلك النص الآشوري، الذي وردنا من زمن الملك «سنحاريب»، ويذكر فيه الجزية التي دفعها له ملك سبأ «كرب إيلو»، وهي الجزية التي تتكون من منتجات العطور والأحجار، كانت تليق ببناء مُطعم بالذهب والفضة والأحجار النادرة، فقد كانت لبيت الإله أكيتو في بلاد آشور، أو كما يقول النص مؤكدًا على أن الأحجار، تلك الأحجار التي لا شك لم تكن ككل الأحجار، لكنها أحجار تليق ببلاد آدوم:
عند وضع الأساس لبيت أكيتو، قدمت الهدية التي أمر ملك سبأ بإحضارها، وهي عبارة عن أحجارٍ كريمة وروائح وأحجار، ومن هذه الهدية وضعت أنا الأحجار والروائح في بيت أكيتو … فضةً وذهبًا، وحجر أوكنو، وحجر ساندو، وحجر خلالو، وحجر مشجر، وحجر أورس، وحجر أودشش، وسكبت ماء النهر.١١
ويعنينا هنا أن نورد مقطعًا من المؤرخ اليمني محمد عبد القادر بافقيه، يشير فيه إلى أن الدكتور فرتز هومل يقول:

إن الفترة السابقة لتاريخ سبأ الحقيقي، بدأت خارج اليمن، ويرجح أن هذا الوطن الخارجي كان في الأصل شمال بلاد العرب، ومثل هذا سبق أن أوصى به سترابو، حين ربط بين الأنباط والسبئيين؛ لكونهم أول من سكن العربية السعيدة، وتمشيًا مع هذا الرأي اقترح الأستاذ و. ف. ألبرايت، تاريخًا لهجرتهم من الشمال إلى الجنوب اليمني حوالي ١٢٠٠ق.م. ذاهبًا في نفس الوقت إلى أن هجرتهم تلك، تأتي بعد هجرة القبائل الأخرى «معين وحضرموت وقتبان»، والتي حدثت في تقديره حوالي ١٥٠٠ق.م. ولكننا لا نستطيع أن نقطع برأي في هذه القضية الشائكة، التي يكتنفها الظلام من كل جانب.

وقد ورد اسم سبأ بكثيرٍ من التفخيم في الكتابات الكلاسيكية ومنهم بليني، بأنهم أشهر من عُرف من قبائل البلاد العربية، وأفرد لهم سترابو فقرةً مطولة نقلًا عن أرتميدوس، وصف فيها بلادهم، وذكر فيها أنهم شعبٌ كبير التعداد، وأن بلادهم شديدة الخصوبة، تنبت المر واللبان، وأنواعًا أخرى من الأعشاب الذكية الرائحة، وزعم أن لها أفاعي حمراء داكنة، طول الواحدة منها شبر، تقفز إلى خصر الإنسان، وأنها إذا لدغت فإن لدغتها غير قابلة للشفاء.١٢
أما الكتاب المقدس؛ فكان يذكر على الدوام الكوشيين بالترافق مع السبئيين، والكوشيون هم الجنس الزنجي الأسود، أما الغريب حقًّا ويلتقي مع أطروحتنا التقاءً مدهشًا، فهو أن سفر التكوين بالكتاب المقدس يجعل الكوشي أخًا للمصري وللكنعاني. لقد كان الكوشي أو السبئي يعيش على الحدود المصرية في بلاد آدوم، وعلى حدود فلسطين «بلاد كنعان» الجنوبية، وقد وجدت لغة الكتاب المقدس تعبيرها عن تلك العلاقة الجغرافية، بقولها إن الكوشي أخو المصري والكنعاني ساكن فلسطين، خاصةً إذا لم ننسَ أن على تلك الحدود كانت تقع مصر الأقصى، حسبما أخبرنا هروشيوش، ويصبح مفهومًا لنا نص التوراة، الذي كان شديد الغموض يقول:

بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا.

(إشعيا، ٦٠: ٦)
وهل التواصل الغريب بين الجنوب والشمال لجزيرة العرب، يمكن ملاحظته في تشابه أسماء الأعلام؟ وما يعنينا منها ذلك الاسم الذي تم العثور عليه في حفائر بابل، وذلك في قبرٍ لعربي جنوبي يمني، كان يُدعى «هنتشر بن عيسو»،١٣ وعيسو كما عرفنا هو «آدوم الحوري» في الشمال.
وفي نصوص تجلات بلاسر الثالث الآشوري، نقع على جدول بالجزية التي وصلت عاصمته، والبلاد التي أرسلتها وأسماء ملوكها، وفي آخر ذلك الجدول نقرأ بترتيبٍ جغرافي الجِزَى التي وصلته من ملوكٍ متجاورين كالآتي:
سابينو بعل ملك بيت عمون، وسلمانو ملك موآب، وميتني ملك عسقلان، وأحاز ملك يهوذا، وكوش ماليكو ملك أيدوم، وملك غزة.١٤

وكلها في ذات الموقع؛ لأن عمون وموآب تلاصقان شرقيَّ البحر الميت وعسقلان على الساحل الفلسطيني، ويهوذا جنوبي فلسطين ملاصقة لآدوم، ثم آدوم الممتدة من البحر الميت إلى خليج العقبة، وملكها اسمه الأسود أو الزنجي «كوش»، وغزة على المتوسط في ذات الجوار.

وفي زمن آسر حادون ابن سمحاريب الآشوري ٦٨٠–٦٦٩ق.م. تجري حرب مع عدد من الملوك منهم «كوس جبري ملك إيدوم».١٥

ولعله من الواضح هنا أن بعض ملوك آدوم، حتى هذا الزمن المتأخر كانوا يحملون صفة «كوش»، وفي النص الأول يمكن أن نرى فيه صيغة «الملك الكوشي»، وفي الثاني صيغة من معنى جبار وجبروت «كوش جبري»، فهو الكوشي الجبار، أو جبري الكوشي.

والنصان يرددان نظريتنا المتواضعة بكل فصاحة بشأن العمالقة، فقد قلنا إن من ألقابهم الجبابرة، وعم لاق أو عملاك، وهنا يأتي كوشي الزنجي مرةً بكونه «ماليكو»، وهي بزيادة عم تصبح «عملاقي»، ثم مرة بكونه «جبري» أو جبار.

والكتاب المقدس، وهو يسجل قرابات الشعوب وأصولها، يجعل الكوشي أخًا للمصري، يسكن إلى جواره، ونسل ذلك الكوشي الذي سُميت بأسمائهم مواضع جغرافية، يمكنك أن تجده جميعًا في حدود سيناء الشرقية، مثل سبأ وددان وحويلة حسب شجرة الأنساب التوراتية، وأنهم كانوا أبناء عمومة للكنعانيين بمُدنهم الواردة بأسماء أشخاص كأبناء لكنعان بن حام، مثل صيدون (صيدا) ويبوس (أورشليم)، والأموريين الذين عاشوا في بلاد الشام … إلخ.

ويفرق الكتاب المقدس بين جنسين من الشعوب، هما الجنس السامي والجنس الحامي، لكنه يجعلهما أخوين، ثم يذهب بنسل سام جميعه، مع خلطٍ شديد إلى فلسطين وجنوبها، وإلى جنوب جزيرة العرب في الوقت ذاته، وكل هؤلاء الساميين عنده إخوة لأبٍ واحد أو فروع لجنسٍ واحد، فمن نسل سام جاء عابر، الذي أنجب يقطان (قحطان)، ومنه جاء حضرموت ودقله وأوفير وشبا، وكلها أسماء لمواضع تقع جنوبي الجزيرة،١٦ ومن عابر أيضًا جاء إبراهيم ونسله الإسرائيلي والآدومي والإسماعيلي، وكلها أسماء لمواضع تقع شمال غربي الجزيرة على الحدود السينائية.
ومع تذكرنا لما ورد في تاريخ «هيرودوت»، عن قدوم العنصر الفينيقي الكنعاني من البحر الأريتري، إلى المواضع التي استقر فيها على سواحل المتوسط الشرقية، نجد أنفسنا في حيرةٍ والتباس، لا يحله إلا افتراض أن المملكة التجارية التي قامت في بلاد آدوم، كانت على تواصلٍ مع منابع تجارتها في الجنوب اليمني والإفريقي طوال الوقت، الأمر الذي أدى إلى هجراتٍ وتداخل بين شعوب المنطقة، وكان طبيعيَّا تمامًا أن نجد العنصر الزنجي الأسود، حيث العاج والذهب والقردة وجلد الفهود، أحد العناصر الأساسية للشعوب التي وصلت بلاد آدوم شمالًا عند العقبة واستوطنتها، وربما من ذلك العنصر كانت «الملكة زباء» أو الملكة «سبأ». ولا يفوتنا الإشارة هنا أنه لا يوجد مسمى لتلك الملكة بالاسم الشائع «بلقيس» داخل المقدس التوراتي أو القرآني، إنما ورد هذا الاسم في رواياتٍ شارحة لحقت بالنصوص المقدسة، أما الثابت فهو أن «حبشتان» بلغة الجنوب العربي، وتعني «الأحباش»، كانوا يسكنون حسبما ذكر «أورانيوس» على شاطئ البخور،١٧ وأن أول ملك لسبأ اليمنية حسبما يخبرنا به نقش «جلازر» رقم «١٤٤٧»، كان يحمل اسم «سمو هو عليا» أو «شوموهو عليا» كما كتبه هومل،١٨ ويترجمه المؤرخ فؤاد حسنين «سمه علي» الذي يتحدث عن نفس النقش، ويقول: «إن سمه علي يتحدث فيه عن تقديمه البخور والمر إلى الإله السبئي القومي المقه، باسمه ونيابه عن قبيلته التي قادها في الفيافي والقفار إلى الأرض السعيدة، التي تفيض لبنًا وعسلًا.»١٩
وهنا يجب ألا يفوتنا أن «سمه علي» هو بالنطق الصحيح دون أية تجاوزات لغوية، يمكن نطقه «سماعيل» أو«إسماعيل». ويستمر فؤاد حسنين ليذهب أبعد من «هومل»، فيرى أن كل حضارات الجنوب، قتبان ومعين وحضرموت وسبأ، إنما قدمت إلى الجنوب مع أهلها، في هجرةٍ قادمة من الشمال، وذلك في قوله: «إن هجرة القبائل السينية — التي تمتاز باستخدام السين في صيغة السببية وضمير الغائب، وهي القتبانية والمعينية والحضرمية — من الشمال إلى مواطنها التاريخية قبل عام ١٥٠٠ق.م. أما هجرة القبائل الهائية، وتمتاز لهجتها باستخدام الهاء في صيغة السببية وضمير الغائب، وهي السبئية، من الشمال قبل عام ١٢٠٠ق.م. …»٢٠

وعليه فإذا تحدثنا عن سبأ، فإنه يمكن نطقها «هبا» أو سبا فكلاهما صحيح، وكانت «هبات»، كما سبق وأسلفنا، إلهة ميتانية معبودة، واعتبر المؤرخون أن مقر عبادتهما كان بالرافدين الأعلى، حيث بلاد ميتاني المزعومة، و«هبات» هي مؤنث «هبا» أو «سبا»، وإلى «هبا» هذا انتسبت الأميرة الميتانية «جيلوهبا»، التي يكتبها البعض «جيلوخيبا» والبعض «جيلوهيبا» والبعض «يلوكابا»، وهي التي تزوجها الملك المصري «آمنحتب الثالث» عاقدًا بها صداقته الحميمة، مع سكان البلاد التي عُرفت باسم ميتان، التي تصورها المؤرخون واقعة في الرافدين الأعلى باسم «ميتاني»، ولا ننسى أن زوجة عمران العبراني والد النبي «موسى» وأم هذا النبي، كان اسمها «يوكابد» أو «يوكابا» حسبما جاء بالتوراة.

وقد لاحظ «لويس عوض» أن حرف السين يتم تبادله مع حرف «ﻫ» ما بين اللغتين السامية والحامية، فالعربي يقول مثلًا: سأذهب، سأعمل. والمصري يقولها نفسها: هأذهب، هأعمل.٢١
وهنا يفيدنا «فرتز هومل» أن سكان سبأ في الجنوب العربي مع انتشارهم الواسع، كانوا ينقسمون إلى طبقاتٍ حسب وظائفهم، ومن هذه الطوائف تلك الطائفة التي حملت اسم «ا. د. و. م. ت»،٢٢ فهل كانت «أدومت» طائفة وظيفية كما قال؟ أم أنها يجب أن تحيلنا إلى بلاد «آدوم»؟ والأكثر غرابة أنه قد وجد لقب «قين»، ينتشر في بلاد سبأ الجنوبية، واعتبره أيضًا لقبًا لطائفةٍ وظيفية (؟!)٢٣ ونحن نعلم مما سبق أن القيني هو المدياني، صانع الحديد والنحاس، كما يضيف لقبًا آخر يعتبره لقب الشيوخ الكهنوتيين، هو «خليل»،٢٤ ويقول إنه اقتصر على أحد أفخاذ سبأ، و«خليل» هو لقب البطرق «إبراهيم» كما نعلم، خاصة وأنه يقول: إن ذلك الفخذ كان من أسرة قرأ اسمها في النقوش «حذفر»،٢٥ وهو في رأينا ما يلتقي مع الاسم «آذر» أبي إبراهيم كما ورد بالقرآن الكريم.
وبدون أن يقيم «هومل» أية علاقة مما نجازف نحن به هنا، أراد التأكيد على تواصل الجنوب بالشمال، عند مدين تحديدًا زمن الدولة المعينية، فقال: «وفي تلك البلاد ظهر موسى واحتضنته بلاد مدين المعينية.»٢٦
وبين قوائم الملوك المكاربة لسبأ، ممن حكموا باليمن من حوالي ٨١٥ق.م. حتى ٥١٠ق.م. نقف مع أسماءٍ لا يصح إغفالها، وهي أسماء مركبة، من قبيل أسماء الملوك «أنمارم يهو أمين» و«نشمي كرب يهو أمين» و«كرب إيل وتريهونعم»،٢٧ ولنا هنا أن نرتاح لاستنتاج «هومل»، وهو يقول إن الاسم «يهو» الوارد في تركيب تلك الأسماء، يشير إلى الإله الإسرائيلي «يهوه»، ونحن نعلم أن يهوه كان إلهًا سينائيًّا مديانيًّا قابله موسى في عليقة مشتعلة بسيناء، أما الطريف حقًّا، فهو أن بين الأسماء التي عددها لنا «ديتلف نيلسن» لآلهة الجنوب اليمني، يطالعنا منتصبًا ذلك الإله الذي تكرره ذكره في النصوص باسم «ذو شرى».٢٨
وهكذا يمكننا أن نستنتج أن السبئيين قد هاجروا إلى الشمال عند آدوم في زمنٍ قديم، ثم عادوا جنوبًا حوالي عام ٩٠٠ق.م. إلى مواطنهم الأصلية، ولم يأتوا اليمن مهاجرين من أصولٍ جنسية بعيدة، إنما كانوا فيها وعادوا إليها، وقد ترافق تاريخ قيام دولتهم في الجنوب قبل ظهور مملكة سليمان في فلسطين، مما يعني أنهم كانوا موجودين في بلاد آدوم، منذ زمنٍ طويل قبل قيام مملكة سليمان، وأنهم كانوا متواجدين في آدوم زمن الأحداث الكبرى، التي ترويها التوراة عند دخول بني إسرائيل إلى مصر وخروجهم منها، وأنهم كانوا يعبدون إله مديان «يهوه»، الذي اكتشفه موسى في نبات مضيء في بلاد مديان السينائية، وكذلك الإله ذو الشرى. أما أسباب ذلك الرحيل جنوبًا للسبئيين، فيجد صداه في تل المعارك التي دارت بين الأقارب في شرقي سيناء، مع التفكك الذي أصاب الأحلاف، عند خروج الهكسوس ثم الإسرائيليين من مصر، وازداد أُواره عند قيام مملكة إسرائيل على يد منشئها الأول شاول، الذي تركها لداود وولده سليمان، وفي زمن شاول نقرأ بالكتاب المقدس:

وقال صموئيل لشاول: إياي أرسل الرب لمسحك ملكًا على شعبه إسرائيل، والآن فاسمع صوت كلام الرب، هكذا يقول رب الجنود: إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل، حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ماله، ولا تعف عنهم بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا، فاستحضر شاول الشعب وعده في طلايم مائتي ألف رجل، وعشرة آلاف رجل من يهوذا، ثم جاء شاول إلى مدينة عماليق وكمن في الوادي، وقال شاول للقينيين: اذهبوا حيدوا، وانزلوا من وسط العمالقة، لئلا أهلككم معهم، وأنتم قد فعلتم معروفًا مع جميع بني إسرائيل عند صعودهم من مصر، فحاد القيني من وسط عماليق، وضرب شاول عماليق من حويلة، حتى مجيئك إلى شور التي مقابل مصر.

(صموئيل أول، ١٥: ١–٧)

وإذا كان الكتاب المقدس قد وصف العمالقة، بأنهم جبابرة طوال القامة، فإنه هو نفسه يصف السبئيين بقوله: «السبئيون ذوو القامة» (إشعيا، ٤٥: ١٤)، كما أن قاموس الكتاب المقدس يقول لنا تحت مادة سبئيون: «أهل سبأ وهم المذكورون في سفر (أيوب، ١: ٥) وهم شعب طويل القامة، وكانوا يغيرون على البلاد، ويسلبون ساكنيها كما فعلوا مع أيوب، وهم يتنقلون من بلدٍ إلى بلد (أيوب، ٦: ١٩)، وكانوا يتاجرون في العبيد (يوئيل، ٣: ٨). ويعتقد دلمان أنهم فرعٌ من الكوشيين، وكانوا أهل حضارة، ويشتغلون بالتجارة، فتاجروا في الذهب والعطور، ولم تقتصر تجارتهم على حاصلاتهم المحلية، بل امتدت إلى حاصلات الهند والحبشة، وانتشر أهل سبأ في الأراضي، حتى وصلوا إلى شمال غربي بلاد العرب، ووصلوا إلى شمال الصحراء مع النبطيين، كما امتزجوا بالقبائل الأخرى عن طريق الزواج والارتباطات السياسية، وكان من تأثير ذلك أن اختلطت سلاسل أنسابهم». ويضيف تحت مادة «شبا» أنهم كانوا مشهورين بأنهم تجار ذهب وتوابل وأحجار كريمة، وهم أيضًا تجار رقيق (يوئيل، ٣: ٨)، ورغم أن الكتاب المقدس لم يقل أبدًا بمملكة سبئية شمالية جوار فلسطين، فإن قاموس الكتاب المقدس قد لاحظ أن السبئيين كانوا «حراس صحراء» (أيوب، ١: ١٥ و٦: ١٩)، وأيوب كان يعيش جنوبي فلسطين في النقب، على حدود بلاد آدوم، مما يعني أن السبئيين كانوا في ذات الجوار.

وفي الحديث النبوي أن رسول الله محمد قد سأل عن سبأ، فأجابه رجل من نسابة العرب بقوله إنه كان رجلًا «أولد عشرًا، تيامن منهم ستة (أي سكنوا اليمن [المؤلف])، هم حمير وكندة وهمدان ومذحج والأشاعر وأنمار، وتشاءم منهم أربعة (أي سكنوا الشام [المؤلف])، هم جذام ولخم وعاملة والأزد.»٢٩
وهنا لا تفوت العين المدققة أن النبي موسى كان قد تزوج «صفورة» بنت الكاهن المدياني «يثرون» أو «رعوئيل»، ولا نعلم عنها أكثر من ذلك، حتى يفاجئنا الكتاب المقدس، دون أي تفسير، أن تلك الزوجة كانت سوداء زنجية «كوشية»، وهو ما يعني أن المديانيين كانوا جنسًا أسود، وهو ما تفيدنا به قصة الخلاف بين الأشقاء هارون ومريم في جانب، وموسى في جانب آخر:

وتكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها؛ لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية.

(عدد، ١٢: ١)
ويبقى السؤال: هل عرَفت نصوص مصر سكانًا قطنوا شرقي سيناء باسم سبأ؟ الحقيقة أننا لم نعثر على ذلك الاسم دالًّا على شعب ما، لكنا وجدنا الاسم بذات الرسم مكتوبًا «س ب ء» ، فتقول نصوص الأهرام: «إن الأفعى في السماء «س ب ء»، «ح و ر» على الأرض»،٣٠ فماذا تعني «سبأحور»؟
يمكن الاستنتاج أن سبأحور إشارة إلى «سبأ»، التي عاشت في وادي حور في بلاد آدوم الحورية، على أن النص هنا يتحدث عن ثعبانٍ باسم «سبأ»، يعبد في عين شمس كتعويذة ضمن الحيوانات الضارة وأعداء الأرباب، وألحقت عبادته بمقابر الموتى، واعتبر أحد تجليات أوزيريس إله الموتى، وهو عين الأمر الذي يحيطنا به علمًا «بدج» في معجمه؛ حيث يقول إن «س. ب SP»، تعني دودة كما تعني أفعى، و«س ب ء» الإله الأفعى رئيس الأرواح السبعة، التي تحرس أوزيريس، و«س ب ء – و ر» اسم الإله و«س ب ء – ح ر» معبود قبيح الوجه، ويمكن أن نلمس في الاسم «س ب ء – و ر» تشابهًا يكاد يصل حد التطابق مع اسم زوجة موسى المديانية «صفورة».
س ب ء و ر
س ف و ر ﻫ
وإذا رجعنا إلى العربية وجدناه في صيغة «سف»، وإن كان لسان العرب قد خصصها في مادة سفف بنوعٍ من الحيات في قوله:

«السف حية تطير في الهواء»، وأنشد الليث:

وحتى لوَ ان السف ذا الريش عضني
لما ضرني من فيه ناب ولا ثعر
و«الثعر» هو السم، أما «صفورة» زوجة موسى؛ فقد كتبتها اللغة العربية «صفية»، التي يجب أن تقارن مع «سف»، والغريب في بابه أن هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد أثناء حديثه عن بلاد العرب وبخورها العطري، يقول في الكتاب الثالث فقرة (١٠٧–١١٣): «وهم لكي يجمعوا اللبان يحرقون تحت أشجاره نوعًا من الصمغ، يُدعى ستيراكس Styrax أي الميعة؛ لكي يطردوا أسرابًا كثيرة من الحيات الطائرة المختلفة الأنواع، التي تحرس أشجار اللبان، فتتجه تلك الحيات بمجموعها شطر مصر.»٣١
وفي تاريخ هيرودوت يسجل عن زيارته لشرقي دلتا مصر على الحدود السينائية، أن هناك تبدأ بلاد العرب، ثم يردف: «ويوجد في بلاد العرب مكان يقع تقريبًا تجاه مدينة بوطو، وقد ذهبت إلى هذا المكان في أثناء بحثي عن الحيات ذات الأجنحة، ولما وصلت رأيت كميات تفوق الوصف من عظام الحيات ومن أعمدتها الفقرية.» ثم يشرح لنا شكل ذلك المكان بقوله: «وهو عبارة عن ممرٍّ ضيق بين الجبال، ينتهي بسهلٍ فسيح، ذلك السهل يتاخم حدود مصر، ويقال إن الحيات ذات الأجنحة تطير عند بدء الربيع من بلاد العرب إلى مصر، وأن أبا منجل يتصدى للقائها عند مدخل هذا الممر، ولا يسمح لها بدخول مصر، بل يهلكها … أما الحيات ذات الأجنحة؛ فتشبه في شكلها حيات الماء، أجنحتها بغير ريش، تشبه على وجه التقريب أجنحة الخفافيش.»٣٢

لقد كانت الحية المعروفة باسم «سفا» أو «سبأ»، أحد أنواع الحيات الطائرة، وهو النوع الذي يطير كالسهم ليرشق بجسد فريسته، ويفلطح جلد بطنه ليتحول إلى ما يشبه الأجنحة التي تساعد على الطيران. وكان محل تواجدها بلاد العرب عند وادٍ ضيق بين جبال، يفضي إلى وادٍ فسيح، وأن في هذا المكان مدينة تدعى «بوطو»، التي عرفناها في الجزء الأول من هذا العمل مدينة «بو تو» أو «بي توم» أو «فيثوم» شرقي الدلتا المصرية.

ثم نتابع هيرودوت؛ إذ يقول: إنه كان هناك طائر من نوع أبي منجل، يتصدى للحيات الطائرة السبئية على حدود مصر، ليمنعها من الدخول، وأبو منجل طائر يقع ضمن فصيلة طيور، سبق وعرفناها باسم طائر الفينيق، أو الطائر البوني أو البونتي.

ويسوق لنا «بلوتارك» معلومةً، كانت تتواتر عند شعوب زمانه وما قبل زمانه، عن طائر عدو للحيات القاتلة، وأنه قد تم تقديسه لهذا السبب تحديدًا، في أكثر من موطن وفي أكثر من بلد، يقول بلوتارك: «إن الطائر أبو منجل هو الذي يقضي على الزواحف الخطيرة.»٣٣ لهذا «يكرم أهل تساليا اللقلق؛ لأن هذا الطائر يظهر عندما تخرج الأرض من جوفها أسرابًا من الثعابين، فيبيدها عن بكرة أبيها، ومن أجل ذلك سنوا قانونًا يحكم على كل من يقتل لقلقًا بالنفي من البلاد.» بينما سبق المصريون إلى سن قانون بقتل من يقتل طائر أبي قردان «بنو».٣٤
وتأكيدًا لرأينا في العلاقة الوطيدة الرابطة بين موطن طائر الفونيكس وبين البونتيين/ الفينيقيين/الكنعانيين/شرقي مصر، نقرأ عند «عبد المنعم عبد الحليم» قوله عن نفسه أنه قد «بدأ بدراسة النشاط البونتي وعلاقته بمصر، وناقش الآراء التي تربط الفينيقيين والبونتيين، وتنسبهما إلى مناطق البحر الأحمر، وأنه درس الأسماء المصرية والإغريقية للبونتيين والفينيقيين واشتقاقاتها ومعانيها، وخاصة المعاني المختلفة للاسم الإغريقي Phoenix والاسم المصري «بنو»، والمسميات الأخرى التي تشير إلى اللون الأحمر، أو تشير إلى المناطق الصحراوية، وقد لاحظ الباحث (أي عبد المنعم بعد الحليم) أن الاسم «بنو»، وهو الاسم المصري للطائر الخرافي المسمى في الإغريقية Phoenix، يطلق على المقاطعات المصرية الواقعة شرقي النيل، التي تنتهي عندها الطرق الصحراوية القادمة من البحر الأحمر والصحراء الشرقية، وبمقارنة هذا الاسم بالكلمة المصرية «وبن» بمعنى يشرق، رجح الباحث (أي عبد المنعم عبد الحليم) أن المصريين ربما أطلقوا الاسم «بنو»، أو اسمًا مشتقًا منه، على الجماعات التي كانت تفد إلى مصر من المناطق الشرقية ومنهم البونتيين، وأنهم ربما أطلقوا هذا الاسم على سائر المناطق الواقعة إلى الشرق من مصر ومن بينها بلاد العرب، وأن هذا الاسم قد تحول في العصر البطلمي إلى كلمةٍ تعني «رجلًا من بلاد البخور»، وأن هذه التسمية ربما كانت الأصل في الرواية، التي رددها هيرودوت بشأن العلاقة بين طائر الفنكس، وهو طائر البنو في المصرية، وبين بلاد العرب.»٣٥
ولكن لأن «عبد المنعم عبد الحليم» من أنصار النظرية التي تضع بونت على الساحل الصومالي، فإنه أبدًا لم ينتبه إلى كل الشواهد المتراكمة المتزاحمة، التي أوردها بقلمه في هذا النص الصغير، والتي لو دقق النظر فيها لذهبت به إلى اكتشاف بلاد بونت في بلاد العرب في وادي عربة. وحيث كان اصطلاح العرب آنذاك قاصرًا على وادي عربة وسيناء وبعض شمالي الجزيرة الحالية فقط. المهم أنه يتابع فيقول: «وبالنسبة للتشابه الملفت للنظر بين نشاط البونتيين ونشاط الفينيقيين في البحر الأحمر، والآراء التي تعتبر الفينيقيين أحفادًا أو حلفاء للبونتيين، وكذلك الروايات الكلاسيكية التي تنسب الفينيقيين إلى البحر الأريتري، الذي كان يشمل البحر الأحمر مثل رواية هيرودوت، فإن الباحث (أي: عبد المنعم عبد الحليم) يرى أن الشواهد الكثيرة ترجح ذلك، لكن نتيجة عدم وجود أدلة حاسمة حتى الآن على هذه الصلة، فإنه من الممكن افتراض أن الفينيقيين بوصفهم إحدى الجماعات التي خرجت مع الهجرة الكنعانية من شبه الجزيرة العربية، عندما لاحظوا أوجهًا كثيرة للتشابه بينهم وبين البونتيين، الذين يرجعون في أصولهم البعيدة إلى الجزيرة العربية أيضًا، فربما دفعتهم حاستهم التجارية إلى الاستفادة من ذلك التشابه، فنسبوا أنفسهم إلى البحر الأريتري كما جاء في رواية هيرودوت، حتى يكتسبوا حقوقًا في استغلال تجارته الرائجة إزاء الشعوب الأخرى، التي كانت تنافسهم في هذا الاستغلال.»٣٦

وهكذا، وبسبيل تمسكه برأيه، يلقي عبد الحليم في المهملات كل ما لاحظه من تشابهٍ بين البونتي والفينيقي، ويضع تخريجًا لطيفًا سريعًا على عادة مؤرخينا، يقول إن الفينيقيين أرادوا الشهرة التجارية، فنسبوا أنفسهم إلى التجار القدماء المشهورين بالبونتيين؟ هكذا بكل بساطة؟! هذا بينما نرى نحن بعد كل ما قدمنا، ومع كل المقبل في بحثنا هذا، أن الفينيقيين الذين ظهروا متأخرين على الساحل السوري اللبناني، هم أحفاد البونتيين الذين سكنوا وادي عربة، وكانوا ضمن الهكسوس الذين شتتهم ملوك التحرير المصريون، وذهبت بطون أخرى جنوبًا مثل سبأ، وأنهم أبدًا لم يظهروا على الساحل السوري، إلا بعد طرد الهكسوس من مصر، وما أجراه ملوك التحرير من عمليات قمع منظَّم على بلاد التجار في وادي عربة، وأدى إلى تفكك وضح للأحلاف أو «الأخلامو»، فذهب بعضهم جنوبًا نحو اليمن، وبضعهم شمالًا نحو الساحل السوري.

ونعود للكاتب التوراتي، وطيد الصلة بالمنطقة الآدومية السينائية، لنجده يحدثنا عن ذكريات شعوب المنطقة القديمة، حول الكثير من دواب سيناء والنقب وآدوم فيقول:

وحي من جهة بهائم الجنوب:

في أرضٍ شديدة وضيقة، منها اللبؤة والأسد، الأفعى والثعبان السام الطيار، يحملون على أكتاف الحمير ثروتهم، وعلى أسنمة الجمال كنوزهم، إلى شعبٍ لا ينفع، فإن مصر تعين باطلًا وعبثًا؛ لذلك دعوتها رهب الجلوس.

(إشعيا، ٣٠: ٦، ٧)

لقد كانت تلك الأحداث تجري في بلاد آدم وبلاد الحيات، التي عرفها المصري القديم باسم حيات سبأ، حيث تقع البلاد التي حددناها باعتبارها تلك التي عرفها المصريون باسم بونت، أرض الإله والعطور والبخور والتين والمواد العلاجية، وكان محررو التوراة يعلمون بصلةٍ قوية بين تلك البلاد ومصر، وأن مصر تعينهم وتساعدهم، فهل يا ترى قد عرف العرب بلادهم القديمة آدوم باسم: بونت؟ على اختلاف نطقها؟ فهي تُنطق عند جاردنر عن الهيروغليفية «بويني» وعند إرمان «بونة»؟ مثلًا.

يقول ابن منظور في لسان العرب تحت مادة بون:

البون موضع. قال الجوهري: ألبان ضرب من الشجر، واحدتها بانة، وشعب بوان من أطيب بقاع الأرض وأحسن أماكنها، وإياه عنى أبو الطيب المتنبي بقوله:

يقول بشعب بوان حصاني
أعن هذا يسار إلى الطعان؟
أبوكم آدم سن المعاصي
وعلمكم مفارقة الجنان

والبونة هي البنت الصغيرة.

وشجر البان اسمه باللاتينية Tamarisk Orientals أي الطرفاء الشرقية، ويؤخذ من حبه دهن طيب الرائحة، ومن أسمائه العربية البر واليسار والشوع والسياع.٣٧
ويقول لسان العرب تحت مادة «بين»، ومادة «لبن»:

غراب البين هو الأحمر المنقار والرجلين، والبائن: المفرط طولًا، الذي بعد عن قَدِّ الرجال الطوال، ونخلة بائنة: فاتت كبائسها الكوافير، وامتدت عراجينها وطالت. قال الجوهري: أبين اسم رجل ينسب إليه عدن، يقال: رجل أبين، والبان شجر يسمو ويطول في استواء، مثل نبات الأثل، وورقه أيضًا هدب كهدب الأثل، وليس لخشبه صلابة، شديد الخضرة، وينبت في الهضب، وثمرته تشبه قرون اللوبياء؛ إلا أن خضرتها شديدة، ولها حب، ومن ذلك الحب يستخرج دهن اللبان، وفي التهذيب: البانة شجرة لها ثمرة تربرب بأفاوية الطيب، ثم يعتصر دهنها طيبًا، وجمعها ألبان، ولاستواء نبتها ونبات أفنانها بها وطولها ونعمتها، شبه الشعراء الجارية الناعمة ذات الشطاط بها، فقيل كأنها بانة، وكأنها غصن بان، ولبيني اسم ابنة إبليس، واسم ابنة لقيس.

وهكذا احتفظ اللسان العربي بأصل كلمة «لبان»، منسوبة إلى بوان أو بونت، تلك الشجرة العملاقة ذات الأهداب التي لا تنبت إلا في الهضاب؛ ولأن «اللبان» هو ذات عين «المر»، نجد لسان العرب يقول تحت مادة «مرر»:

المرمر هو الرخام، وأبو مرة كنية إبليس. قال المدائني: بلغنا أن أول من كتب بالعربية مرامر بن مروة من أهل الحيرة. وقال سمرة بن جندب: نظرت في كتاب العربية فإذا هو قد مر بالأنبار، قبل أن يمر بالحيرة، ويقال: سئل المهاجرون: من أين تعلمتم الخط، فقالوا: من الحيرة.

والحيرة — كما هو معلوم — هي الإمارة التي قامت قبل الإسلام إلى الشرق من ذلك المكان، الذي قامت فيه من قبل دولة الأنباط في بلاد بونت، ونحن نعلم وكما سيأتي بيانه، أن اللغة العربية والخط العربي قد تطوَّرا أصلًا عن الخط النبطي، وهو ما يتفق مع ذكريات اللسان العربي عن «مرامر»، الذي من الحيرة أول من كتب. ولا يفوتنا أنه من بلاد المر أو اللبان يأتي اسم الحجر الجميل المعروف بالرخام، لكن تحت اسم المرمر، منسوبًا إلى بلاد المر، بلاد شجر اللبان الضخم الكثيف، بلاد الأيك، التي يشرح لسان العرب بشأنها، فيقول تحت مادة «أيك»:

الأيكة: الشجر الكثيف الملتف. وقيل: الأيكة جماعة الآراك، على أن الأصل: الأيكة، فألقيت الهمزة فقيل اليكة، ثم حُذفت الألف، فقيل: ليكه. قال الجوهري: من قرأ: كذب أصحاب الأيكة المرسلين، فهي الغيضة، ومن قرأ ليكه؛ فهي اسم القرية.

وفي العبرية مجموعة الأشجار هي أيلون Ailon، وعادةً ما تخص البلوط، ومن البلوط تُستخرج مواد عطرية علاجية، أهمها زيت التربنتين، وهو أحد أشهر العلاجات القديمة. ومعلوم أن البلوط كان أهم أشجار منطقة النقب في محيط آدوم، ويقول علي الشوك بصدد تلك الأشجار (إيلون): «وإيلون اسم مدينة فلسطينية قديمًا، واسم رجل أيضًا، وهناك مدينة إيلات على خليج العقبة الشرقي، وهي مدينة آدومية، يعتقد أن اسمها مشتق من أيلون وتعني: أشجار، أيكة، وقد سماها بطلميوس إيلانا، كما سماها يوسفيوس المؤرخ اليهودي إيلانه، واسمها عند العرب آيلة.»٣٨ فهلا يثبت لنا ذلك أن الموضع الذي اخترناه، كان يغص بغاباتٍ من أنواع مواد التبخير لبانًا وبلسانًا ومرًّا، إضافةً إلى أشجار التين/البيرسيا؟
ومع الزمن الطويل الذي قضيناه في بحثنا، كنا نعثر طوال الوقت على علاماتٍ مضيئة وكاشفة، مثل تلك التي وردت في العقائد الأوغاريتية (رأس شمرا قرب اللاذقية) عن اعتقادٍ في إلهة عظمى مبجلة هي الشجرة العالمية المقدسة، بيد أن الباحث «شيفمان» يعتبر عقيدة الشجرة العالمية أصلًا لجميع العبادات، التي انتشرت في حوض المتوسط الشرقي، وكانت تقام لها طقوس عبادة عند الأشجار، التي تنبت على الجبال العالية، وسُميت مقارُّ تلك العبادة «المرتفعات» و«العُليات» المقدسة،٣٩ وقد مارس الإسرائيليون هذه العبادة، وأشار إليها الكتاب المقدس مئات المرات، كما لا تفوتنا المتكررات الدائمة في بلاد الرافدين، التي تشير إلى شجرةٍ عالمية مقدسة، وهو ذات الاعتقاد الذي نجده في عقائد مصر القديمة.
هنا لا بد من تلامسٍ سريع مع موسى وربه (نار العليقة)، وقديمًا لاحظ الفيلسوف اليوناني «أرسطو»، أن بعض جذوع النبات تصدر ضوءًا،٤٠ أما شجر المانجروف وشجر اللبان، فكان كثيرًا ما يجذب مخلوقات متألقة تعرف باسم Luminescen، أشهرها الخنافس/الحباحب المعروفة باسم fireflies أي الفراشات النارية، وعلى التخصيص إناثها المعروفة باسم Photoris أي الوهاجة، ومثل تلك الكائنات المضيئة المتعددة، نشأ بخصوصها علم خاص باسم علم Luminosity أي علم السطوع، بينما الظاهرة نفسها أصبحت معروفة تمامًا لعلماء الطبيعة تحت اسم «ظاهرة التألق الحيوي Bioluminescence»، وتحيط إناث الخنافس أو الأيك بهالةٍ ضوئية، هي إشارات لجذب الذكور إلى الشجرة.
ويشرح البروفيسور «جون بوك»، من المعهد الأمريكي القومي للصحة، ميكانيزم الضوء الحيوي الذي تصدره مثل تلك الكائنات، بأن الجزيء يندفع إلى مستوى طاقة أعلى، وغير مستقرة في آنٍ واحد، وعندما يعود إلى وضعه الطبيعي يصدر فوتونًا أي جسيمًا ضوئيًّا، وأن ذلك يحدث بوسائل كيميائية وفيزيائية معقدة، ليس هنا مجال تفصيلها لشدة تخصصها. وقد أطلق العلماء على الجزيء الكيميائي الذي يقوم بهذا الدور اسم Luciferin أي حامل الضوء، وعندما يتحد اللوسفرين مع الأوكسجين، بوجود إنزيم يُعرف باسم لوسيفريز Luciferase وجزيئات أخرى تختلف تبعًا للنوع المشمول، ينتج عن الاتحاد جزئ يحمل طاقةً أعلى تكفي لإصدار الضوء.٤١
وهنا نقف دهشين من قدرة اللغة على حمل كل هذه المعاني، وكل تلك الذكريات القديمة؛ لأن لوسيفر Lucifer حامل الضياء، كان لقب الملاك الذي عصى الله، وكان يسمى لوسيفر لقربه من الله، إلى الحد الذي كان يعكس ضياء الله على وجهه، وهو الذي تحول بعد الغضب الإلهي عليه لعصيانه، إلى شيطان باسم إبليس.٤٢

وهنا لا بد أن تتداعى مضامين لسان العرب، وهو يتحدث عن أيك اللبان أو المر، إذ يقول: «ولبيني اسم ابنة إبليس»، ثم يقول عن اللبان باسم المر: «وأبو مرة هو كنية إبليس»، أما الحباحب الضوئية فكانت تحيل أيكة اللبان إلى شجرةٍ مضيئة متوجهة، كما لو كانت تشتعل، ولو لم تمسسها نار، وهو الأمر الذي كان كفيلًا لدى إنسان تلك العصور الخوالي، بإحاطتها بالأساطير والتبجيل والعبادة، ناهيك عن كون عصارتها تستخدم في أجل الشئون، فكانت تُحرق ليتصاعد دخانها العطري إلى أنوف الآلهة، فقد كانت بخور المعابد وهياكل الآلهة. ولم يزل تبخيرها حتى اليوم يطرد الأرواح الشريرة، ويفتح أبواب الرزق في المعتقدات الشعبية، أما الأهم فهو أنها كانت المادة العلاجية الطبية الأولى في ذلك الزمان، وعندما نربط بين شجر اللبان «الأيك» وبين الحيات التي تعيش في غياضه، تلوح فورًا صورة الكيمياء العلاجية «الصيدلة»، ورمزها الذي يتمثل في حية تلتف حول كأس الدواء.

أما الخنفساء السوداء الأنثى المضيئة، فتعرف باسم «الملكة السوداء» لأنها تفعل فعل أنثى العنكبوت، فتبدأ في التهام الذكر وهو منهمك في تلقيحها، ثم تأتي عليه بعد أن ينهي مهمته، وهو عاجز عن الدفاع عن نفسه.

ويبدو أن تلك البلاد الآدومية التي تموج وتزخر بثراءٍ هائل للشعوب والسلع كانت مصدرًا لأشياء مضيئة متنوعة، وربما كان ذلك هو السر وراء الانبهار بها وتقديسها كأرض للآلهة، ناهيك عن جمال طبيعتها المبهر، ويضيء ذلك أمامنا نصًّا في تقرير بعثة حتشبسوت إلى بلاد بونت، كان مستعصيًا على الفهم تمامًا، وهو النص الذي يقول: إن حتشبسوت قد استوردت من هناك مادة اسمها «السام»، وأن تلك المادة تضيء بنفسها كما لو كانت نوعًا من الفوسفور، وأن الملكة قد دهنت أو رصعت جسدها جميعه بتلك المادة، فأضاءت، والنص هو:
وكانت جلالتها تعمل بيديها، فوضعت أحسن العطور على أعضائها، حتى إن عبيرها كان كالأنفاس القدسية، وانتشر شذاها حتى اختلط بشذى أرض بونت، وكان جسمها مرصعًا بالسام، يسطع كالنجوم في قبة السماء، على مرأى من كل الأرض.٤٣
ويتكرر ذكر مادة «السام» في متونٍ مصرية أخرى كما في النص «وأن كل الأواني التي أعدت لها، كانت من السام والذهب وكل حجر ثمين»،٤٤ ولم يلتفت سادتنا المؤرخون إلى نصٍّ آخر، يأتي بمادة السام من بلاد سوريا، وليس من بلاد الصومال (والمقصود بسوريا كل الشرق السامي بدءًا من سيناء)، وهو الذي يعدد أشكال الجزية القادمة من سوريا، وأهمها مادة «السام».٤٥

أما شعر المتنبي الذي أورده لسان العرب، فيبدو لنا أنه كان يدور حول بلاد بونت في مغرب أيامها، فالأبيات تقول:

يقول: بشعب «بوان» حصاني
أعن هذا يُسار إلى الطعان
أبوكم آدم سن «المعاصي»
وعلمكمُ «مفارقة الجنان»
فالرجل هنا يستحضر ذكريات قوم أصحاب خيول، عاشوا في مضيقٍ أو شعب باسم «بوان»، ارتكبوا المعصية، فكُتب عليهم مفارقة بلادهم التي كانت جنات، وهي عين الذكريات التي تجد صداها في القرآن الكريم بعد ذلك، حيث يقول واضحًا فصيحًا بليغًا، مسجلًا تلك الذكريات الخوالي، التي تلتقي التقاء مدهشًا، وتنضبط مع ما قدمناه في عملنا هذا:

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (سبأ: ١٥–٢٠).

ولا شك أن السؤال الذي بات يلح الآن: أي إله تقصد النصوص المصرية القديمة، عندما كانت تصف بلاد بونت بأنها أرض الإله؟ ولماذا لم تُسمِّ تلك النصوص ذلك الإله باسمه الواضح؟ وما علاقته بالشيطان إبليس ذلك المتكرر دومًا والمصاحب دومًا لبلاد الأيك؟

إذا كانت فروضنا حتى الآن صحيحة، وإذا كانت بلاد بونت هي بلاد آدوم، الواقعة شرقي مصر على امتداد الحد الشرقي لسيناء ما بين البحر الميت شمالًا وخليج العقبة جنوبًا، حيث البوادي والجبال الشاهقة، والصخور الملونة، وأشجار الأيك المضيئة، والثعابين الطائرة، وطائر الفينيق. فعلينا إذن العودة إلى نصوص مصر القديمة، نستنطقها سر إله اعتقد فيه المصريون القدماء، وكان على علاقة بشرقي مصر وبالصحارى، وبالجبال وباللون الأحمر رمز الشر المستطير.

(لوحات من البتراء كشواهد وأدلة على نظريتنا، وأشكال أخرى داعمة لنا.)

(انظر الأشكال رقم «٨٦–٩٦».)

figure
شكل رقم «٨٦»: دير كاترين (صورة من الفضاء).
figure
شكل رقم «٨٧»: أحجار بلاد بونت أو بلاد آدوم، من البتراء، توضح قيمتها وندرتها وبهاءَها اللوني، وتستحق التصنيف إلى حجر أوكنو وحجر ساندو وحجر خلالو وحجر مشجر وحجر أوراس … إلخ.
figure
شكل رقم «٨٨»: التداخلات اللونية من كل لون في أحجار آدوم.
figure
شكل رقم «٨٩»: هكذا أحجار البتراء.
figure
شكل رقم «٩٠»: من كل ألوان الطيف (أحجار بلاد الكهوف).
figure
شكل رقم «٩١»: بين كل هذا البهاء سكن الآدوميون.
figure
شكل رقم «٩٢»: الكهوف بكل الألوان.
figure
شكل رقم «٩٣»: التصور المصري للحيات الطائرة.
figure
شكل رقم «٩٤»: صمغ/بخور البطم في وادي عربة.
figure
شكل رقم «٩٥»: الشجرة الإلهية المقدسة في مصر القديمة، وهي كما هو واضح شجرة تين.
figure
شكل رقم «٩٦»: الربة الشجرة مرسومة على عمودٍ في غرفة الدفن بمقبرة تحتمس الثالث، وهي تقدم ثديها للملك المتوفى، ونقرأ العلامة الهيروغليفية من خبر رع اسم العرش لتحتمس الثالث.
figure
شكل رقم «٩٧»: وديان سيناء.
figure
شكل رقم «٩٨»: وادي فيران، من وديان سيناء.
figure
شكل رقم «٩٩»: تمثال عُثر عليه في المعبد اللحياني، العلا.
figure
شكل رقم «١٠٠»: تمثال للمقارنة، الكاهن الأعلى الأسرة الخامسة، مصر القديمة.
figure
شكل رقم «١٠١»: شجر البان (البلسم) لم تزل حتى الآن على شاطئ البحر الميت.
figure
شكل رقم «١٠٢»: ثمرة شجر البان تشبه قرون اللوبيا، ولها حب يُستخرج منه دهن اللبان، ويعتق دهنها طيبًا، من وادي موسى.
figure
شكل رقم «١٠٣»: عصارة شجر البلسم للعلاج والتبخير، من وادي عربة.
figure
شكل رقم «١٠٤»: صمغ/بخور البطم في وادي عربة.
١  فرتز هومل، التاريخ العام لبلاد العرب الجنوبية، بحث ضمن كتاب التاريخ العربي القديمة، ترجمة د. فؤاد حسنين، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٥٦.
٢  الموضع نفسه.
٣  نفسه، ص٦٣، ٦٤.
٤  رينيه ديسو، العرب في سوريا قبل الإسلام، ترجمة عبد الحميد الدواخلي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٥٩م، ص١٠.
٥  فليكوفسكي، عصور … سبق ذكره، ص١٣٢.
٦  ابن قتيبة، المعارف، تحقيق د. ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، ط٤، ١٩٨١م، ص٦٤٥.
٧  حسين الويسي، اليمن الكبرى، النهضة العربية، القاهرة، ١٩٦٣م، ص١٧٤.
٨  غرغوريوس الملطي المعروف بابن العبري، تاريخ مختصر الدول، د. ن، د. ت، ص٣٢.
٩  فرتز هومل، التاريخ العام لبلاد … سبق ذكره، ص٦٨، ٦٩، ٧١، ٧٢.
١٠  الويسي، اليمن … سبق ذكره، ص١٧٤.
١١  هومل، التاريخ العام لبلاد … سبق ذكره، ص٧٦، ٧٧.
١٢  محمد عبد القادر بافقيه، تاريخ اليمن القديم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨٥م، ص٥١، ٥٣.
١٣  الموضع نفسه.
١٤  فراس السواح، الحدث … سبق ذكره، ص١٠٦.
١٥  نفسه، ص١١٨.
١٦  ما عدا شبا التي تأتي في العهد القديمة مقترنة مع «ددان/العلا»، مما يشير إلى تجاورٍ جغرافي، وربما هي ضبا الحالية على الساحل الشرقي للبحر الأحمر مقابل الغردقة المصرية، والملحوظة لصديقي الدكتور محمد سميح.
١٧  فرتز هومل، التاريخ العام … سبق ذكره، ص٩٣.
١٨  نفسه، ص٧٧، ٧٨.
١٩  فؤاد حسنين، تعقيبات على ترجمته لكتاب التاريخ العربي القديم بعنوان استكمال … سبق ذكره، ص٢٧٩.
٢٠  نفسه، ص٢٨٣.
٢١  لويس عوض، مقدمة في فقه اللغة، دار سينا، القاهرة، ١٩٩٣م، ص١١١.
٢٢  هومل، التاريخ العام … سبق ذكره، ص١٣٠.
٢٣  نفسه، ص١٣٩.
٢٤  نفسه، ص١٤١.
٢٥  الموضع نفسه.
٢٦  نفسه، ص١٠٧.
٢٧  نفسه، ص٨٩.
٢٨  نيلسن، الديانة العربية … سبق ذكره، ص١٩٠.
٢٩  الويسي، اليمن … سبق ذكره، ص١٦٥.
٣٠  فهمي خشيم، آلهة مصر … سبق ذكره، ص٤٢٦.
٣١  نفسه، ج١، ص٤٢٦، ٤٢٧.
٣٢  هيرودوت يتحدث … سبق ذكره، ص١٨٠، ١٨١.
٣٣  بلوتارك، إيزيس وإيزوريس، ترجمة حسن بكري ومحمد خفاجي، دار القلم، القاهرة، د. ت، ص١٠٨.
٣٤  نفسه، ص١٠٧.
٣٥  عبد المنعم عبد الحليم، موجز رسالتيه … سبق ذكره، ص٣١، ٣٢.
٣٦  نفسه، ص٣٢.
٣٧  علي الشوك، جولة … سبق ذكره، ص٥٨.
٣٨  نفسه، ص٦٦.
٣٩  شيفمان، ثقافة أوغاريت … سبق ذكره، ص١١٧.
٤٠  إبراهيم عبد الله العلو، كائنات وضاءة، مجلة العربي، الكويت، عدد يناير ١٩٩٥م، ص١٤٠.
٤١  نفسه، ص١٣٩: ١٤١.
٤٢  سيد القمني، الأسطورة والتراث، سبق ذكره، انظر ص٢٩–٥٣. انظر هناك عددًا من المصادر.
٤٣  سليم حسن، مصر القديمة، سبق ذكره، ج٤، ص٣٣٢، وفي الصفحة التالية ص٣٣٣: في السنة التاسعة ظهرت فيها الملكة متوجة بتاج «آتن» على العرش العظيم المصنوع من السام.
٤٤  سليم حسن، مصر القديمة، ج٤، ص٤١٣، «وأن كل الأواني التي أعدت لها بناء محاريب جديدة في الكرنك»، كانت من السام الذهب وكل حجر ثمين من الأسلاب التي غنمها جلالته في حملته الأولى.
٤٥  نفسه، ص٤١٤، وخمس عربات مغطاة بالسام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤