العامو أو العموريون: اسم الأحلاف الجامع
ولما كانت الدراسات اللغوية تفيدنا بأن الرافدي وبخاصة الآشوري، كان ينطق حرف «ع» أقرب إلى الهندوآرية «أ»، فإن الإله «أمورو» هو في السامية الغربية «عمورو» أو «حمورو»، أي الحمار، والأحمر. وإليه كإلهٍ انتسب الملك البابلي باسمه «حمورو – أبي» أي «الحمار أبي» أو «الأحمر أبي»، فلا فرق.
ومن جانبٍ آخر نعرف في مختلف الكتابات التاريخية، والكتابات المقدسة التوراتية أن منطقة الشمال السوري كانت بالتأكيد بلادًا آرامية، ومع ذلك تشير إليها الكتابات المصرية باسم «آمورو»، أي أنها كانت بلادًا أمورية أيضًا.
وأنا أصعدتكم من أرض مصر، وسرت بكم في البرية أربعين سنة، لترثوا أرض الأموري.
ثم ارتحلنا من حوريب (اسم للجبل المقدس في شبه جزيرة سيناء [المؤلف])، وسلكنا كل ذلك القفر العظيم المخوف، الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين كما أمرنا الرب وجئنا إلى قادش برنيع.
الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلًا: كفاكم قعودًا في هذا الجبل، تحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الأموريين، وكل ما يليه من العربة (أي وادي عربة [المؤلف]).
جميع ملوك الأموريين الساكنين في الجبل.
وقلتم: الرب بسبب بغضه لنا قد أخرجنا من أرض مصر، ليدفعنا إلى أيدي الأموريين لكي يهلكنا. إلى أين نحن صاعدون؟ قد أذاب إخواننا قلوبنا قائلين: شعب أعظم وأطول منا، مدن عظيمة محصنة إلى السماء، وأيضًا رأينا بني عناق هناك.
النص كما هو واضح — مع النصوص السابقة — يفصح عن الأموريين كشعب يسكن جبال جنوبي فلسطين، وأنه شعب طويل القامة عظيمها، ومدنه محصنة ترتفع نحو السماء، وأن في هذا الجبل يسكن بنو عناق العناقين العمالقة.
فكلمتكم ولم تسمعوا، بل عصيتم قول الرب وطغيتم وصعدتم الجبل، فخرج الأموريون الساكنون في ذلك الجبل للقائكم، وطردوكم كما يفعل النحل، وكسروكم في سعير إلى حرمة، فرجعتم … وقعدتم في قادش أيامًا كثيرة كالأيام التي قعدتم فيها.
الحرة: هي التي أعلاها سود وأسفلها بيض، والحر: حية. وزعموا أنه الأبيض من الحيات. والحر: طائر. وحر: زجر للمعز.
وتحت مادة حور نقرأ:
الحور: أن يشتد بياض العين وسواد سوادها، والحور: شدة سواد المقلة في شدة بياضها. وقال كراع: الحور أن يكون البياض محدقًا بالسواد. والأحوري: الأبيض الناعم. والحور: الأديم المصبوغ بحمرة. وقال الجوهري: الحور جلود حمر. والحائر المكان المطمئن يجتمع فيه الماء، فيتحير فلا يخرج منه. وتحيرت الأرض بالماء: إذا امتلأت. وطريق مستحير يأخذ في عرضه مسافة لا يدري أين منفذه. والحارة: كل محلة دنت منازلهم فهم أهل حارة. والحير بالفتح: شبه الحظيرة.
هكذا تحمل كلمة «حور» في طيات حفرياتها الدلالية ذكريات أيام أوائل، ونحن نعلم أن العربية تطورت عن النبطية التي تطورت بدورها عن الآرامية، وأنها جميعًا تداخلت مع لغات المنطقة وبخاصة المصرية؛ لذلك نجد مادة حور تعطينا الأحمر أو الأبيض مع الأسود دومًا، ثم الحور هو الأديم، والأديم هو تراب الأرض الأحمر، ومنها جاء اسم بلاد آدوم، والحائر هو مكان البحيرات الناتجة عن عيون، ونلاحظ أن بحر وبحيرة ذات علاقة واضحة بالحر وبالحور، ثم الحير هو الحظيرة أو العشيش أو العريش.
الأدمة: القرابة، وقيل الأدمة: الخلط، وقيل: الموافقة، والأدم: الألفة والاتفاق. قال الكسائي: يؤدم بينكما؛ يعني: أن تكون بينهما المحبة والاتفاق. والأديم: الأحمر. وأديم النهار: بياضه. والأدمة: السمرة. قال ابن سيده: الأدمة في الإبل لون مشرب سوادًا وبياضًا. والأدمة في الإبل: البياض مع سواد المقلتين، قال: وهي في الناس السمرة الشديدة. والآدم من الظباء: بيض تعلوهن حدد فيهن غبرة. فإن كانت خالصة البياض؛ فهي الأرام. والأدمة هو الأبيض والأسود المقلتين. والإدمان شجرة. الإيدامة: الأرض الصلبة. قال ساعدة بن جؤية:
يقول: كأنهم في امتناعهم على من أرادهم، في جبل، وإن كانوا في السهل.
وهكذا أصبحت أدوم تاريخًا يشتق منه معاني اختلاط الناس ببعضهم، وموافقتهم واتفاقهم وقرابتهم، وأن الأديم يعني الأحمر والأبيض والأسود، لكنا نرتكز على اللسان وهو يمنحنا تأكيده أن البيض بين هؤلاء كانوا الآراميين لقوله: «فإن كانت خالصة البياض فهي الأرام»، وهو ما سنحاول التيقن منه لاحقًا. أما بنو عمرو العموريون؛ فقوم أشد منعة من بقية الناس؛ لأنهم يسكنون في سهلٍ يمتنع بالجبال.
الأمر معروف، نقيض النهي. والأمير: ذو الأمر، والأمير: الآمر. قال أبو عبيدة في قوله «مهرة مأمورة»: أنها كثيرة النتاج والنسل. يقولون: أمر الله المهرة؛ أي: كثر ولدها وأمر القوم أي كثروا. والأمر: الصغير من الحملان. والأنثى إمره، وقيل: هما الصغيران من أولاد المعز. قال ثعلب: رجل إمر قال يشبه بالجدي، والأمر الحجارة واحدتها أمرة. والأمر بالتحريك: جمع أمرة، وهي العلم. والأمرة: الرابية. قال ابن شميل: الأمرة مثل المنارة فوق الجبل، عريض مثل البيت وأعظم، طوله في السماء أربعون قامة، صنعت على عهد عاد وإرم. والتامورة عريشة الأسد، وقيل أصل هذه الكلمة سريانية.
وهكذا ورثت لغة العرب اقتران السيادة بالأموريين، والتي احتسبناها سيادة هكسوسية في إمبراطوريةٍ عظمى، وأن من معاني الأموري كثرة النسل، وأنه له علاقة بالماعز والجدي، وأنها تعني الحجارة، ولمزيدٍ من الإيضاح يذكر العرب أثرًا فوق علم (جبل) عريض كالبيت، يرتفع في السماء أربعين قامة (فهل يكون ذلك مطابقًا لأم البيارة في البتراء؟)، وأن ذلك الأثر صُنع منذ عهد عاد وإرم، ثم يكرر أن من معانيها العريش، وأن أصل الكلمة سريانية، أي آرامية.
عمري الشجرة القديمة: وقيل: هو العبري من السدر، والميم بدل، قال الأصمعي: العمري والعبري من السدر القديم. يقال للسدر العظيم النابت على الأنهار: عمري وعبري على التعاقب. والعمار والعمارة كل شيء على الرأس من عمامة أو قلنسوة أو تاج، والعمار الآس. وقيل: كل ريحان عمار. والعمارة: القبلية والعشيرة. والعوامر: الحيات. والعومرة: الاختلاط. واليعمور: الجدي. والعمر: ضرب من النخيل هو السحوق الطويل. وأم عمرو وأم عامر هي: الضبع. يقال للضبع أم عامر، كأن ولدها عامر.
وهكذا يصل ثراء ما تحفظه مورثات جينات اللغة حدًّا، احتوت معه أسماء بطون القرابات، فالعموري هو العمري؛ ولأن الميم تختلط بالباء فهو العبري «والعبريون — حسب التوراة — هم قبيلة إسرائيل»، وأن لهؤلاء العموريين ميزة التاج أو السيادة والقلنسوة. وسنرى فيما بعد أهمية تلك القلنسوة الأمورية، ثم إن لهم علاقة بالآس، ولعلنا لم ننسَ بعدُ الآس والإله آش، ثم إن من معاني الاسم «عموري» اختلاط الناس ببعضهم أحلافًا، وأن لهم علاقة بالجدي والماعز، وبالعملقة لأن العمر نخل طويل، وأم عمرو هي الضبع، وهو ما يستدعي عناق البونتي ذا الوجه الضبعي، وأن العموريين ينتسبون إليه كأنهم أولاده، فالعموريون يعبدون ربًّا أشبه بالضباع تسموا باسمه.
ضبعت أسرعت، وفرس ضابع شديد الجري، والضبع الجور، وفلان يضبع أي يجور. والضبع: ضرب من السباع أنثى. وفي قصة إبراهيم عليه السلام وشفاعته في أبيه، فيمسخه الله ضبعانًا أمدر، والضبعان ذكر الضباع. وجار الضبع المطر الشديد.
ولنلحظ هنا عبارة «شديد الجري»؛ لأنها ترتبط بفصلٍ آتٍ عن الشاسو، أما الأهم فهو أن يظهر لنا إبراهيم الآرامي العبري، من نسل رجل مُسخ ضبعًا فهو ابن الضبع، أو هو من نسل عناق البونتي.
ولنتأمل الآن صورة الإله ست التي رسمها المصري القديم، ولا ننسى أن عم تعني قوم، وبالنسبة إلى عناق يصبح المنتسب إليه ابن عناق أو عناقيًّا، وقد عرفنا أن العناقيين هم العمالقة.
ثم ارتحلنا من حوريب، وسلكنا كل ذلك القفر العظيم المخوف، الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين … وقلتم الرب بسبب بغضه لنا أخرجنا من أرض مصر، ليدفعنا إلى أيدي الأموريين ليهلكنا.
وكان العماليق يتجولون من مكانٍ لآخر، وكان مجال تجولهم وسيعًا، من حدود مصر إلى شمال العربية إلى بادية فلسطين (صموئيل أول، ١٥: ٧ و٢٧: ٨) … وآخر ذكر لهم كان أيام حزقيا الذي طارد دخولهم من جبل سعير (أخبار أيام أول، ٤: ٤٣).
جبل العمالقة كان من نصيب إفرايم، وقد حمل اسمه نسبة إلى العمالقة الذين سكنوه (قضاة ٥: ١٢، ١٥).
لكن عنصرًا من بينهم وصف بالعملقة، لا شك أنه كان القادم من إفريقيا السوداء، أو هجينًا منهم ومن أهل جنوب الجزيرة.
لقد كانت بلاد آدوم كما قلنا وأكدنا وزدنا وأعدنا، موئلًا لجماعاتٍ وعناصر جنسية متباعدة، فكان فيها الكوشي العملاق الزنجي، ثم كان فيها الحامي المصري القادم بالضرورة عبر سيناء في صلاتٍ دائمة، ثم كان فيها الآرامي القادم من شمال الرافدين وبلاد أرمينيا عند أرارات، وهو الشعب الذي أولد بني إسرائيل من بعد، ثم ذلك القادم من جنوبي الجزيرة الحميري، والذي ربما اختص باسم العامو أو العموريين العمالقة، قبل أن يصبح اسمًا عامًّا يُطلق على جماعة الأحلاف.
(انظر الشجرة الربة الإلهية في مصر القديمة، الشكل رقم «٩٥، ٩٦».)
ملحق
إبان مراجعة بروفات الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وكانت بروفة هذا الفصل بين يديَّ أضفت هذه الفقرات، بعد أن طالعت بصحيفة الأهرام القاهرية بتاريخ ١٩٩٧/١١/١٢م الخبر التالي، وقد رأيت أن أضعه كما هو «بالتصوير»:
انظر أيضًا: طه باقر الوجيز … ص١٤٠.