الفصل الثامن
إسرائيل ويهوذا العبري أو إسرائيل والهكسوسي الخبري
انتهت الدراسات النقدية للتوراة، إلى اكتشاف تأسيسي يعيد فكرة النقاء الجنسي العرقي
إلى أصولها، حيث يتضح لنا أن كل تلك الصلات القرابية لأبطال العهد القديم، إنما كان
لونًا من الأحلاف بين نماذج بشرية مختلفة، بل وأحيانًا متضاربة ومتصارعة. ويضرب لنا
الباحث المجتهد بفراسة «فراس السواح» نماذج من الأمثلة التي توضح أكذوبة الأصل الواحد
المتصل، ومنها ما جاء من ذكر للإسماعيليين والمديانيين في قصة يوسف، حيث لا يتناسب هذا
الذكر إطلاقًا مع سلسلة الأنساب، التي رسمها سفر التكوين لإبراهيم وأولاده، حيث المفروض
أن الإسماعيليين هم أبناء إسماعيل بن إبراهيم من هاجر المصرية، وأن المديانيين هم أولاد
مديان ابن إبراهيم من زوجته قطورة. فإذا أخذنا الزمن الفاصل بين عصر إسماعيل ومديان
وإسحاق أبناء إبراهيم وبين عصر يعقوب ويوسف، لاكتشفنا أنه من المحال أن يكون الولدان
الثلاثة قد تشكلوا في شعوبٍ تملأ سيناء وآدوم ضجيجًا، فقط خلال الفترة التي جرت خلالها
أحداث قصة يوسف في مصر.
١
إن الأيديولوجيا العرقية حاولت هنا رسم خط نسب رئيسيًّا، يربط تحالف الأسباط الاثني
عشر بتحالفاتٍ أخرى، تأخذ باعتبارها خطوط نسب فرعية، تنشئ اتصالًا قرابيًّا حتى مع
الشعوب المجاورة والمحيطة، التي احتك بها الإسرائيليون، وهي المحاولة التي تؤكد وجهة
نظرنا في ذلك الحلف الكبير، الذي أشرنا إليه دومًا، وقام في مركزٍ رئيسي ببلاد آدوم
ومحيطها.
وتقول الأركيولوجية «كاثلين. م. كنيون» أهم من نقب الأرض الفلسطينية، سعيًا وراء
التاريخ الإسرائيلي القديم في فلسطين: «إن الذي قام بتحرير سفر التكوين في القرن العاشر
ق.م. حاول أن يجمع في قصةٍ واحدة الحكايات الشائعة بين القبائل والمجموعات، التي اجتمعت
فيما بعد لتكون شعب إسرائيل، وكثير من المتخصصين يتفقون على أنها قبائل متفرقة. ومن
الأرجح أن تكون إحداها قبيلة إبراهيم «وولده» إسحاق، أما قبيلة يعقوب «المنسوبة لإسحاق»
فقبيلة أخرى، وقد تم فيما بعدُ إيجاد صلة قرابة بينهما، ولعل عائلة إبراهيم هي من أعالي
النهرين، بينما عائلة يعقوب من شرقي الأردن … ومن المرجح أنه لا توجد علاقة بين قصة
الآباء وقصة الخروج
Exodus، والانقطاع بين سفر التكوين
وسفر الخروج تام.»
٢
ويقول «تيودور. ﻫ. روبنسون»، وهو متخصص آخر: «من الواضح أن شعب إسرائيل الذي يتحدث
التاريخ عنه، يشمل عشائر كثيرة لم تطأ أقدامها أرض مصر مطلقًا، بل إن الإصحاح الثامن
والثلاثين من سفر التكوين، قد يفهم منه أن يهوذا استقر في الجزء الجنوبي من كنعان، وأن
قبيلة أشير كانت قد أقامت في ديارها التي استقرت فيها عند ولادة موسى … ودخلت بطون من
هذه القبائل في طاعة المصريين، بيدَ أنهم في فترة من الفترات بين عامي ١٥٠٠ و١٢٠٠ق.م.
فروا من مصر وعلى رأسهم موسى. وكان موسى قبل ذلك قد عقد صِلاتٍ بقبائل البدو، ووفق إلى
جمع كلمة بعضها في شعبٍ واحد، متوسلًا إلى ذلك بدينٍ جديد، آمن به جميع الأحلاف عند
الجيل المقدس الذي كان موسى يتردد عليه.»
٣
وكلام «روبنسون» هنا بحاجةٍ إلى بعض التوضيح، فهو يقول إن شعب إسرائيل لم يكن أبدًا
قبيلة واحدة متوحدة جنسيًّا وثقافيًّا، بل كان يشمل عددًا من القبائل، ومن بين هذه
القبائل كانت قبيلة «يهوذا»، أحد الأسباط فيما بعد، قد استقرت في جنوبي فلسطين، أي في
محيط النقب وآدوم، وذلك في الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون مستعبدين بمصر، وقد استنتج
من ذلك أن قبيلة يهوذا لم تدخل مصر أبدًا، وهنا فقط نخالفه في استنتاجه هذا؛ لأننا نزعم
أن يهوذا قد دخل مصر فعلًا، وأن تلك القبيلة الكبرى «يهوذا» قد خرجت من مصر، وتركت في
مصر بقية القبائل التي لحقت بها، فيما نعرفه برحلة الخروج، وشكلت فيما بعد جزءًا من شعب
إسرائيل. أما قبيلة سبط أشير، فهي فيما يبدو بالفعل لم تدخل مصر، إنما كانت تستقر في
مواضعها التاريخية القديمة، على ساحل المتوسط الشرقي في حول صيدون القديمة/صيدا
الحالية، حيث نجدها هناك تخوض معارك ضد مملكة أوغاريت كما سيأتي بيانه، ثم يستمر
«روبنسون» ليوضح أن الحلف الكبير قد بدأ نواته موسى النبي عند الجبل المقدس في سيناء،
حيث كان موسى قد هرب إلى هناك، قبل أن يخرج بشعبه من مصر، وسبق له أن أسس تحالفات واضحة
من القبائل التي تعيش في محيط مديان، وبالخروج أمكنه صهر هؤلاء الأحلاف في شعبٍ واحد،
تقوم هويته على أيديولوجيا اعتقادية واحدة موحدة.
ثم يتابع «روبنسون»، ليقول بعد ذلك إن الملك «داود» قد استكمل مهمة موسى بتوحيد
العناصر القبلية المتعارضة في فلسطين، حتى أمكنه أن يقيم دولة، تجمع «العناصر المتعددة
التي توحدت في الظاهر، واكتسبت ما يشبه القومية المشتركة».
٤
ومن ثم أمكن لعالم النفس الأشهر «سيجموند فرويد» أن يقول: «إننا أضفنا إلى ثنائيات
التاريخ اليهودي المعروفة، شعبين ينصهران ليؤلفا أمة، مملكتين تتفرعان من انقسام هذه
الأمة، إله يحمل اسمين في مصادر التوراة، وأضفنا إلى هذه الثنائيات ثنائيتين أخريين،
لتأسيس ديانتين جديدتين، تدحر ثانيهما أولاهما في البداية، ولكن الأولى لا تتأخر في
انتزاع لواء النصر من جديد.»
٥
ومع «فرويد» نقف مرةً أخرى للتوضيح، فهو يقول: إن تاريخ الإسرائيليين، هو تاريخ
تحالفات وانفضاض لتلك التحالفات، إلا أن التحالف الأمثل كان بين سبط يهوذا، وأسباط
إسرائيل الأخرى؛ لذلك نجد إلهين لشعبين، إلهًا ساد وبرز إبان زمن البطاركة الأوائل من
إبراهيم حتى موسى، هو الإله المعروف باسم «إيل»، ثم إله آخر جديد يظهر مع موسى باسم
«يهوه»، ويهوه إله يهوذا وإيل إله إسرائيل، كما هو واضحٌ في المسميات ذاتها، وتتمكن
ديانة يهوذا الطارئة، الجديدة، الثانية، غير الأصلية، من دحر ديانة إيل الأولى.
ومزيد من التوضيح يقدمه لنا «كمال الصليبي» في عملين من أعماله، في العمل الأول يقول:
«إن بني إسرائيل مثلهم مثل سائر الشعوب التاريخية، لم يكونوا شعبًا واحدًا في الأصل،
بل
مجموعة من قبائل مختلفة تم توحيدها على مراحل، عن طريق الالتفاف والتحالف، لسببٍ أو
لآخر، ومن بني إسرائيل قبائل كانت في الأصل عبرانية، انظر مثلًا سفر التثنية (١٥: ١٢)
وتتكلم الكنعانية، ومنهم قبائل كانت في الأصل آرامية، انظر سفر التثنية (٢٦: ٥). وقد
كان لعبادة الإله يهوه دور أساسي في توحيد هذه القبائل المختلفة أصلًا؛ إذ إن هذا
التوحيد كان يترافق في كل مرحلة من مراحله، مع تحول قبائل جديدة عن عباداتها الأصلية
المتنوعة إلى عبادة يهوه، مع الإبقاء على بعض التقاليد المتعلقة بعباداتها السابقة، من
أساطير وخرافات وعادات وغير ذلك. وكانت عبادة يهوه في الأصل واحدة من عباداتٍ كثيرة
منتشرة. وما إن تم توحيد بني إسرائيل، حتى بدأت عبادة يهوه تتحول على أيدي أنبيائهم من
عبادة وتثنية تعترف بتعدد الآلهة، إلى ديانة توحيدية أصبح فيها يهوه هو الإله الأعلى،
ثم الله الواحد، بالعبرية ءلهيم، وبالإضافة إلى العنصرين العبراني والآرامي، اللذين
تشكل منهما شعب إسرائيل، كانت هناك على ما يظهر عناصر أخرى، أخذت تندمج على مراحل مع
هذا الشعب. إن كلًّا من هذه العناصر كانت ينتسب إلى جدٍّ أعلى. وكان اختلاف التقاليد
بين قبائل شعب إسرائيل، سواء من ناحية الانتساب العرقي، أو من ناحية تنوع المعتقدات
والممارسات الطقسية، ما بقي يهدد وحدة الشعب، وهي الوحدة التي كان للكهنوت الإسرائيلي
بعد قيام مملكة إسرائيل، اهتمام خاص في المحافظة عليها.»
٦
وفي العمل الثاني يقول «الصليبي»: «كان بنو إسرائيل في زمانهم في هذه الأرض، يمثلون
ائتلافًا قبليًّا بين مجموعة من الأسباط، اجتمعت حوله عبادة إله واحد اسمه يهوه، وهو
بالنسبة إليهم الرب، بالعبرية: آدون. والأسباط هذه من أصولٍ مختلفة، ومنها سبط لاوي
الذي كان منهم وحدهم الكهنة، وما لبث الكهنوت بين اللاويين أن انحصر في بيتٍ واحد منهم
هو بيت هارون، من آل عمران. والاسم في شكله التوراتي: عمرم، أما بقية الأسباط فكانوا
أحد عشر في العدد، ومن هذه عشرة كانت تُعرف أصلًا على ما يبدو باسم إسرائيل، وتنتسب إلى
الشعب العبري أو العبراني، واسم اللغة العبرية أو العبرانية مشتق من اسم هذا الشعب،
الذي كان يتكلم بها، ويُلاحَظ هنا أن بني إسرائيل حسب العرف التوراتي، لم يكونوا وحدهم
العبرانيين، بل من هؤلاء أجداد عرب الجوب وعرب الشمال في الجزيرة. وكان أبرز أسباط
إسرائيل العشرة الناطقة أصلًا بالعبرية: بنيامين. والاسم بالعبرية: بن يمين، أي ابن
الجنوب، أو ابن اليمن. وفي التوراة مقاطع تشير إلى بني بنيامين على أنهم: يمنيم، أي
جنوبيون أو يمانيون، وفي ذلك ما يدل على أن قدومهم كان أصلًا من بلاد اليمن، أما السبط
الحادي عشر فكان سبط يهوذا، بالعبرية: يهوده، والسبط هذا من أصلٍ آرامي. لكن بني يهوذا
تحولوا من الإرمية إلى العبرية، بعد دخولهم في الائتلاف الإسرائيلي.»
٧
وهكذا فإن «زينون كاسيدوفسكي» يعقب على انقسام مملكة سليمان بعد موته، إلى إسرائيل
في
الشمال، ويهوذا في الجنوب بالقول: «إن فكرة الوحدة العرقية التي فرضها موسى على
الإسرائيليين، ثم تبناها يشوع بن نون بعده، لم تصمد أمام امتحان الزمن، فقد كان التنظيم
القبلي القائم لدى الساميين القدماء، على أواصر قربى الدم، أقوى من أن يتراجع، ليخلي
المكان لعلاقاتٍ أخرى، نشأت في ظل الظروف التي خلقتها حياة الاستقرار. لقد كان لكل
قبيلة تقاليدها الخاصة بها، بل كانت تتكلم لهجة مختلفة، وبعد موت ابن نون سرعان ما
استيقظت الجروحات والنزاعات والخرافات القديمة والتيارات الانفصالية. وقد ساعد على ذلك
واقع مؤداه: أنه بعد انهيار التعاون البدائي وتعمق النزاعات الطبقية، تحول الشيوخ الذين
كان قد جرى انتخابهم إلى أرستقراطية وراثية، فأطلق رئيس القبيلة على نفسه لقب أمير أو
قائد، ووصف نفسه بصفاتٍ مثل: جبار، نبيل، وأخذت تلك الفئات المتميزة تتنازع فيما بينها،
الأمر الذي أدى إلى تفسخ وحدة الإسرائيليين وانهيارها، بل ووصل الأمر إلى حد اندلاع
الحروب الأهلية فيما بينهم، وهكذا بدأ عهد الفوضى السياسية. ومما زاد في خطر انقسام
الإسرائيليين إلى اثنتي عشرة قبيلة متعادية، هو أن يشوع بن نون لم يغتصب كنعان كلها.
وما كتاب القضاة من حيث الجوهر سوى مجموعة من الروايات والأساطير، التي تحكي معاناة
القبائل الإسرائيلية، التي عانت من نِير العبودية سنوات طويلة، ثم قامت تقاتل في سبيل
حريتها.»
٨
وعلى مثل تلك التقارير التي قدمها لنا الخبراء، ساغ لروجيه جارودي أن يقيم استنتاجاته
التي يلخص فيها «دي فو» ما حدث ليقول: «يؤكد الأب دوفو أن شعب إسرائيل لم يتكون إلا بعد
استقراره في كنعان أن كل قبيلة من الأسباط كان لها سابقة وجودها التاريخي الخاص، قبل
أن
تكون اتحادًا متينًا. فبعد أن استقروا في فلسطين، نمت لديهم فكرة أن لإسرائيل تاريخًا
مشتركًا قبل استقرارها.»
٩
ثم يتابع: «إن الرب يهوه الذي قادها، سوف يفرض نفسه على جميع الأسباط الأخرى، إن
توقف
التفسخ بهذا التدخل التاريخي باسم وحي الرب، سوف يصبح عقد الإيمان الأساسي لجميع
الأسباط. وهذا هو بلا شك مغزى اجتماع شكيم الذي تحدث عنه (سفر يشوع، ٢٤: ١–٢٨)، حيث
تحقق أول اتحاد بين الأسباط، فإن يشوع بعد أن ذكر لهم الإحسان العام، الذي صنعه يهوه
لهم، وهو أنه أصعدهم من مصر بيت العبودية، يوجه إلى جميع الأسباط بما فيهم أولئك، الذين
لم يعيشوا التجربة الحاسمة، تجربة الخروج، سؤالًا قاطعًا: اختاروا لأنفسكم اليوم من
تعبدون؟ يهوه رب الخروج أو إله كنعان (٢٤: ١٥). ولقد اختارت الأسباط جميعًا الرب يهوه.
إن البحث التاريخي — كما قال فون راد — قد بين أن إسرائيل هو اسم هذا الاتحاد
الكونفودرالي المُقدس بين الأسباط.»
١٠
وعلى مثل تلك المعطيات يقدم لنا «جارودي» مدعاةً للشك حتى في عدد تلك القبائل
المتحالفة، والتي قيل إنها اثنا عشر سبطًا، فيقول: «إن انحصار الأسباط في اثنتي عشرة
قبيلة، لم يكن له أي واقع تاريخي، فلقد استتبع العدد اثنا عشر حينئذٍ فكرةَ الكمال؛ إذ
نجد في النصوص اثني عشر سبطًا لإسرائيل، كما نجد اثني عشر سبطًا إسماعيليًّا (التكوين،
٢٥: ١٣–١٦)، واثني عشر سبطًا آراميًّا (التكوين، ٢٢: ٢٠–٢٤)، واثني عشر سبطًا آدوميًّا
(التكوين، ٣٦: ١٠–١٤)، وتتغير قائمة الاثني عشر سبطًا لإسرائيل، لكن الرقم اثني عشر
يبقى. فعندما انقطع سبط ليفي، أكمل النقص بمضاعفة سبط يوسف في إفرايم ومنسى، على حين
نجد أن سبط جاد يحل محل سبط ليفي (العدد: ٢٦).»
١١ ونحن نعلم من دراسة الأساطير أن الرقم ١٢ كان رقمًا مقدسًا، يدل في اعتقاد
شعوب المنطقة القديمة في اثني عشر إلاهًا، هي علامات الزودياك الاثني عشر السماوية
المعروفة، مثله في التقديس مثل الرقم سبعة المتكرر في تلك العقائد، بحسبانه دالًّا على
سبعة آلهة سماوية، هي الأجرام الكوكبية السيَّارة في المجموعة الشمسية، التي كانت
معلومة بالرصد الفلكي الابتدائي آنذاك.»
١٢ (عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل، النيران الكبيران: الشمس والقمر
[المؤلف]).
ونتابع رصد ذلك التكوين الهجين فيما لاحظه «شفيق مقار»؛ إذ يقول: «في حكاية يوسف
نلاحظ إصرار الرواة على تكرار لفظة العبراني:
-
قد جاء إلينا برجلٍ عبراني يداعبنا.
-
دخل إليَّ العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبنا.
-
لأني قد سرقت من أرض العبرانيين.
-
وكان هنا غلام عبراني عبدًا لرئيس الشرطة.
وهذا إلحاحٌ لافت للنظر، فلفظة العبراني لم ترد في العهد القديم كله إلا سبع عشرة
مرة، ومن تلك المرات السبع عشرة، حشدت اللفظة أربع مرات متتالية، على مدى إصحاح واحد
من
إصحاحات سفر التكوين. وهذا يتفق تمامًا مع الغرض من إبراز حكاية يوسف مع فرعون، وهو جعل
يوسف المعبر الأخير بين الحقيقة الآرامية لإبراهام وإسحاق ويعقوب ويوسف، وكل أبناء
يعقوب وسلالته، وبين إسرائيل، التي دقت في حكايات التوراة دقًّا متواصلًا لتعني اليهود،
والمشاهد في حكاية يوسف أنه بعد هذا التركيز على لفظة عبراني، بدأ التركيز على إسرائيل،
ابتداءً من: فأتى بنو إسرائيل ليشتروا بين الذين أتوا؛ لأن الجوع كان شديدًا في أرض
كنعان» (تكوين، ٤٢: ٥).
١٣
وسواء كان «مقار» هنا يقصد مع بعض اللبس أو لم يقصد، فهو يضع إصبعه ضاغطًا على
التكوين الإسرائيلي اللزج، ليتفسخ عائدًا لأصوله في ثلاثة أشكال، أولاها الآرامية جنس
إبراهيم والبطاركة حتى يوسف، الذي دخل مصر زمن السيطرة الهكسوسية المكونة من
أحلامو/أحلاف، أبرزها العنصر الآدومي الآرامي التأسيسي، ليبدأ تمييزًا جديدًا وملحاحًا
للفصل العنصري، وتأكيد هوية خاصة هي العبرانية، التي يجب أن ينتسب لها «يوسف»، وليس
الآرامية، ثم مع موسى يبدأ تأكيدًا آخر جديدًا على توصيف عنصري جديد هو
الإسرائيلية.
وفي قصة دخول بني إسرائيل إلى مصر، تقول التوراة: «فدخل يهوذا وإخوته إلى بيت يوسف
(تكوين، ١٤٤: ١٤)، وهو ما يعني أن يهوذا قد دخل مصر مع أشقائه، لا بل والصيغة تشير إلى
أنه كان قائد هذا الدخول، وحتى الآن والكلام مقبول، لكن غير المقبول أن يكون يهوذا قد
دخل، ويوسف وزير لخزانة المصريين، وذلك لأسبابٍ من داخل المقدس التوراتي ذاته، حيث تم
تخصيص الإصحاح (٣٨) لشرح أمر عجيب الشأن، يبين أن يهوذا كان منفصلًا عن إخوته، وتبدأ
القصة هكذا: «يهوذا نزل من عند إخوته» (التكوين، ٣٨: ١)، وذلك قبل دخولهم مصر على يوسف،
وأنه تحالف مع رجلٍ كنعاني من عدلام اسمه حيرة، وتزوج بنت كنعاني اسمه شوع، وأنجب منها
عير وأونان وشيلة، وكبر أولاده فزوج عير من بنت اسمها تامارًا، لكن عير كان شريرًا
فقتله يهوه، فطلب يهوذا من ابنه الثاني أونان أن يتزوج تمارًا، لتنجب أولادًا ينسبون
إلى أخيه الميت عير، على العادة الكنعانية. لكن أونان بدوره ارتكب ما أغضب يهوه فقتله،
وهنا طلب يهوذا من تامارًا، أن تذهب لأهلها وتنتظر الولد الأصغر شيلة، حتى يكبر
ليتزوجها، لكنها تنكرت في زي عاهرة (لبست حجابًا)، ودخل بها يهوذا وحملت منه بولدين
هما: فارص وزارح. وكل تلك الأحداث تجري، بينما بقية الأسباط قد نزلوا مصر على يوسف؛
لأنه من غير المقبول أن يفترق يهوذا عن إخوته، وتحدث له كل تلك الأحداث على مر زمنٍ
طويل، ليدخل في الوقت ذاته برفقة إخوته إلى مصر! وهي النتيجة التي يصل إليها «كمال
الصليبي» في قوله: «مما يعني أن افتراقه عن إخوته كان سابقًا لهذا النزوح.»
١٤
لكن الصليبي يستمر في استنتاجه، ليقول إن ما حدث في الإصحاح ٣٨ من سفر التكوين يشير
إلى أن «يهوذا» قد أخرته رحلته الكنعانية تلك عن نزول مصر مع إخوته، لكنه لحق بهم بعد
ذلك. وإن لحوق يهوذا بإخوته جاء متأخرًا جدًّا، وحدث في آخر أيامهم بمصر زمن موسى (نلحظ
أن صليبي له نظرية لا تعترف بدخولهم مصر الإمبراطورية، إنما هي أحداثٌ كانت تجري في
بلاد عسير بجزيرة العرب، وهو ما لا يعني بحثنا هنا). ويستند الصليبي في ذلك إلى نصوصٍ
توراتية فيقول: «إن موسى تمنى على الرب يهوه قُبيل وفاته، أن يأتي بقبيلة يهوذا
المستقلة عن سائر قبائل إسرائيل، فيجمعها بهم، وذلك بالكلام الآتي: «اسمع يا يهوه صوت
يهوذا وأتِ به إلى قومه، بيديه يقاتل لنفسه، فكن عونًا له على أضداده.» فلماذا هذه
التناقضات في أسفار التوراة في حديثها عن يهوذا؟ السر طبعًا هو أن بني يهوذا، لم يكونوا
في الواقع من بني إسرائيل العبرانيين، بل إن بني يهوذا كانوا من بني يعقوب الآراميين»،
لكن لحوق «يهوذا» بإخوته عند «الصليبي» لم يتم في مصر، إنما بعد الخروج ووصول الخارجيين
إلى المشارف الجنوبية لبلاد كنعان، حيث التقى هناك الخارجون «بنو إسرائيل مع بني يعقوب
الآراميين من بني يهوذا ولفيفهم، فاتحدوا معهم تحت قيادة موسى قُبيل وفاته، وكانت هذه
بداية الشعب التاريخي المعروف بشعب إسرائيل.»
١٥
«وهكذا التقى بنو إسرائيل ولفيفهم من العبرانيين، لأول مرة في تاريخهم مع بني يعقوب
الآراميين، الذين كانوا يتكلمون العبرية أي الكنعانية والآرامية في آن … فتمت الوحدة
بين الشعبين برعاية موسى وبركة يهوه، وعندما تمكن موسى لأول مرة في حياته، من مخاطبة
جميع إسرائيل: كل يسرءل (سفر التثنية: ١٨)، وليس بني إسرائيل العبرانيين وحدهم.»
١٦
وحتى يمكن ترتيب هذا الصخب المتنافر، يمكن إيجاز القول باتفاق الباحثين، على كون
الشعب التوراتي أيًّا كان مسماه، لم يكن أبدًا شعبًا بالمعنى المفهوم، ينتمي إلى عنصرٍ
إثني واضح بعينه، بقدر ما كان تجمعًا وتحالفًا قبليًّا، تشكل من مجموعة قبائل. وهنا
يبدأ اختلاف الباحثين وتضاربهم، عندما تبدأ محاولة تحديد ألوان هذه القبائل وانتماءاتها
الإثنية، فكاثلين كانيون ترى أنهم هجين من قبيلتين: الأولى هي قبيلة إبراهيم وإسحاق،
وهم عندها من أعالي النهرين، والثانية هي قبيلة يعقوب، وتراها من شرقي الأردن. بينما
لخص فرويد موقفه بالكشف عن شعبين اندمجا معها، لكن تشير معبوداتهما إلى أصولهما الأولى
قبل الاندماج، فكان هناك شعبٌ يتبع إلهًا باسم إيل، وشعب آخر يتبع إلهًا باسم يهوه،
وبمرور الزمن أدت الأحداث إلى سيطرة وسيادة اليهوية وانكماش وتلاشي الإيلية. أما كمال
الصليبي فقد تحدث عن قبائل مختلفة في هذا الائتلاف، تعود إلى عناصر عدة: عنصر إسرائيلي
ويراه هو المعروف أيضًا بالعبراني، لكنه عنده ليسوا أبناء يعقوب، وأن نسبتهم إلى يعقوب،
واحتساب أن يعقوب كان اسمه إسرائيل، هو محاولة مقحمة من المحرر التوراتي، لجعل
الإسرائيليين أبناء ليعقوب في أسطورة صراعه مع الرب. ثم عنصر ثانٍ هو يهوذا، ويراه هو
صاحب الأصل الآرامي، وهؤلاء هم بالفعل أبناء يعقوب، ثم عناصر أخرى مختلفة كقبيلة ليفي
أولاي، التي امتهنت الكهانة، وقبيلة بنيامين التي يشير اسمها إلى أصولها اليمنية. هذا
بينما ذهب «دوفو» إلى أن كل قبيلة من الأسباط الاثني عشر، كان لها سابق وجودها التاريخي
الخاص. أما شفيق مقار فيرى أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا آراميين، ومنهم يوسف الذي
يبدأ عنده تأكيد وصف العبرانية، حيث سيصبح يوسف معبرًا نحو توصيف جديد هو
الإسرائيلية.
وفي ظل تلك المعطيات يمكن أن نفهم كيف نجد في الآثار المصرية اسمًا ضمن نقوش الهكسوس،
هو يعقوب هار وأيضًا يعقوب بعل.
١٧ والذي جاء كاسمٍ ثان للملك بنون، وهو الثاني في ترتيب ملوك الهكسوس بعد
سالاتيس. وجاءنا في الصيغة «مرو سر رع، ياكب بعل أو يعقوب حر». ومعلومٌ أن بنون يعقوب
هذا كان من حكام الهكسوس الكبار، إنه جلس على عرش مصر طبقًا لبردية تورين، أكثر من
ثماني سنوات أو ثماني عشرة سنة.
١٨ كذلك أفادنا باهور لبيب بوجود أسماء أفراد هكسوس مثل «يعقوب إيل» و«نحامين».
١٩
وقد ورد اسم ثالث لبنون هذا برسم «سكا»، ومن جانبنا رأيناه بالضبط الاسم «الضحاك»
«إسحق»، الذي حيكت حوله وحول إمبراطوريته أساطير شتى، مما يشير إلى شهرة الرجل وقيمته
في زمنه. والأمر بذلك يعني أن بنون كان يحمل اسم يعقوب واسم إسحاق معًا، كحقيقةٍ
تاريخية تحولت إلى أسطورةٍ توراتية، وأصبح الشخص الواحد شخصين، وانتسب إليهما
الإسرائيليون وعدوهما سلفين بعيدين، من جيل البطاركة الآباء الأوائل.
بينما إطلاقًا لم يصِلِ الظن بالتوراة رغم مبالغاتها إلى حد القول إن شعبها كان
حاكمًا على مصر. وهو ما يعني أن المحرر التوراتي قد نسب بني إسرائيل الذين دخلوا إلى
مصر إلى شخصٍ قوي ملكي من ملوك الهكسوس، بسبيل ذلك تم اختيار يعقوب ليخترع المحرر
التوراتي قصة صراع حدثت بينه وبين الإله، منحه بعدها الإله اسم إسرائيل، وذلك للقول إن
سلف الإسرائيليين هو الملك الهكسوسي يعقوب، لهدفٍ أبعد هو التغطية على الأصول
المتباعدة، وتأكيد الأصل الواحد لتلك القبائل.
وإذا كان اسم إسرائيل مركبًا من ملصقين «يسر – ءل»، الثاني فيهما هو «ءل» أو «إيل»
ويعني الإله؛ فإن الملصق الأولى «يسر»، تفسره التوراة بأنه مشتق من الفعل «سره» أي
يجاهد؛ لذلك تُرجمت كلمة إسرائيل بأنها «مجاهد الرب» أو «جندي الرب». ويلاحظ زياد منى
أن هذه المفردة «يسر»، لم ترد في التوراة مرة أخرى إلا في (سفر هوشع، ١٣: ٣-٤)، وتؤكد
المراجع المختصة أن معنى «يسر» غير واضح؛ لأنه من فعل ممات. وقد جاء الاسم في لوح
مرنبتاح بالصيغة «ي. س. ر. ي. ر
Y. si. r. r».
٢٠
وبسبيل تفسير الكلمة وردت اجتهادات أخرى، فهناك من يرى أن «ءل» ليست مفعولًا به في
الكلمة إنما فاعل، وبذلك يكون المعنى «إيل حارب» أو «إيل عارك» فهو صراع إيل. ويذهب
آخرون إلى أن جذر الاسم في المفردة الإيجية الإغريقية، إسر
ISER بمعنى مقدس؛ أي إيل المقدس. وهناك من ذهب إلى أن الاسم مختزل من
الصيغة «ء يش راحيل» أي «رجل من قبيلة راحيل»، مع اجتهاد يستحق الوقوف معه. يقول إن اسم
إسرائيل هو اختصار للعبارة «يه سعير هوءيل» و«يه» هي «يهوه». وعليه يصبح المعنى «إله
سعير هو يهوه».
٢١ ولأن اسم إسرائيل لم يأتِ إطلاقًا مسبوقًا بأداة التعريف؛ فهو ما يعني
لزياد منى أن الاسم اسم جغرافي «يسرءل هو السراة – ء ل سرءه». ولأن منى يذهب مع نظرية
صليبي إلى جنوب غربي جزيرة العرب، كموطن لإسرائيل الشعب والدولة في جبال السراة، فقد
قال: إن هذا المكان الجغرافي (إسرائيل) يقع في جبال السراة، ولكن في امتدادها الجنوبي
نحو الحجاز واليمن. بينما من جانبنا قد اتجهنا شمالًا مع امتداد جبال السراة حتى البحر
الميت الشرقي وادي عربة، وقلنا إنها هي التي حملت في العبرية اسم «سعير»، وينتهي «منى»
إلى أن المقصود من كلمة إسرائيل هو «الأرض المكرمة من الله».
٢٢ وهو ما يستدعي مباشرة وصف المصري القديم لبلاد بونت الآدومية «حسبما
نظريتنا» بأنها «أرض الإله»، ثم يرى منى أن الأسباط اكتسبت اسم إسرائيل بعد أن خرجت
واستقرت في منطقة السراة.
٢٣ وحملوا اسم بني إسرائيل نسبةً إلى جبال السراة، فهم أبناء السراة.
٢٤
أما اسم يعقوب الذي نسبوا أنفسهم إليه، باعتبار أنه أبٌ لعنصرٍ بشري هو العنصر
الإسرائيلي، فيبدو لزياد منى أنه كان اسم أحد آلهة المعبد الوثني للأسباط، بينما هذا
يعني لدينا أن الإسرائيليين قد عبدوا الفرعون الهكسوسي بنون/يعقوب/سكا/إسحاق في إحدى
مراحلهم كإله. ثم مع التطور والنضوج تم اعتباره سلف القبيلة، وهي عادة معلومة عند
القبائل القديمة، حيث عادة ما يكون سلفها البعيد هو ربها، وكمال الصليبي يعيد اسم يعقوب
إلى العقبة، وهو برأينا رأيٌ سديد تمامًا، لكن لأنه يريده جنوبًا عند سراة اليمن وعسير،
يفسره تأويلًا حسب المعنى بأنه مسالك الجبال هناك، حيث لم يجد هناك مكانًا باسم العقبة.
٢٥ رغم وجود العقبة عند جبال سراة سعير على رأس خليج العقبة، باسمها دون حاجةٍ
لأي تأويل.
وعليه فإن كلا الاسمين (إسرائيل ويعقوب)، يعودان عند مدرسة الصليبي باسم إسرائيل إلى
الانتساب إلى إله العقبة أو إله السراة، التي تقع حسب مذهبنا في بلاد آدوم/بونت/أرض
الإله أو الأرض المقدسة.
المهم في كل هذا أنه يمكن دون جهدٍ كبير، أن نلحظ وجود خطين رئيسيين مع خطوطٍ أخرى
فرعية، في الروافد المكونة للكنفودرالية الإسرائيلية، فهناك جماعة محددة باسم يهوذا
وجماعة باسم إسرائيل، وكلاهما ينتسب مرةً إلى العبريين وأخرى إلى الآراميين، وأن أحدهما
دخل مصر والآخر لحق به، لكنه التقى بالطرف الآخر للحلف في بلاد مديان. لكن الخلاف
البسيط لكنه الكبير العميق هنا، هو: أننا نرى ما حدث قد حدث بالعكس تمامًا، فقد دخل
فريق يهوذا الآرامي مصر أولًا، ثم لحق به فريق إسرائيل في أرض مصر ذاتها، وذلك في آخر
أيام الفريق اليهوذي بمصر. نحن نقصد بوضوحٍ وبدون مواربة أن «يهوذا» كان الاصطلاح
التوراتي، الذي يشير إلى محتلي مصر باسم الهكسوس، وأن إسرائيل فريق نسيب وبطن حليف لحق
بهم آخر أيامهم في مصر، أيام حكم «أسيس/العزيز/أبوفيس». أما تمني «موسى» أن يلحق بهم
«يهوذا» في مصر، فتلك قصة أخرى، حيث بقي الإسرائيليون بعد طرد الهكسوس من مصر، تحت
العبودية في ظل الحكم الوطني المصري، ما ينوف على قرنين من الزمان، ونحن نعلم من
«يوسفيوس» نقلًا عن «مانيتو» أن قائد الهاربين «أوزرسيف»، أرسل يستدعي البدو الرعاة من
أورشليم، المطرودين من مصر منذ قرنين، إبان ثورته للخروج من مصر، ووعدهم أنه سيعيدهم
لحكم مصر، وهو ما يعني لنا تفسير استدعاء موسى ليهوذا، كان استدعاء للهكسوس كرة أخرى،
لكن ما حدث هذه المرة هو هزيمتهم جميعًا، وطردهم من البلاد، وهو الأمر الذي سيأتي
تفصيله في موضعه من هذا العمل، مدعومًا بشواهد وقرائن محترمة.
ولعلنا نذكر أن يهوذا كان فرعًا يقيم في جنوبي فلسطين والنقب، وهو موضع سكنى الهكسوس
الذي حددناه، ثم إننا لم ننسَ بعدما أكده «يوسفيوس»، نقلًا عن «مانيتون»، أن الهكسوس
عندما خرجوا من مصر، أسسوا مدينة أورشليم بفلسطين، ثم ظلت أورشليم مدينة يهوذية طوال
عصورها بعد ذلك. وهنا نلمح المحرر التوراتي وهو يصر على التمسك بأن احتلال أورشليم، قد
تم من جانب الحلف جميعه المسمى «كل إسرائيل»، تفلت منه الحقيقة التي تؤكد لنا نظريتنا:
أن الهسكوس هم الفريق اليهوذي، هم من احتل أورشليم أولًا، وهذه الحقيقة المنفلتة يسجلها
النص: «وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف، وأشعلوا المدينة بالنار»
(قضاة، ١: ٨). بنو يهوذا وحدهم دون بقية الأسباط من أخذ أورشليم إذن.
وبعد قيام دولة داود وسليمان، ثم انقسام المملكة قسمين، ظلت أورشليم عاصمة المملكة
الجنوبية يهوذا، بينما أصبحت السامرة عاصمة المملكة الشمالية. لقد أجمع التاريخ
الإسرائيلي على إخفاء علاقته بالبرابرة الهكسوس.
لكن المؤرخ اليهودي يوسفيوس سبق الجميع وأكد ذلك في تاريخه، قاصدًا الارتقاء ببني
جلدته عن كونهم كانوا أنجاسًا ملاعين، عملوا في السخرة والعبودية ببلاد النيل، لكن
ليعطينا أحد المفاتيح لنافذة تطل على ذلك الحلف الهكسوسي القديم، الذي كان الإسرائيليون
أحد أطرافه. وهو الأمر الذي يفسر لنا استعباد هؤلاء في مصر بعد تحريرها من الغزاة. وبعد
أن اندمج الشعبان الهكسوسي والإسرائيلي في اتحاد كونفودرالي، وبعد الخروج من مصر، كانت
المحاولات الدائبة من المحرر التوراتي لنسيان الأصل الهكسوسي للعنصر الحليف والتغطية
عليه، فقام يضعه في سلسلة أنساب إسرائيل باسم يهوذا، وابتدع قصة الإخوة الاثني عشر
ترميزًا للأحلاف، ولكن يهوذا بمفرده قد شكل سبطًا هائلًا، فكان هو في كفة وبقية الأسباط
جميعًا في كفةٍ أخرى. ولا تعادله؛ لأنه ظل المسيطر دائمًا.
ومرة أخرى عاد الخارجون بعد الخروج للتحالف مع أخلامو مديان الآراميين، لكن الضربة
المصرية ومطاردتها للفلول المطرودة من مصر، أدت إلى انفصال عُرى هذا الاتحاد إلى فصائله
الأولى، وهو ما تعبر عنه حالة العداء الذي استحكم في السنوات التالية بين حلف إسرائيل
مديان في جانب، وبين العماليق في جانبٍ آخر، وبعد مرحلة يزداد التفكك، لنجد صراعًا
دمويًّا بين حلف إسرائيل وحلف مديان.
ويبدو أن الإسرائيليين قد باعوا في مصر رفاق الحلف الهكسوسي للثورة الوطنية، وأن ذلك
وإن عافاهم من الإبادة؛ فإنه لم يُعفِهم من العبودية. وكانت مسألة اللعب على طرفي
الصراع أمرًا متكررًا لدى الإسرائيليين، تلمسه بطول تاريخهم المدون بالكتاب المقدس، سبق
وأفضنا شرحه في الجزء الأول من هذا العمل، وإن كان العداء بين أطراف الحلف خاصة إسرائيل
والعماليق، بحاجةٍ إلى تبريرٍ معقول وقوي، وهو ما سنرصده تفصيلًا في الفصول المقبلة من
هذا البحث.
ولأن التاريخ عادةً ما يُكتب على مقعد المنتصر والأقوى والمتسلط، فقد فاحت التوراة
دومًا بانحياز محرريها الواضح للعنصر اليهوذي، إزاء بقية الأسباط، حتى لو كانوا مختاري
يهوه وأحبابه، ولم يزلْ هناك مزمور محبب في التلاوات يسجل غلبة «يهوذا» في النهاية على
الأحلامو أو الأحلاف، وكيف انحاز الرب يهوه إلى يهوذا وحده دون بقية الأسباط
المتحالفين، حتى إنه استبعد من رعايته بيت يوسف نفسه وأخيه، الذين كانوا في البداية هم
الأقرب إليه والأكثر اصطفاء.
يقول هذا المزمور التاريخي فصيحًا بليغًا، يدوِّن لنا ما وصلنا إليه وما أغفله
التاريخ:
فاستيقظ الرب كنائمٍ جبار مُعيط من الخمر، فضرب أعداءه إلى الوراء وجعلهم
عارًا أبديًّا، ورفض خيمة يوسف، ولم يختَرْ سبط إفرايم، بل اختار سبط يهوذا في
جبل صهيون الذي أحبه.
(المزامير، ٧٨: ٦٥–٦٨)
ومن هنا طغت اليهوذية حتى أصبحت علمًا على بقية الفصائل المتحالفة ليحملوا جميعًا
لقب
«يهود»، وتصبح أيديولوجيتهم العقدية هي «اليهودية». أما الأمر الذي يجب التركيز عليه،
فأن يهوذا ويهود ويهودية تنتسب جميعًا إلى رب التجليات المتعددة في المشروم البركاني،
وفي خنافس شجرة الأيكة وعناق، أطول الفصيلة الكلبية عنقًا، ضبع آدوم، وفي الطائر
البوني، وفي القمر رب الهواء «هفا» أو «هوا» أو «يهوه».
لقد هرب موسى من مصر إلى مديان، ليدين هناك بعبادة «يهوه» ويعود ليخرج برجاله من مصر
إلى مديان تحديدًا ليلتقي بحلفائه في سيناء، لكن لتسيطر اليهوذية الهكسوسية المديانية
من بعد، ويسود بها ربها «الكائن» الذي لا يصح النطق باسمه، بل ينادي فقط بالكائن أو
«يهوه».
والواضح تاريخيًّا ومن الآثار، ومن الكتاب المقدس ذاته: أن دخول «يهوذا» مرة أخرى
إلى
فلسطين، عند طرده من مصر هسكوسيًّا شريدًا، أو عند خروج الإسرائيليين من مصر لحوقًا
بيهوذا، مما دعم هذا الحلف الشرس، فإن كليهما لم يستطِعْ أبدًا طوال قرون عديدة، أن
يكون المسيطر الأول في فلسطين، بعد استعادة مصر قوتها، واشتداد قبضتها على أراضيها
الآسيوية، ومن ثم تراوحت الأحوال بين السكون وبين الحرب الدموية، بين هؤلاء وبين سكان
فلسطين من فروعٍ أخرى طوال الوقت، ولم تكتب لهم السيادة إلا مع قيام مملكة داود المتحدة
هناك، وحتى بعد ذلك كان هناك شكٌّ كبير في أن سيطرة ذلك الجنس، كانت مطلقة كما تحب أن
توعز التوراة.
ومن كتاب «اللآلئ» الذي عثر عليه في أوغاريت/تل شمرا الآن على الساحل السوري للمتوسط،
مدونًا بقلم «إيلي ميلكو» كاهن أوغاريت الأكبر، ورئيس مقدمي القرابين والمطهرين، نجد
حكايات عديدة، تشير إلى أنه في ذات الوقت الذي حكم فيه «آمنحتب الثالث» وولده «إخناتون»
في مصر، وهو ذات الوقت الذي كانت تهاجم فيه قبائل العابيرو/الخابيرو بلاد فلسطين، هو
ذات الوقت الذي سجل فيه «إيلي ميلكو» دمار أوغاريت، على يد فصائل أجناس همجية يشار
إليها مرة باسم الخابيرو، ومرة باسم اليوديم (اليهود [المؤلف])،
٢٦ إننا الآن مع فك شفرة الخيط الأخير في طلسم الخابيرو، لقد كان الخابيرو
فعلًا وصدقًا هم العابيرو العبريين، هم الفرع اليهوذي الهكسوسي، الذي طُرد من مصر على
يد بطل التحرير أحمس حوالي عام ١٥٨٠ق.م. وبعد مرور حوالي قرنين من الزمان تقريبًا،
كانوا يحاولون استعادة السيطرة على أملاك مصر في فلسطين، ليأتينا ذكرهم في وثائق
المنطقة، ووثائق العمارنة ورسائلها التي تجأر بطلب المعونة ضد الخابيرو. في الوقت الذي
كان فيه العنصر الإسرائيلي الأسير لا يزال بمصر، على استعدادٍ للخروج واللحوق ببقية
فصائل الأحلامو، التي شتتها وفرقها فراعنة مصر الأشاوس. وبذلك نكون قد عثرنا على تفسير
كيف كان الخابيرو ما زالوا عبيدًا بمصر، بينما كانوا في الوقت ذاته — زمن العمارنة —
يهاجمون أراضيَ مصر في فلسطين. لقد كان الخابيرو في نصوص العمارنة هم اليهوذيين
الهكسوس.
ويتأكد صدق فهمنا هنا بما ورد بالكتاب المقدس، من فلتاتٍ كانت تفرق بوضوح في أكثر
من
موضع من أسفاره، بين الإسرائيليين من جهة وبين العبريين من جهةٍ أخرى، رغم نظريته
الشاملة في كونهما إثنية واحدة. فهو يقول في سفر صموئيل أول: «والعبرانيون الذين كانوا
مع الفلسطينيين منذ أمس وما قبله، الذين صعدوا معهم إلى المحلة من حواليهم، صاروا هم
أيضًا مع إسرائيل الذين مع شاول ويوناثان» (١٤: ٢١). وهو ما يعني أن المحرر كان يعلم
أن
العبرانيين غير الإسرائيليين.
ومن جانبٍ آخر تحرم شريعة التوراة استعباد الإسرائيليين، لكنها لا تحرم استعباد
العبري (انظر سفر اللاويين، ٢٥: ٣٩؛ وسفر الخروج، ٢١: ١٢؛ وسفر التثنية، ١٥: ١٢؛ وسفر
إرميا، ٣: ٩–٤)، كذلك تبين الإصحاحات ١٣: ٣، و٦: ٧ من سفر صموئيل أول تباينًا واضحًا
لدى المحرر التوراتي، وتمييزًا بين بني إسرائيل وبين العبريين.
وهكذا نرى أنه مع تأخر الإسرائيليين في الخروج، ثم لحوقهم باليهوذيين الهكسوس في
زمانٍ تال، قام محررو التوراة باحتساب اصطلاح العبري أي حلف البدو، دالًّا على إثنيةٍ
بعينها، نسبوا إليه إثنية أخرى هي الإسرائيلية، رغم أنهم بدروهم كانوا قبائل وشراذم
متحالفة. فأخذت التوراة تؤكد وتزيد وتردد، أن يوسف كان عبرانيًّا، أي بلغتنا أو حسب
نظريتنا، أنه كان هكسوسيًّا خابيريًّا، كما كان الجد الذي انتسبوا إليه يعقوب/إسحاق
الضحاك. ومن هنا أصبح الهكسوس أرومة أولى هي يهوذا العبري، الذي تم إدراجه ضمن الأسباط
بالقول، أنه كان الأخ الأكبر بين أبناء إسرائيل، ليصبح اليهوذيون الهكسوس الخابيرو
إسرائيليين، ويصبح الإسرائيليون خبيرو هكسوسيين. ومن ثم فإن هناك نتيجة أخرى تترتب على
هذا، حيث سيكون هناك خروجان قد تمَّا من مصر: الخروج الأول هو خروج الهكسوس اليهوذيين،
ثم تلاه الخروج الثاني وهو الخروج الإسرائيلي، وكلاهما بدوي، كان اليهوذي فيه يحمل
النعت عبري أو خابيري، ثم تم تعميم صفة العبري بعد ذلك لتشمل إسرائيل.
ويبدو أن هذا المعنى كان يداعب الأركيولوجست «كاثلين كانيون» لكنها أبدًا لم تصل
إلى
كون الخبيرو في نصوص العمارنة، كانوا هم فصيل يهوذا الهكسوسي وأنهم غير الإسرائيليين،
فهي تقول: «إن قصة الخروج في حد ذاتها قصة مركبة، ففي وجهها الأول يبدو الهروب، الذي
ينظر إليه المصريون بمثابة اختفاء مزعج ومتعب، لمصدرٍ مفيد من مصادر عمل السخرة، وفي
وجهها الثاني يبدو كأنه طرد لعبيدٍ متمردين أو أجانب متسللين. ومن هنا يمكن القول بأنه
توجد قصَّتان على الأقل للخروج، مندمجتان في قصةٍ واحدة … وبالنظر إلى وصف طريق الخروج،
تقول مناقشات الأب دو فو
De Vau إن هناك طريقين
منفصلين لهذا الخروج، وهو أمرٌ أكثر إقناعًا. أحد هذه الطرق يمر بحافة الزاوية الجنوبية
الشرقية للبحر المتوسط، ومن ثم تدخل الجزء الجنوبي من فلسطين. ومن هنا تكونت قبائل
يهوذا الجنوبية (وهو ما نراه الخروج الهكسوسي اليهوذي، الذي اتخذ طريق ساحل المتوسط
ودخل فلسطين من جنوبها، واحتل أورشليم [المؤلف]). أما الطريق الثاني الذي سار عليه موسى
وهو شخصية تاريخية، فينحرف بدرجةٍ كبيرة نحو الجنوب، إلى أطراف شبه جزيرة سيناء (وهو
ما
نراه الخروج الإسرائيلي، الذي اتجه إلى بلاد مديان، في عمق سيناء الجنوبي والشرقي
[المؤلف]) … وهناك موقعٌ آخر محتمل للجبل المقدس هو خليج العقبة.»
٢٧
وتتابع كانيون تصورها لخروجين احتسبتهما كليهما لبني إسرائيل بالذات، فتقول: «أكد
معظم الباحثين المحدثين النظرية القائمة على دخولين منفصلين لفلسطين من الجنوب ومن
الشرق، ففيما يتعلق بالدخول من الجهة الجنوبية، لا توجد شواهد أثرية مؤكدة، لكن في
نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد (وهو زمن سقوط إخناتون [المؤلف]) تعرضت المدن
الفلسطينية لتدميرٍ شامل.»
٢٨
ويتأكد صدق تخريجنا هذا عندما نتذكر ما سبق وأوردناه حول حملة الفرعون سيتي الأول
على
فلسطين، والتي كان غرضها صد هجمات العابيرو القادمين عبر نهر الأردن من الشرق إلى فلسطين.
٢٩ وكان اسم العابيرو قد لحق الجميع يهوذيًّا وإسرائيليًّا، وبحسبةٍ بسيطة
سنكتشف مدى وجاهة نظريتنا في تحديد زمن الخروج الإسرائيلي من مصر ومدى دقتها، وهو ذات
زمن الهجمة الهكسوسية الثانية على مصر زمن أمنوفيس/آمنحتب، الذي أشار إليه يوسفيوس
نقلًا عن مانيتو، والذي احتملنا أن يكون هو زمن آمنحتب الرابع/إخناتون، من مجموع
مواصفات قدمها يوسفيوس تطابق إخناتون. فقد انتهى حكم إخناتون/آمنحتب الرابع عام
١٣٥٠ق.م. وبعدها نؤكد مباشرة خروج الإسرائيليين من مصر، وبعدها مباشرة تأتينا أخبار
حملة الملك سيتي لصد هجوم العابيرو، والقادمين من شرقي الأردن إلى غربه بفلسطين عام
١٣٠٩ق.م. وبالحساب السهل نكتشف أن فرق زمن الخروج الذي افترضناه مع آخر أيام إخناتون،
من زمن حملة سيتي، هو زمن وصولهم شرقي الأردن لعبوره، هو بالضبط الزمن الذي قضاه
الإسرائيليون في سيناء؛ لأن الفارق هو بالضبط أربعون عامًا، تلك المعروفة باسم سنوات
التيه.
وفي كتاب اللآلئ الأثري الذي كتبه كاهن أوغاريت «ميلكو» — والذي أثار ضجة عالمية بعد
أن تم العثور عليه كاملًا — حتى أسماه البعض: التوراة الكنعانية — يوضح في ثناياه أن
سبطًا مثل أشير لم يدخل مصر إطلاقًا، فقط ربما كان حليفًا أصيلًا ضمن الأحلامو، الذين
كانوا يحاولون استعادة قوتهم، بعد ضربة مصر القوية التي هشمت الحلف، فنجد إشاراتٍ عديدة
في اللآلئ إلى «الأشيرتم»، وهي صيغة جمع لكلمة «أشير»، اسم أحد الأسباط.
ورغم ما لحق نصوص الكاهن «ميلكو» من تلفٍ، فإن فيها الكثير مما يمكن قراءته، مثل
ذلك
النص الذي جاء في اللوحة
IIAB يقول:
ولكنهم ضاعفوا الخلاف هؤلاء الأشيرتم، فخذ شباكًا وأنت تنحني … انشقاق رؤساء
اليوديم … فيما قاسة إيل … وأبناء إيليم سوف يدمرون أتباع أيل ….
ها هي النار منذ يومين تلتهم، وكل شيء وقع في العار، والأشياء القبيحة في
القصور … يذبح الأبقار حتى المواشي الصغيرة، يرجم الثيران وتحت تأثير اللعنات
تهلك العجول … وأنا أوافق على أن نخبر بأني أنشر الدمار في الأردن، إلى أحزانك
سوف لا تدير وجهها قرتوهة
Qurst Uhe (قرية
يهو؟ [المؤلف])، وكما أعلنت سينهار عرشها وستكون المغارة مسكنها، سوف أدمر
ميراثها وستفنى … ذل الليبنت
YABNT.
٣٠
وفي اللوحة IAB
كعلامة حداد ينثر على رأسه الرماد، الفلسطيني أمسك به حتى جعله يسقط، فاختبأ
هربًا من حصارهم … لا تعطِ وجهك إلى العدو القاسي، عندما يتقرر جر العدو رئيس
اليوديم حتى حلبا، لاحتلال رهايتم وسحق بيت الأحرار، اقبل أن يحكموا الأردن.
٣١
وفي اللوحة VAB
عندما يتقدم العبريون، حدد حدودًا للعبريين، لتكن قيلة Queilah للعبرانيين، وشمشيراي وأعالي الصحراء
Shensheray لدغي
Ladoghy وأشيرة Asherat من عاي.
Ai حتى قادش Quadesh، ونحو مصائبك سوف لا تدير وجهها مصر القاسية.
إنهم باللعنات دمروا كفتور
Kaphtor، حجبوا
مساكنها بقُوًى سماوية، وأرض ميراثها، بمساعدة ألف إبليس مقاتل كالجيش، أسقطوها
تحت الأقدام، وبسرعةٍ جعلوها تنحني مثقلة بالشقاء.
٣٢
ومثل كل النصوص القديمة، تبدو نصوص الكاهن ميلكو ملتبسة وصعبة الفهم، مع عدم اكتمال
الجمل بسبب التلف والفقد، وميلكو الذي نعرفه كان يعمل في بلاط آمنحتب الرابع/إخناتون
بالعمارنة بمصر على وجه التحديد، قبل أن يعود إلى بلاده أوغاريت. إلا أنه يمكن تكوين
فكرة عامة من تلك النصوص تشير إلى حروب طاحنة، يقف سبط «أشير» كعنصرٍ واضح فيها،
ويحالفه عنصرٌ آخر وهو «يوديم»، أي اليهود اليهوذيون، وليس في كل نصوص «ميلكو» إشارة
واحدة إلى قبائل إسرائيل، مما يعني أنها لم تكن قد ظهرت بعدُ في المنطقة حتى زمن كتابة
ذلك النص، ولم تشارك في تلك المعارك في البلاد الواقعة على الساحل الشرقي للمتوسط، وهو
ما يعني أن القبائل الإسرائيلية كانت حتى ذلك الوقت لم تخرج بعدُ من مصر، وأن من خرجوا
وأثاروا المعارك في المنطقة هم اليوديم/اليهوذيون/الهكسوس.
ويؤيد تفسيرنا هذا أنه في تقسيم الأرض على الأسباط فيما بعد، كان سبط أشير أقرب
الفروع مكانيًّا إلى أوغاريت، مما يشير إلى استقراره في المناطق التي استولى عليها قبل
الخروج الإسرائيلي، حيث كان عنصرًا هكسوسيًّا أو حليفًا تابعًا، وكان يستقر هناك من زمن
طويل.
ثم ملحوظة أخرى تشير إلى معارك خاضها رئيس اليهوذيين ضد الفلسطينيين، مما يشير إلى
التواجد اليهوذي والتواجد الفلسطيني المستقر على الساحل زمن العمارنة، وهو المؤكد
تاريخيًّا، حسبما أوردنا في فصل لغز البلست. ثم يحدثنا النص: «إنهم باللعنات دمروا
كفتور» ولم يقل الكفتوريين حتى لا ينصرف ذهننا إلى الفلسطينيين البلست على الساحل
الكنعاني. لقد خص الجزيرة «كفتور» بالذكر، وكانت تطلق عمومًا على جزر البحر المتوسط في
نصوص العمارنة. إن النص يشير إلى تدمير اليهوذيين الهكسوس لبلاد كفتور بمساعدة ألف
إبليس، وسبق وعلمنا من هم الأباليس أتباع ست تيفون. وبالطبع لا يمكن تصور أن تدمير
كفتور كان عند احتلالها، فهذا زمن يبعد إلى الوراء حوالي قرنين من الزمان، لكنه حدث عند
طردهم من مصر، حيث نجد في سجلات فراعنة التحرير نصوصًا، تشير إلى أن فراعنة التحرير
كانوا على اتصالٍ واضح بقيادة الجزر، وأن الثورة التي حدثت في مصر ضد الهكسوس، قد
واكبتها ثورة أخرى حدثت في كريت ضد الاحتلال الهكسوسي، حيث نجد لوحًا دونه أحمس
بالكرنك، لتخليد أعماله وأعمال والدته الجليلة القدر «إياح حوتب»، التي قادت الجند بعد
موت زوجها سقنن رع، حيث شب ولداها كامس وأحمس لمتابعة نضال الأب الشهيد. وفي ذلك اللوح
نجد إشارات واضحة لاتصالاتٍ بين قادة التحرير في مصر وبقية الثوار في بقاع الإمبراطورية
الهكسوسية، الذين ثاروا بتحريضٍ وبقيادة مصر، خاصة تلك المراسلات مع أهل بحر إيجة،
الذين كانوا منذ زمنٍ مبكر أتباعًا وحلفاء مخلصين لمصر وملوكها.
وفي زمن التحرير سجل اللوح المذكور أن سكان بحر إيجة، قد أطلقوا على المرأة الحديدية
«إياح حوتب»، لقب سيدة جزر البحر الأبيض «حايونبوت». ويوضح محمد حماد معنى هذا الاسم:
حايونبوت بقوله إنه: «جزيرة كريت وما حولها من جزر؛ إذ إن هذه الجزر تعاونت مع المصريين
في كسر شوكة الهكسوس في المنطقة كلها.» ثم يعقب على عباراتٍ أخرى باللوح بقوله: «ويمكن
أن نرى كذلك في هذه الكلمات ما يشير إلى أن هذه الملكة، قد قامت كذلك بنشاطٍ ملموس خارج
البلاد»، «ولا يستبعد أن يكون أهل الجزر أنفسهم هم الذين خلعوا على تلك البطلة ذلك
اللقب مخلصين؛ لإعجابهم بها، فهم لا شك قد كرهوا حكم الهكسوس، وضاقوا به كما ضاق به
المصريون. ثم إنهم وجدوا في مصر أقوى معين لهم على الخلاص. ولا شك أن هذه العلاقة
القوية، التي نشأت بين مصر وكريت كانت لها أهمية خاصة، ظهرت في الثقافة وفي الصناعة
والصلات، التي تبُودلت بين أهل البلدين منذ أقدم العصور.»
٣٣
أما التعبير «انشقاق رؤساء اليوديم»، فيوضح أن تلك الثورات التي اندلعت بتدبير حكام
طيبة من فراعنة التحرير، في المناطق التي كانت تابعة لمصر من البدء، قد أدى إلى خلافاتٍ
واضحة بين رؤساء الحلف الهكسوسي، أدت إلى انشقاقهم وتفسخ حلفهم. والإشارات مثل رجم
الثيران وذبحها، تردد صدى ما نجده بعد ذلك في الشريعة التوراتية، التي كانت تأمر بإبادة
المدن بشرًا وحيوانًا وعمرانًا، وهي ذات الفعال التي سجلها المصريون عن محتلي بلادهم
الهكسوس.
ولا يفوت الفاحص هنا الأسماء التي وردت بتلك النصوص لمواضع جغرافية، فدمار الأردن
يترافق مع أولئك الذين يسكنون المغارات، الذين أذلوا أوغاريت، وقد ترجمت «ذل الليبنت»،
بينما قراءتها الصحيحة. كما وردت بالنص YABNT، والياء
تستبدل بالهاء أداة التعريف السامية الشمالية، إنها «ﻫ - بونت» فهي ذل البونتيين أو
المذلة لهم، أما قرتوهه QUARTUHA فهي «قيراتو». وقد
جاءت بالنص واقعة في محيط الأردن وبلاد بونت، ونعتقد أنها الآن «قريات» إلى الشمال
الشرقي من عاصمة آدوم (البتراء)، أو القرية قرب الحجر على ساحل البحر الأحمر الشرقي
جنوبي آدوم، وتقع في محيط منطقة تحمل ذات التنغيم، فهي تقع في وادي القرى.
أما «مفيد عرنوق» فيلخص لنا رأيًا سائرًا، ألقاه المؤرخون إلقاء يقول: إنه «في فلسطين
اختلطت شعوبٌ سامية، بشعوبٍ منحدرة من المناطق الجبلية الشمالية. وهذه الشعوب — وبنوعٍ
خاص الأناضولية القديمة — غير سامية، ألفت فيما بعد الشعب الحثي
HITTIES، الذي خلف في فلسطين طابعًا مميزًا بالنسبة
لبقية الأعراف، وهو الأنف المعقوف، الذي كان من المعتقد أنه من المميزات السامية وبنوعٍ
خاص اليهود، بينما هو كما نرى اليوم يعود إلى السلالة الأناضولية، فهو إذن غير سامي
انتقل إلى الساميين عن طريق التمازج السلالي.»
٣٤
أما الأركيولوجي والعالم اللغوي في الأوغاريتيات البروفيسور «ميدكو»، فيقدم لنا
التباساتٍ وخلطًا تاريخيًّا اعتدناه في متابعتنا لتاريخ المنطقة، وفي وسطها إضاءات
برقية حقيقية، تبدو كحدسٍ سريع تأكد لنا يقينه بعد كل ما قلناه. ويقدم لنا هذا المزيج
المتنافر في قوله: «من هم العبرانيون؟ ومن أين أتوا؟ جوابًا على هذه الأسئلة التي طالما
اكتنفتها المتناقضات، يمكننا اليوم إعطاء جواب عنها، فكان دخولهم إلى فلسطين في زمن تل
العمارنة، أي حوالي ١٤٠٠ق.م. ويصح أن يكونوا من قبائل الخبيرو، التي كانت تقاتل آنئذ
الكنعانيين. أما تقاليد العبرانيين فقريبة في ذلك العهد، من تقاليد الحيثيين وشعوب بين
النهرين. ومن المرجح أنهم كانوا يتكلمون لغةً قريبة من اللغة الحوية،
Hevien، كتابتها هيروغليفية استخدمها الحيثيون
الأوائل. ولما كان إلههم يُدعى يه أو يهوه، فثمة صلات لغوية وعرقية، كانت تربطهم
بالحيثيين والحويين الساكنين في البلاد. إذن الافتراض هو أن العبرانيين يؤلفون بقايا
الحيثيين، الذين اجتاحوا مملكة بابل بتاريخ ١٩٠٠، ونحن نلاحظ أن التوراة تعتبر دومًا
الحيثيين والحويين على صلاتٍ طيبة.»
٣٥ وهكذا حل «ميدكو» المشكلة في تلك السطور ببساطةٍ ساذجة لم تحل شيئًا، بينما
استغرقت منا نحن الصفحات السوالف وما سيليها، وأكلت من عمرنا
أحلى سنواته!
ويصبح الخابيرو في زعمنا اسمًا عامًّا على الأحلاف الهكسوس اليهوذيين، بينما يشكل
الإسرائيليون في تلك الأحلاف واحدًا فقط من عناصرها. وإذا كان الخابيرو أو العابيرو هم
أحلاف آدوم وبوادي الشام، فهو الأمر الذي يفسر للباحثين ذلك التضارب الشديد في الآراء
حول أصل العابيرو. وهو ما يفصح عنه قول فراس السواح: «نلاحظ كل من أسماء زعماء العابيرو
في رسائل تل العمارنة أن بعضهم من أصلٍ سامي مثل ملكيلو (ملك – إيلو)، وبعضهم الآخر من
أصلٍ هندوأوروبي مثل شوارداتا ولابايو، وهذا يدل على الأصول المختلفة لجماعات العابيرو،
وعدم انتمائها إلى منشأ إثني عرقي واحد.»
٣٦ وملاحظات فراس السواح على أسماء زعماء العابيرو هي ذات ملاحظاته على
الهكسوس، فهو يقول في موضعٍ آخر: «ورغم أن معظم أسماء الملوك الهكسوسية سامية،
إلا أننا نعثر بينها على أسماء غير سامية أيضًا،
الأمر الذي يدل على وجود عناصر مختلطة في التركيب الإثني العرقي لهذه الجماعات، وربما
كانت هذه العناصر غير السامية قد جاءت من أصلٍ حوري، وأن الطبقة العسكرية الحاكمة
للجماعات الحورية كانت من أصلٍ هندوأوربي.»
٣٧ وهو أمر انتهى المؤرخون إلى إقراره كما جاء عند «بيومي مهران» يقول: «إن
الهكسوس أنفسهم كانوا خليطًا من أجناسٍ مختلفة ما بين آرية وسامية.»
٣٨ لذلك ينتهي السواح إلى القول: «إن هؤلاء الخابيرو لم يكونوا جماعةً عرقية
متميزة، بل أخلاطًا من أجناسٍ شتى، ولا تساعدنا أسماء الأعلام الدالة على أفرادٍ منهم
في نصوص ماري وغيرها من ممالك البرونز الوسيط، على تبين لغة واحدة تجمع بينهم. كما أن
هذه النصوص لا تساعدنا على تحديد نمط حياة موحد لهذه الجماعات.»
٣٩
ويذكر السواح تفصيلةً تشغلنا وتغنينا، وتؤكد نظريتنا في تحالف عنصر جنوب جزيري وزنجي،
مع عنصر هندوآري قادم من الشمال، في المركز التجاري العالمي الوسيط؛ إذ يقول: «وتشير
هذه النصوص إلى جماعتين رئيسيتين في الخابيرو هما: بنو يامينا أو أهل الجنوب، وبنو شمأل
أي أهل الشمال.»
٤٠
إن الخابيرو أو يهوذا أو الهكسوس كانوا يتشكلون من موجتين مهاجرتين، موجة مختلطة
زنجية — جنوب جزيرية قادمة من جنوب الجزيرة، قبل أن تتكلم العربية المعروفة، ويمثلهم
اصطلاح بنيامين/بنويمينا، التي تعني أبناء الجنوب؛ لأن الكلمة يمن في العبرية تعني
الجنوب، كما تعني بلاد اليمن «ساكن الجزيرة كان يحدد الاتجاهات الأصلية، بالتوجه نحو
شروق الشمس، فتصبح بلاد اليمن عن يمينه والشام عن شماله». أما الهجرة الثانية فهي
هندوآرية قادمة من الشمال الأرميني، والتركي، هم بنو شمأل أو بنو الشمال أو بنو شمأعيل
(إسماعيل).
وقد ذكرت بداية ملحمة قراتو الأوغاريتية، أن
HBR
العابيرو فئة عظيمة جبارة، وأن قادتهم كانوا يعرفون بلقب
Try الجبابرة أو العمالقة.
٤١
وتتتالى الأحداث ويخرج الإسرائيليون من مصر بقيادة
موسى، ولا يأخذون الطريق المباشر إلى فلسطين من شمالي سيناء، والمحاذي لساحل المتوسط
لدخول فلسطين من حدودها الجنوبية المفتوحة على سيناء، فإنهم بدلًا من ذلك يدورون داخل
سيناء دورانًا طويلًا مع ساحل ذراعي البحر الأحمر. وعللنا ذلك بأنهم اتجهوا قاصدين إلى
حلفائهم التاريخيين في مديان، ودخلوا فلسطين من شرقها بعبور نهر الأردن إلى غربه،
ليظلوا أربعة قرون يعيشون في هيئة ائتلافٍ قبلي (نظام القضاة)، حتى تمكن أحد أفراد
الفصيل الإسرائيلي المعروف باسم «شاءُول» من قبيلة بنيامين، أن يقيم المملكة، لكن ليلتف
عليها العنصر اليهوذي بقيادة «داود»، الذي كان من يهوذا حوالي ١٠١٢–٩٧٢ق.م. ويتم قتل
«إيشبوشت» ابن شاول، ليستولي داود واليهوذيون على الحكم.
وكان إيشبوشت بن شاول ابن أربعين سنة، حين ملك على إسرائيل، وملك سنتين، أما
بيت يهوذا فاتبعوا داود.
(صموئيل ثاني، ٢: ١٠)
وفي عهد سليمان بن داود حوالي ٩٧٢–٩٣٢ق.م. يدون المقدس عن الاتحاد بين العنصرين
اليهوذي والإسرائيلي:
وكان يهوذا وإسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة.
(ملوك أول، ٤: ٢٠)
وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين.
(ملوك أول، ٤: ٢٥)
لكن مع موت سليمان يقرر الفرع الإسرائيلي الاستقلال، وفي حوالي عام ٩٣٢ق.م. تنفصل
القبائل، ويؤكد لنا المقدس أن ذلك النزوع للانفصال، كان قائمًا من زمن داود، فيقول:
فعصى إسرائيل على بيت داود إلى هذا اليوم، ولما سمع جميع إسرائيل بأن يربعام
قد رجع، أرسلوا فدعوه إلى الجماعة، وملكوه على جميع إسرائيل، ولم يتبع بيت داود
إلا سبط يهوذا وحده، ولما جاء رحبعام (ابن سليمان [المؤلف]) إلى أورشليم، جمع
كل بيت يهوذا وسبط بنيامين.
(ملوك أول، ١٢: ١٩–٢١)
وهكذا فإن «يربعام» الإسرائيلي، كان قد عصى على
سليمان اليهوذي وثار عليه، ثم هرب إلى بلاد مصر لاجئًا سياسيًّا، وعاد بعد موت داود،
ليملك على الإسرائيليين في مملكةٍ منفصلة باسم إسرائيل وعاصمتها السامرة، بينما حكم
«رحبعام بن سليمان» المملكة الجنوبية، باسم مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم. وعلينا أن
نتذكر هنا أن الفرعون «شيشنق»، قد هاجم مملكة رحبعام بن سليمان، بعد تولي رحبعام بخمس
سنوات، مما يشير إلى أنه كان لا يزال يدعم يربعام الإسرائيلي في انفصاله عن يهوذا، حيث
نجد مملكة إسرائيل تقوم في الشمال بعد غزوة شيشنق لفلسطين. أما ما يجب أن نلحظه هنا فهو
أن النصوص التوراتية، عندما تتحدث عن الشعبين متحدين، تستخدم اصطلاح كل إسرائيل أو جميع
إسرائيل ويهوذا، كما في قول المقدس التوراتي عن سنى حكم الملك داود:
وفي أورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا.
(صموئيل ثاني، ٥: ٥)
وعندما كانت نصوص التوراة تود الإشارة، إلى واحدةٍ من قبائل التحالف الإسرائيلي مثل
بنيامين؛ فإنها كانت تستخدم اصطلاح سبط، أي فرع إسرائيلي، لكنها حين كانت تريد الحديث
عن إسرائيل، بكل أسباطها وحدها دون يهوذا، فقد كانت تستخدم اصطلاح «بيت إسرائيل» لتميزه
عن «بيت يهوذا»، مما يشير إلى انفصالٍ واضح بين قبائل يهوذا وبين قبائل إسرائيل، فأبناء
إسرائيل أسباط، أما يهوذا فليس سبطًا، إنما هو بيتٌ مستقل عن بيت إسرائيل، ثم تجمع
التوراة كل بيت إسرائيل في يعقوب، وكل فصائل الهكسوس في يهوذا، كما في قولها:
بل أخرج من يعقوب نسلًا، ومن يهوذا وارثًا لجبالي، فيرثها مختاري.
(إشعيا، ٦٥: ٩)
في تلك الأيام يذهب بيت يهوذا مع بيت إسرائيل ويأتيان معًا.
(إرميا، ٣: ١٨)
أما الإشارة الفصيحة البليغة، فهي في تقرير الرب
نفسه، أنه حاول لصق البيتين معًا قدر استطاعته لكنه فشل، انظره يقول:
ألصقت بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا، يقول الرب، ليكونوا لي شعبًا
واسمًا وفخرًا ومجدًا لكنهم لم يسمعوا.
(إرميا، ١٣: ١١)
وتنقسم المملكة وينفك الحلف، ويظل الأنبياء يحلمون بحلم الأحلامو مرةً أخرى، وأن
المملكة ستقوم في أيامٍ مقبلة، يرددون الأماني قائلين:
ها أيام تأتي، يقول الرب، وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك، وينجح ويجري حقًّا
وعدلًا في الأرض، في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا.
(إرميا، ٢٣: ٥، ٦)
أما زكريا فقد بح صوته وهو ينادي الشتات:
يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل.
(زكريا، ٨: ١٣)
لكن الإشارة الهامة هنا للغاية، والتي تشير إلى أن لحظة خروج إسرائيل من مصر، كان
يهوذا مستقرًّا في مقدسه أورشليم، تهرب منه مياه فلسطين وجبالها، في كنايةٍ عن خشيتها
بأس يهوذا، في صيغةٍ توراتية تقول:
عند خروج إسرائيل من مصر، وبيت يعقوب من شعب أعجم.
كان يهوذا في مقدسه وإسرائيل في محل سلطانه (سيناء [المؤلف])، البحر رآه
فهرب. الأردن رجع إلى الخلف، الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان
الغنم.
(مزامير، ١١٤: ١–٤)
وبينما يهوذا أو كما نزعم: الخابيري الهكسوسي قد استقر في جبل صهيون بأورشليم،
وإسرائيل لم يخرج بعد من مصر، قال الرب عن يهوذا:
أساسه في الجبال المقدسة، الرب أحب أبواب صهيون (ومقرها مملكة يهوذا
[المؤلف])، أكثر من جميع مساكن يعقوب.
(مزامير، ٨٧: ١، ٢)
لقد وضح أن الأقوى دومًا كان يهوذا، وهو من دونت أغلب أسفار التوراة في حجره، ومن
على
كرسي سلطته، فساد ربه يهوه بسيادته، بينما تراجع إيل رب إسرائيل، الذي كان يشغل كل سفر
التكوين.
أما جبل «صهيون» الذي استبدلته المملكة بجبل سيناء المقدس، وجبل «صافون» الأقرع في
الشمال السوري، حيث عبادة بعل حداد، وأطلقت اسمه على جبال أورشليم عاصمة يهوذا، فإنه
لم
يستطع إخفاء أصله؛ لأن «صهيون» لغةً ليست شيئًا آخر غير «صاهيون» أو «صافون»، باختلاط
الياء، وكذلك الواو مع الفاء كما في «لاوي» و«ليفي».
هذا بينما ترد إشاراتٌ غامضة إلى عنصرٍ يسمى «الحوى»، كان في طريق الخارجين من مصر،
وينطق أيضًا «الهوى» وهو واضح النسبة إلى يهوه، لكن تم إخفاءه بعنايةٍ في طوايا
الأحداث، وهو ببساطةٍ اسم يدل على الجنس اليهوذي الهكسوسي، الذي انتشر شذرًا مدرًا في
سيناء وبوادي الشام، بعد طرد الهكسوس من مصر بعد، واستعادة مصر لسلطانها على أملاكها
الآسيوية.
وتلك الإشارات السريعة إلى «الحوى/الهوى»، تفصح عن نفسها وتصبح شديدة الوضوح، بعدما
قلنا وشرحنا، وينجلي السر عن ذلك الشعب الغامض، الذي حير الكتاب والباحثين زمانًا، فهم
الشعب الذي اتحد مع الإسرائيليين بقيادة يشوع بن نون، في نصٍّ شارد وسط أحداث، لا تعطي
فرصة التأمل للكشف، ومن نماذج ذلك:
الحويون صالحوا يشوع.
(يشوع: ٩)
لم تكن مدينة صالحت بني إسرائيل إلا الحويين.
(يشوع، ١١: ١٩)
أما من هؤلاء الحويين/الهويين، فهو ما يفصح عنه نص
يتحدث عن تاريخٍ قديم لعلاقة يعقوب بهم، عندما حل ضيفًا عليهم يعيش في حماهم، ويشير إلى
اسم ملك على هؤلاء الهويين في قول التوراة:
حمور الحوي رئيس الأرض.
(تكوين، ٣٤: ١–٣)
لقد كان ذلك الملك الهوي الحوي يعتز ويفخر باسم إلهه، فيتسمى باسمه «حمور» مثل بقية
الملوك الحميريين، ومثله كان حمورابي في بابل من قبل يعتز باسمه «الحمار أبي».
أما «زينون كاسيدوفسكي»؛ فيعقب على كل تلك الأحداث، بعد انفصال المملكة إلى عنصريها
المتمايزين، بقوله: «وعلى ضوء هذه الحقائق يغدو الوضع في كنعان واضحًا، سكنت القسم
الشمالي منه القبائل اليهودية القديمة، التي لم تكن في مصر في أي يومٍ من الأيام، ولم
تغادره منذ زمنٍ غابر (لأنه لم يعرف ما عرفنا في بحثنا هنا [المؤلف])، وكانت قد تمثلت
حضارة الكنعانيين وعبدت آلهتهم، بينما استوطن القسم الجنوبي من أرض كنعان الإسرائيليون
الذين جاءوا من مصر.»
٤٢
وهكذا خلط «كاسيدوفسكي» حابلها بنابلها، فالرجل مثله مثل كل من كتب في هذا الأمر،
لمن
يكن يعلم ما علمنا، وهو أن يهوذا ليس شيئًا آخر غير الحلف الهكسوسي الأخلامو قاطن
الجنوب، ومن ثم رأى أن القبائل اليهودية لم تدخل مصر إطلاقًا، بل دخلها العنصر
الإسرائيلي وحده؛ ولأن جنوبي فلسطين هو الملاصق لمصر، فقد استنتج كاسيوفسكي بسرعة البرق
الاستنتاجية التي لحظناها عند الباحثين، خاصة الأركيولوجين، الذين نتمنى عليهم أن
ينهمكوا في سبر أغوار الأرض وفك طلاسم الكتابات القديمة، ويتركوا لفلاسفة التاريخ مهمة
التحليل والتركيب والربط والاستنتاج، استنتج «كاسيدوفسكي» أن سكان الجنوب هم من خرج من
مصر، ليقلب بذلك التاريخ رأسًا على عقب، ويقلب الجغرافيا عقبًا على رأس. مستندًا إلى
شاهدٍ آخر، هو أن قبائل المملكة الشمالية عبدوا آلهة
الخصب الكنعانية، بينما ظلت المملكة الجنوبية على عبادة يهوه، هذا بينما التفسير الواضح
لدينا، هو أن اليهوذي الهكسوسي قد خرج من مصر مطرودًا بثورة تحرير، إلى مواضعه
التاريخية جنوبي فلسطين. واستمر الفراعنة على التوالي في ضرب هذا الحلف في مواقعه
التاريخية، بغرض تشتت الحلف، فوجوده خطر دائم على الحدود المصرية. وبعد ضرب الحلف
وتمزقه، ذهب بعضه جنوبًا إلى جزيرة العرب، ومنه من ذهب إلى بوادي الشام الشمالية وأسس
الممالك الآرامية، ومنه من تشتت في الجزر اليونانية، ومنه من استقر في مواضعه التاريخية
في بلاد آدوم ومحيطها، ليخرج الإسرائيليون بعد ذلك من مصر، ويعيدوا التحالف مع الأحلاف،
في محاولة استعادة صيغة الأحلامو. ويدخل الإسرائيليون إلى فلسطين من شرق الأردن إلى
أريحا، ولا يهبطون جنوبها لأن جنوبها كان موطنًا لليهوذيين الهكسوس، إنما يستوطنون
الجزء الشمالي الذي حمل تاريخيًّا اسم إسرائيل، مما يشير إلى أن هذا الجنوب كان مملكةً
قائمة عصية، وظل الجنوب يحمل اسم يهوذا، وتتحد المملكة زمن «شاول» الإسرائيلي، لكن
لتخرج سدة العرش من بيت إسرائيل الشمالي بعد ذلك إلى بيت يهوذا الجنوبي، فيستولي «داود»
اليهوذي على المملكة، ويحكم بعده ولده «سليمان»، ثم يعود البيتان للانفصال زمن (رحبعام
ابن سليمان/اليهوذي)، بدعمٍ عسكري مباشر من فرعون مصر ليربعام الإسرائيلي، إمعانًا في
تقسيم الحلف الخطر.
وكان طبيعيًّا أن يتعبد الإسرائيليون الخارجون من مصر لآلهة الخصب والنماء، بينما
يظل
اليهوذيون كما كانوا في مواطنهم الأولى، وكما كانوا في مصر، وكما ظلوا بعد طردهم منها،
يتعبدون لآلهة الصحارى دوشريت «سيت/عناق/هفا/يهوه» البونتي السيناوي.
وإذا كان فرع يهوذا هو الهكسوس كما نقول نحن، فذلك يفسر لنا نصًّا توراتيًّا ظل غير
مفهوم زمنًا طويلًا، ورد في سفر ملوك ثاني، يتحدث عن زمن الملك يربعام بن يوآش، أحد
ملوك إسرائيل الشمالية بعد انفصالها بزمن، ويحكي ذلك السفر أن يربعام هذا، دخل معارك
مع
جيرانه الشماليين وكانوا آراميين خلَّصًا، وأنه انتصر في تلك المعارك، وأنه «استرجع إلى
إسرائيل دمشق وحماة التي ليهوذا (ملوك ثاني، ١٤: ٢٨).
وقد وقف الباحثون إزاء هذا النص يضربون الأخماس في الأسداس؛ لأن دمشق وحماة لم تكن
يومًا تابعة لمملكة يهوذا، بل كانت تفصلها عن يهوذا دولة إسرائيل شقيقتها المنفصلة
اللدود. فكيف استرجع ملك من دولة إسرائيل الشمالية
إلى دولته إسرائيل دمشق وحماة، اللتين كانتا تتبعان دولة يهوذا الجنوبية؟! كما لو كان
بطلًا تاريخيًّا، أعاد الأمور إلى نصابها القديم الذي لم يكن حقيقة إطلاقًا.
إن المحرر التوراتي كان يعلم أن سبط يهوذا هو ذاته الهكسوس، وأنه ضمن مملكة الهكسوس
الكبرى كانت دمشق وحماة، ورغم أن واقعة استرجاع يربعام للمدينتين لم تحدث إطلاقًا، فإن
النص ينفتح على ذكرياتٍ كان مطلوبًا نسيانها، لكنها تقفز بين آنٍ وآخر لتعطينا مفاتيح
الألغاز.
وهكذا نكتشف أن التوراة السبعونية كانت تسجل فقط زمن دخول أسباط إسرائيل وخروجهم،
لتؤكد أنهم بقوا في مصر فقط ٢١٥ عامًا، بينما كانت التوراة المازورية العبرية اليهوذية
الخابيرية الهكسوسية، تسجل زمنًا آخر للبقاء في مصر، بدأت به من لحظة دخول الأحلاف
الكبار إلى مصر، فهذا هو تاريخها مع مصر، وهو التاريخ الذي أنهته ليس بطرد الهكسوس
اليهوذيين من مصر، إنما ضمت إليه زمن بقاء حلفائها الإسرائيليين في مصر، وأنهته مع
الخروج الإسرائيلي، فسجلت زمن بقاء الهكسوس في مصر، من لحظة دخولهم حتى طردهم على يد
أحمس، وهو الزمن الذي يجب أن يبدأ حول عام ١٧٨٦ق.م. وينتهي بولاية أحمس فرعون التحرير
حوالي ١٥٧٥ق.م. وهو الزمن الذي يساوي ٢١١ سنة، بفارق ٤ سنوات فقط، وهو ما يمكن تجاوزه
في علم التاريخ، ثم أضافت التوراة المازورية الزمن الذي استغرقه بقاء الإسرائيليين في
مصر، من لحظة دخولهم زمن أسيس، آخر فرعون هكسوسي، إلى زمن خروجهم بعد سقوط إخناتون، وهو
الذي يساوي بدوره وعلى وجه الدقة ٢١٥ عامًا، وجمعت كليهما في زمنٍ واحد هو ٤٣٠
عامًا.
لكن يبقى أمام ما قدمناه هنا لحل مشكلة الخابيرو عقبة شديدة الوطأة، يمكنها نقض كل
ما
قلناه وتشتته أدراج الرياح. وهي التي تتمثل في النص الذي سلفت الإشارة إليه، في بداية
الحديث عن الخابيرو والذي يعود إلى زمن رمسيس الثاني، وهو النص الذي يتحدث عن وجود
الخابيرو في مصر، وأنهم كانوا يعملون في نقل الأحجار للمعبد، الذي يبنيه في رسالة
الكاتب «كوسيرا» إلى رئيسه «بيكوبتاح»، التي يقول فيها:
وقد أطعت الأمر الذي أصدره سيدي، فأعطيت قمحًا للعكسر والعابيرو، الذين
ينقلون الأحجار إلى حصن رمسيس العظيم، تحت ملاحظة إفمان رئيس الضباط، وأعطيتهم
القمح كل شهر، طبقًا للأمر الصادر إليَّ.
فهل ترانا قد ذهبنا في الطريق الخطأ مذهبًا بعيدًا؟ هنا كان لا بد من مراجعة الأمر
كله، على الأحداث التوراتية التي يجب — وفق نظريتي — أن تتزامن مع أيام حكم أسرة
العمارنة، إذا كان فرضنا لزمن الخروج صحيحًا، حيث قلنا إنه قد تم طرد الهكسوس العابيرو
من مصر، على يد ملك التحرير أحمس عام ١٥٧٥ق.م. بعد أن بقوا بها مائتين وخمسة عشر عامًا،
وتم أسر الإسرائيليين ليبقوا بعد هذا التاريخ مائتين وخمسة عشر عامًا أخرى، أي إنهم
بذلك يكونون قد خرجوا زمن إخناتون، الذي حكم ما بين ١٣٦٧–١٣٥٠ق.م. والخروج يكون قد حدث
بعد سقوطه عن العرش بعشر سنوات، أي يكونون قد خرجوا حوالي ١٣٤٠ق.م.
ويحكي الكتاب المقدس أن الخارجين قد استغرقوا في الرحلة من مصر إلى فلسطين أربعين
سنة، ثم عاشوا تحت الحكم القبلي المعروف بحكم القضاة، وكانوا على الترتيب (أي
القضاة):
عنثئيل بن قناز، وأهود بن حيرا، ثم القاضية المشهورة دبورة، ودبورة كلمة عبرية تعني
النحل، وهي التي تعنينا هنا، حيث عثرنا معها على حل المشكلة المطروحة، كعقبة في طريق
الحل الذي طرحناه.
هنا يحكي لنا الكتاب المقدس في الإصحاح الرابع في سفر القضاة، أن الملك «يابين»
الكنعاني، أذل الإسرائيليين في فلسطين، وكان مقر ملكه في مدينة حاصور. أما قائد جيشه
فكان اسمه «سيسرا»، وكان «سيسرا» يسكن في مدينة «حروشة الأمم».
ويشرح لنا قاموس الكتاب المقدس معنى اسم «حروشة الأمم»، تحت مادة «حروشة» بأنها تجمع
سكني لأجناسٍ من أمم مختلفة، وأنها الآن هي عند أصحاب هذا القاموس، هي تل عمار على بعد
١٦ ميلًا إلى الشمال الغربي من مجدو بفلسطين.
والغريب أن الكتاب المقدس يقرر أمرًا شديد الغرابة، فيؤكد أن قائد الجيوش هذا المعروف
باسم «سيسرا»، كان لديه قوة ضاربة هائلة، تتكون من تسعمائة مركبة سريعة من الحديد. وهو
أمر لا يمكن على الإطلاق تصوره، مع ملك إقليمي لمدينة إقليمية بفلسطين، فهذا جيش يليق
بإمبراطورية من إمبراطوريات ذلك الزمان.
ونتابع رواية الكتاب المقدس، فتقول إن القاضية النبية الإسرائيلية دبورة، كانت تعيش
في مكانٍ يُدعى جبل «تابور»، أو «دبور»، وأنها دعت الإسرائيليين لمقاومة «سيسرا» وجنده
عند قادش.
وبغض النظر عما لحق القصة من تهويلات أسطورية، فإن الحدث يمكن فهمه في ضوء قصة الحملة
الثالثة للملك رمسيس الثاني على فلسطين، حوالي عام ١٢٩٥ق.م. ضمن حملات كانت موجهة دومًا
نحو قادش الجليل ومحيطها، ويحكي لنا التاريخ:
وفي السنة التالية، وصل رعمسيس شمالي فلسطين، حيث حاصر شاتونا، ثم دابور التي
كانت تقع في النهاية الجنوبية لمملكة عمورو، وبذلك يكون موقعها في غربي الجليل،
وفي قلعة دابور هذه، سحب الحيثيون ملك العموريين السابق، الذي خلعوه ينبت شينا،
ويبدو من النص أن الحيثيين قد استولوا على دابور السورية، وهي أقصى مدينة في
الجنوب يصلها الحيثيون إلى حد الآن، وعندها دارت موقعة مهمة، الأمر الذي حدا
برمسيس الثاني إلى التقدم واختراق بلاد نهرينا/دولة «ميتاني»، واستولى على رتنو
السفلى/شمالي سورية، وأرواد وبلاد كفتيو. وفي هذا الوقت أو بعده بقليل قام
رمسيس بغزو بلاد موآب، وآدوم.
٤٣
هكذا تعلمنا نصوص معارك رمسيس الثاني بمعركة كبرى ضد فلسطين، وضد غزاتها الحيثيين
القادمين من الشمال، وأن هناك موقعة قد حدثت عند منطقة باسم دابور تقع غربي الجليل، وهو
الموقع الذي حدده قاموس الكتاب المقدس لحروشة الأمم وجبل دابور.
وبعد أن هزم رمسيس الثاني سكان تلك البلاد وقام بتأديبهم، ورد الحيثيين وأوقف خطرهم
مؤقتًا، عاد إلى مدينته «بي/رعمسيس» بعددٍ غفير من الأسرى.
تمت هزيمة الآسيويين، جميعًا أتوا صاغرين، ينحنون أمامه في قصره في بي رمسيس
ميري آمون.
٤٤
لقد كان هؤلاء الأسرى هم العبيرو، الذين جاء ذكرهم بعد ذلك، يحملون الأحجار لبناء
الملك رمسيس الثاني. أما الحاسم في الأمر؛ فهو أن اسم ذلك المحارب، الذي كانت لديه تلك
المدرعات الهائلة، والذي سجله المقدس التوراتي بحسبانه قائد جيوش كنعانيًّا، بخطأٍ فادح
لا نعلم سره الآن، كان يحمل اسم «سيسرا»، وهو اللقب المتكرر المحبب للملك رمسيس الثاني.
لقد كان ذلك اللقب هو «سي سي رع».
٤٥ وهكذا يمكن تفسير وجود عابيرو في مصر، يعملون في خدمة رمسيس الثاني، بعد
طردهم من مصر بسنواتٍ طويلة. لقد جاء بهم رمسيس أسرى من حملته التي وصلت إلى
«دابور».