الغيرية الثقافية: التواصل العابر للثقافات والنظرية النسوية في سياقات الشمال-الجنوب
يجب أن يتعلم المرء أن الإنسان قد لا يكون هو ذاته من دون علاقة بالآخر، وأن مثل هذه العلاقة في صورتها المثلى لا ينبغي أن تترصع بآيات الظلم.
واحدٌ من أضخم التحديات التي تواجه علاقات الشمال-الجنوب يتمثل في كيفية التواصل مع «الآخر» المختلف ثقافيًّا عن الأنا. ويرتكز هذا المقال على مفاهيم وجودية-فينومينولوجية وبعد بنيوية للغيرية والاختلاف؛ وذلك لتقوية وضع المتحدثين من أبناء أمريكا اللاتينية والآخرين المَسُودين في حوارات الشمال-الجنوب. يدافع المقال عن المقاربة بعد-الاستعمارية للنظرية النسوية كأساسٍ للأخذ والعطاء في مناقشةٍ للوضعيات النسوية المختلفة ثقافيًّا في هذا العصر الذي تتسارع فيه العولمة والهجرة والترحيل.
ينصبُّ هذا المقال على مسألة تفهُّم الاختلافات الثقافية في سياق التواصل والحوار بين الشمال والجنوب، لا سيما في تلك الحالات التي يجري فيها هذا الاتصال أو محاولات الاتصال بين أعضاء ينتمون لحضارةٍ مهيمنة وآخرين ينتمون لحضارةٍ تابعة. ومن خلال فحص تلك المسائل، قد نستطيع ترسيم بعض الأفكار التي سوف تتيح لنا الوصول إلى تفهمٍ أكمل للتبادلات والحوارات النسوية العابرة للثقافات. إن الذي يجعلني أركز على موضوع التواصل العابر للثقافات هو أنني قد بِتُّ في الآونة الأخيرة على وعيٍ متزايد بمستويات التحيز التي تترك تأثيرها في عمليات الاتصال الأساسية بين المتحدثين الأنجلو-أمريكيين وأولئك اللاتين، وكذلك المصاعب التي تمر بخبرة كثيرين من أهل أمريكا اللاتينية الذين يهاجرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو لي أنه في تلك الآونة التي تشهد تحيزًا جماعيًّا ضد المهاجرين وتشهد اغترابًا للناس عن مجتمعاتهم الأصلية يفوق كل ما هو معتاد، تغدو أعظم التحديات التي تواجه علاقات الشمال والجنوب والتفاعل بينهما، إنما تتمثل في السؤال عن كيفية التواصل مع «الآخر» المختلف ثقافيًّا عن الأنا. وإذا كان السؤال المطروح علينا بشأن كيفية تأطير شروط إمكانية الأخلاقيات النسوية العالمية — أو ما إذا كانت مثل هذه الأخلاق ممكنة حقًّا — فلست أرى للشروع في هذا موطئًا أفضل من فحص شروط إمكانية تواصل عابر للثقافات على هذا النحو.
بعبارةٍ أخرى، ليس الآخر هو ذلك الذي يؤكِّد بمنتهى السلبية ما أميل أنا إلى الاعتقاد فيه بشأنه؛ إنه لا يقوم بدَور مرآة ذاتي، ولا تمثِّل صورتها تسويغًا للحدود الكائنة للأنا. ولئن كان الأمر هكذا، فإن الآخر لا يعدو أن يكون تمثيلًا للنرجسية المستبدة بالذات. ولكن الأمر على العكس تمامًا؛ فالآخر هو ذلك الشخص أو تلك الخبرة التي تجعل من الممكن للذات أن تتعرف على أفقها الخاص بها بحدوده في ضوء علاقات لا تماثلية مطروحة تحمل معالم الاختلافات الجنسية والاجتماعية والثقافية. إن الآخر، الأجنبي، الغريب، هو ذلك الشخص الذي يحتل موقع التابع الخانع في سياق علاقات القوى الثقافية اللاتماثلية، بل أيضًا يمثل العناصر أو الأبعاد للذات التي تهز أركان الأنا المهيمنة، وتنزع عنها مركزيتها، تنزعها عن تلك الذات المغلقة والهُوية الإقليمية.
وأخيرًا، وفي قولٍ مختلف يتعلق بمسائل الهُوية والغيرية، ثمة فرض مسبق إضافي نسترشد به في تلك التأملات، وهو معتقد مفاده أن ما نتمسَّك بأنه يمثل طبيعة المعرفة ليس متحررًا من الثقافة، بل إنه يتحدَّد ويتعين بالمنهجيات والمعطيات التي تجيزها الثقافات المهيمنة. بعبارةٍ أخرى، الممارسات العلمية للثقافة المهيمنة هي ما يرسم حدود المعرفة، ليس هذا فقط بل أيضًا من يمكنه أن يساهم مساهمةً مشروعة في لغة العلم. وفي سياق الحياة اليومية، خارج جدران البيئة الجامعية، يُنظر إلى النساء تخصيصًا بوصفهنَّ جاهلات، وذلك حين طرح معارف علمية أو القدرة على مناقشة مسائل علمية مع خبراء المعرفة في المجال المعني. وليس من الضروري قراءة ميشيل فوكو لندرك كيف أن العلاقة بين المعرفة والسلطة مترابطة ومتداخلة جدًّا. موضوعي هنا أن المعارف الثقافية (وليست العلمية فقط) تنطوي على شكلٍ من أشكال القوة والسلطان وتملك قيودًا ثقيلة. إنها تملك قيودًا تقيد الذات وقيودًا تقيد الآخرين. والقيود التي سوف أحاول أن أبحث أمرها وأحاول تفكيكها إلى حدٍّ ما هي تلك التي تنصبُّ على فهم الثقافة السائدة للاختلافات الثقافية. وفضلًا عن هذا، يحاول التحليل الذي أتقدم به أن يتفهَّم اختلافات اجتماعية/ثقافية من دون إخضاعها للهيمنة الذكورية ولمقولات وقواعد المعيارية الجنوسية.
ثمَّة حاجة إلى تطوير نموذج لتفهمٍ أخلاقي وفلسفي لا يكون معنى الاختلاف الجنسي فيه محدودًا بحدود تحيز معياري جنوسي فيما يتعلق بما يكونه جسد المرأة أو الوظيفة الملائمة لقدرات المرأة العقلية. وبالمثل ثمة حاجة لتطوير نموذج لتفهُّم اختلافات الثقافات التابعة. بعبارةٍ أخرى، لا بدَّ أن نأخذ في الاعتبار نقد التحيز المعياري الجنوسي، وكذلك نقد الإمبريالية الثقافية. ومع ذلك، فحين نأخذ في اعتبارنا أن عددًا لا بأس به من النقود الموجهة إلى الإمبريالية الثقافية قائمة هي ذاتها على أساس نموذج ذكوري (أحيانًا يكون سلطويًّا إلى حدٍّ بعيد) للتحرر من الإمبريالية، وهو بدوره نموذج يفترض قبلًا ويعزز سيادة الرجل على المرأة في الكفاح من أجل الحرية، فإنه يجب تلطيف حدَّة نقد الإمبريالية الثقافية بنوعٍ ما من المنظور النسوي الذي يجمع ثقافاتٍ عدة. كل هذه الاعتبارات تؤدي بنا إلى منظورٍ نسوي بعد-استعماري يستطيع أن يوازن بين الكفاح ضد ميراث الهيمنة الاستعمارية-الإمبريالية والكفاح من أجل خلق مجتمعات نسوية يتساوى فيها الرجال والنساء.
(١) التفاوت في أوضاع المتحدث البليغ
وأكثر الطرق شيوعًا لتعيين هذا الفضالة في المعنى هي الإشارة إلى تلك الجوانب من اللغة غير القابلة للترجمة بالقياس إلى لغةٍ ما أخرى. في هذه الحالة، قد يفكِّر المرء في اللامقايسة تفكيرًا حسابيًّا بوصفها نوعًا من التأثير السالب للتواصل العابر للثقافات. ما أخرج به من المتحدث المتموضع في مكانٍ مختلف هو رسالة قابلة للتوصيل مخصومًا منها الاختلاف الثقافي المعين الذي لا يمكن أن يعبر. وحين يتم التنظير على هذا النحو، فسوف يصبح من الممكن أن تغدو طريقة تعظيم مجال الحوار العابر للثقافات هي ابتكار سبيل لوضع أقصى ما يمكن وضعه من معنى في الجانب المضاف للتبادل، بحيث تغدو الفضلة الزائدة هي أقل ما يمكن على الجانب المنقوص منه. ولكن، على الرغم من أن خلق وسائل للتواصل أكثر فاعلية بين جماعاتٍ متباينة يمكن أن يساعد في تقليل الصراع الاجتماعي والتوتر، فإني لا أعتقد أننا سوف نغنم مزيدًا من الفهم للاختلاف الثقافي، إذا فكرنا في اللامقايسة بهذه الطريقة الكمية السائدة.
وينشأ السؤال عن كيفية انطباق مبدأ اللامقايسة على الأخلاقيات النسوية حين تكون الأخلاقيات النسوية منشغلة بوضع وتنفيذ أحكام معيارية عابرة للثقافات. هل سيُفسد مبدأ اللامقايسة الدعوى الأخلاقية النسوية أو الحكم المعياري؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدًى؟ كيف يمكن التفاوض في المصطلحات الأخلاقية النسوية تفاوضًا عابرًا للثقافات؟ وهل ينبغي التفاوض بشأنها أصلًا؟ إن مهمتي الأولى هي محاولة شرح كيفية عمل مبدأ اللامقايسة في المستوى العيني لخبرة الحياة اليومية.
(٢) الآخر المختلف ثقافيًّا
ماذا يعني أن تكون مختلفًا ثقافيًّا، وأن تتكلَّم على مستوى الثقافة بصوتٍ مختلف؟ هذا السؤال عادةً ما يجيب عنه أولئك الذين تتوافر لديهم القدرة على تمييز الآخرين (أو «الآخر») بوصفهم مختلفين، ولا يجيب عنه أولئك الذين يُبحث أمر اختلافهم من حيث علاقته بالأغلبية في الجماعة المطروحة، أو بالأعضاء الأساسيين فيها. أن تكون مختلفًا ثقافيًّا ليس هو الأمر نفسه في أن تكون مختلفًا كفردٍ أو مختلفًا بسبب الفئة العمرية أو الجنس. فإذا كنت ضمن جماعةٍ من نساءٍ أخريات لهن تقريبًا النوعية نفسها من تعليمي، وكانت الاهتمامات التي تشغلهنَّ هي تقريبًا التي تشغلني أنا، وإذا كنتُ في عمرهن تقريبًا؛ فالذي يجعلني مختلفة ثقافيًّا هو أنني، بمصطلحات العصر، لاتينية — وهذا اسم يشير إلى بعض جوانب خلفيتي، بينما يمحو أيضًا جوانب مهمة لفردانيتي وللتفاصيل الخاصة الفعلية للجينالوجيا الثقافية الخاصة بي التي تنطوي على خلفياتٍ من منطقة البحر الكاريبي ومن أمريكا اللاتينية ومن أوروبا الغربية.
«لاتينية» تضعني تحت مقولةٍ يسهل تمييزها، ومن خلالها تترسَّم حدود اختلافي تبعًا لأي فئةٍ من المترافقات قد يستدعيها ذلك المصطلح. «لاتينية» ليست مجرد مصطلح وصفي يشير إلى شخصٍ ما من سلالةٍ تنتمي إلى أمريكا اللاتينية أو لأيبريا، ولا تزال باقية حتى الوقت الراهن في الولايات المتحدة. إنه إفادةٌ تحجب وتستدعي معًا مدى من المترافقات-الدم الساخن، صاحبة مزاج، مطيعة، متحدية غير هيَّابة، وضعها غير قانوني أو واقع في المحظور، مكبوتة أو نهمة جنسيًّا، مضطهدة ومستغلة، وما إلى ذلك. بَيد أن الخيطَ الذي يجمع كل المترافقات النمطية معًا، هو واحد من الخيوط الخفية التي تنتج الثقافة. ومن العوامل المسببة لهذا أنه في المجتمعات التي تسودها الهيمنة الذكورية، بما فيها المجتمع الأنجلو-أمريكي، يُنظر إلى النساء أساسًا كناقلاتٍ للثقافة وليس كمنتجاتٍ لها. مبدئيًّا، يُنظر إلى النساء بوصفهنَّ قائمات بالرعاية والعناية، مهمتهنَّ في الثقافة هي النقل والحفظ والصون، وليس البحث في القيم الثقافية وخلقها.
وأيضًا لا يُنظر إلى اللاتين في الولايات المتحدة كمُنتجين للثقافة؛ لأن مصطلح «لاتيني» يفتقد مرجعية قومية معينة، فلا يزال الوطن والثقافة في عقلية الحداثة الغربية يتداخلان معًا في ترابطٍ وثيق. (مثلًا تعرض المتاحف القومية الكبرى للفنون والعلوم تلك الأعمال التي تبين المحكات الثقافية والجمالية والقدرة العلمية لمختلف الأمم). «لاتيني» من حيث هو مفهوم إنما يتجاوز مقولة القومية. ونحن بوصفنا لاتينيين لا يربطنا رباط وثيق بثقافةٍ قومية يمكن تحديدها (مما يتناقض مع وضع أعضاء الجماعة السائدة)؛ لهذا فلكي يكون لنا وجود ثقافي في إطار الثقافة المهيمنة يجب علينا تبيان أننا نعرف كيف ندمج ثقافتين أو أكثر معًا في داخل أسلوبنا للتواجد. وعلاوة على هذا، يجب أن نبيِّن أن طريقتنا في الجمع بين مثل تلك الثقافات يمكن أن تفيد عامة الناس الأنجلو-أمريكيين. ومن أجل الحصول على الاعتراف بي كفاعلة ثقافيًّا، يجب أن أبيِّن كيف أستطيع أن أكون لاتينية وأمريكية شمالية معًا؛ ذلك أنني يمكنني التناوب بين هاتين الهُويتين، وفي المواقف القومية الضيِّقة المحكمة، أستطيع أن أنجز، فأجعل صوتي الأمريكي الشمالي يغطي تمامًا على صوتي اللاتيني، إذا دعت الحاجة إلى ذلك. أما نظيرتي البيضاء، الأنجلو-أمريكية، فليس مطلوبًا منها إنجاز مثل هذا الفعل الاستثنائي فيما يتعلَّق بخلفيتها الثقافية. ليس لزامًا عليها أن تمحو خلفيتها الثقافية الأنجلو-أمريكية لكي تكون عضوة شرعية في مجتمع أمريكا الشمالية. إذا كانت آتية بخلفيات الطبقة العاملة، ربما وجب عليها أن تمحو خلفيتها الطبقية كي تنعم بالقبول التام في بعض شرائح المجتمع. وإذا كانت سحاقية، فلكي تكون مقبولة في بعض الجماعات ربما وجب عليها أن تُخفي ميولها الجنسية (تستبقيها سرًّا لم يحنِ الوقت لإعلانه). ولكن لكي تحظى بالاعتراف كفاعلٍ ثقافي لا يلزمها محو خلفيتها الأنجلو-أمريكية في حدِّ ذاتها أو التخفيف من وطأتها. وفضلًا عن هذا، لا يلزمها قبل أن يتم قبولها كمشاركٍ مهم في المجتمع وفي الثقافة أن تقوم بربط خلفيتها الثقافية بالخلفيات الثقافية لشعوب الشرق الأوسط مثلًا أو الشعوب الآسيوية أو الأفريقية أو شعوب أمريكا اللاتينية. وإذا كانت يهودية، سوف تواجه مشاكل معينة على قدر ما تكون بعيدة عن الاستيعاب الكامل في التقاليد الأوروبية الغربية الأنجلو-أمريكية البروتستانتية.
وبالعود إلى مشكلة المرأة اللاتينية الناجحة ثقافيًّا، يمكن أن نلاحظ ظاهرةً مثيرة للاهتمام. فحينما أكون قادرة على أن أنجز بطريقةٍ متميزة فعلة تمثيل ثقافتي في سياق الثقافة الأنجلو-أمريكية المهيمنة، فلن يعتبروني مجرد حاملة لمعالم «الآخر» ثقافيًّا. وهذا الأمر في مصلحتي، فقد بات يُنظر إليَّ كناقلةٍ منجزة وعليمة بالثقافات. وبهذه المقدرة اكتسبت منزلةً خاصة في الجماعة، نزحتُ بعيدًا عن الموقع «المتأصل» للآخر. وإلى حدٍّ ما علوت على الموقع المستهدف للمرأة اللاتينية، وطالبت بموقعي كفاعلةٍ ثقافيًّا بلغةٍ تعترف بها الجماعة الثقافية المهيمنة. ولكن لكي أفعل هذا، أحتاج إلى الاعتراف بي في لغة الثقافة المهيمنة وفي مناوراتها الإبستمولوجية، وهي الثقافة ذاتها التي تضع لي في خبرات حياتها اليومية مَعلمًا يميزني كآخر ثقافيًّا، آخر سواها. لقد أصبحت ذاتًا منقسمة من وجهة النظر الثقافية، وبالمثل تمامًا من وجهة نظر التحليل النفسي. إنني أتصرف بوصفي «أنا ذاتي» (بما لديَّ من معنًى انعكاسي للأنا، فهذه «الأنا» تتضمَّن نشأتي المبكرة في كوبا وقد ترعرعت عنها)، فيما تضعني بيئتي الاجتماعية-الثقافية الأنجلو-أمريكية غالبًا ﮐ «آخر». وكبديلٍ لهذا، حين أؤدي على مستوى الخطاب دَور المتحدث المنظِّر من ثقافةٍ مهيمنة، فسوف يعترف بي كفاعلٍ حقيقي في عالمٍ فعلي.
لا يزال ثمة شيء ما ذو أهمية أساسية ومفقود في الاعتراف بي المذكور أخيرًا (وهو في الواقع بَخْسٌ لِقيمتي). إن مُحاوري يخفق في التعرف مجددًا على شيءٍ ما، وهو أنه حين يكون صوت اختلافي الثقافي هو الذي يرسم حدود قدرتي على التحدث فسوف يكون لذلك تأثيره فيما أقوله كاستجابة. وحينما يشعر المرء بالرفض، تتغير مساراته فجأة. إن جاز التعبير، ويدخل في الخطاب السائد، من دون أن يفوته إدراك ما جرى فقدانه. ليس الذي يتعرف عليه محاوري هو ما أردته أنا أن يعرفه — هذا حث للتواصل بين الرؤى والبصائر أتقدم به من وجهة نظر الاختلاف الثقافي — بل يعرف فقط قدرتي على الولوج إلى موقعٍ على المستوى المطلوب للحديث الأنجلو-أمريكي، موقع يوجد في توترات التفاوض مع الذي يختلف عني ثقافيًّا، في مغزى انعكاسٍ ذاتي. بعبارةٍ أخرى، توجد السرديات المحلية العمدة في توترٍ مع ما تعرفه المرأة اللاتينية ويمر بخبرتها، والسابق يقضي على اللاحق. ولهذا السبب تجدني في بعض الأحيان، حين يستجيب لي أحد المحاورين (لنقل مثلًا، في المكتب) بالإشارة إلى الأنا الذي أشخصه هنالك بوصفي ذاتًا متحدثة، أخرج بانطباعٍ بأن هذا الزميل لا يتحدَّث معي إطلاقًا؛ ذلك أن محاوري افتقد شيئًا ما؛ لأن «الأنا» التي هي مختلفة ثقافيًّا مجهولة ومفصولة ويُتغاضى عنها.
وهذه النوعية من الخبرة الشخصية المذكورة سابقًا ربما كان لي أن أستأنفها فأقدِّر على أساسٍ منها موقف التواصل والحوار بين النساء شمال الحدود وجنوبها، وكيف يرى المرء أن الجماعات التي تخندقت داخل قيمها الخاصة، ولديها القدرة على تجاهل قيم الجماعات الأخرى، يصعب عليها أن تصل إلى أي فهمٍ ملائم للغيرية الثقافية. وسبب هذا أن أهل الثقافات المختلفة لا يتحدثون اللغة «الثقافية» ذاتها ولا يتقاسمون التصور ذاته للنظام الثقافي. كان ينبغي على علم الأنثروبولوجيا أن يتعامل مع مسألة اللامقايسة الثقافية على مدى فترة طويلة. لماذا يصعب على الفلسفة أن تتفهَّم وتستوعب هذا المغزى للامقايسة؟ كثيرًا ما يتعلَّم الفلاسفة أن الأطروحات الفلسفية يمكن عرضها بلغةٍ تقع أساسًا خارج الحدود الثقافية. وهذه الحركة التي تصبغ الفلسفة بالصبغة الماهوية تتطلَّب ترسانة مدججة بالمفاهيم لبسط الحماية العسكرية على حدود دولتها، بما يشبه كثيرًا حراس الحدود الذين تستأجرهم الحكومات من أجل استبقاء الأغيار خارج حدودها. ولكن أوَليست اللغة المستخدمة لبسط الأطروحات الفلسفية — حتى أكثر اللغات صوريةً وتجريدًا — إنما هي جزء من ثقافة؟ أليست تصوراتنا للأخلاق وللعقل وللفلسفة جزءًا من ثقافة؟ لعلَّه ينبغي علينا أن نعرض هذه المسألة بطريقةٍ مختلفة. ربما يعترف الفلاسفة بأن اللامقايسة توجد بين التكوينات الثقافية المختلفة، وأنها سوف تُعرقل تخطيط أشكال الخطاب الثقافي التي قد تبدو مختلفة تمامًا على قدر ما هي جميعًا متناظرة تناظرًا مكتملًا. تكمن المساجلة فيما إذا كان ينبغي ترسيم مثل هذه العناصر اللامتقايسة بوصفها ضمن ما هو غير ذي صلة بالمعنى الفلسفي وبالمعرفة الفلسفية؛ وبالتالي غير ذي صِلة بعمليات التعقُّل؛ أم أننا يجب أن ننظر إلى العناصر اللامتقايسة، كما أقترح أنا، بوصفها جزءًا لا يتجزأ من عمليات التعقل ذاتها.
في رأيي، ينبغي أن ننظر إلى الخطاب (العقلي) العابر للثقافات بوصفه خطابًا ترسم حدوده ومعالمه عناصرُ الاختلاف الثقافي تلك التي أسميتها عناصر لا متقايسة. أمَّا أن الدخلاء مِمَّن هم خارج الثقافة المعينة لا يستطيعون أبدًا الإمساك بجمع اليدين على عناصر الاختلاف الثقافي تلك بمعناها المتأصل في الثقافة الداخلية؛ فذلك على أي حال، أمرٌ ينبغي ألا يؤخذ بوصفه علامة على أنها عناصر غير ذات صِلة بتفهُّم الاختلاف الثقافي. العكس تمامًا هو الصحيح؛ ينطوي التواصل، بما في ذلك التواصل العابر للثقافات، على جانبين، غالبًا ما يتم تجاهل ثانيهما: الأول هو أن المرء ينبغي أن يفهم ما يقال، والثاني هو أن المرء ينبغي أن يربط ما يقال بطائفةٍ معقدة من الكلمات الدالة، مشيرًا إلى ذلك الذي بقي دون أن يقال أو معيِّنًا إياه بشكلٍ ما. إن مبدأ اللامقايسة في الحوار العابر للثقافات يصادر على أهميته الكبيرة بسبب هذا الديالكتيك (مفتوح النهايات) بالغ الأهمية بين الذي قيل وما لم يقل.
أساسًا يقول المتكلم من الثقافة المهيمنة: ليكن التواصل معي كليةً في حدود ما أتوقعه، فلست أهتم بما يتجاوز ذلك. ويجب أن يشير المبدأ الأخلاقي للغيرية الثقافية إلى عدم كفاءة مثل هذا المتحدث للانخراط في المحادثة والحوار العابر للثقافات، وكذلك في الحوار الثقافي الداخلي. ومع ذلك، فإنه تبعًا للقواعد المتَّفق عليها في ثقافته هو، فإن المتكلم المهيمن قد لا يفهم البتة أنه يقوم بإسكات الآخر المختلف ثقافيًّا؛ لأنه لم يحدث له أبدًا أن فكَّر في أن التواصل العابر للثقافات يتضمَّن عناصر مهمة وإن كانت لا متقايسة. وبدلًا من ذلك قد يكون على وعيٍ بمثل هذه العناصر اللامتقايسة، ولكنه يولي اهتمامًا خاصًّا بها فقط عندما يكون التباين بين الثقافات منطويًا على قطبيةٍ قوية، كما في حالة الثقافات الآسيوية أو الأفريقية في مقابل الثقافة الأنجلو-أمريكية. في هذه الحالة أيضًا، لن يسمع أحدٌ رسالة المرأة اللاتينية التابعة؛ لأن مجاورتها للغرب واقترابها منه يقضيان بإقصائها عن صورة ذلك الآخر الأبعد ثقافيًّا والتي أُضيفت إليها صبغة رومانسية جديدة.
ويتعيَّن على أولئك الذين يتحدَّثون لغة الثقافة المهيمنة ألا يقْصروا معنى العبارات فقط على تلك المعاني المتاحة لهم. ولنفترض أنه يمكن رسم خريطة لتصريحات الآخر المختلف ثقافيًّا وفقًا لثلاث مقولات — المفهومة فعلًا، والتي يصعب فهمها، واللامتقايسة حقًّا — فلا ينبغي أبدًا قصر مجال التواصل على مستوى المقولة الأولى فقط، بل ينبغي بذل الجهد ليتطرق التفهم إلى المجالين الآخرين. على سبيل المثال، إذا أحدثت امرأةٌ لاتينية تغييرًا في الترتيب البنائي المعتاد للكلمات كما يستخدمه المتحدثون بالإنجليزية، وأيضًا إذا كانت تتحدث بلكنةٍ ثقيلة، فإن هذين العاملين يجعلان من الصعب على المتحدث بالإنجليزية كلغته الأم أن يفهم ما تقوله. وعلى أية حال، من الممكن مع بذل شيء من الجهد التوصُّل إلى فَهْم ما يقال، إذا كان ثمة العزم على تصويب الانتباه وعلى الانخراط في متابعة ما ينطقون به. ولسوء الحظ، أرى حالاتٍ متكررة لمعاملة المرأة اللاتينية كما لو كانت تتحدث هراءً، فقط بسبب لكنتها، أو بنية الجملة لديها؛ ولأن مفرداتها ربما تختلف عن الاستخدام العادي للغة الإنجليزية. وبدلًا من متابعة الجهد في الاستماع لما تقوله الأخرى، فإن المتحدثة باللغة كلسانها الأم سوف تعامل المتحدثة بها التي ليست هكذا كما لو كانت ناقصة الكفاءة اللغوية أو العقلية. ومن مُدرَكٍ مفاده أنني «لا أفهم توًّا ما يقوله الآخر»، يخرج المتحدث المهيمن باستنتاجٍ فاسد مفاده: «الآخر غير كفء»، «الآخر لا ينتمي إلى هذا المكان»، وهلمَّ جرًّا. وكما تُبين هذه الممارسة النمطية، فإن هذا الهبوط ﺑ «الآخر» المختلف ثقافيًّا إلى وضع التبعية، يمكن تشخيصه في حدِّ ذاته بأنه نقصان في الثقافة. والحق أن تحيزًا ثقافيًّا على هذه الشاكلة يدلُّ على عجزٍ ثقافي من قِبل الثقافة المهيمنة.
(٣) المرأة ﮐ «آخر» بالنسبة لامرأةٍ أخرى
وينقلب وضع المصطلحات في السياسات المناهضة للإمبريالية. يتَّخذ المعتدون الشماليون والغربيون منزلةً ثقافية أدنى بينما تُزجى التحية للثقافات الجنوبية والشرقية. وحين تفشل النظرية النسوية الغربية في أن تأخذ في حسبانها مسائل الاستعمارية والإمبريالية، فسوف تتمثل المحصلة الخطيرة في أن النساء من الثقافات الشرقية والجنوبية سوف يرين في النسوية معلمًا من معالم الاستعمار الغربي. في هذه الحالة سترتبط النسوية ارتباطًا رمزيًّا بالحداثة الغربية (الرأسمالية) ولن تنفصل عن قيمها. وعلى النقيض من هذا، إذا نظرنا إلى النسوية بوصفها حركةً لنساءٍ من بقاعٍ مختلفة من العالم يجتمعن معًا ويوحدن قواهن للتغلب على القهر السياسي والاقتصادي والجنوسي، فإن هذه الحركة التحريرية سوف تغدو هي المعيار، و«الآخر» من يقف خارج هذه الحركة أو يناوئها.
كان المشروع الاستعماري الغربي وتأثيره على أمريكا من نوعيةٍ لا سبيل إلى أن تتفهَّم التباين بين الثقافات الغربية وغير الغربية بطريقةٍ مسئولة أخلاقيًّا، طريقة متبادلة. يعرض غزو الأمريكتين طريقةً لا تبادلية لتفسير الاختلافات بين الثقافات والشعوب الغربية وغير الغربية. إن القوى التي استُعمرت واستُعبدت هم بشرٌ جاءهم من حكموا عليهم بأنهم «أقل تقدمًا» بالمصطلحات الغربية الأوروبية. لقد تغير التركيب العرقي للأمريكتين منذ الغزو والاستعمار، فيما تُلِحُّ مشكلة انتشار النظرة إلى أولئك الذين لم يبلغوا مستوى التقدم المادي للغرب على أنهم في منزلةٍ أدنى. وبعد الغزو بأكثر من خمسمائة عام أصبح المهاجر المكسيكي الذي يطرق أبواب كاليفورنيا والمهاجر من هاييتي إلى جنوب فلوريدا، في مرمى تأثيراتٍ تاريخية مجتمعة من التحيزات الاستعمارية والعرقية واللغوية والجنوسية حيثما تنطبق.
هل يمكن للنسوية الغربية المعاصرة أن تتبرأ من القوى التاريخية للاستعمارية الغربية ومما تفضي إليه من محوٍ للآخر؟ ما هي نقاط الالتقاء الآن بين النسويات من الأقطار النامية والنسوية الغربية؟ والمقاربة النامية حديثًا للمذاهب النسوية بعد-الاستعمارية، هل تتَّسع للأمل في طريقٍ جديد للنظر إلى الأشياء؟
(٤) المذاهب النسوية بعد-الاستعمارية
حينما نعطي طفلة اسمًا، وليكن مثلًا كارولين، لا نخبرها أن الثقافة التي أعطتها هذا الاسم ثقافة لها تاريخ من استعمار الشعوب الأخرى وفرض قيمها عليهم. تنطوي العملية النفسية للتفكيك على انتزاع جينالوجيا اسم المرء، هُويته، من أصول ارتباطها بالثقافة الاستعمارية الموروثة. يجب أن يتعلَّم المرء أن الإنسان قد لا يكون هو ذاته من دون علاقة بالآخر، وأن مثل هذه العلاقة في صورتها المثلى ينبغي ألا تُرَصَّع بآيات الظلم. وبينما لا يستطيع المرء أن يجعل الزمن يعود إلى الوراء، ليمحق الميراث الاستعماري للحضارة الغربية، فإنه من الممكن إبطال فعالية هذا الميراث بشكلٍ جزئي عن طريق تأسيس ممارسات بديلة وقيم بديلة مصحوبة بالعزم على قلب تأثيرات الاستعمارية رأسًا على عقب. إن التنسيق بين عناصر متغايرة الخواص مع تشديدٍ خاص على تقويض دعائم الفهم الاستعماري للاختلاف الثقافي سيغدو الطريق البديل لبناء الهُوية من حيث ننزع إلى الإهابة بمنظورٍ بعد-استعماري أو سياقٍ بعد-استعماري.
علاوة على هذا، فكما أوضحت غاياتري سبيفاك بالمثال السديد الذي طرحته عن طريق الإشارة إلى الأسر المدينة في الهند، نجد مصالح الرأسمالية العالمية العابرة للقوميات متوارية خلف الحياد المزعوم للاستهلاك العالمي وليست محايدة-جنوسيًّا.
(٥) القوة الفاعلة النسوية وهيكلة النظام التصوري الرمزي
وإذا نظرنا إلى الظروف التي قد تمكِّن النساء على مستوى العالم من تعزيز منافعهن الخاصة، سنرى مجموعةً من المصالح القوية تنتصب ضد المرأة. هناك الأصوليات الدينية المكينة في جميع أنحاء العالم وفي مختلف الثقافات، وهي تسعى إلى أن تحدد للنساء ما هو خيرٌ لهن وما ينبغي عليهنَّ فعله بلغةٍ قاطعة مطلقة. وأيضًا يضع الأصوليون تعريفات لمعنى «الأمة» و«الأسرة» بلغةٍ قاطعة، ويرفعون من شأن التضحية بالنفس وأحيانًا الحرب، بينما يمنعون المتأثرين بهذه الأيديولوجيات من أن يتصرفوا وفقًا لما يرغبون في فعله من أجل تحقيق الذات ومن أجل السعادة. وعلاوة على هذا، تخرج بعض الحكومات والمؤسسات الخاصة بمكاسب مادية هائلة من عمل المرأة رخيص الأجر ومن الأدوار التقليدية للمرأة في رعاية الأسرة. ثمة قوى في المجتمع تستفيد من أن ينتهي المآل بالمرأة إلى البغاء، أو أن تبقى أُمِّيَّة، أو ملزمة بظروفٍ اجتماعية منذ صباها فصاعدًا تُخضعها للعنف والانتهاك المتكررين. ولا يبدو أن ثمة شيئًا يمكن أن يكون حميدًا أكثر من أخلاقياتٍ نسوية عالمية موضوعة من أجل تحديد وتصويب مثل هذه المشكلات. وكيفية إجراء هذا تتطلب، على أية حال، إعادة التفكير بشكلٍ حذر واعٍ في كيفية استخدام مفاهيم الجنوسة والهُوية والقمع.
يحتاج التفكير الأخلاقي النسوي، فيما أرى، إلى أن يكون «تفاوضيًّا» بشكلٍ عابر للثقافات. يمكن ممارسة مثل هذه المفاوضات عن طريق الأفراد ليتناولوا كل حالةٍ على حدة، أو بشكلٍ جمعي عن طريق جماعات. إن مثول اتحادات بين الناس بمثل هذا التنوع يعطينا شيئًا من الأمل في أن التواصل الفعَّال العابر للثقافات المشتبك بالتفاصيل الصغرى في حيوات الشعوب ليس ضربًا من الخيال اليوتوبي. بَيد أن الناس في الاتحادات المختلطة القائمة على المساواة، مقارنةً بممارسات الثقافة المهيمنة على الثقافات التابعة، لديهم دوافع قوية لكي يتفهَّم بعضهم بعضًا، وكذلك للتواصل بعضهم مع بعضٍ من أجل تعميق وتعضيد التفاهم بينهم. أمثال هؤلاء الناس يلزمون أنفسهم بأساليب للحياة، حيث إعطاء المهلة للمرء لكي يصل إلى رحاب الآخر، وكذلك إفساح المجال لاختلافات الآخر، كجزءٍ لا يتجزأ من صميم نسيج الوجود اليومي، ليس مفروضًا من الخارج ولا هو يحدث عرضًا. وأيضًا نفترض أن الناس في الاتحادات المختلطة لديهم الخبرة الإيجابية لاتحادهم إلى الحد الذي يجعلهم يفضلون تأكيد ما يظل لا متقايسًا في آفاقهم الثقافية المنفصلة، هذا بدلًا من منع الآخر من الدخول في حياتهم ومشاعرهم الحميمة. ولا شك في أن الأفراد الذين يعيشون أو يعملون بنجاحٍ مع آخرين مختلفين ثقافيًّا هم ذوو مهارة عالية في التواصل، يصنعون استخدامًا أمثل لفرص المشاغل التفاعلية العابرة للثقافات. يضع المنظور النسوي بعد-الاستعماري في بؤرته الساطعة هذه الحقائق التفاعلية، عاملًا على تفكيك ثنائية النماذج الإرشادية للأنا-الآخر، حيث يطرح كلٌّ من الطرفين دعاوى من أجل الاستبعاد المتبادل أو من أجل عالمين متساويين لكنهما منفصلان.
وإني لأعتقد أن النسوية الغربية من دون تبنِّيها لمنظورٍ بعد-استعماري انفتاحي لا يمكنها أن تصل إلى نقطة النضج في عصرنا هذا الذي هو عصر المخاطرات العالمية العابرة للقوميات والذي يحمل معالم هجرة الشتات. وإذا تبنَّت هذا المنظور، سوف ننأى بهوياتنا عن التصور الكلاني للثقافة ونصل إلى النقطة التي نرى فيها أنفسنا موضوعات للاختلاف الثقافي. يحتاج الغرب إلى أن يتعلَّم كيف يخرج من إسار خطاه الاستعمارية ويبدأ في مواجهة واقع البيئة التابعة له وثقافات الشعوب التي حرمها من حقوقها، ولا يزال يعمل على حرمانها. إنه تحدٍّ عسير مطروح أمامنا، لكنه ليس مهمة مستحيلة. ولهذا يتواصل الكفاح.