الفصل الثامن
المواقع واللغات: التشيكانيات يُنَظِّرن للمذاهب النسوية
آيدا أورتادو
المذاهب النسوية التشيكانية، كهيكلٍ من الأعمال، تتقدم بإطارٍ نظري رائع ينبع
منها ليعزز النظرية النسوية ككل.
آيدا أورتادو
أخرجت الكاتبات النسويات التشيكانيات كتابات فصيحة حقًّا عن ظروف النساء في مجتمعاتهن
المحلية. كثيرات منهن انضممن إلى صفوف حركات سياسية مختلفة وكن مساهمات فيها. وبفعل هذه
الممارسات باتت تنظيراتهنَّ مفعمة بتأثيراتٍ شتى جعلتهنَّ يماثلن المنظرات النسويات
الأخريات لكن أيضًا مختلفات عنهن. ويتقدم هذا المقال برؤيةٍ عامة للكتابات النسوية
التشيكانية وكيف تعالج السبل الإثنية المُعينة التي يعانين فيها الاضطهاد الجنوسي لهن
ولمشاريعهن للتحرير.
مقدمة
الحق أن المذاهبَ النسوية التشيكانية المعاصرة هي أطفال الحركات السياسية التقدمية
في
الولايات المتحدة الأمريكية إبان ستينيات القرن العشرين. وقد كان لحركة التشيكانيات
الناشطة من أجل قضايا المرأة تاريخ طويل، الجانب الأكبر منه غير موثق.
١ …
٢⋆ على أي حال، تبدأ الكتابة المعاصرة للتشيكانيات النسويات في صلب الموضوع
بقدرٍ ملموس أواخر الستينيات، وهي معاصرة للحركة التشيكانية، وحركة حرية التعبير وحركة
القوة السوداء وحركة الأمريكيين-الآسيويين وحركة الحقوق المدنية، والحركات التقدمية
الأخرى في ذلك الوقت. وعلى خلاف أعضاء الحركات التقدمية الأخرى (وأغلبهم ذكور)
(
Martínez, 1989) ساهم العديد من النسويات
التشيكانيات (كما يفعل النسويون ذوو البشرة الملونة الآخرون) في الوقت نفسه في أكثر من
واحدةٍ من تلك الحركات، وذلك تحديدًا بسبب انتمائهنَّ لجماعةٍ موصومة وتعددية من حيث
الطبقة والعرق/الإثنية والجنوسة والجنس (
Sandoval 1990: Segura and
Pesquera 1992, Pesquera and Segura 1993)
٣ تشيكانيات كثيرات شاركن في حركاتٍ سياسية تقدمية يحدوهنَّ الأمل في أن تكون
مسائل المرأة من مقاصد تلك الحركات — وهو توقع تقاسمته كثيرات من النساء الناشطات
سياسيًّا إبَّان الستينيات. كما تشاركن أيضًا في خيبة الأمل، حين اكتشفن أن رفاقهنَّ
في
النضال، من الرجال والنساء معًا، لا يرون الجنوسة من الضروري أن تكون مركزية في الأجندة
السياسية أو أساسية، في تحليلات الاضطهاد (
Garcia 1989, Segura and
Pesquera 1992; Pesquera and Segura 1993).
تولَّدت مذاهب النسويات التشيكانيات عن أفعال المقاطعة، خصوصًا مقاطعة حركة
التشيكانيين؛ وذلك من أجل خلق فضاء لمقاومة النظام البطريركي بشكلٍ عام والنظام
البطريركي في جماعاتهن الخاصة الإثنية/العرقية (Garcia
1989). تمثل المقاطعة، وهي رأس الحربة في المواجهة، واحدة من أقوى
الوسائل التي استخدمتها النسويات التشيكانيات من أجل طرح مسائلهن في الأجندة
السياسية.
نسويات تشيكانيات كثيرات قاطعن كلَّ الحركات التي شاركن فيها: إذا عملن داخل حركة
التشيكانيين، فسوف يجادلن من أجل قضايا المرأة (
Segura and Pesquera
1992, 78)، أما إذا عملن مع النسويات البيض فسوف يجادلن من أجل ضم
قضايا الإثنية/العرق (
Sandoval 1990)، وإذا عملن مع
منظمات المرأة التشيكانية فسوف يجادلن من أجل ضم السحاقيات والمثليين
(
Pesquera and Segura 1993, 107). والأمر كما
أوجزته كُرْدُبا:
٤⋆ تكتب التشيكانيات ما يعارض التمثيلات الرمزية لحركة التشيكانيين التي لم
تشملهنَّ. وتكتب التشيكانيات ما يعارض الخطاب النسوي السائد الذي يضع الجنوسة في موضع
المتغير المنفصل عن متغيرات العرق والطبقة. وتكتب التشيكانيات ما يعارض الأكاديميين،
سواء من التيار السائد أو من تيار ما بعد الحداثة، وهم لم يعترفوا بهن أبدًا اعترافًا
كاملًا كذواتٍ وقوى فاعلة ناشطة (١٩٩٤، ١٩٤). بعبارةٍ أخرى، الخاصة المميزة للنسويات
التشيكانيات هي إيجاد ما هو غائب ومستبعد ويخضن في الجدل من هذا المنطلق
(
Collins 1991).
كاتبات المذاهب النسوية التشيكانية ألهمهن اشتراكهن في أكثر من حركةٍ سياسية، وهذا
أفاد دراساتهن وإنتاجهنَّ الفني بتفادي تجانس زائف عن طريق التعبير عن وضعهنَّ كنساءٍ
ومثليات وعضوات في جماعاتٍ إثنية/عرقية وغالبًا كعضواتٍ في الطبقة العاملة
(Sandoval 1991, Pérez 1998). لقد تصدَّين
لتنوعهنَّ الداخلي وسبقن في هذا جماعات أخرى كثيرة (Zavella
1994)، تشمل حركة النساء البيض المعاصرة. بعبارةٍ أخرى، اعترفن
بأنهنَّ مذاهب نسوية عديدة (Pesquera and Segura 1993).
وفي الوقت نفسه، ارتفعت أصواتهنَّ المقاطعة في سياق التعاون والتحالف السياسي مع حركاتٍ
تقدمية مختلفة، مثل المذاهب النسوية في العالم الثالث والنسوية البيضاء وحركة
التشيكانيين والحركات الاشتراكية/الماركسية، والحركات الثورية في المقام الأول في
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (بورتوريكو وكوبا).
يوجز المقال إسهامات النسويات التشيكانيات، الباحثات الدارسات والكاتبات المبدعات
والفنانات، في صُنع تنظير للتبعية الجنوسية وإرساء أسس التحرير. لا يهدف هذا الاستعراض
لجهودهن إلى أن يكون شاملًا، بل يركز بصفةٍ أولية على الكتابات في السنوات القليلة
الماضية؛ لأنها كتابات استفادت أكثر من الدراسات النسوية وبالمثل من الدراسات التقدمية
الأخرى. وأيضًا تقدَّمت الدارسات التشيكانيات بتحليلاتٍ رائعة للكتابات التي خرجت منذ
السبعينيات حتى بواكير التسعينيات (Garcia 1989, 1997; Segura and
Pesquera 1992; Pesquera and Segura 1993; Córdova 1994). يوجد
الآن هيكل ضخم من مؤلفات النسوية التشيكانية، ويمكن أن يغذي تنظيرنا لظروف التشيكانيات،
وبالمثل تمامًا ظروف النساء جميعًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
(١) مناهج للتنظير
النسويات التشيكانيات مثل كل الدراسات النسوية، اجتهدن في المناهج التي تتفادى محو
أصوات النساء. طورن مناهج عديدة تماثل تلك المناهج التي تطورت بفعل دراسات نسويات
أخريات. ومع هذا، تختلف النسويات التشيكانيات عن النسويات البيض والأمريكيات/الأفارقة
في الدعوة بقوةٍ إلى متغيراتٍ مختلفة في اللغة الإسبانية واستخدامها من أجل تصعيد
استيعاب النساء جميعًا. لا تزال اللغة الإسبانية اللغة الأم لتشيكانياتٍ كثيرات، وهي
أمرٌ حاسم في صون الثقافة التشيكانية، ويمكن في بعض الأحيان أن تفيد وهي تحتويها لتدين
قسوة العالم الخارجي.
٥ أما بالنسبة إلى تشيكانياتٍ أخريات، لم يعدن يتحدثن الإسبانية، فإن إعادة
اكتساب اللغة يمثل فعلًا من أفعال السياسة (
Cervantes 1981, 45–47;
Moraga 1983, 55, Zavella 1994, 208)
٦ وها هي ذي التشيكانية ماريسلا نورت
Marisela
Norte، فنانة الكلمة المنطوقة، تشرح لنا كيف تكتب وهي تركب الحافلة
من شرق لوس أنجيلوس (وهذه منطقة التشيكان أغلبية فيها) إلى المكتب الذي تعمل فيه بوسط
المدينة.
٧ يعكس فنها صورًا تتقاطر أمامها من نافذة الحافلة. «أستطيع أن أكتب بارتياحٍ
حتى يأتي أحدهم لينظر من فوق أكتافي ويشرع في قراءة هذا الذي أكتبه. وهكذا حين أشرع في
التبديل بين اللغتين يتوقف هذا على من يجلس بجواري» (
González and
Habell-Pallan 1994, 94)، الإسبانية أيضًا هي لغة الألفة الحميمة
ولغة المقاومة، كثيراتٌ من النسويات التشيكانيات يتحولن إلى استخدام الرموز الإسبانية
من أجل خلق فضاء للمرأة وللخطاب، أو باقتباس تعبير إما بيريث
Emma
Pérez نقول خلق فضاء للمواقع واللغات
sitios y
lenguas٨⋆ (١٩٩٣).
تستخدم النسويات التشيكانيات مناهج تتضمَّن التاريخ الشفاهي، بالإضافة إلى استخدام
متغيرات مختلفة من اللغة الإسبانية (
Ruiz, 1987, 1998; Romero 1992;
Zavella 1997b; Pesquera 1997; Segura 1997)، والإنتاج الإبداعي من
قبيل الشعر والأداء المسرحي والرسم والرقص والموسيقى (
Baca 1990, 1993;
Cisneros 1994; Cantú 1995; Pérez 1996; Mora 1997)، وتوثيق
الإنتاج الإبداعي كشاهدٍ على النزعة النسوية (
Broyles 1986, 1989, 1994;
Yarbro-Bejarno 1985, 1986, 1991; Segura and Pesquera 1992; Pesquera and Segura
1993)، وأشكال مختلفة من الارتباطات بين هذه الأدوات جميعًا. تتضمن
الأمثلة استخدام الكتابة الإبداعية لرؤية التشيكانيات بوصفهنَّ «إثنوغرافيات»
٩⋆ من فئةٍ خاصة بهن» (
Quintana 1989, 189,
1996)، واستخدام الأساطير مثل تلك التي اقترحها دريك بيل …
١٠⋆ وأتباعه (
Hurtado 1996a, 133)، والمقالات
التي تمتدُّ على طول كتاب وترتكن على الأدبيات المتعددة التخصصات لتسلط الضوء إلى أحوال
التشيكانيات (
Castillo 1995)، والمختارات المتعددة
التخصصات القائمة على المزج بين الأنواع الأدبية (
Moraga and Anzaldúa
1981, Moraga, 1983; Anzaldúa 1987, 1990; Del Castillo 1990; Trujillo 1991, 1998;
Alarcón et al. 6) (1993, De la Torre and Pesquera,
1993)
١١ وكما تدعو سونيا سالديبر-أول
Sonia
Saldívar-Hull، «علينا البحث عن مواضع غير تقليدية من أجل
نظرياتنا: في تمهيداتٍ للمختارات، في فجواتٍ بالسِّير الذاتية، في مصنوعات ثقافتنا
الفنية، وفي قصصنا
cuentos. وإذا كنا محظوظات نستطيع
الوصول إلى مكتباتٍ جيدة، وفي المقالات المنشورة بجرائد هامشية لا تقوم المؤسسات
المسيطرة بتوزيعها على نطاقٍ واسع» (١٩٩١، ٢٠٦). وبصرف النظر عن المنهج، يجري الاجتهاد
في توثيق تعقيدات ظروف التشيكانيات، التي تتأثر كثيرًا بجنوستهن، ولكن لا تستقل عن
الشروط المادية التاريخية الأخرى.
من الناحيتين المنهجية والفلسفية، تعمل أغلبية الكاتبات النسويات التشيكانيات على
الاستثمار الجيد لتمييز أنفسهن عن نسويات الطبقة الوسطى البيض (4-Cotera
1977; Saldívar-Hull 1991, 203 Segura and Pesquera 1992; Pesquera and Segura
1993)، معظم المنظِّرات التشيكانيات لم يدَّعين أبدًا انخراطًا
مسلمًا به في صفوف مذاهب النسوية البيضاء، على الرغم من أنهن حددن مساحات للالتقاء
(Segura and Pesquera 1992; Pesquera and Segura 1993; Segura and
Pierce 1993; Cuadraz and Pierce 1994) وللتحالفات السياسية
(43-Hurtado 1996a, 41). مثلًا، تقوم سيغورا وبيرثي
(Segura and Pierce 1993) بتحليل كيف ينطبق أو لا
ينطبق عمل نانسي تشادورو Nancy Chodorow على الأسرة
التشيكانية، وتصف كوادراث وبيرثي (١٩٩٤) تجاربهما في رحلةٍ خلال برنامج للنخبة من
الخريجين بشكلٍ لاذع، يتضمن التشابه بسبب خلفيات الطبقة العاملة والجنوسة، والاختلاف
بسبب العرق/الإثنية. وتستكشف أورتادو Hurtado (1996a)
اختلاف العلاقات مع الرجال البيض بين النساء الملونات والنساء البيض. وتدرس سيغورا
وبيسكيرا Segura and Pesquera (1992) تصورات
التشيكانيات ذوات التعليم العالي ووظائف الياقات البيضاء (Pesquera and
Segura 1993) تجاه حركة النسوية البيضاء.
كثيراتٌ من النسويات التشيكانيات ملتزمات بأن يبقين على الولاء لجذور كفاحهن النسوي
في الطبقة العاملة (Anzaldúa 1987; Gómez et. al. 1983; Saldívar-Hull
1991, 204)، ولكنهنَّ في الوقت ذاته يواجهن توترًا متأصلًا بين
الالتزام بهذا الكفاح والامتيازات الخاصة بهن (Zavella 1994,
208). وعلى الرغم من أن العديد من النسويات التشيكانيات يفصحن عن
أصولهن في الطبقة العاملة (Cervantes Zavella 1994, 1981–5, 45;
Anzaldúa 1987; Romero 1992, 4, Trujillo 1997, 268, 84–Hunado 1996b, 383,
207-8، أولئك ضمن أخريات) فإنهن بوصفهن كاتبات وأكاديميات وفنانات
ناجحات قد تبوأن منزلةً اجتماعية أعلى من تلك الدوائر التي يكتبن عنها. ومع هذا، يستخدم
العديد من أولئك الكاتبات بذكاءٍ شديد التوتر بين منزلة الطبقة التي بلغنها والمنزلة
الطبقية للدوائر التي التزمن بها؛ وذلك من أجل مقاطعة الاستكانة وقبول الأوضاع ولدفع
العمل السياسي الملموس. مثلًا، جوديث باكا Judith Baca
رسامة ناجحة وفنانة جداريات تجند شبابًا (بعضهم كانوا أعضاء في عصابات) في منطقة شرق
لوس أنجلوس للمساعدة في رسم الجداريات، وبهذا تمد جسورًا بين موضوعات إنتاجها الإبداعي
ومشاركة مواطنين في تلك الموضوعات (Neumaier 1990,
261). وبالمثل ثمة كاتبات مبدعات مثل ساندرا ثيسنيروس
Sandra Cisneros وإلبا سنتشيز Elba
Sanchez وغلوريا آنزالدوا (ضمن أخريات) معروفات بعملهن مع طلاب
المدارس العليا في المجتمعات المحلية التي يغلب فيها وجود التشيكانيين لعرض إنتاجهنَّ
الإبداعي على المجتمعات المحلية التي يكتبن عنها. وبصرف النظر عن الأصول الطبقية
للنسويات التشيكانيات، وما أحرزنه من وضعٍ طبقي راهن، فإن لديهن التزامًا متينًا بقضايا
الطبقة العاملة.
أنتجت النسويات التشيكانيات حصادًا أدبيًّا متنوعًا بقدر تنوع النساء اللائي يسعين
إلى وصفهن ووضع النظريات حولهن، ويكتبن من منظوراتٍ تخصصية بينية في محاولةٍ لاستيعاب
التنوع في المجتمعات المحلية التشيكانية. وعلى الرغم من أن أغلبية التشيكانيات يعشن في
ولاياتٍ خمس في الجنوب الغربي (كاليفورنيا وتكساس وأريزونا ونيومكسيكو وكولورادو)، يمكن
أن نجد عددًا معتبرًا منهن في الوسط الغربي، خصوصًا في منطقة شيكاغو. أصول المجتمعات
المحلية التشيكانية تختلف من الحدود الجنوبية لتكساس إلى الجاليات المهاجرة في الوسط
الغربي (Zavella 1994, 1997). ومع هذا، فإن حجر الزاوية
المتمثل في خبرة التحيز الجنساني لها ديناميات شاملة معينة في هذه المجتمعات المحلية
بصرف النظر عن الاختلافات بينها. أوجه التشابه تنبع إلى حدٍّ كبير من الدعامة
الكاثوليكية للثقافة التشيكانية (Castillo 1996, Espín 1984, 151,
1997)، والتاريخ المشترك من الغزو وتبعية التشيكان في الولايات
المتحدة (Almaguer 1994). أنتج التاريخ التشيكاني
المشترك والظروف المادية المشتركة تماثلًا في الثقافة التشيكانية بالولايات المتحدة،
ولا سيما فيما يخص الأيديولوجيا والممارسة الجنوسيتين. وعلى الرغم من أن معظم
التشيكانيين من الناحية التاريخية أقاموا متجاورين في أحياء منفصلة للغاية، ثمة عدد
صغير منهم يبتعدون عن الأماكن التي يغلب فيها وجود التشيكانيين، ولكنه في عددٍ آخذ في
التزايد. واللاتي يكتبن في المذاهب النسوية التشيكانية لا يعالجن هذه الفئة من
السكان.
وعلى أي حال، فإنه على الرغم من هذا التنوع السكاني والتنوع في الكتابة هناك تقارب
في
تنظيرهن حول ظروف النساء وفي رؤاهن للتحرير. ومع ذلك كثيرًا ما نجد المرتكزات لديهنَّ
تتحدد تحددًا إثنيًّا؛ لأن جذور المذاهب النسوية التشيكانية تمتد في تاريخ التشيكان
كجماعة. إن المذاهب النسوية التشيكانية، كهيكلٍ من الأعمال، تقدم بإطارٍ نظري رائع ينبع
منها ليعزز النظرية النسوية ككل.
(٢) إسهامات المذاهب النسوية التشيكانية
التاريخ والظروف المادية كأساسٍ للوعي النسوي
كان ثمة مشروع مركزي للكثير من النسويات التشيكانيات، ألا وهو توثيق تاريخ
التشيكانيات وفضح زيف القوالب النمطية التي تُصوِّرهن بأنهنَّ غير فاعلات في النضال
السياسي (Córdova 1994, Ruiz 1998). تهتمُّ المؤرخات
التشيكانيات والعالمات الاجتماعيات منهن اهتمامًا خاصًّا بتوثيق كفاح المرأة في ميدان
العمل؛ مثلًا، في ماكيلادورا وصناعة الملابس الجاهزة (Mora and Del
Castillo 1980)، وتعليب الأطعمة (Ruiz 1987,
Zavella 1987)، والعمل في الحقول الزراعية
(Guerin-González 1994). لا يسجلن كفاح النساء
العاملات فحسب، بل أيضًا كفاح القيادات النسائية (Pesquera and Segura
1993, 97; Méndez-Negrete 1995)، ينبع التشديد على قضايا العمل
(Pesquera 1991; Romero 1992; Segura 1994; Zavella
1987) من مساهمة التشيكانيات الكثيفة في هذا المضمار، وكذلك أيضًا
من الصِّلة بين جُل أهل الدراسة والبحث في النسوية التشيكانية، والحركة التشيكانية
(Segura and Pesquera 1992).
الجانب الأكبر من كتابات النسوية التشيكانية نتج عن أفرادٍ ساهمت في حركة التشيكانو
إبان ستينيات وسبعينيات القرن العشرين
١٢ (
Segura and Pesquera 1992; Córdova 1994, 175,
188-89). يصف رامون غوتيرث (
Ramón Gutiérrez
1993) حركة التشيكان بأنها ضامة لتوحيد جهود ثيسار تشابث
César Chávez مع العمال الزراعيين والجهود الحربية
من قِبل رييس لبيث تيخرينا
Reies López Tijrina
لاستعادة السيطرة على الأراضي التي سُلبت من التشيكانيين في الجنوب الغربي من الولايات
المتحدة إبان الحرب المكسيكية-الأمريكية في العام ١٨٤٨م، والتعبئة السياسية للطلبة
التشيكان في حرم الجامعات عبر البلاد، كانت حركة ضمت الطلاب ومنظمات العمال وفلاحي
الأراضي والعاملين في الثقافة — أغلبهم شعراء ومطربون وممثلون في المسرح التشيكاني
الإقليمي. معظم اللاتي يكتبن في المذاهب النسوية التشيكانية، بغض النظر عن انتمائهن
الدراسي التخصصي، يُشرن إلى إسهامهنَّ في الحركة التشيكانية.
كانت الأسس السياسية للحركة التشيكانية هي الماركسية/الاشتراكية المفعمة بالثقافة
التشيكانية (
Gutiérrez 1993, 46). وقد انطوت على نمطٍ
من الكاثوليكية العلمانية كانت في طبيعتها ثقافية أكثر منها دينية. عرضت التشيكانيات
لمذاهب نسوية تضرب بجذورٍ عميقة في الظروف المادية للتشيكانيين ككل. والمسألة كما
طرحتها سالديبر، أن «النسوية التشيكانية» سواء من حيث النظرية أو من حيث المنهج، مشدودة
بوثاق مع «العالم المادي»، (1991، 220). تجاهر النسوية التشيكانية بأولوية الظروف
المادية وتناصر بقوة «الأساسيات» المطلوبة للوجود الإنساني، من قبيل الوظائف الملائمة
والرواتب الجيدة وظروف العمل الطيبة ورعاية الأطفال والرعاية الصحية والأمن
العام.
١٣ ومع هذا، من المهم ملاحظة أن النسوية البيضاء هي الأخرى تطالب بمثل هذه
المسائل، على أن التشديد والتأكيد يختلف إلى حدٍّ ما بالنسبة إلى الكثيرات من النسوية
التشيكانية. مثلًا، على الرغم من أن الحق في الإنجاب مركزي في أجندة النسوية البيضاء،
أكدت النسويات البيض حقَّهن في أجسادهنَّ من خلال تحديد النسل والإجهاض. وأيضًا كانت
هاتان المسألتان مركزيتين بالنسبة إلى النسويات التشيكانيات، ولكنهنَّ كنَّ بالقدر نفسه
قلقات ممَّا عانته بعض التشيكانيات من تعقيمٍ قسري وإجبار على تحديد النسل من خلال تدخل
الدولة (
Nieto 1974, Sosa Ridell 1993, 187)
١٤ في وقتٍ مبكر، في ستينيات القرن العشرين، كانت التشيكانيات يكتبن عن
التعقيم القسري (
Córdova 1994). أما التعقيم القسري
بالنسبة إلى النساء البيض فربما لم يكن مركزيًّا هكذا في كتابات النسوية البيضاء أو في
أجنداتها، وبالقطع لم يكن مركزيًّا كالحق في الإجهاض، وحتى أولئك الكاتبات النسويات
التشيكانيات اللاتي توغلن في موضوعاتٍ أكثر تجريدًا مثل التحليل النفسي
(
Pérez 1993) والدراسات الثقافية
(
Alarcòn 1996; Chabram Dinersesian 1996; Fregoso 1993; Sandoval
1991, 1998) يجاهرن دائمًا بأهمية الشروط المادية في تحرير الجنوسة
التشيكانية وتحرير المجتمعات التشيكانية بأسرها.
(٣) رأب المالينتشية ورفض الماريانية
كثيراتٌ هنَّ النسويات التشيكانيات اللاتي يرين الروابط بين تاريخ التشيكانيات في
المكسيك وتاريخ هذا البلد محورًا من محاور تنظيرهن لوضع النساء؛ مثلًا أصول التشيكانيين
من حيث هم جماعة كان في نهاية المطاف فعلًا من أفعال الحرب والغزو.
لقد تخلق التشيكانيون كجماعةٍ بفعل معاهدة غوادالوب إيدالغو Guadalupe
Hidalgo في العام ١٩٤٨م التي أنهت الحرب المكسيكية-الأمريكية. قدمت
هذه المعاهدة الصياغة الرسمية لهزيمة المكسيك وفقدانها ما يربو على خمسين في المائة من
أراضيها. وبين عشيةٍ وضحاها، بات البشر الذين يقطنون ما أصبح الجنوب الغربي من الولايات
المتحدة لهم حكومة جديدة، تستخدم لغةً مختلفة وثقافة مختلفة ولها عليهم سلطان المنتصر
(Almaguer 1971, García 1973).
وعلى أي حالٍ، لم تكن هذه أولى الخبرات بالغزو، وبالنسبة إلى المنظِّرات التشيكانيات،
يضم غزو الأمريكتين بين جنباته امرأة كشخصيةٍ محورية، ألا وهي مالينتش
La Malinche.
١٥⋆ بطبيعة الحال، لم تخترِ النسويات التشيكانيات لا مالينتش شخصية محورية في
مذاهبهن النسوية. ولكن لأن امرأة هي التي ارتكبت ما ارتُكب، فإن العديد من الكتَّاب
الذكور قد أدانوا النساء جميعًا بغوائل خيانة المكسيك الأولى (انظر
Paz
1985 كمثالٍ فائق لهذا الاتجاه). النزعات الشكية تجاه النساء لها
أصولها في التهتك الجنسي والثقافي الذي عرضته لا مالينتش. من الناحية التاريخية، لا
مالينتش، وهي امرأة، الخائنة العظمى للمكسيك. من المفترض أن لا مالينتش سهَّلت غزو
إرنان كورتيس
Hernán Cortés لإمبراطورية الأزتك بأنْ
عملت مترجمة بين الإسبان ومختلف القبائل المكسيكية. وكما تشير نورما ألاركون، «باتت
مالنتثين
Malintzín [لا مالينتش]
١٦⋆ معروفة بأنها
la lengua؛ ممَّا يعني
حرفيًّا اللسان.
١٧⋆ وكان اللسان استعارة استخدمها كورتس والمؤرخون للإشارة إلى مالنتثين
المترجمة» (١٩٨٩، ٥٩). لقد ولدت المكسيك الجديدة عن هذه الخيانة، بالمعنى المجازي
وبالمعنى الحرفي على السواء؛ لأن مالينتش تحولت إلى اعتناق الكاثوليكية وأنجبت أطفالًا
من خراميللو
Jaramillo وهو جندي من جنود هرمان كورتس.
وكما تشير إما بيريث، لم يشعر كورتس بأن مالنتثين (أي مالنتش) جديرة بالزواج؛ لأنها
كانت «الآخر، الأدنى، الأنثى المَهينة»، وحين قضى وطره منها دفع بها إلى واحدٍ من جنوده
(١٩٩٣، ٦١).
على هذا لا نندهش من انشغال كثيرات من النسويات بالمهاترات الدائرة حول لا مالينتش،
إما لكي يفتدينها ويخلصنها من الخطيئة، أو لمواساتها، أو لكي يعتمدنها بطلة نسوية
(
Alarcón 1989). على أن مالينتش ليست الشخصية
التاريخية الوحيدة التي ينشغلن بها، فقد استوعبن شخصيات تاريخية أخرى لقدرتها على ترسيم
معالم خارطة لما يمكن أن يشكل وعيًا تاريخيًّا خاصًّا بالتشيكانيات. من الأمثلة على هذا
عذراء غوادالوب
La Virgen de Guadalupe (Castillo 1996)
والأخت خوانا إينس دي لا كروث
Sor juana Inés de la Cruz (González
1990; Casper de Alba 1998) ولا يورونا
La Llorona
(Cisneros 1991; Mora 1996, 91; Viramontes 1985) وفريدا كالو
Frida Kahlo، ضمن أخريات (
Córdova
1994, 193)
١٨ هذه الشخصيات التاريخية تتشارك أيضًا في أنها التحمت بالنضال الذي يتجاوز
قضايا الجنوسة، وغالبًا في النضال من أجل العمل والثورات الاشتراكية ضد الحكومات
القمعية.
الوجه الآخر للمالينتشية هو الماريانية، أو تبجيل العذراء مريم. العذراء مريم، في
صورتها المكسيكية تحديدًا، هي عذراء غوادالوب، قدوة النسائية التشيكانية: إنها الأم،
الراعية، التي تحملت الألم والحزن، وتقدم الخدمة عن طيب خاطر (Nieto,
1974, 37). من المفترض أن التشيكانيات يحذون حذو هذه القيم ذاتها
ويطبقنها في خدمة أزواجهن وأطفالهن (175 Córdova,
1994). وعلى الرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية هي أرومة هذه القيم،
فإنها قيم مماثلة للمثل العليا التي تتمسك بها الجماعات العرقية والإثنية الأخرى، ومن
بينها بعض جماعات البيض في مجتمع الولايات المتحدة (يتبادر إلى الذهن أعضاء اليمين
المسيحي). على أي حال، كانت هذه القيم نفسها بالنسبة إلى تشيكانيين كثيرين مصدرًا
للعزاء وللقوة في محاربة العنصرية ومقاومة القمع من قِبل الجماعة المهيمنة. بات من
الصعب أن تتشكك النسويات التشيكانيات في هذه القيم أمام تفاني جحافل النساء من أجل
أسرهن، والتزام جحافل الرجال بالجانب المنوط بهم من الصفقة عن طريق العمل الشاق في
الحقول الزراعية والعمل الغشوم في المصانع وعمل الأيدي العاملة غير الماهرة بأجرٍ زهيد؛
وبالتالي أصبح التحدي الذي يواجه النسويات التشيكانيات هو نقد التحيز الجنساني المتأصل،
وفي الآن نفسه انقسام النسائية فيهن بين المالينتشية والماريانية وأن يعترفن بالعمل
الجسور لجحافل النساء والرجال الذين حاربوا للحفاظ على أسرهم في مواجهة تدخلات الدولة
العنصرية الوحشية. لم تنجح النسويات التشيكانيات دائمًا في الحفاظ على التوازن بين هذه
المسائل جميعها، ولا هن أفلحن في جعل أغلبية أعضاء المجتمع التشيكاني يرحبون بتحدياتهن،
بعض التشيكانيات لم يرين مزايا في تحدي النظام البطريركي وأخريات تهيبن من خيانة
مجتمعاتهن من خلال الارتباط بأي ذريعة نسوية (Garcia 1989,
225).
ولهذا لم يكن غريبًا، أن التشيكانيات حين تساءلن عن أدوارهن في حركة التشيكان، رآهن
الرجال والنساء معًا لا يستكفين بالانقضاض على ممارساتٍ غير متكافئة بين الجنسين بل
أيضًا يشككن في المرتكزات الكاثوليكية للثقافة التشيكانية بأسرها. ونتيجة لهذا، نجد
العديد من الرجال التشيكانيين داخل حركة التشيكان وخارجها. وبالمثل بعض النساء يصفون
الوعي النسوي التشيكاني الناشئ بأنه خيانة ويصمون النسويات التشيكانيات بأنهن «ضد
الأسرة وضد الثقافة وضد الرجال، بالتالي ضد الحركة التشيكانية»
(Nieto-Gómez, 1974, 35). ومن سخرية القدر، أن
أسماهن الرجال في الحركة المالينتشيات [= الخائنات للوطن المكسيكي] كي يمايزوهن بأنهن
خائنات لمجتمعهن ومروجات للنسوية البيضاء. أُطلق عليهن أيضًا لقب السحاقيات لأنه من
المفترض أن يفضلن جنسهن ويرفعنه فوق وحدة حركة التشيكان في نضالها من أجل العدالة
الاجتماعية (García–1989, 225, 26). القوميون
التشيكانيون، من كلا الجنسين، ذوو الكراهية الشديدة للمثلية هم الذين اتهموهن
بالسحاقية، واستُخدم هذا الاتهام لترويع النسويات التشيكانيات حتى يتخلين عن نضالهن
لنصرة قضايا المرأة. وفي محاولة لبناء التضامن، وضعت العديد من المنظرات التشيكانيات
المعاصرات، من السحاقيات ومن ذوات النزوع الجنسي الغيري معًا، تعريفًا لمذاهبهن النسوية
يجعل الولاء يجمعها معًا.
(٤) الحياة الجنسية
النسويات التشيكانيات لهنَّ كتابات بليغة عن الماريانية والمالينتشية وكيف تنقسم
معهما النسائية إلى «المرأة الجيدة» و«المرأة السيئة»، وذلك بالارتكان إلى كيفية ممارسة
النساء لحياتهنَّ الجنسية (
Hurtado 1998a). وكما تتساءل
باسكيث وغونثاليث: «في بعض الأحيان يقولون إننا عاطفيات، مثيرات، شهوانيات، ذوات العيون
الحوراء، والجمال الحاد، وفي أحيانٍ أخرى نحن عفيفات طاهرات، إننا أميمات
mamacitas: المرأة البدينة المحاطة بخمسة أو ستة من
الأطفال ذوي البشرة الداكنة، المنهمكة دائمًا في طهو الطعام، هذا ما يقولونه عما نكونه،
فهل نحن حقًّا هكذا؟» (١٩٨١، ٥٠). أن تكون المرأة «امرأة وحيدة» هو أن تظل عذراء حتى
الزواج، تسبغ الإخلاص والولاء والحنو على الأسرة. وعلاوة على هذا، يتجاوز التعريف
التشيكاني للأسرة حدود الأسرة النووية ليشمل العلاقات الممتدة عبر شبكات القرابة، فضلًا
عن الأصدقاء (
Baca Zinn 1975). وكما هو الوضع في كل
الأنظمة البطريركية، هناك الثواب للاتي يمتثلن والعقاب للاتي يتمردن. وكما تنعى
آنزالدوا حظها العاثر: «كل ذرةٍ من الإيمان خصوصًا كنت قد جنيتها بشق الأنفس لاقت الضرب
اليومي. لا شيء في ثقافتي يوافقني
Había agarrado malos
pasos [لقد سلكت الطريق الخاطئ]، كان ثمة شيء ما «خطأ» في
Estaba más allá de la tradición [لقد تجاوزت
التقاليد]» (مقتبسة في
Saldívar-Hull 1991, 213). ولكن
حتى مع أولئك اللائي يمتثلن، فإن التيار الثقافي السائد، كما هي الحال مع البيض، يمنح
السلطة في النظام البطريركي الحق في استعمال العنف، وفقًا لتقديرات الأب/الزوج مع
مساءلةٍ ضئيلة أو معدومة، والنساء اللائي يتمردن علنًا يدفعن الثمن. مرة أخرى، كما
تجاهر آنزالدوا:
Repele, Hable pa’tras, Fuí muy hocicona, Era
indiferente a muchos valores de mi cultura. No me deje de los hombres. No fuí
buena in obediente،
١٩⋆ (١٩٨٧، ١٥)
٢٠ ونظرًا إلى تمردها، فقد كانوا ينظرون إليها على أنها ليست «امرأة
حقيقية».
كانت العقوبة والنفي من المجتمعات التشيكانية قاسيَين بشكلٍ خاص على اللاتي يدَّعين
السحاقية علنًا. تفضيل النساء هو الرفض الأقصى للنظام البطريركي، والمرتكزات
الكاثوليكية المكينة للثقافة التشيكانية جعلت السحاقية خطيئة مهلكة
(Trujillo 1991, 191). وجدت الكثيرات من السحاقيات
التشيكانيات ملاذًا في مجتمعات المثليين البيض من الرجال والنساء. وعلى أي حال، لم
يتبرأ النشطاء المثليون والمثليات في مجتمعاتهم التشيكانية من الدعوى الناشطة من أجل
نصرة القضايا التشيكانية (Trujillo 1997, 274). وكانت
الفطنة السياسية والنظرية الناجمة عن الإسهام في هذه القاعدة السياسة الأوسع عاملًا
لتوهج التنظير بشأن قضايا الجنوسة التشيكانية.
بعض الكاتبات النسويات التشيكانيات الأغزر في إنتاجهن أعلنَّ سحاقيتهنَّ جهارًا،
إنهن
أيضًا الأكثر شهرةً في دوائر التيار السائد. كاتبات أمثال تشيري موراغا وغلوريا
آنزالدوا وإما بيريث أنجزن الكثير لجعل الحياة الجنسية جانبًا أساسيًّا من التنظير
النسوي التشيكاني. وكشأن التيار السائد في مجتمعات البيض، نجد المجتمعات التشيكانية
تكنُّ كراهيةً حادة للمثلية، والنسويات التشيكانيات اللائي عرضن السحاقية ودافعن عنها
تحدَّين الوضع القائم تحديًا عميقًا (Saldívar-Hull 1991, 214; Pérez
1998). ومن المهم الاعتراف بأن السياسات التقدمية في المجتمعات
المحلية التشيكانية يمارسها أفرادٌ لديهم التزام عميق بالحفاظ على النقاء الثقافي
والتكامل في الثقافة التشيكانية كتحدٍّ لسؤدد الإدماج الثقافي واللغوي والاقتصادي
المهيمن (Segura and Pesquera 1992). في ذلك السياق،
يغدو الإيعاز بوجوب تحدي الكراهية العميقة للمثلية ولو بين الطبقة العاملة التشيكانية
عملًا متهورًا في أعماقه. وفي الوقت ذاته، كان لأغلبية الكاتبات التشيكانيات السحاقيات
ولاء مكثَّف لمجتمعات أصولهن، وللثقافة التشيكانية وللغة الإسبانية ولقضايا الطبقة
العاملة.
وأيضًا تقدمت نسويات تشيكانيات كثيرات بكتاباتٍ بليغة عن ولائهن لأمهاتهن
(
Moraga 1983; Córdova 1994; 14–Cervants 1981, 11 Mora 1997,
17–193, Cantú 1995, 16). والعلاقة التي أبرزنها في هذه الكتابات
هي علاقة الألفة والمحبة والرعاية التي تمنحها أمهاتهنَّ وجداتهنَّ والشخوص الأمومية
الأخرى كالعمَّات والخالات. يتولَّد ذلك الولاء عن تشاركهنَّ في الوضع بوصفهنَّ نسوة،
لكن أيضًا عن اعتراف الكاتبات بأشكال الكفاح الطبقي لهؤلاء النساء ضد سائر المصاعب من
أجل استمرارية الحياة. تتحدث كاتباتٌ تشيكانيات كثيرات عن ثبات أمهاتهن ومرونتهن من أجل
أسرهن. تصف كانتو
Cantú تجارب ومحن جدتها أو الأم
الكبرى
mamagrande:
كانت تحمل أحلامها في فؤادها … العمل لا ينتهي، من طهو الوجبات اليومية —
حساء الأرز
sopa de arroz، واليخنة
guisados والحلويات
postres من أجل وجبة الغداء — ووجبات
الأطعمة المكسيكية الفاخرة في الأعياد — كبريتو
cabrito ومول
mole وتامالس
tamales٢١⋆ — إلى الحفاظ على الملاءات أشد بياضًا من الأبيض، ومحاربة الغبار
وقذارات الحياة في مزرعةٍ ببلدةٍ صغيرة. بل كان الأكثر إرهاقًا الحفاظ كذلك على
المظهر وعلى الكرامة وعلى ما هو صواب … كانت أفراحها وأتراحها ثاوية في قلبها،
يداها مشغولتان دومًا بأعمال الكروشيه والتطريز والحياكة وصنع الأغطية
والألحفة. العمل لا يتوقف أبدًا. ومنديلها في جيب مئزرها جاهز دومًا في متناول
يدها
a la mano لاستقبال دموع الفرح والترح.
إنها الأم الكبرى (١٩٩٥، ١٧).
لقد رأين في أمهاتهنَّ نسوياتٍ لم يحملن هذا اللقب، وبطلاتٍ لم يدَّعِينَ البطولةَ،
يرسمن بتفاصيل حياتهن اليومية خارطة لما تريد النسويات التشيكانيات الإمساك به في
كتاباتهن. بتعاطفٍ شديد تصف بات مورا Pat Mora الصلابة
التي منحتها إياها أمها. وعلى الرغم من أن أمها كانت إحدى المحظوظات القليلات في جيلها
اللاتي أنهين دراستهن الثانوية إبَّان ثلاثينيات القرن العشرين، فإنها عجزت عن الالتحاق
بالجامعة، على أن افتقادها التعليم العالي لم يكن يعني افتقادًا للحزم والعزم.
لم أرَ أحدًا البتة قادرًا على إرهاب أمي، التي يبلغ طولها نحو خمس أقدام.
ومن دون الخداع والالتجاء إلى العنف الجسدي، لا أستطيع أن أتخيل أحدًا يتمكن من
هذا — لا الرئيس أو رئيس الوزراء أو البابا … حينما يعتريها الغضب، تبدو عيناها
قادرتين على صهر المعدن. تعبر عن حَزْمها تعبيرًا واضحًا بالإنجليزية أو
الإسبانية، ولا تتردد أبدًا في الإعلان عن استيائها، سواء من خدمةٍ هزيلة أو
سلوك وقح أو ظلم. تستطيع أن تكون شرسة بلغتين … تعلن أن النار ثروة. وفي
النهاية، كانت تبين لنا طبعًا أهمية أن ننتظر العدالة وأن نجاهر بجلاءٍ وقوة
بالاعتراض على الغبن. (١٩٩٣، ٨٢-٨٣).
وعلى الرغم من أن علاقة الأمهات والبنات في الاتجاهات النسوية التشيكانية لم تكن
خلوًا من التوتر، فإنها كانت علاقة فائقة في تضامنها مع النضال السياسي، وأيضًا تحدثت
الكاتبات السحاقيات عن العلاقة مع أمهاتهنَّ وكيف أينعت حتى حين يكنَّ غير موافقات على
اتِّخاذ بناتهنَّ السحاقية أو غير متفهمات لهذا (Moraga
1983).
إن التزام النسويات التشيكانيات بجعل الحياة الجنسية مركزية في المذاهب النسوية
التشيكانية دفع جميع المنظِّرين إلى توسيع أطر عملهم لتتجاوز العِرْق/الإثنية والجنوسة
والطبقة. وتفهُّم الحياة الجنسية لا ينفصل تطوره عن الاهتمامات النسوية التشيكانية
الأخرى. وعلى أي حال، لم تكن الحياة الجنسية سائدة في كتابات النسويات التشيكانيات
المبكرة، وأصبحت هكذا منذ نشر «هذا الجسر اسمه ظهري» This Bridge Called
My Back (Moraga and Anzaldúa 1981). وعلى الرغم من أن السحاقية
كانت البوابة التي انفتحت لطرح التساؤلات عن الحياة الجنسية، فإن النسويات التشيكانيات
كتبن أيضًا عن المتعة والرغبة الجنسيتين، ولم تكن معالجتهنَّ الصريحة للحياة الجنسية
أمرًا يسيرًا؛ ومع هذا تصدين للمخاطرة وعرضن لرغبات النساء بصرف النظر عن العقوبات
المعيارية ضد الحديث الصريح عن المتعة خلال الجنس، والتي كان التصدي لها في الأغلب
قليلًا (Castillo 1992; Sánchez 1992; Cisneros 1994; Zavella 1997b;
Pérez 1998).
وكجزءٍ من عملية تحليل مسائل الرغبة وجاذبية الجسد، عالجت بعض النسويات التشيكانيات
العنصرية المفطورة في مجتمعاتهن المحلية، القائمة على لون البشرة والتراث الهندي، وفقًا
لما يحدده المظهر الخارجي (Anzaldúa 1987, 21; Broyles 1994; Castañeda
1990, 228; Zavella 1994, 205). وعلى الرغم من أن باحثين ذكورًا قد
تناولوا هذه القضايا (Arce, Murugìa and Frisibie 1987; Forbes 1968;
Telles and Murguìa 1990, 1992)، التي كانت محورية في دراسات
مرجعية خرجت في الستينيات، فإن النسويات التشيكانيات قد تناولن كيفية ارتباط هذه
القضايا بالنساء تعيينًا (Saldìvar Hull 1991, 214-15)،
وعلى وجه الخصوص، تناولت النسويات التشيكانيات كيفية استخدام لون البشرة لتحديد
المعايير المرغوبة للجمال والأنوثة (Anzaldúa 1981; Zavella 1994,
205). وكما تلاحظ ثابيه Zavella:
كان التعليق على لون البشرة تحديدًا، فذوات البشرة الفاتحة las
gueras يلاقين التقدير، بينما تبخس قيمة ذوات البشرة الداكنة
las prietas ويُنصحن بالبقاء بعيدًا عن ضوء الشمس
كي لا تصبح بشرتهنَّ أكثر قتامة (١٩٩٤، ٢٠٥).
كثيرات هنَّ النسويات التشيكانيات اللاتي عملن على استعادة المستيزية؛ أي المزيج
من
الأعراق الأوروبية والأفريقية والهندية، وذلك لمقاومة المعايير العنصرية التي تتَّخذها
المجتمعات المحلية التشيكانية بتفضيل ذوات البشرة الفاتحة والملامح الأوروبية، خصوصًا
بالنسبة للنساء. وعرضن أيضًا كيف أن الأحكام العنصرية السلبية على ذوات البشرة الداكنة
والشكل الهندي قد ارتبطت بالانتقاص من أنوثتهن، وبالنظر إليهنَّ كنساءٍ غير مرغوبات،
وذلك حتى بين الرجال ذوي المنزع التقدمي (
Biolyes
1994). وكما تقول نورما ألاركون: «يجدر بنا أن نتذكَّر أن لحظة التأسيس
التاريخي لبناء ذاتية المستيزيات (والمستيزيين) انطوت على رفض وإنكار الأم الهندية ذات
البشرة الداكنة من حيث هي هندية؛ مما أجبر النساء في كثيرٍ من الأحيان على التواطؤ في
صمتٍ ضدَّ أنفسهنَّ، وإلى أن ينكرن فعلًا الوضع الهندي، على الرغم من أن هذا الوضع هو
النمط المنظور والمُمثل في صنع الوطن»
(1990a, 252). وعن طريق معالجة العنصرية الكامنة
في المجتمعات التشيكانية وفي الرجال التشيكانيين التقدميين، حولت النسويات التشيكانيات
عدسة النقد لِتتَّجه إلى الداخل، وأوضحن كيف أن نظرية الموقف
٢٢⋆ ذات أهمية فائقة لتفادي النظر إلى ماهية أي جماعةٍ بوصفها تعلو على
ديناميكيات العنصرية والتحيز الجنساني والكراهية الشديدة للمثلية (
Ochoa
and Teaiwa 1994, ix). وفضلًا عن هذا، حين شملت تحليلاتهن
للمستيزية مسائل الجمال والرغبة الجنسية وبناءات النسائية، أصبحت المرأة مركز
التحليلات، وذلك بدلًا من الاعتماد على النماذج الإرشادية للذكور الذين يدرسون
العنصرية.
(٥) الالتزام بالفعل السياسي
بصرف النظر عن المناهج التي استخدمتها النسويات التشيكانيات والقضايا التي عالجنها،
فجميعهن تقريبًا يعلنَّ بإصرارٍ أن دراساتهن وإنتاجهن الفني لا بدَّ أن يتمخضا عن فعلٍ
سياسي هادف إلى التغيير الاجتماعي. وعلاوة على هذا نجدهن، بصرف النظر عن المهنة، سواء
كن أكاديميات أو فنانات أو كاتبات مبدعات أو عازفات، ينسب إليهنَّ جميعًا الانخراط في
عملٍ سياسي من نوعٍ ما (Cuadraz 1997)، وهنَّ أيضًا
ملتزمات بالقضايا التقدمية، ويعارضن على الملأ الأعلى الأجندات السياسية المحافظة، مع
استثناءاتٍ محدودة (من أمثال ليندا تشابيث ١٩٩١م (Linda
Chavez) التي لم تقل عن نفسها إنها نسوية بأي شكل)، إن الدعوة إلى
الاستراتيجيات السياسية ليسار الوسط بحكم التعريف في الكثير من كتابات النسوية
التشيكانية يمكن أن تسفر عن إقصاء النساء الأكثر اعتدالًا من الناحية السياسية
(Pesquera and Segura 1993). وأيضًا نجد التزامهنَّ
بكفاح ونضال الطبقة العاملة يمكن أن يُسفر عن إقصاء نساء الطبقة الوسطى اللاتي قد لا
يشعرن بانجذابٍ لهذا (Pesquera and Segura 1995). لم
تقدم الكاتبات النسويات التشيكانيات أبدًا معالجة موسعة لأي سؤالٍ يتضمن الاستراتيجيات
السياسية المعتدلة والطبقة المتوسطة.
وأيضًا توعز كتابات النسويات التشيكانيات بأدواتٍ عينية منظمة للفعل السياسي. وفي
كتاباتهن يتقدم على كل شيء ذلك التركيز على مباهج النضال بدلًا من التركيز على الضحية
والضحوية
victimhood.
٢٣⋆ والحق أن ثمة مجالًا واحدًا تفتقر فيه المذاهب النسوية التشيكانية إلى
الوضوح، وهو تحديد الخسران الإنساني في الاضطهاد القائم في جماعاتٍ متعددة ينتمين
إليها، وحالما يجري الاعتراف بالاضطهاد، سرعان ما تبادر معظم الكاتبات إلى تسليط الضوء
على المقاومة وليس على فعل الخضوع للمعاملة الوحشية (
Anzaldúa 1987, 21;
Hurtado 1996b). انتقدت نسويات تشيكانيات كثيرات تلك الكتابات التي
لا تسلط الضوء على المرأة كقوةٍ فاعلة؛ وبالتالي حاولن التركيز على البقاء في خضم
الحياة وليس على الهزيمة (
Mora and Del Castillo 1980).
وفي تركيزهن على البقاء، قُمْنَ بغير قصدٍ بترسيم خارطة لمجموعةٍ من استراتيجيات
المقاومة وبناء التحالفات.
تتمسك المذاهب النسوية التشيكانية بنماذج إرشادية منتقاة من أجل التعبئة السياسية،
ومعظم تنظيراتهن عن التغير الاجتماعي تخرج من رحم التفاعلات اليومية مع تمثيلاتٍ
للمؤسسات القمعية التي ترمي إلى السيطرة على مجتمعات الملونين وقهرها، مثل الشرطة
والإداريين في المدارس وأرباب العمل والعاملين في مجال الرعاية الاجتماعية
(
Hurtado 1989; Neumaier 1990; Pardo 1990, 1991; Sandoval 1991,
1998). وبدلًا من طرح نظرية مهيبة عن التغير الاجتماعي، تطرح
التشيكانيات استراتيجيات تعتمد على السياق وناتجة إلى حدٍّ كبير عن الدروس المستقاة من
حياتهن اليومية والحياة اليومية للنساء من حولهن (
Pardo 1990,
1991). وكما تذكرنا ساندوبال:
أي نظامٍ اجتماعي ذي تراتب هرمي شكَّلته علاقات الهيمنة والتبعية يخلق مواقف
معينة للخضوع يمكن أن يعمل التابعون داخلها بشكلٍ مشروع. أما مواقف الخضوع،
فحالما يدركها قاطنوها إدراكًا واعيًا بذاته، فيمكن أن تغدو وقد تحولت إلى
مواقع للمقاومة، مواقع أكثر فاعلية في التنظيم الراهن لعلاقات القوة (١٩٩١،
١١).
أشار سكوت
٢٤⋆ (١٩٩٠) إلى هذه الاستراتيجيات بوصفها «أسلحة الضعفاء»، أسلحة طورتها
تشيكانيات كثيرات وطويلًا ما استعملنها قبل أن تسمى (
Pardo 1990,
1991). ومع ذلك، اعتادت النسويات التشيكانيات توثيق هذه المقاومة
المستندة إلى الموقف من خلال الأقاصيص
cuentos أو
الأساطير (مثلًا، قصة أو أسطورة لا يورونا)، أو النكات أو الأفعال الملموسة التي تداني
الفنون الأدائية. مثلًا، قرأت إحدى الزميلات بحثها حول الاستعمار بأن طبعته على ورقة
كمبيوتر متصلة، وتركتها منبسطة وكأنها تفكك بشكلٍ درامي وفعال جدًّا أسطورة كريستوفر
كولومبوس
Cristóbal Colón.
٢٥⋆ — وفي اللغة الإسبانية
Colón تعني حمارًا
كبيرًا. واختارت إدخال شرطة في داخل «المستعمر» باللغة الإسبانية لتغدو
Colón-ialista؛ مما زاد من اللعب والمقاومة في
كلماتها. وهذا مزج يتزامن فيه عرض ورقة رسمية في مؤتمرٍ مهني مع تفكيك العرض ووسيط
أنتجته الدراسة، فتخلقت لحظة توعية. إنه تسليط الضوء على آثار الاستعمار على أحفاد
ضحاياه، وبدلًا من افتراض مسافة تفصل بين الدارس وموضوع الدراسة، فإن هذه السُّنَّة
التي استنَّتها الأستاذة أفصحت بوضوحٍ عن العواقب السياسية لرحلة كولومبوس.
٢٦
وتقدم باردو مثالًا آخر على هذه التعبئة السياسية العفوية قائمًا على بحثها حول
«أمهات شرق لوس أنجلوس»، وهي فريق تشكل للحيلولة دون بناء سجن وتفريغ النفايات السامة
في المنطقة المجاورة. وفي واحدٍ من ملتقياتهنَّ، حاول ممثِّلون عن عدَّة شركات للنفط
الحصول على تأييدهن لبناء خط أنابيب بترول وسط شرق لوس أنجلوس. فسألت النساء واحدًا من
ممثلي شركات النفط عن الطرق البديلة لخط الأنابيب.
هل تمر عبر سيليتو ليندو [مزرعة الرئيس رونالد ريغان]؟ فأجاب ممثل شركة
البترول: «لا.» نهضت امرأةٌ أخرى وسألت: «ولماذا لا تجدون لها مكانًا بحذاء
الخط الساحلي؟» وبغير تفكيرٍ في المضامين أجابها ممثل الشركة: «أواه … كلا!
فإذا انفجرت فسوف تمثل خطرًا على الأحياء البحرية.» فردت المرأة حجته بقولها:
«هل ترفع قيمة الأحياء البحرية فوق قيمة الكائنات الآدمية؟!» فتضرج وجهه بحمرة
الغضب وانحلت الجلسة إلى ترديد هتافات الغضب (Pardo 1990,
4).
ثمة أمثلة أخرى لا تحصى سوف تُثري تنظيرنا النسوي بقدر ما تواصل التشيكانيات الكتابة
والتجريب بالكلمات والأجناس الأدبية والفنية والسياسة.
تتَّجه المذاهب النسوية التشيكانية إلى أن تشمل جهودها في التعبئة السياسية الرجال
أيضًا، وإن كان هذا لا يخلو من توتر. وتعترف النسويات التشيكانيات تمامًا بأن الرجال
وإن كانوا في مجتمعاتهم يملكون عليهن السلطة البطريركية، فإن هؤلاء الرجال أنفسهم
يضطهدهم الرجل الأبيض وبعض النساء البيض بسبب إثنيتهم أو العرق (Moraga
and Anzaldúa 1981). منذ الكتابات الصادرة أواخر الستينيات وأوائل
السبعينيات من القرن العشرين، كانت بعض الكاتبات النسويات التشيكانيات يرين الرجال
جميعًا يملكون سلطة بطريركية متساوية، وهذا مماثل لموقف نسويات أخريات من أهل نسوية
الملونين ونسوية البيض الماركسية/الاشتراكية. معظم النسويات التشيكانيات أدركن الفارق
في مرحلةٍ باكرة من حياتهنَّ من حيث كنَّ يتفاعلن مع مجتمعات البيض وكنَّ بوصفهنَّ
أطفالًا يُجبرن على اصطناع التفرقة بين الصنوف المختلفة من الرجال وفقًا للعرق/الإثنية
والطبقة. إدراك الفارق بين الرجال ساعد في إنتاج مركب من المذاهب النسوية لتفسر لماذا
تحتفظ الكاتبات بولائهن السياسي للرجال التشيكانيين بينما يخضن في الوقت ذاته مباراة
ضارية مع التحيز الجنساني لأولئك الرجال وكراهيتهم الشديدة للمثلية. على أي حال، يلزم
النسويات من الناحية الاستراتيجية تعليق رؤاهنَّ النقدية ليلحقن بالرجال في حروبهم ضد
الرجل الأبيض والمرأة البيضاء في مسائل تمس المجتمع المحلي ككل؛ من قبيل تنظيم العمل،
والاستحقاقات الصحية، والعمل في سبيل رد الظلم عن الأقلية المضطهدة، والبيئة. تضع باردو
(١٩٩٠) نظريةً مفادها أن إدراج الآباء في أنشطة حركة «أمهات شرق لوس أنجلس» ليس مجرد
دهاء سياسي، بل أمرٌ ضروري للحفاظ على مشاركة المرأة ذاتها في العمل السياسي. كلما زاد
أعضاء الأسرة الذين يسهمون في التعبئة ضد بناء سجن وتفريغ نفايات سامة في المنطقة
المجاورة، زاد النفوذ السياسي الذي يمكن تقديمه للقضية المطروحة. وفي الوقت ذاته كان
عليهن صون الجماعة من استيلاء الرجال عليها؛ وذلك عن طريق تقويض سلطة الرجال من الناحية
الاستراتيجية. مثلًا، على الرغم من أنهن وضعن رجلًا رئيسًا للجماعة، كان للنساء السلطة
الكاملة على الأنشطة التي تُمارس بين لحظةٍ وأخرى، وحين حاول الرئيس أن يمارس نفوذه عن
طريق الإصرار على جمع التبرعات يوم عيد الأم، لم يحضر إلا الرئيس وزوجته
(Pardo 1990, 3)، وبعد هذه التجربة، لم يحاول
الرئيس فرض إرادته مرةً أخرى.
(٦) بناء التحالف والاعتراف بالاختلاف
ترتبط النسويات التشيكانيات بالمذاهب النسوية وأشكال النضال السياسي الأخرى من حيث
النظرية والتطبيق على السواء. ثمة محاولات لا تُحصى لبناء التحالف مع النسويات الأخريات
من الملونين من أجل الفعل السياسي الملموس (Ochoa and Teaiwa
1994). بناء التحالف ضروري لأن القمع البنيوي أبعد ما يكون عن
الاندثار، والمسألة كما طرحتها أنخيلا دالبيس وإليزابيث مارتينث، في معرض الرد على
تساؤلٍ حول السبب الذي يجعلنا لا نزال نصنِّف الأفراد تبعًا لانتمائهم لجماعاتٍ تتحدد
بالعرق أو الطبقة أو الجنوسة أو الميل الجنسي.
يتساءل الناس: «لماذا لا نستطيع أن ننظر نحن جميعًا بعضنا إلى بعض بوصفنا
بشرًا؟ لماذا يجب علينا أن نؤكد تلك الاختلافات؟» أو «لماذا نحتاج إلى النزعة
النسوية؟ لماذا لا نكتفي بالنزعة الإنسانية فحسب؟ أليس الحديث عن العنصرية
والأعراق المختلفة لا مردود له إلا الإبقاء على المشكلة؟» إن هذا نفيٌ لبنيات
السلطة التي تحدد العلاقات الإنسانية في هذا المجتمع بطريقةٍ ماحقة لعددٍ كبير
من الناس، أغلبيتهم على أي حالٍ من الملونين فقط. لا يمكنك الاقتصار على أن
تقول: «دعونا نتعايش معًا» ما لم نتخلص من تلك البنيات (Davis
and Martìnez 1994, 49).
ليس الأساس النظري للحركات النسوية التشيكانية مسألة توافق في الآراء، بل مواجهة
ومقارعة الحجة بالحجة، وعلى الكاتبات أن يكنَّ صريحات بشأن مدى الصعوبة في التواصل عبر
الاختلافات. ناشطاتٌ كثيرات عانين هذه الإحباطات وذكرنها بمزيدٍ من الوضوح، وقليلًا ما
يتغاضين عن أهمية الوحدة أو يفرطن في تمجيدها (Sifuentes and Williams
1994)، من هذه المواقع sitios
للتنازع خرجت كثرةٌ من إسهامات النسويات التشيكانيات في تنظيراتنا للجنوسة والفعل
السياسي.
العديد من النسويات التشيكانيات يتمسَّكن بصلابةٍ بألا ننظر إلى الاضطهاد على أنه
مسألة درجات، وهذا قد يستبعد حيثيات ننظر إليها بوصفها ليست محورية في حقوق المرأة
(مثلًا، المحاربة من أجل حقوق السجناء، وتنظيم العمالة ومسائل البيئة). وبدلًا من هذا،
تناضل النسويات التشيكانيات من أجل إدماج قضايا مختلفة من دون أن يُفقدهن هذا مركزية
الجنوسة في كلِّ معاركهن، وكما تذكِّرنا أنخيلا دابيس وإليزابيث مارتينث:
بادئ ذي بدء، لا بدَّ أن نرفض التراتبات الهرمية لاحتياجات المجتمعات المحلية
المختلفة … [نحن] لا نقصد أن بعض المجتمعات المحلية أو بعض الجماعات في ساحة
حرم جامعي أو أي مجتمعات محلية أخرى لن تطالب بتأكيد احتياجات خاصة … ولكننا لا
يمكن أن نقع في مصيدة الجدال حول «احتياجاتي أعظم خطرًا وأجلُّ شأنًا من
احتياجاتك»، أو «مركزية المرأة أهم من مركزية الثقافة اللاتينية»، أو أي قضيةٍ
على هذه الشاكلة. علينا أن نقاتل معًا لوجود عدو مشترك، وبشكلٍ خاص قد تتخذ
موقفًا ضد إدارة ما وتكون في هذا منقسمًا، أما [نحن] فنعتقد أن الجميع عليهم
العمل معًا وتشكيل تحالف أو تعيين مجموعة من الأهداف المشتركة بينهم (١٩٩٤،
٤٣).
محكم القول في هذا طرحته دابيس ومارتينث بإعلانهما أن «الفكرة العامة هي أن المنافسة
بين التراتبات الهرمية ينبغي ألا تسود. لا يوجد «أولمبياد في الاضطهاد»». المبتغى هو
إنجاز «المساواة عبر الاختلاف» (١٩٩٤، ٤٤)، من دون تفضيل طريق واحد لاتصال البعض
بالبعض. تلتزم الكثيرات من النسويات التشيكانيات بسياسات التحالف النابعة من معرفتهن
بأن «النساء ذوات البشرة الملونة» أو «النساء الأمريكيات الأفارقة» أو «النساء
التشيكانيات» موضوعات للعنصرة التي بُنيت عبر أحداثٍ تاريخية وظروف مادية (١٩٩٤، ٤٦).
وبدلًا من التقيد بتصورٍ ماهوي للهوية، تناضل العديد من النسويات التشيكانيات لتحقيق
نظرية الموقف خلال بناء التحالف.
ثمة تمييز في متناول اليد وهو أن نفكِّر في التحالف وقد انبنى حول القضايا،
ونفكر في الأيديولوجيا وقد أصبحت رؤية للعالم. إن الأيديولوجيا فئة من الأفكار
تفسر مزاج المجتمع ودافعيته وما هي قيمه. وليس علينا أن نتفق مع الآخرين على
هذا لكي نحارب من أجل الرعاية الصحية والإسكان ومن أجل العمل في سبيل رد الظلم
عن الأقليات المضطهدة، أو أي شيءٍ آخر. وأعتقد أن عليك أن توافق أيديولوجية شخص
آخر إذا كنت بصدد الانخراط في أنواعٍ معينة من التنظيمات … من حركة الكشافة إلى
الحزب الشيوعي. بَيد أن التحالفات وشبكات العمل والائتلافات ينبغي أبدًا ألا
تقع في خطأ المطالبة بالوحدة الأيديولوجية (Davis and Martìnez
1994, 47).
وجنبًا إلى جنب مع اعتراف النسويات التشيكانيات بمرونة التصنيفات الاجتماعية التي
تشكِّل هوياتهنَّ الاجتماعية، اعترفت الكثيرات منهن أيضًا بالحاجة إلى العمل من أجل
أهدافٍ سياسية مهمة مع أفرادٍ لا يوجد بينهن «تقاربٌ أيديولوجي» (Davis
and Martìnez 1994, 47). ذلك أنه في التعبير عن المذاهب النسوية
التشيكانية ثمة اعتراف بأن العمل التحالفي يستتبع بالضرورة حلًّا وسطًا مدروسًا من أجل
المقاومة السياسية والتغير الاجتماعي.
(٧) ما يتضمنه التنظير من الأراضي الحدودية
كانت النسويات التشيكانيات في طليعة المنظِّرين من الأراضي الحدودية
las fronteras بوصفها موقعهن soitis
(Mora 1993). إن تاريخ الغزو، وهو أساسًا تراكم فوق كاهل أمة كانت
توجد بالفعل كأمةٍ واحدة، قد جعل النسويات التشيكانيات يعلمن الوضعية المؤقتة للدول
القومية (Klahn 1994). أما الخط السياسي الذي فصل
الولايات المتحدة عن المكسيك، فلا يناظر الوجود التجريبي على الوجود، حيث تعيش الأسر
على ضفتَي نهر ريو غراندي، وحيث لا تلتزم صنوف التسوق والترفيه والتعبير عن الثقافة
بذلك الخط القانوني الذي يفصل بين البلدين (Cantú
1995). تزعم الكثرة من النسويات التشيكانيات أن الأراضي الحدودية،
بوصفها موقعًا، هي التي منحتهنَّ فاتحة التنظير من وعيٍ تحدَّد
إثنيًّا-بالتشيكانية/المستيزية (Anzaldúa 1987). ومن
على الحدود تعلمت التشيكانيات/المستيزيات أن جميع التصنيفات في بنيتها ذات طبيعة
اجتماعية، إنهن بالوقوف على ضفة الولايات المتحدة من النهر يرين المكسيك ويرين الوطن،
وبالوقوف على ضفة المكسيك يرين الولايات المتحدة ويرين الوطن. ومع هذا لا يحظين بقَبولٍ
تام على أي من الضفتين. باتت حدود الولايات المتحدة-المكسيك تعبيرًا مجازيًّا عن كل
«عبور للحدود»، فيزيقيًّا ونفسيًّا معًا، وهو ما كان لا بدَّ أن تتحمَّل وطأته جحافل
من
التشيكانيات.
هذا التعرض لحدودٍ متعددة أتاح لتشيكانيات كثيرات أن «يرين» الطبيعة التعسفية لكل
التصنيفات؛ ومن ثم ضرورة اتخاذ موقف على الرغم من هذا. كثيرات هنَّ النسويات
التشيكانيات اللائي ناضلن من أجل بناء نماذج إرشادية، تستبعد في احتوائها، ترفض في
موافقتها، تنازع في قبولها. وأطلقت النسويات التشيكانيات على هذه المدرسة اسم «الوعي
المعارض» (Sandoval 1991)، أو «الحقائق المتعددة»
(Alarcón 1990b)، أو حالة من الوعي
conscientización (Castillo 1995, 171). وعلى أي
حال، يتضمن المفهوم الأساسي القدرة على رفع لواء منظورات اجتماعية عديدة وفي الآن نفسه
التمسك بنواةٍ مركزية تدور حولها صنوف الاضطهاد المادي العينية. وفي آونةٍ أحدث، بادرت
بعض النسويات التشيكانيات إلى الإشارة إلى أنه ليس من اليسير ممارسة هذه القدرة أو
اتباع هذه المدرسة في عبور «الحدود»؛ على الأقل ليس من دون ألمٍ وقصاص من رموز السلطة
الذين يطالبون بوحدةٍ نفسية مزيفة (Lamphere, et al.
1993). ويصدق بما فيه الكفاية أو أولئك اللائي يمارسن هذه القدرة
أو يتبعن هذه المدرسة، خصوصًا في الكتابة، إنما هنَّ ذوات القيم المتطرفة
(Hurtado 1996b) اللائي يتحملن مخاطرة النبذ من
مجتمعاتهن المحلية. مع هذا، ثمة نساء مارسن هذه القدرة من دون أن يكتبن عنها ومن دون
أن
يسمينها وعيًا نسويًّا، ونقلن دروسهن إلى الفتيات الأصغر سنًّا من حولهن، وقاومن الخضوع
الجنوسي من خلال التمرد في أفعال الحياة اليومية (Steinem
1983) وحروب العصابات على مستوى العقل (Hurtado
1989; Pardo 1990; Sandoval 1991).
نسويات تشيكانيات كثيرات يعملن عبر الاختلافات ويجدن أبعادًا للتماثل من خلال تعطيلات
استراتيجية (Hurtado 1996b) وينتجن مذاهب نسوية تتحدى
«الحدود الجيوسياسية» (Saldívar-Hull 1991, 211).
وأيضًا ساهمت النسويات التشيكانيات مساهمةً هائلة في التنظير لعلاقاتٍ بلا تراتبية
هرمية مع نسويات العالم الثالث عبر أرجاء العالم ومع النسويات الملونات في الولايات
المتحدة (Saldívar-Hull 1991, 208-9). يتفادى تنظيرهن
عقبة السيادة العنصرية التي تواجه مذاهب النسوية البيضاء. كانت التزامات نسويات
تشيكانيات كثيرات بالطبقة العاملة مشحونة بالتوتر، ومهما يكن أمرها فإنها أيضًا مثلت
جسرًا يربطهن بالنساء الملونات في الولايات المتحدة وفي بلدان العالم الثالث. العديد
من
ركائز الثقافة التشيكانية يقوم على الكاثوليكية والثقافة الريفية وثقافة الطبقة
العاملة، فوجدت صداها في بعض المذاهب النسوية في العالم الثالث، لا سيما في أمريكا
اللاتينية (Sternbach, et al. 1992). وعلاوة على هذا
ثمة تعهد النسويات التشيكانيات بتحرير مجتمعاتهن المحلية ككل، مما يمثل تشاركًا كبيرًا
مع نسويات العالم الثالث يفوق تشاركهن مع الرؤية الغربية للحرية القائمة على الحقوق
الفردية وهي رؤية لها التأثير القوي على النسويات البيض في الولايات المتحدة
(Brown 1992). ولا مناص من أن وضع النسويات البيض
في علاقتهن مع الرجال البيض بوصفهما آباء وأحبة وأشقاء وأزواج وإخوة إنما يتداخل مع مدى
الثقة التي يمكن أن توليها نسويات العالم الثالث إياهن بوصفهن أفرادًا، أو مع رؤية
ذواتهن في العديد من كتابات النسوية البيضاء. لهذه الحوائل مغزاها بالنسبة إلى نسوياتٍ
تشيكانيات كثيرات، يشعرن بأنهن جماعة مستعمرة سياسيًّا داخل الولايات المتحدة
(Saldívar-Hull 1991) بسبب ما عانينه على يد
الجماعة البيضاء المهيمنة من تاريخٍ للغزو واستغلال العمال. وعلاوة على هذا استفادت
النساء البيض من هذا الاستغلال، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بسبب من عرقهن
(Ostrander 1984; Sturgis 1988; McIntosh 1992; Frankenberg 1993;
Fine 1997; Hurtado 1998a). وبسبب علاقاتهن الأسرية بالرجال البيض
(Hurtado 1996a).
اقترحت مذاهب النسوية التشيكانية أُطرَ عمل من أجل التحرير انعكاسية بطبيعتها؛ هناك
ثابت هو التدقيق الذاتي لضمان عدم اضطهاد الآخرين (Zavella
1997a). تُماري إما بيريث في أنه، «داخل الأيديولوجيا الرأسمالية
البطريركية، لا متسع للكائن البشري الحساس الذي يرحب بتغيير العالم … كل فردٍ من أفراد
الجماعية يتحمل المسئولية عن تناقضاته/تناقضاتها داخل الجماعية، ومرحبًا بالاشتباك مع
التساؤل، من الذي استغله؟» (١٩٩١، ١٧٣). الانتماء إلى جماعة التشيكانيات يضعهن، وخصوصًا
السحاقيات منهن، في ظل مخاطرةٍ كبيرة (Trujillo 1997).
وحتى مع هذا وبسببه يصادرن على قوةٍ فاعلة فيهن، ويعرفن أنه في داخل سياقاتٍ محددة تصنع
قيودًا، يستطعن أن يعملن، حتى، داخل الطرق المنحازة والعنصرية. إن المذاهب النسوية
التشيكانية ككلٍّ هي نظريات عن تحرير الجميع.
وعبر العديد الجم من كتابات النسويات التشيكانيات ثمة التزام بالثقافة التشيكانية
وبمجتمعاتهن المحلية. وكما تجاهر أماليا ميسا-بينس Amalia
Mesa-Bains، وهي فنانة وعاملة في المجال الثقافي «دائمًا ما يكون
عملي، باستثناءات طفيفة، ضاربًا بجذوره في ثقافتي» (مقتبس في González
and Habell-Pallan 1994, 86). وكجزءٍ لا يتجزأ من هذا الانخراط
الثقافي، تتمسك النسويات التشيكانيات بكاثوليكيةٍ علمانية تأخذ ركائز معينة من هذه
الديانة لأنها جزءٌ لا يتجزأ من الثقافة التشيكانية. مثلًا تستحضر التشيكانيات روحانية
الممارسات الدينية (العماد، القداس، الزفاف)، ولاهوت التحرير (تنظيم العمل والتعبئة
السياسية من خلال المشاركة الدينية)، والشخوص الدينية مثل عذراء غوادالوب من أجل
التوعية النسوية (Castillo 1996). والالتزام باللغة
الإسبانية رفض آخر للذوبان الثقافي. إن استخدام العديد من النسويات التشيكانيات مفردات
من اللغة الإسبانية يلقي أسسًا لتميزهن عن تيار الثقافة البيضاء السائد، ويؤكد فضاءً
ثقافيًّا آخر من خلال اللغات lenguas، وكذلك يمكن أن
تخدم اللغة الإسبانية كجسرٍ للتحالف مع نسويات أمريكا اللاتينية وللمواقع المشتركة من
خلال اللغات المشتركة (Stembach et; 97–Lugones 1990, 396 al. 1992,
419).
(٨) اتجاهات المستقبل في المذاهب النسوية التشيكانية
في الخمسة عشر عامًا القادمة، سوف تكون التحديات التي تواجه الدارسات النسويات
التشيكانيات مماثلة لتلك التي تواجه مذاهب النسوية البيضاء الراهنة: كيف تنخرط الشابات
في الحركة، في حين أن الكثير من العوائق التي مثَّلت القوة الدافعة للتنظير آخذة في
التلاشي شيئًا فشيئًا. وأما بالنسبة إلى النسويات التشيكانيات، فإن أصولهن المشتركة في
الطبقة العاملة، وغلبة اللغة الإسبانية على خلفياتهن، وبروز التحيز الجنساني والنزوع
الجنسي الغيري والعنصرية قد مثل وقودًا أجج كثيرًا من تعاطفهن وحيويتهن. سوف يكون
للتشيكانيات الأصغر سنًّا تجارب اجتماعية وطبقية أكثر تباينًا عن تلك التي للكاتبات في
المرحلة الراهنة، وسوف يكون وعيهنَّ الجنوسي مختلفًا بالضرورة. والسؤال المطروح هو حول
ما إذا كانت أطر عمل النسوية الراهنة سوف تلائم أولئك الشابات، والسؤال موائم بوجهٍ خاص
حين تتعرض أولئك الشابات لتواصلٍ عابر للإثنيات أكثر مما كان عليه الوضع منذ عشرين
عامًا، حين دافعت الحركة التشيكانية عن موقفٍ قومي يزدري العلاقات العابرة للإثنيات،
ولا سيما نمط العلاقات الحميمة. إن الأطفال المولودين عن زيجاتٍ مختلطة في ستينيات
القرن العشرين يطالبوننا، على نحوٍ متصاعد، بإعادة النظر فيما يشكِّل الهوية التشيكانية
(González and Habell-Pallan 1994, 81-82). وعلى
خلاف الزيجات المختلطة في الماضي الأبعد، والتي كانت محدودة العدد وأيضًا في المقام
الأول بين التشيكانيين والبيض، فإن ستينيات القرن العشرين وفرت سياقًا أوسع للتواصل
العابر للجماعات، وبات التراث «المختلط» الآن يعني كل الارتباطات الممكنة بين الإثنيات
والأعراق. العديد من هذه الارتباطات حدثت ووقعت بين أعضاء من الجماعات التابعة، مثل
الأمريكيين الأفارقة والأمريكيين الآسيويين واللاتين. وما هو ذو أهمية خاصة للتنظير
النسوي التشيكاني، ويستند إليه التاريخ المكسيكي والقومية المكسيكية، هو تزايد الزيجات
المختلطة بين الجماعات اللاتينية المختلفة، وينتج عنها أطفال سوف يتزايد التحامهم
بلاتينية «عمومية الإثنية»، وليس بجماعةٍ لاتينية ذات قومية محددة
(Padilla 1985; López and Espiritu 1990).
هذه التشكلات الاجتماعية الناشئة سوف تتمايز أيضًا بتزايد الحراك الاجتماعي
والاقتصادي. وبطبيعة الحال، لا يزال هذا التغير محدودًا للغاية. بَيد أنه مع ذلك سوف
يزيد من التنوع الطبقي، الذي سوف يترك بدوره تأثيرًا في المذاهب النسوية التشيكانية.
ومن المؤكد أن أولئك اللاتي لديهن فرص اقتصادية واجتماعية متزايدة هنَّ على الأرجح
اللاتي سوف يلتحقن بالدراسة الأكاديمية ويصبح على الأرجح الجيل التالي من
الكاتبات.
إننا في الآن نفسه نعاني من تفكك العمل في سبيل رد الظلم عن الأقلية المضطهدة. ومن
الهجمات على حق الإجهاض وردود الفعل المناهضة للهجرة، وسوف يكون على المذاهب النسوية
التشيكانية في المستقبل أن تعالج الخطى التقدمية في سياق القمع. من نواحٍ عديدة، كانت
حدود المساجلات حول الحركات التقدمية في الستينيات والسبعينيات أوضح كثيرًا؛ لأن الخطوط
السياسية والاقتصادية كانت مرسومة جيدًا (Gutiérrez 1993; Fernández
1994). وسوف يكون التحدي المطروح أمام النسويات الأصغر سنًّا هو
تطوير نماذج إرشادية متراكبة بما يكفي لتشمل التناقضات والأبعاد الخفية التي لم يكن
ممكنًا للعديد من النسويات التشيكانيات في مرحلةٍ أسبق أن يستطعن رؤيتها.
عالجت المذاهب النسوية التشيكانية، بفصاحةٍ، مسائل الحياة الجنسية بقدر ما تمس مخاوف
المثليات، ولكن هناك بالتأكيد ما يتعين القيام به. في الأعم الأغلب، قليلًا ما تعرضن
لدراسةٍ واضحة المعالم للحياة الجنسية وعلاقتها بالنظام البطريركي في المجتمعات
التشيكانية، ولئن ظهرت بعض البدايات الواعدة (وأبرزها Zavella
1997b). فليس ثمة أدبيات متطورة بشكلٍ جيد. ولعل دراسة قضايا
الرجال التشيكانيين المثليين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة الجنسية للمرأة. كيف قوَّض
المثليون التشيكانيون سلطة النظام البطريركي في المجتمعات التشيكانية، وكيف تعامل أعضاء
تلك المجتمعات مع هذه «الخيانة»؟ أيضًا ثمة بعض البدايات الواعدة، أبرزها دراسة
الماغيور (Almaguer 1991). إن عرض مسائل الحياة الجنسية
في المجتمعات التشيكانية موضوع حساس بشكلٍ خاص وتحديدًا للحيثيات نفسها التي جعلت عرض
مسائل النساء موضوعًا حساسًا في بواكير السبعينيات. هذه المسائل تهدِّد بتقسيم النضال
السياسي لكسب بعض ضروريات الحياة الأساسية؛ التركيز على قضايا الحياة الجنسية يهدد
بتقويض الركائز الكاثوليكية للثقافة التشيكانية، التي هي مصدر مهم للقوة في صد الهجمات
العنصرية على المجتمعات التشيكانية. وما تكتبه الدارسات عن الحياة الجنسية إنما هو
مواجهة للحدود التالية في دراسات التشيكانيات/التشيكانيين. لقد قطعن خطوة مهمة في توسيع
نطاق النماذج الإرشادية لقضايا الجنوسة من المنظور النسوي، وتوجز سالديبر-أول الفرضيات
التي توجد على أساسها المذاهب النسوية التشيكانية الراهنة.
إلَّا إن النسوية التشيكانية تهدد الحدود المرسومة بفعل السلطة، هو يستمد هذا
التهديد من استعراض آنزالدوا المهم لتاريخ ولاية تكساس وصولًا إلى التصريحات
النظرية التي أعلنتها أصواتٌ جماعية، أصوات موراغا
Moraga وغوميث
Gómez ورومو-كارمونا
Romo-Carmona حتى تساؤل فيرامونتي
Viramonte عن تكوين الأسرة … ترتبط النسوية
التشيكانية، من حيث النظرية والتطبيق على السواء، بالعالم المادي. وعندما يعجز
جامعو منتخبات الكتابة النسوية عن التعرف على النظرية التشيكانية، يكون سبب هذا
أن التشيكانيات يطرحن أسئلةً مختلفة بدَورها تطرح تساؤلًا بشأن إعادة بناء صميم
فرضية «النظرية»؛ ولأن تاريخ التجربة التشيكانية في الولايات المتحدة يحدد
معالم المستيزية الخاصة بنسويتنا، فلا يمكن أن تكون نظيرتنا استنساخًا للنسوية
البيضاء ولا هي يمكن أن تكون تجريدًا أكاديميًّا فحسب. تنظر النسوية التشيكانية
إلى تاريخها (لإعادة صياغة نداء بورني Bourne
بالممارسة الفعلية النسوية) لتتعلم كيفية تغيير الحاضر. أما بالنسبة إلى
النسوية التشيكانية، فإنه من خلال انتمائنا إلى أحزاب النضال في شعوب العالم
الثالث الأخرى نجد نظرياتنا ومناهجنا (١٩٩١، ٢٢٠).
وسوف يكون على المذاهب النسوية التشيكانية في المرحلة المقبلة أن تنبني على أساس هذه
التجارب الحية المعيشة.
هوامش