الفصل الرابع عشر
«الحذر من عطلة نهاية الأسبوع»، نصيحة سديدة لأي حكومة يُحتمل أن تكون على مشارف الوقوع في أزمة.
عندما يمر وزير بوقت عصيب ويزور المجلس الذي تنعقد جلساته في أيام الجمعة في الساعة الحادية عشرة صباحًا مرتديًا بدلة عادية أو من نسيج التويد إشارة إلى تراخي الاهتمام السياسي، فسيقول لنفسه: «الحمد لله أنهم سيهدءُون لليومين التاليين.» لكن الأعضاء الكسالى يذهبون إلى المنزل ويتحدثون إلى زوجاتهم أو أصدقائهم في النادي، أما المفعمون بالحيوية فيذهبون ويتحدثون في الاجتماعات والمؤتمرات. وإذا كان هناك تلميح إلى وجود لغز يحوم في الجو، فلا يُتوقع من أي عضو أن يوقف نفسه عن التلميح إلى وجود «أزمة». ولذلك يكره الوزراء يوم الإثنين.
بعد الأحداث التي جرت ليلة البارحة، عزم روبرت على رؤية وزير الداخلية في أقرب وقت ممكن في صباح هذه الجمعة. أسرع إلى وزارة الداخلية، وما ناله سوى أن أخبره بريجز أن وزير الداخلية ذهب في عطلة نهاية الأسبوع.
قال بريجز: «بالتأكيد أنت تتذكر. ذهب لمباركة سفينة جديدة بناها ناخبوه.»
قال روبرت غاضبًا: «ولماذا بحق الجحيم يريد الذَّهاب في رحلة قصيرة كهذه في وقت كهذا؟»
«لا تحرم وزيرًا من ملذاته، وإلا فما الفائدة من أن يكون وزيرًا؟ ألا تحب أن تستقبلك فرقة الآلات النُّحاسية؟ أوه، تركت السيدة بيل كلينتون رسالة عاجلة. تريدك أن تتصل بها في أقرب وقت ممكن. هل آتي لك برقم هاتفها؟»
انتظر روبرت كدرًا لما انشغل بريجز بالهاتف. شحذ همته استعدادًا لما قد يكون أبغض وأصعب حوار، والرئيس الذي اهتم روبرت أن ينقذه من أفعال يظن روبرت أنْ لا بدَّ أنه ارتكبها، انطلق في رحلة ترفيهية كي يبارك سفينة!
قال الصوت الناعم للسيدة بيل كلينتون عبر سماعة الهاتف: «هل أنت روبرت؟ أريدك أن تأتي إلى كلينتون باردسلي في نهاية هذا الأسبوع. والآن، لا تقل إن لديك موعدًا آخر … ببساطة عليك أن تأتي.»
كانت السيدة بيل كلينتون شخصية مهمة حيث إنها عضو في البرلمان كما أنها زوجة وزير الدولة لشئون الحرب. لو كانت الدعوة في وقت آخر، لرحب بها روبرت مبتهجًا، ولكنه لا يستطيع مواجهة الناس في حفل منزلي في الوقت الحالي. أحسَّ بالظلم، وكأنه الجندي تومي إذ بعد إصابته بالإعياء للمرة الخامسة قام يسأل عن بقية الجيش البريطاني. أوصل تلك الرسالة عبر الهاتف بأسلوب لبق قدر الإمكان.
«قد تحدث أي تطورات في قضية أويسيل ومع وزير الداخلية خارج المدينة، وأعتقد أنه يجب أن أكون على أهبة الاستعداد. طلب مني الوزير أن أتعاون مع المفتش بلاكيت كما تعلمين.» لم تخلُ نبرة روبرت تمامًا من الاعتداد بالنفس. ظن أن آيفي بيل كلينتون تمازحه، ولكنها قالت: «لهذا السبب يجب أن تأتي. أنيت أويسيل آتية، وطلبت مني أن أدعوك على وجه الخصوص.»
كانت أنيت قد طلبت حضوره! أحسَّ فجأة أن العالم أصبح مبهجًا.
«إذن، سآتي بالطبع. أريد أن أقابلها بشأن أمور كثيرة.»
أجابت السيدة بيل كلينتون بنبرة خالية من العاطفة: «توقعت أن توافق. سأقلُّك معي من المجلس بعد الغداء إن أحببت.»
عاد روبرت إلى سوهو مسرعًا كي يحزم حقيبته وهو يكاد يطير من السرور. هل طلبت أنيت حضوره لأن لديها معلومات تريد أن تخبره إياها بشأن اللغز أم أنها — وهنا أحس روبرت بحرارة في صدره — طلبت رؤيته على أية حال؟
دائمًا ما يشعر روبرت بالاستمتاع أكثر من الرهبة إزاء فخامة كلينتون باردسلي، ويرجع السبب في ذلك إلى شخصية آيفي بيل كلينتون التي تصعِّب على المرء أن يرهب أي شيء مرتبط بها. آيفي بيل ابنة ووريثة صاحب أكبر شركة جعة في العالم، وتزوجت البارون أنطوني كلينتون، وتمتد جذور عائلته إلى شجرة أكبر من معظم العائلات في أوروبا. ولكنها أصرَّت على أن تحمل الاسمين؛ لم تكن تخجل من أصلها، وجعلت من مقر كلينتون باردسلي مكان اجتماعات حيويًّا للأشخاص الذين يقومون بعمل جدير بالاحترام في الدنيا ومن يحملون آراءً مختلفة اختلافًا بينًا.
تستمتع السيدة بيل كلينتون كثيرًا بحث الناس غير العاديين على الاختلاط معًا، ولكن الحفلة التي حضرها روبرت ويست في تلك المناسبة كانت من الحفلات فائقة الاحترام. حضر إلى الحفلة وزير ومعه زوجته ولا ريب في أنها ذهبت إلى حفل التعميد، وهي ترتدي ثوبًا من نسيج الكريب الحريري الرقيق ذي اللون الأسود ودانتيل قديم؛ ورجلان من المنطقة التجارية لم يحضرا زوجاتهما؛ وسيدة حاصلة على بطولة في الجولف؛ واللورد دالبيتي وهو رجل حديث عهد بالطبقة الأرستقراطية؛ إذ لم يُدرج اسمه ضمن طبقة النبلاء إلا من ستة أشهر.
نظر ويست باهتمام إلى دالبيتي؛ إذ لم يقابله من قبل، ولكنه سمع عن الوصف الذي أطلق عليه «ملك القراصنة» نتيجة غاراته المثيرة والناجحة في أوساط التمويل الكبرى. بدا دالبيتي هادئًا ومعتدًّا بنفسه، وابتسم روبرت لما تذكر آيفي بيل كلينتون وهي تشبهه بالدمى الروسية، حيث يوحي مظهرها بالقوة ولكنك تتفاجأ بما تحتويه من أشياء بداخلها حينما تفككها. إخراج ما في جَعبة اللورد دالبيتي عملية مثيرة للاهتمام حتى في نظر خبيرة مثل السيدة بيل كلينتون.
لم تظهر أنيت حتى وُزعت كئوس الخمر قبيل العشاء. انزعج روبرت في البداية لما رأى كينيرد يلازمها في معظم الوقت، ولكنه كان يُسَر عندما يفكر في أمور ثانية. أمل أن تَسنح له الفرصة للحديث أكثر عن أويسيل وشئونه.
في أثناء العشاء، أحسَّ روبرت كأنه دمية في عرض غريب في مسرح العرائس. كان الحضور يأخذون أماكنهم حول مائدة بيضاوية ضخمة مثل التي في غرفة طعام لويس كوينز. احترامًا لأنيت — الصامتة ذات الوقار بفستانها الأسود، لم تُناقش القضية في مجلس العموم على الرغم من أنها الشيء الذي يفكر فيه كل الحضور باستثناء السيدة لاعبة الجولف. ولحسن الحظ، سُد الباب أمام أي فرصة محرجة للحديث بفضل صوت السيدة روكينجهام العالي ومختاراتها التي لا تنتهي عن قصص مباريات الجولف. نظرت السيدة بيل كلينتون إلى روبرت بتعبيرات على وجهها لما فتح الباب كي تخرج السيدات. شعرت بالضجر لما أمسى ضروريًّا أن تذهب وأن تكون سيدة في غرفة الاستقبال عندما أرادت أن تكون عضوًا برلمانيًّا وأن تبقى للحديث. مجلس العموم يجعل المرأة العضو في البرلمان تنسحب من العادات البسيطة للروتين الاجتماعي المرسوم للسيدة بيل كلينتون.
لما مرت كئوس الخمر، التفت دالبيتي إلى صاحب الحفل وهو وزير الدولة لشئون الحرب الذي بدا في هدوء ومبتهجًا، وعلَّق قائلًا: «أنت تتوانى إلى حدٍّ خطير بشأن قضية أويسيل، أليس كذلك؟»
«أنا … وماذا عساي أن أفعل؟»
«أنت وزير في مجلس الوزراء.»
«بالضبط. وهل تتوقع مني أن أُنجز مُهمَّات الشرطة كذلك؟ أفهم أن روبرت تحول إلى محقق مبتدئ في تلك القضية، وبناءً على ما علمته من جليسون …» وهنا التفت السيد أنطوني إلى ويست بابتسامته البسيطة الحذرة «… أنت لا تحظى بشعبية كبيرة في وزارتك بسبب ذلك.»
قال دالبيتي: «ولكن هل تدرك — أو لعل أحدًا في مجلس الوزراء يدرك — أن تلك القضية تثير بلبلة في المنطقة التجارية؟»
التفت السيد أنطوني بعينيه الزرقاوين اللطيفتين إلى ضيفه. «لا أرى أن لها صلةً بالبلد.»
صوت دالبيتي اختلجته مسحة من السخط: «حقًّا يا كلينتون، أعتقد في بعض الأحيان أنه حتى الوزراء ينظرون من وقت لآخر إلى العالم خارج أبواب وزاراتهم. كل شيء يؤثر في البلد. الشائعات المغرضة تنتشر بجميع الأشكال. مجلس الوزراء يمشي مُغمَض العينين نحو أزمة بشعة.»
نظر السيد أنطوني بيل كلينتون إلى الرماد في سيجاره هادئًا. «تحب المدينة أن يكون تحت يدها شيء تبرر به الاضطرابات. ولكن هذه القضية برمتها من اختصاص وزارة الداخلية. ولا شك عندي أن وزير الداخلية سيقدم تقريرًا إلى مجلس الوزراء حينما يكون لديه أي معلومات يبلغ بها.» ثم التفت إلى فيليب مثل شخص لبق يحاول تغيير الموضوع، ثم علَّق قائلًا: «بناءً على ما سمعته، فإن أنيت الجميلة وريثة يحالفها حظ وافر.»
ابتسم كينيرد ابتسامة لطيفة: «قالت لي إنها تشعر بقلق كبير إزاء مسئولية تلك الثروة.»
ضحك الناس على تلك العبارة. أردف وزير آخر: «مسئولية لا شك أن أحدًا سيشاركها إياها عما قريب.» أحسَّ روبرت مرة أخرى بأنه يريد المشاركة في تلك التمثيلية. كان كل واحد يتفوَّه بملاحظة بسيطة ولطيفة وكأنهم يكررون أجزاءً في عرض مسرحي. نظر إلى دالبيتي. تبدو الجدية على مُحيَّاه. وكذلك كينيرد. رجال يواجهون الحياة. تساءل ويست إن كان هو الآخر تبدو عليه صفات الدمى التي يتشاركها البرلمانيون الآخرون من بين الحضور.
عندما كان هناك توجُّه عام للالتحاق بالسيدات، وجد روبرت دالبيتي بجانبه. سأل العجوز: «هلا أتيت في نزهة معي؟»
«لا شيء أفضل من ذلك، ولكن هل السيدة بيل كلينتون …؟»
«أوه، لا بأس في ذلك. آيفي تريد الناس أن يفعلوا ما يحلو لهم.»
أشرقت حدائق منزل كلينتون باردسلي بضوء القمر. قال روبرت مستشعرًا الجمال الباهر من حوله: «هذا أجمل مكان دخلته.»
قال دالبيتي بنبرة خالية من العاطفة: «نعم، أتساءل كم يبلغ دخل بيل كلينتون كي يستمر هذا الحال. انتهت أيام اقتناء الأصول الثمينة ذات الكلفة الباهظة.»
قال روبرت بنبرة حادة: «هذا خزي. أعني، أنهم ظلوا يدافعون عن شيء لن يتكرر مرة أخرى.»
نظر إليه دالبيتي متفاجئًا. «نما إلى علمي أنك شيوعي متزمت وخطير! تلك البيئة أنشأت أنطوني كلينتون، وهو له فائدة في العالم الحديث بقدر فائدة بوذا المصنوع من العاج. ولكن لنتحدث الآن عن قضية أويسيل. هل توصلت إلى نتيجة بنفسك بشأن القضية؟ علمت من وزير الداخلية أنك توليت تلك القضية. يسرني أن أحدًا يتولى تلك القضية.»
«حتى إن كان مجرد سكرتير برلماني خاص؟»
ضحك دالبيتي. «هؤلاء لهم فائدة أيضًا.»
تردد روبرت. لمس في دالبيتي قوة الشخصية. مال إلى إلقاء ما في جَعبته عن القصة بكاملها، حتى فيما يتعلق بمخاوفه بشأن وزيره. لكن آداب اللباقة منعته. يجب أن يرى وزير الداخلية أولًا. لم يجرؤ على التفوه بما يعرفه وبشكوكه.
أساء دالبيتي تفسير تردده.
قال بنبرة هادئة: «أنا لا أتطفل في تلك المسألة بالمعنى الحرفي. ولكني كنت أنصح رئيس الوزراء بشأن المسائل الفنية المتعلقة بالقرض. وكنت أعارض بشدة أن يقابل وزير الداخلية أويسيل بشكل شخصي.»
أحسَّ روبرت بضرورة أن يظهر على وجهه أنه يقول الصدق. قد يكون الإفصاح عن القليل هو الطريقة المُثلى للحفاظ على السر الأكبر. قال: «أظن أنك تعرف أكثر مما أعرف. كل ما توصلنا إليه حتى الآن أن حارس وزير الداخلية إدوارد جينكس كان يحرس أويسيل، ويبدو أنه خدع كل من أويسيل والوزير. اكتشفنا أنه كان يحاول سرقة بعض المستندات المهمة. على الأقل، الدليل الذي معنا يشير إلى ذلك. وتلك ليست نتيجة قطعية.»
توقَّف دالبيتي عن مشيته المتأنية المتباطئة والتفت إلى روبرت محملقًا فيه. «حارس وزير الداخلية يحاول سرقة مستندات مهمة من أويسيل. يا له من رجل! إنه أسوأ مما تخيلت.» لما لم يكن السر الأصغر غريبًا على روبرت، فإنه تفاجأ من تأثيره في رفيقه.
قال لنفسه: «إنه أسوأ من ذلك بكثير، أو ربما هو كذلك بالفعل.» قال بصوتٍ عالٍ: «حسنًا، الدليل ليس قطعيًّا كما قلت.»
«لا يلزم أن يكون قطعيًّا. الاشتباه كافٍ. كم فردًا يعرف حتى هذا القدر؟»
«فقط أنا والمفتش المسئول عن القضية.»
«ولكن بالتأكيد وزير الداخلية … ما قوله في ذلك؟ أنت لا تحاول أن تجلس فوق بركان وفي عقلك فكرة حمقاء تحاول بها كسب بعض الشهرة، أليس كذلك؟»
أحسَّ روبرت بالاستياء، وأظهر ذلك. «ظلِلتُ أحاول التحدث إلى وزير الداخلية بمفرده لمدة يومين، ولكنه كان مشغولًا للغاية.»
«وسيظل مشغولًا. سيظل يرتب أوراقه حتى في يوم النطق بالحكم. أين هو الآن؟ لنأخذ سيارة ونراه من فورنا.»
دالبيتي جعل روبرت يشعر كأنه متكاسل مثل السياسيين الذين كان يزدريهم على العشاء.
«لا يمكننا مقابلته في عطلة هذا الأسبوع. إنه في اسكتلندا يبارك سفينة.»
جلس دالبيتي متثاقلًا على مقعد: «يا إلهي! كيف يسيِّر ذلك البلد شئونه بتلك الطريقة؟ إننا على مشارف أزمة كبرى قد تؤدي إلى حل الحكومة. حارس وزير الداخلية متورط ومحل اشتباه في تلك الأزمة، ووزير الداخلية مسموح له أن يسافر بعيدًا كي يبارك السفن من دون أن يُخبَر بتلك الأزمة. ماذا تظن نفسك بحق الجحيم يا ويست؟»
شعر روبرت بالخوف فجأة. هل كان يتخيل نفسه محققًا مبتدئًا من دون أن يدرك العواقب الكبرى لتلك القضية؟ هذا الرجل جعله يشعر كأنه تلميذ قُبض عليه ومعه أعواد ثقاب وعبوة بارافين. حسنًا، كان من الأفضل أن يعرف دالبيتي الأسوأ، لربما يتولى تلك القضية اللعينة برمتها.
قال بنبرة خوف على الرغم من أنه يستمتع بالتأثير الذي كان على وشك تحقيقه: «هذا ليس كل شيء. خرج جينكس كي يصوِّر تلك الأوراق في الليلة التي قُتل فيها أويسيل، وعثرت على نسخة من تلك الشفرة بخط الوزير بين ملفاته. إنه يعرف الشفرة أيضًا. استطاع فك الشفرة وكانت الملاحظات كلها متعلقة بالقرض.» أخرج كل ما في جَعبته مندفعًا من دون أن يتوقف. دالبيتي تملَّكه هدوء تام.
«هل أنت مجنون يا ويست، أم تُراك ثملًا؟»
«سأصاب بالجنون عما قريب يا لورد دالبيتي إن ظللت أفكر في تلك المسألة أكثر من ذلك. أعلم أنك تظنني أحمق، ولكني لم أكتشف أن وزير الداخلية لديه تلك الشفرة إلا هذا الصباح. حاولت أن أقابله. إني أحاول أن أتحدث معه منذ أن علمت ما علمت عن جينكس، ولكن صدقني لم أستطع الانفراد به خمس دقائق. لا يدعه جليسون يغيب عن ناظره هذه الأيام.»
قال دالبيتي وكأنه يتحدث مع نفسه: «وهذا شيء جيد أيضًا. كلا يا ويست. لا أظنك أحمق … أو أي شيء ولكن. يبدو أنك الشخص الوحيد الذي تعامل مع تلك المشكلة بجدية، بخلاف الشرطة بالطبع. هل أقول إن الشرطة تعرف كل هذا؟»
«لا تعرف أي شيء بشأن وزير الداخلية. احتفظت بذلك السر لنفسي. ولكن بالطبع تعرف المعلومات بشأن جينكس.»
«يسرني أنك لم تُفشِ تلك المعلومة. هل أنت متأكد من أنه لا أحد غيرك يعرفها؟»
أحسَّ روبرت أنه حري به ألَّا يُفسد الانطباع الذي لا يخفى تأثيره في اللورد دالبيتي بمحاولة أن يفسر له ما حكاه لدون شاو. وعلى أية حال، كان شاو جديرًا بالثقة إلى حدٍّ بعيد لدرجة أنه لا يُعتد ضمن العارفين بالسر.
قال روبرت: «كلا، لم أخبر أحدًا آخر. لكني سأقابل الوزير يوم الإثنين. سأطلب منه أن أكون معه بمفردي.»
قال دالبيتي متجهمًا: «سيقابلك. والآن، سنخرج بسيارتي ونذهب كي نقابل رئيس الوزراء.»
لهث روبرت: «رئيس الوزراء؟ لكن لا يمكن أن نفعل هذا قبل أن أقابل وزير الداخلية.»
«بل يجب أن نقابله. هناك أشياء على المحك أكبر من اعتداد ذلك العجوز بنفسه. الله أعلم ما الذي يسعى إلى تحقيقه. أظن أنه كانت لديه فكرة رائعة بشأن أويسيل المخادع. وكأن أرنبًا يحاول إخفاء شيء في جحره.»
لما كانا عائدين إلى المنزل، قال روبرت: «ولكن الكلب هو الذي مات.»
«أنت على حق يا ويست، ورجل ذكي كذلك إذا جاز التعبير. ألم تكتشف أن وزير الداخلية قتل أويسيل باعتبار ذلك مساهمة حسنة النية لحل المشكلة الدولية أم لا؟»
ضحك ويست. لم يستطع أن يمنع نفسه عن الضحك. أحسَّ أن همَّه أزيح من صدره لما حكى ذلك الكابوس لشخص قادر وفطن مثل دالبيتي. ثم تذكر المقابلة القادمة مع رئيس الوزراء. وجد نفسه يأمُل ألا يكون الشخص المهيب في منزل تشيكرز أو في أي مكان ذي شأن، ولكنه في الوقت نفسه يبتهج من فكرة أنه نفسه — مجرد سكرتير برلماني خاص — يصل متباهيًا مع دالبيتي صاحب النفوذ من أجل مقابلة في منتصف الليل. لا يوجد نبيذ يصيب المرء بالانتشاء مثل شعور أن يكون للمرء دَور في قلب الأحداث الكبرى الجارية.
حتى السيدة بيل كلينتون التي لا يمكن كبح جماحها شعرت بالهيبة تجاهه عندما أرسل دالبيتي خادمه الشخصي إليها كي يخبرها بأنه اتصل برئيس الوزراء — إذ بقي في شارع داونينج لأداء وظيفة ليوم السبت — وأنه سيذهب إليه مع روبرت من فورهما. إنها تتمتع بمهارة كبيرة في إدارة الحوار مع الرجل حتى يطرح أسئلة حينما يبدو التوتر على كليهما. ستكون الصديقة المقربة لكل منهما على حدة حينما يهدآن. إضافة إلى ذلك، قد يخبرانها المزيد وقتئذٍ. تُفضل السيدة بيل كلينتون أن تتعامل مع رجل واحد فقط في كل مرة.