الفصل الثامن عشر
حصل ويست على تذكرة مقعد «تحت الشرفة» من أجل دونالد شاو. هذه أكثر المقاعد المرغوب فيها داخل مجلس العموم. تلك المقاعد مخصصة في الأصل للخبراء المهتمين بجلسات مشروع قانون معين، توجد تلك المقاعد الصغيرة أسفل الشرفة الداخلية العامة المميزة، ولا تكاد تسع ١٠ أفراد، وتُفتح لاستقبال ضيوف الأعضاء شريطة أن يتوافر حيز من المكان، وهذا لا يحدث كثيرًا. ومن الغريب أنه على الرغم من تيسير المساواة التي تسود في المجلس الآن، وعلى الرغم من جواز قعود المرأة بصفتها من الغرباء المميزين على المقاعد المحجوزة للمشرعين الاستعماريين، وعلى الرغم من جواز قعودها على مقاعد الصحفيين في مقصورة الخدمة المدنية، فإن تلك المقاعد الصغيرة في مجلس العموم — غير المحجوزة لأي شخص بعينه في الوقت الحالي — محظورة تمامًا على أي امرأة على الرغم من أنها قد تكون خبيرة منوطة بمشروع القانون قيد المناقشة.
ربما تحاول عضوات البرلمان القضاء على هذه العبثية، ولكن المجلس — الذي ابتلع انضمام شريحة كاملة من المناضلات في السنوات الأخيرة — على استعداد للقتال حتى آخر نفس دفاعًا عن بعض القوانين القديمة المتوارثة.
الميزة الكبرى للزائر المفضل أن عضو البرلمان صاحب الضيافة يمكنه الجلوس على المقاعد في القاعة أسفله ويشير إلى معالم المكان. شعر دونالد شاو بسعادة غامرة لكونه في المجلس وكأنه عضو فيه، وافتتن بالطابَع غير الرسمي بالكامل للمجلس الذي يعتبره غير الأعضاء القوة المركزية لإمبراطورية عظيمة.
أدار الأعضاء ظهورهم للرجل البائس الذي كان يتحدث ويتكلم بصوتٍ عالٍ وهو يقرأ أوراق النظام، ثم انزعج وخرج على الرغم من عدم انتهاء جلسة النقاش. وفقط حينما توشك المحادثات أن تحجب صوت المتحدث، ينادي بعض مؤيديه «هدوء، هدوء» وعادةً ما يستمر الهدوء بعدها لمدة ثلاث دقائق تقريبًا.
قال دون: «سأموت من الخوف إن حاولت إلقاء خطاب على أناس قالوا صراحةً إنهم لا يريدون الاستماع إليَّ.»
قال صديقه: «الأمر ليس بهذا السوء. إذا كان الرجل يتحدث بخير، فسيسمعه الآخرون. على أية حال، يلقي هانسارد هذا الخطاب بالحرف كي يقول لناخبيه إنه قال كل هذا الكلام. أناس غريبون، ألسنا كذلك؟»
تملَّك الاهتمام دون ونظر حوله. «لم أحضر في المجلس من قبل، ولكني سافرت بالسيارة عبر إنجلترا حينما كنت في موطني آخر مرة. كانت هناك انتخابات عامة حينذاك وأتذكر حين كنت أنظر في كل صور المرشحين على الجدران وأفكر أنهم كانوا أناسًا حسني المظهر.»
ابتسم روبرت: «أوه، لو كنا نشبه الصور في خطابات الانتخابات، لأصبح مجلس العموم جوقة من الجمال.»
قال دون: «كأنه مسرح أُعد من أجلي. رئيس المجلس والثلاثة أصحاب الشعر المستعار أمامه والمكتب الكبير والصناديق النُّحاسية وصفوف الأعضاء على كل جانب، كل هذا يمكن وضعه في مسرح دروري لين بهذا التصميم نفسه.»
«وتلك هي المسألة من كل ما تراه يا دون. ببساطة، المشهد ليس حقيقيًّا. جميعنا تربَّى على أن هذا المكان هو القوة العظمى في البلد. والحاصل غير ذلك، ومِن ثَم يركل الجميع أعضاء البرلمان لأنهم لا يقدرون على المستحيل باستخدام أداة قوتها واهنة للغاية مقارنةً بالقوى الخارجية.»
«ولكن إذا مرَّرتم قانونًا هنا، فعلينا جميعًا الالتزام به.»
«الفكرة فيمن يقرر القوانين التي نمررها. ليست أحزابنا. انقشع زيف الأحزاب في الانتخابات الأخيرة. هناك قُوى كبرى خارجية تقاتل دفاعًا عن لغز يا دون. في أحسن الحالات، نحن مجرد آلات تسجيل. وفي أسوأ الحالات، فنحن غطاء على صمام الأمان. والأمل الوحيد هو ألا يُحكم الغلق علينا في الوقت الخطأ.»
«هل تعني أنه قد تندلع ثورة؟»
«أوه، الثورة مندلعة الآن، اندلعت منذ الحرب. ليس لدينا متاريس في بريطانيا، ولسنا شعبًا يتكلف جذب الانتباه. ولكن منذ عودتك، ألم تلاحظ أننا في لُعبة شد الحبل؟»
«شد الحبل كلمة تعبر عن الوضع. طرف يحقق بعض المكاسب ثم يسحبه الطرف الآخر. وهل مجلس العموم هو الحبل؟»
«ليس كل الحبل — ولكن لا ريب أنه جديلة في الحبل. غير أن كل الأطراف تشد، في المصانع والمناجم، وعلى السفن، ولدى ثوار الشرطة والمتظاهرين العاطلين عن العمل، طرفي أي إضراب كبير.»
«ومن الطرف الذي سينتصر … هل الاشتراكيون؟»
«وها أنت ترى. لكونك إنجليزيًّا، وضعت الصراع من فورك ضمن إطار سياسي. هذا الصراع نفسه يجري داخل كل حزب. هذا الصراع أكبر من السياسة، إنه يمثل ستيوارت أورفورد في مواجهة أتباع هوكسلي وراذرفوردز، المسرحين من أعمالهم ضمن طابور العمال في مواجهة أحدث الآلات، الرجل المنتسب إلى الطبقة الحاكمة القديمة في مواجهة قوة الجماهير التي تطالب بتوفير لقمة العيش. إنه لا يستطيع أن يوفرها لهم. ولا يعرف كيف يوفرها. ولا يمكنه التنحي بحجة أن لقمة العيش غير متوفرة لأن الصحافة قالت إن الخبز أحرقه المنتج الذي لا يعرف كيف يصنعه. إنه مخاض نظام جديد يا دون، ولكن تعسر ميلاد هذا النظام منذ أمد بعيد.»
«ولماذا لا يستطيع؟ ألم يضع أحد خُطة؟ أما من شك في معرفة هذه الشخصيات؟»
قال روبرت بنبرة تختلجها المرارة: «يا لها من خُطة! هناك العديد من الخُطط. ثم يستيقظ الصراع القديم من غفوته مع كل خطة. لا، لا يوجد شيء يمكن القيام به على ما أرى. دعهم يتصارعون فيما بينهم، وأظن أن المنتصر سيضع خُطة. إنه مستقبل قاتم، لا شيء مختلف.»
أتى ساعي المجلس بطول المقعد وناول ويست رسالة موجزة.
قال روبرت وهو يقرؤها: «إنها من سكرتير رئيس الوزراء. توشك هذه الجلسة أن تُرفع، والمحاكمة المؤجلة على وشك أن تبدأ في غضون بضع دقائق، ليس عليك الانتظار ما دمت لست بحاجة إليه. سأرجع بهدوء إلى مقعد سكرتير البرلمان الخاص. أراك لاحقًا.»
شاهد شاو شابًّا جميل الطلة وهو يعبر الطرقة وانحنى إلى رئيس المجلس واتخذ مجلسًا في المقعد الثاني الذي تجلس عليه الحكومة. أحسَّ بالقنوط من عالم يعيش فيه شباب أمثال روبرت ويست لهم عقول حادة وإحساس عالٍ بالمسئولية، شباب من المفترض أن عقولهم تتقد بالأفكار الجديدة والرغبة في أن تحل محل الأفكار القديمة، ولكن هؤلاء الشباب ينتابهم قنوط مرير؛ إذ يقول روبرت: «دعهم يتصارعون ونشاهد ما يحدث.» لكن لا ريب في أنه يرى أن مجلس العموم يستحق هذا الجهد حتى إن كان مثل آلة تسجيل. لنفترض أنه لم تكن هناك آلة تسجيل حتى وصل الصراع إلى أشده وانهارت بنية المجتمع بالكامل. قال دون لنفسه بقوة: «لا، قد لا أكون مواكبًا للعصر، ولكني سأظل أومن بمجلس العموم.»
بدأ المجلس يمتلئ بسرعة. كانت أخبار المحاكمة المؤجلة ظاهرة على اللوحات ذات المؤشرات المضيئة. دخل رئيس الوزراء ونهض مايكل هولدزوورث كي يتحدث. كانت هناك مخاوف من التوقعات.
كان هولدزوورث متحدثًا يمتاز بالدقة والصوت الخشن. وكانت خصومته مع رئيس الوزراء قديمة. وكثيرًا ما حدثت بينهما صولات وجولات.
«في الواقع، سيقال لي إن البلاغ وصل إلى قادة المعارضة عبر القنوات المعتادة، وإنه يستحيل على الحكومة إصدار بيان، وإن المحاكمة المؤجلة ستُعقد يوم الخميس، وإنه في تلك الأثناء أصبحت المسألة بين يدي القضاء. سيدي الرئيس، أنا لا أهتم للطريقة التي مات بها أحد السادة التعساء في هذا المجلس.»
صاح الأعضاء من مقاعد الحكومة: «إذن، عليك أن تهتم.»
قال هولدزوورث بصوت هادئ: «لا ريب أن أصدقاء الرجل سيقدمون كل التعاطف اللازم.»
حدثت جلبة في القاعة. صُعقت مقاعد المعارضة الأمامية. وأحسَّ رئيس الوزراء بالألم. رُفعت إشارات الهدوء في ربوع المجلس. هل تصح إهانة ضيف أتى ومات في هذا المجلس بهذه الطريقة؟
نهض رئيس المجلس. ولكن لا تزال الجلبة قائمة. لم ينظر إلى أي اتجاه وبصوت هادئ من تحت المظلة الثقيلة قال إنه يرجو احترام الميت. أُعجب دون بالكلمات. كان هذا الصوت أشبه بصوت العرَّاف.
استمر هولدزوورث، ووقف ساكنًا ولم يتجاوب مع الجلبة. جعل الأعضاء يسمعونه لما قال إنه لم يقصد إهانة الميت، وإنه لم يرغب في أن يرد السيد أويسيل بشخصه في المناقشة على الإطلاق. الأسئلة التي أراد أن يطرحها تتطرق إلى القاتل، وليس لها عَلاقة بشئون الشرطة التي ستناقَش في التحقيق.
بحديث مقتضب ولكنه قاتل ولم يستمر أكثر من ١٠ دقائق، وفيها وجَّه هولدزوورث سهامه صوب رئيس الوزراء. لماذا تكتمت الحكومة على مسألة القرض بتلك الطريقة؟ هل دُعي ممولون آخرون غير مجموعة أويسيل من أجل أن يتعاونوا؟ وكان هناك حديث عن شروط سرية. هل أويسيل وضع تلك الشروط؟ وهل وافقت عليها الحكومة؟ هل كانت تراعي هيبة هذا المجلس؟ إلى أين وصلت تلك المفاوضات؟ هل كانت الشروط قاسية بالقدر الذي أشيع في البورصة منذ مقتل أويسيل؟ ما الدافع من تكتم الحكومة المتعنت وقت انهيار البورصة البريطانية؟ هل توجد حقائق في الشائعات الدائرة بأن الولايات المتحدة الأمريكية هددت بأن تفرض عقوبات مالية؟ ألا تدرك الحكومة البركان الذي يغلي تحتها؟ لم يشهد مجلس العموم هذه الحماقة المطلقة من قبل مطلقًا، ولا هذا التجاهل المتراخي لمخاطر الوضع الراهن. هل يصح أن تنهار الأوراق المالية الإنجليزية وفي الوقت نفسه يُسمح لسكرتير برلماني خاص شاب وغير مهم أن يجريَ وراء امرأة ويسلي نفسه بدور محقق هاوٍ؟
جلس هولدزوورث وسط همهمات الجالسين. وتلك الجملة الأخيرة أفسدت تأثير حديثه. توجهت السيدة بيل كلينتون ببصرها نحو جريس ريتشاردز وعلقت بنبرتها الساخرة العالية: «هذا كله بسببك.» قد يكون المجلس مكانًا حاد القسوة، والأشخاص الذين لُدغوا من أسلوب هولدزوورث واستجواباته اللاذعة واتَتْهم الفرصة بالضحك على وجنتَي جريس الحمراوين من الغضب. علق الجالس بجوار شاو في المقصورة إذ كان كلاهما ينظران إلى جريس البائسة متعاطفين: «النساء في هذا المجلس لدغتهن أعنف من لدغة الرجال.»
نهض رئيس الوزراء مبتسمًا. الضحك بدَّد الأجواء التي تسبب فيها الجزء الأوسط من حديث هولدزوورث. أمسى الوزير واثقًا من نفسه في المجلس الآن. استهلَّ حديثه بتقديم التعازي إلى الآنسة أويسيل، تلك السيدة التي ينفطر لها قلب كل رجل نبيل يتحلى بالشهامة (مع تركيز طفيف على الكلمة) في هذا المجلس. قدم التعازي إلى وزير الداخلية الذي يحمل عبئًا مضاعفًا ثلاث مرات بسبب فُقدان صديق قديم وضيف كريم وتولي مسئولية الوزارة وكذلك مسئولية كشف الجناة ومعاقبتهم. ذكر كل شخص له صلة بالحادث وقدَّم التعازي لكل منهم على حدة. حينما أتى الحديث على العاملين في المطبخ وعلى تفانيهم وعلى نقمتهم على تلك المأساة، تحدث بكلام من ذهب وحوَّل الأحاديث الجانبية إلى إقرار هذا الكلام حتى من جانب المعارضة. تذكر العمال الذين كثيرًا ما يُنسى فضلهم. لم يكن هناك غير هولدزوورث الذي بقي وجهه عابسًا.
لما أعرب رئيس الوزراء بهذا الكلام الطيب للجميع، أصبح المجلس مهيئًا كي يلقي رئيس الوزراء بيانه بأن السفارة الأمريكية توفر كل سبل التعاون مع حكومة صاحب الجلالة، وأن انهيار الأوراق المالية نتج عن محاولات مشينة لتحقيق استفادة من مأساة تعرض لها رجل عجوز، وأن الحكومة ستتخذ إجراءات مشددة للتعامل مع الموقف.
أردف رئيس الوزراء أن العضو الذي أثار هذا الجدل هاجم الشرطة. توقف للحظة، ثم قال بأنعم نبرة صوت لديه: «ربما هذا العضو المحترم لا يحب الشرطة البريطانية.» امتلأ المجلس بالضحك. التأكيد الخفيف على لفظتَي «المحترم» و«البريطانية» كان رائعًا في توجيه الإهانة حيث إن هولدزوورث كان داعمًا قويًّا للاتحاد السوفييتي. ولكن لم يكن من عادة الشرطة أن تعلن عما توصلت إليه ولا عن نظرياتها من أجل إسعاد رجل نبيل غير صبور من المعارضة، لا سيما حينما يكون لدى الشرطة سبب يجعلها تؤمن بأنها على وشك أن تتوج جهودها بالنجاح.
أمسى المجلس في سكون تام. يشرئبُّ كل عضو على المقاعد، وكل صحفي، وكل فرد من العامة الجالسين في الشرفات الداخلية انتظارًا لما سيقال بعد ذلك. حينما يكون المجلس على هذا الحال، فتلك أدق وأخطر اللحظات في حياة رجل السياسة. ما الكلمات التي سيتجرَّأ الخطيب على التفوه بها والتحول من جو الترقب إلى الحديث العادي بعدما أوصل هذا الجمهور الناقد والقلق والمضجر إلى هذا المستوى من الترقب؟ لما نهض رئيس الوزراء، عزم على أن يتحدث بأشد العبارات غموضًا وأكثرها تنصلًا. يتطلب هذا الموقف رجلًا لا يتحلى بقدر كبير من الحساسية والتأثر كي يقاوم إغراء هذا المجلس المزدحم والمنصت.
نظر من حوله سعيدًا بلغزه. قال إنه ليس منوطًا بالكشف عما تعرفه الشرطة ولا هذا المكان مناسب لذلك. مكان الإفصاح عن تلك المعلومات هو محكمة التحقيق الجنائي. والتحقيق تأجل إلى يوم الخميس. أطالت تلك المدة على بعض النبلاء بحيث لا يستطيعون الانتظار؟ وفي قلقهم خشية أن تُنشر الحقيقة قبل أن تسطر أسماؤهم في الصحف، فهل يجب أن يفرضوا تصريحًا سابقًا لأوانه ولن يفيد هذا التصريح إلا في عرقلة رجال يحملون هذه المسئولية الجسيمة على أكتافهم؟
دوى المجلس بالآراء عن هولدزوورث الذي لا يقع في وضع غير مواتٍ إلا نادرًا. لكنه بقي هادئًا وسط هذا الاستنكار العام. الثناء هو آخر ما أراده هولدزوورث من خصومه السياسيين. أردف صاحب الصوت الرنان حديثه آملًا أن يواصل المجلس ثقته في أصحاب السلطة، وبصفته رئيسًا للوزراء، فقد يعد أن تأتي الشرطة البريطانية — الأقدر على مستوى العالم — بهؤلاء المجرمين وتزج بهم أمام القضاء البريطاني الأكثر إنصافًا على مستوى العالم في أقرب وقت ممكن إن لم يحدث ذلك بحلول يوم الخميس، وسيصبح كل شيء على ما يرام إذا تحلت إنجلترا بالصدق تجاه نفسها.
جلس وسط دوي التصفيق. لقد انتصر الصوت الرنَّان مرة أخرى. أعرب رئيس المجلس عن قرار التأجيل بشكل روتيني، وخرج الأعضاء من المجلس يضحكون على سخرية السيدة بيل كلينتون من هولدزوورث وجريس، خرجوا فرحين كأنهم تلاميذ سُمح لهم بالخروج من المدرسة مبكرًا.
تعبير روبرت ويست الغاضب منع أي أحد من مضايقته. والرجل الذي استهل مضايقته تراجع مسرعًا لما رمقه روبرت بنظرة توحي له أنه سيطرحه أرضًا. غادرت جريس القاعة بمجرد طرح الاقتراح إذ هربت وسط الجلبة من دون أن يلاحظها أحد. لم يستطع ويست أن يسأل أحدًا من حزبها أين ذهبت. كذلك اختفى هولدزوورث. هل ذهب كي يهدئها؟ اللعنة على هذا الرجل! واللعنة على السيدة بيل كلينتون — لماذا لم تتحاشَ البتة أن تتفوه بأول شيء يتبادر إلى ذهنها؟ روبرت معجب بها من صميم قلبه، واحترم تعاطفها الحقيقي النابع من قلبها. ما الذي دفعها إلى فعل هذه الأشياء التي تُعرِّضها للكراهية الشرسة؟
لما تذكر روبرت أن يأخذ شاو إذ خرج مع الآخرين الذين كانوا جالسين في المقاعد تحت الشرفة إلى الرواق، اندفع إلى خارج القاعة ولكن اعترضه اللورد دالبيتي إذ نزل لتوه على سُلَّم الشرفة الأعضاء اللوردات.
سأل: «هل لي بدقيقة معك يا بوب؟» ولما رأى وجه الشاب غير السعيد، قال: «ما الذي لدى آيفي كي تتفوه بما قالت؟»
هزَّ روبرت كتفَيه. لم يكن واثقًا مما لديه من إجابة.
قال دالبيتي: «هل طلبت منك شيئًا بشأن حفل العشاء؟»
رد روبرت: «نعم، وهذا مستحيل بالطبع. وبالمثل، يمكنك تدبر الأمر إن أردت إتمامه بالطبع، ولكن في هذه الحالة يفضل أن تتحدث إلى جليسون بنفسك. وإذا أعطاك الإذن، فلا أظن أن سلطات المجلس ستُبدي أي اعتراضات، ولكن لن يحبوا ذلك وأنا لن آتي على أية حال.»
قال اللورد دالبيتي بحزم: «أوه، نعم، ستأتي. كي أكون منصفًا تجاه آيفي، كان العشاء مجرد هواية عابرة بالنسبة إليها، ولكني اهتممت به وأريده أن يتم. أريد أن أرى الغرفة في الظروف التي كانت عليها في تلك الليلة، ومع خادم الضيافة نفسه.»
«إذن، لماذا لا نتناول العشاء أنا وأنت بمفردنا؟ وبذلك ستكون الظروف أقرب إلى الظروف التي كان عليها عشاء أويسيل أكثر من الحفل.»
«ولكن أنيت وفيليب كينيرد يريدان الحضور، وأنيت لديها بعض المطالب. وأنا أريدها أن تأتي.»
«إذن، لا حاجة إلى السيدة بيل كلينتون.»
ضحك دالبيتي. «آيفي البائسة. إنها تستحق أن تُترك، ولكن سيكون الحفل مملًّا للغاية بدونها. يجب أن تسامحها حقًّا … هل ستنهي الترتيبات مع المدير؟ سنقيم حفل العشاء في وقت متأخر قدر الإمكان، ولنقل التاسعة والنصف. اجعل المكان مظلمًا قدر الإمكان. لن نتمكن من منع الصحافة من معرفة أن هناك شيئًا يجري، ولكن يمكننا تفادي أي إعلانات أولية. بالمناسبة، هل توصلت الآنسة ريتشاردز إلى أي شيء؟»
«لم يكن لديها الوقت الكافي حينئذٍ. ولا نكاد أن نتوقع منها المساعدة بعدما حدث هذه الليلة، أليس كذلك؟»
«أوه، ستتجاوز ذلك. على أية حال، لا بدَّ من سبيل لملاطفة امرأة بعد الإعلان عن عدد معجبيها للعالم. تحدث إلى بعض الصحفيين. تلك الوقائع تليق بهم كثيرًا. سيبقى الخبر كأنه مزحة وقعت في المجلس.»