الفصل السابع
عجَّت الشرف في مجلس العموم بالهمس واللمز حينما نزل روبرت ويست من غرفة وزير الداخلية في الساعة الثانية والنصف. في الفترة بين الثانية والنصف والثالثة إلا الربع، دائمًا ما تتسم الخمس عشرة دقيقة تلك بالحماس في اجتماعات المجلس حتى في أهدأ الأيام. يُسمح للزائرين بالدخول إلى القاعة المربعة وتسمى رواق الأعضاء، وفيها يكوِّن الأعضاء ضلعي مربع كي يشاهدوا موكب رئيس المجلس. ينادي الحاجب: «رئيس المجلس. ليخلع الغرباء قبعاتهم!» ويدوي الصوت في الطرقات، وفي الرواق الرئيسي يأتي موكب صغير يزرع الهيبة لدى الغرباء بجلاله البسيط. موكب صغير يتألف من ضابط النظام ومعه صولجان كبير مُذهب (لكنه مجوف) فوق كتفه، ورئيس المجلس وهو رجل طويل يضع شعرًا مستعارًا رمادي اللون وثوبًا طويلًا أسود اللون ويمسك ذيل الثوب رجل صغير يرتدي زي محكمة أسود، وسكرتير والقس وساعيين قويي البنية؛ هذا هو الموكب.
لكن يكفي أن نبين للعامة المتفرجين، وحتى أعضاء البرلمان المضجرين أنفسهم، أن رئيس المجلس رمز لقوة مجلس العموم وأن نظرة من عين رئيس المجلس تؤمِّن حقوق الأعضاء في أن يسمعوا ويُسمع لهم.
في ذلك اليوم، كان الحشد أكثر من المعتاد. تسببت عناوين المقالات الصحفية في إحداث ضجة كبيرة. حتى موت عضو من البرلمان في مجلس العموم — كما حدث عدة مرات — خبر يسترعي الاهتمام، فما بالك بخبر انتحار رجل كهذا وفي وسط المفاوضات النقدية، يكاد هذا الخبر أن يكون كافيًا لإثارة الحماسة لدى محرري الأخبار أيضًا.
بالفعل بدأت بعض الصحف تشكك في نظرية الانتحار. عُقدت مقابلات مع أنيت أويسيل مع الصحف التي تصدر في وسط النهار. وعلى وجه الخصوص، لم تقل أنيت للصحفيين إلا «جدي لم ينتحر»، وتلك العبارة كافية كي تثير اهتمام الصحافة.
المشهور عن كم الثروة التي يُفترض أنها سترثها ورفضها الإدلاء بأي تعليقات أخرى زاد من أهمية كلماتها.
في شرفات التصويت على جانبي قاعة الجلسات، كانت مجموعات أعضاء البرلمان تتناقش حول ذلك الموقف. لما أحاط الأعضاء بويست، كاد يندم على اتخاذ القرار بالنزول إليهم. لكن من أهم الواجبات المنوطة بالسكرتير البرلماني الخاص «تحسس الأجواء» في المجلس من أجل وزيره، وتهتم الحكومة اهتمامًا خاصًّا في ذلك الحين بمعرفة ما يقال. شعر ويست أن قرار الإبقاء على دليل الانتحار — ولو مؤقتًا — طي الكتمان كان خطأً فادحًا. لماذا لا تنفك الحكومات والخدمة المدنية عن إثارة متاعب لا داعي لها لأنفسهم بالإصرار على تلك السرية حول كل شيء؟
لا بد أن يظهر الدليل. لماذا لا يُتوقع الهمز واللمز ويُتجنب سوء الفهم بذكر كل المعلومات المعروفة بمنتهى الصراحة؟ لكنه تلقى تحذيرًا بعدم التفوُّه بأي شيء، ولما دخل إلى رواق التصويت أحسَّ كأنه مسيحي غير مسلح رُمي به إلى أُسود تتضور جوعًا.
انهالت عليه الأسئلة:
«ما الذي نوى رئيسك فعله؟»
«لماذا كان هو المنوط بالمفاوضات على القرض؟»
«ما الذي قاله لأويسيل فدفعه إلى الانتحار؟»
«ما الذي ستقوله أمريكا؟»
«هل كان انتحارًا؟»
«تقول أنيت أويسيل إنه ليس انتحارًا.»
حاول روبرت أن يتفادى كل تلك الأسئلة، وذلك بالإجابة عن سؤال ثم الإجابة عن الآخر قبل أن يلزم نفسه بشيء. الرجل الذي يخشاه هو مايكل هولدزوورث، وهو شاب اشتراكي من لانكشاير وله عينان ثاقبتان كعينَي الصقر. كان يقف بجوار ويست ينتظر أن يهدأ الصخب قليلًا. وعندما هدأ، قال بصوت واضح:
«لم يكن الحادث انتحارًا يا ويست وأنت تعلم ذلك.» خيَّم الصمت. كره ويست هولدزوورث في تلك اللحظة. انتظر حشد أعضاء البرلمان. إنه لا يستطيع الهرب الآن بعد إثارة اهتمام العامة، وهولدزوورث يعرف ذلك.
بدأ مزاج ويست يتعكر. قال بنبرة حادة: «لو لم يمت منتحرًا، فإن موته قضاء وقدر؛ إذ لا يبدو أن هناك وسيلة أخرى يمكن أن يموت بها.»
ابتسم هولدزوورث ابتسامة كدرة.
«هل سيستدعي رئيسك الرب حينما يجيب عن سؤال الإخطار الخاص الذي طرحته؟»
أُنقذ ويست من الأحاديث الأخرى لما نودي «رئيس المجلس في الصلاة» إذ دوَّى النداء في الطرقات بأصوات موسيقية عميقة من ساعيي المجلس.
كي يحظى بوب بالسلام لمدة ثلاث دقائق فقط، دخل في الصلاة على الرغم من أنه لا يحضرها إلا قليلًا.
عمَّ الصمت في المجلس. فرغت كل الشرفات الداخلية ما عدا شرفة السيدات البعيدة عند السقف من أجل إقامة طقس يومي بسيط. وقف أعضاء البرلمان في مقاعدهم، ورنم صوت القس الهادئ بالصلاة. في الصلوات، يدير الأعضاء وجوههم إلى الجدار ويدعون: «نعوذ بقدرتك يا رب أن تقينا من الأهواء والتحامل على الغير والنزعات المتحيزة.»
عادةً ما يبتسم ويست حين يفكِّر في مدى ضرورة هذا الدعاء في مجلس كهذا، ولكنه بعد ظهر ذلك اليوم، كان يفكِّر في أنيت.
انتهت الصلوات. تزاحم الأعضاء الذين بقوا خارج أبواب القاعة حتى أُخبروا بتلك الواقعة للوصول إلى مقاعدهم. بدأت الأسئلة.
وكما هو الحال دائمًا، تراوحت الأسئلة بين مجموعة محيرة من الموضوعات. لماذا يطلق الرصاص على السكان الأصليين في جزر أندامان؟ لماذا رُفض طلب معاش التقاعد الخاص بالسيدة سميث؟ لماذا توقف استخدام المعالجة الحرارية في خزانات إتش إم إس روتشستر؟
تخوض جراسي ريتشاردز معركة صغيرة خاصة مع وزير الداخلية بشأن امرأة أُدينت بالدعارة خطأً وزُج بها في السجن. ولو في وقت آخر، لحرص ويست على أن يقف بجانبها. شعرها أسود ناعم وكثيف وبشَرتها خمرية دافئة مثل بشرة أهل الجنوب، عيناها سوداوان برَّاقتان، تلك الملامح تجعلها امرأة تلفت الأنظار إليها في مجلس ذكوري محبط.
عادةً ما كان روبرت يستمتع كثيرًا بحقيقة أنه على عَلاقة ودية في الخفاء مع هذه المتمردة الشابة، على الرغم من أنه يظهر خارج المجلس بصفته ناقدًا لا يتهاون معها في دائرة انتخابية مجاورة. لكن اليوم، لم تثر جراسي إعجابه. فلديه موعد مع أنيت حينما تنتهي الأسئلة.
هاتفها كي يطلب منها تناول الشاي في الشرفة المكشوفة للتحدث في بعض الأمور. كان طلبًا جريئًا في ظل الظروف الحالية، ولكن مراسم الحداد لم تُزعج أنيت على ما يبدو. فقد وافقت من فورها.
بدأت أسئلة الإخطارات الخاصة تنهال. أراد أن ينتهيَ من تلك الأسئلة. وبفارغ الصبر وللمرة الأولى، تمنى لو تقل حدة هجوم جراسي. لماذا لا تترك الحديث عن المسألة؟ لماذا لا تقف هادئة وكأنها قط يحاول صيد فأر؟ لماذا تهتم لأمر قَزَمٍ مسجون في حين أن النساء أمثال أنيت …؟ هنا، استجمع بوب مشاعره، وقال لنفسه إنه أحمق، وحاول أن يهتم بعض الشيء إلى ما يقال.
أُسكتت السيدة ريتشاردز ولكنها لم تهدأ حين دقت الساعة الرابعة إلا الربع. في هذا الوقت، تنتهي الأسئلة الواردة في جدول الأعمال على الرغم من أن بعضها أو كثيرًا منها لم يُجَب عنه بعد. عندئذٍ تبدأ أسئلة الإخطارات الخاصة إن وجدت. دائمًا ما تضفي جو التشويق لأن طريقة طرح تلك الأسئلة لا تُتَّبع فقط سوى فيما يتعلق بالمسائل الخطيرة والعاجلة بحق. ثم يستقر الأعضاء على مجموعة خيارات لذلك اليوم.
وقف مايكل هولدزوورث في مكانه المرتفع في صف المقاعد الرابع، وأكدت لكنة لانكشاير في لسانه على سؤاله المحدد. «هل لي أن أسأل وزير الداخلية سؤالًا أرسلته إليه في إخطار خاص؟ هل تحدث الوزير عن موت السيد جورج أويسيل في هذا المجلس البارحة؟
هدأ المجلس وكأن على رءوس أعضائه الطير. وقف وزير الداخلية. بنبرة ثابتة وجافة، قرأ الإجابة التي كتبها السيد جورج جليسون. «يؤسفني أن أخبر المجلس بأن السيد جورج أويسيل الذي كانت تُجري معه الحكومة مفاوضات مهمة — كما هو معلوم — والذي كان معي البارحة في عشاء ودي وغير رسمي، قد وجده أحد أعضاء هذا المجلس ميتًا بعد بضع دقائق من مغادرتي إياه من أجل التصويت بشأن مشروع قانون مالي. تحقق الشرطة في المسألة. وتود حكومة صاحب الجلالة أن تبلغ عن حزنها العميق لوقوع ذلك الحادث وعن تعاطفها الشديد مع الأقارب الذين تشرفت بالتواصل معهم.»
توقف الوزير عن الكلام. امتلأ المجلس بالأحاديث الجانبية. خلع وزير الداخلية نظارته. «لو تأذنوا لي بحديث شخصي. كان السيد جورج أويسيل صديقًا قديمًا لي. وكان خبر موته — غير المتوقع بالمرة — في وسط تلك المناقشات الودية بمثابة صاعقة لي. وبالإضافة إلى الكلمات التي قرأتها عليكم، أود أن أعبر عن أسفي الخاص.»
حينئذٍ، لا بدَّ أن الأحاديث الجانبية أمست تعبر عن التعاطف. يحب المجلس اللمسات الشخصية. سينسى المجلس كل شيء تقريبًا إذا أُعرب عن هذا التوضيح بلباقة. لم يثر إعجاب مايكل هولدزوورث. خشي الجالسون في صفي المقاعد الأماميين من أن يروه يتخذ مسار العداء لأنه ببساطة لم يتأثر البتة بالاعتبارات التي عادةً ما تؤثر في ذلك المجلس العاطفي. انتقلت جراسي إلى المقعد بجوار هولدزوورث وأمسى واضحًا أنها تشجعه.
«هل اطلع وزير الداخلية على إفادة الآنسة أويسيل إذ تعبر عن اقتناعها بأن جَدها لم ينتحر، وهل لديه أي أسباب تشكك في النظرية الرسمية للشرطة بأن الحادث كان انتحارًا؟»
صيغ السؤال صياغة ماهرة؛ إذ إنه ليس هجومًا مباشرًا بحيث يثير التعاطف مع الوزير، ولكنه كافٍ لغرس الشك في عقول العامة.
«اطلعت على إفادة الآنسة أويسيل. ويمكنني القول إنني رأيت الآنسة أويسيل نفسها. لا يسعني إلا طمأنة المجلس بأننا سندرس كل النظريات دراسةً متأنية، وإن قدرًا كبيرًا من اهتمام شرطة سكوتلانديارد الماهرة يركز على كل من موت السيد أويسيل وعملية السطو على شقته التي يبدو أنها وقعت في الوقت نفسه تقريبًا.» هتفت أصوات من مقاعد الحكومة تعبيرًا عن «الموافقة والاستحسان» لملاحظته. شعر ويست بالراحة عندما لم يطرح هولدزوورث أسئلة أخرى. من الواضح أنه سيثير المشكلات، ولكنهم تخطَّوا العقبة الأولى. ليذهب الآن إلى أنيت.
عزم على أن يشقَّ طريقه بين حشود الأعضاء وأن يتحرك تجاه جناح تناول الشاي وخلَّف وراءه المجلس وقد خلا من أعضاءٍ كُثْر، لدرجة أنه لم يلاحظ جراسي ريتشاردز وهي تمد يدها كي تلفت انتباهه.
لكن هولدزوورث لاحظ ذلك. قال: «هلا احتسيتِ الشاي معي يا جراسي وتحدثنا عن ذلك اللغز.»
قالت جراسي ريتشاردز وهي تنظر إلى ظهر ريتشاردز غاضبة: «نعم، تفضل. يسرني ذلك.» لقد اعتادت أن تجد روبرت يبحث بتلهفٍ عنها وقت تناول الشاي.
لم يكن ويست في مزاج يسمح بأن يعترضه أعضاء البرلمان ممن يريدون أخبارًا. انتهى الأسوأ في الوقت الحالي. سلك الطرقة التي كان يبحث فيها عن دون شاو البارحة. لكن هذه المرة يبحث عن أنيت. وبما يتناسب مع أهميتها، لم تكن بين الزحام في الرواق العام، ولكنها جلست على أحد المقاعد في الطرقة، ولا يُمنح هذا الامتياز إلا للحاضرين المعروفين بأنهم «أشخاص مهمون».
جلست أنيت على المقعد وأخذت ترمقها أنظار الفضوليين (إذ دائمًا ما يقوم شرطي على علم بلفت الانتباه إلى أي شخص ذي أهمية خاصة) حيث إن مظهرها يؤكد أنها «شخصية مهمة». تبدل الفستان الصوفي الأنيق الأسود الذي كانت ترتديه في الصباح إلى فستان آخر من الساتان غير اللامع المشبع بالألوان إذ رسم ملامح جسدها الممشوق. على الرغم من أن روبرت يدرك الاهتمام الذي أثاره لدى الآخرين، توجَّه بها إلى طاولة سبق أن حجزها لهما في الشرفة المكشوفة.
شرفة مجلس العموم المكشوفة في أيام شهر يونيو الدافئة في فترة ما بعد الظهيرة من أكثر المشاهد النابضة بالحياة في لندن. مجموعات الناخبين الجادين الواعين لأنفسهم يقدم لهم الشاي الأعضاء المكافئون لهم في الجدية والوعي. أما أعضاء البرلمان الأقل وعيًا فيزينون طاولاتهم بفتاة جميلة أو فتاتين. لكن أصحاب الهمم في واجباتهم يجلسون محاطين بالأقارب ويحاولون الظهور بأنهم محط إعجاب الآخرين. يتمرن كبار الشخصيات السياسية بالذهاب والإياب. ولا أحد يستنتج من تحفظهم النبيل أنهم يعون كل حركة وهمسة بأن «ذلك السيد فلان». ينبغي أن يبلغ السياسي من الشهرة مبلغًا كبيرًا ولسنوات عديدة قبل أن يتجنب الجلوس في الشرفة المكشوفة في ذروة الموسم. يعرف روبرت تمام العلم الهمس الذي تبع تقدمه المهيب مع أنيت أويسيل، ولكنه انزعج لما رأى روبرت — مرافقته المعتادة لاحتساء الشاي — في حديث جاد مع مايكل هولدزوورث. ابتسمت له لما مرَّ بهما. تردد للحظة ثم لم يُعرِّفهما على أنيت.
على أية حال، سيخبر جراسي فيما بعد أن مقابلته مع الآنسة أويسيل كانت مقابلة عمل ولا يخفى أن حزنها يعفيها من لباقة السلوكيات المعتادة منها. لكنه يعي أنه لا يريد أن تتقابل الفتاتان. في النهاية، كان إحضاره لأنيت في الشرفة المكشوفة لفتة توحي بجرأته السياسية، ولما أمست معه أصبح لا يكاد يعرف ماذا ينبغي له أن يقول. كان يميل إلى إخبارها بشأن الأدلة التي توصلت إليها الشرطة حيث إنه أراد أن يزيد أهمية الموضوع في نفسه، ولكن لما كانت أنيت معه من دون صحبة أحد، فلحسن الحظ أنها كانت ودودة أكثر مما كانت حينما قابلته في الصباح رفقة كينيرد.
بعد الحديث في أمور عامة لبعض الوقت، قالت: «قابلت المحامين واطلعنا على أوراق جدي.» قبلت أن يُصبَّ لها الشاي بعد أن جلست من دون أن تصب لنفسها. سأل روبرت وهو يقاوم حرارة المقبض: «هل هناك أي أوراق مفقودة؟»
«يصعب الإجابة عن هذا السؤال. بالطبع أنا لا أعرف كل الأوراق التي كانت لديه. لكن هناك شيئًا يقلقني، وهو فقدان دفتر يوميات كان يحمله معه دومًا حينما يُجري مفاوضات بشأن الأعمال.»
«بالطبع أخبرتِ الشرطة عن ذلك.»
نفد صبر أنيت. «أنا أخبر الشرطة بأقل قدر ممكن من المعلومات. فأنا لا أثق بهم كثيرًا كما كان يفعل جَدي.»
«هذه ليست أمريكا كما تعلمين.» وابتسم روبرت وهو يقرب إليها الخبز والزبد.
«لا أهتم لذلك. الشرطة هي الشرطة في كل العالم. لقد أتيت إليك. فأنت سياسي. ولذا ستكتم السر.»
انحنى روبرت قليلًا امتنانًا. «يسرني أن أحظى بهذا الرأي المحبب بتلك السرعة.» أحب أن ينظر إلى أنيت — هادئة وساكنة للغاية على الرغم من روعة جمال يديها. أرادها أن تضع كمية كبيرة من السكر في الشاي في كوبه لربما ينظر إلى انحناءات أصابعها البيضاء الصغيرة وهي تُمسِك بملقاط السكر، ولكنه اضطُر إلى أن يضع السكر بنفسه.
عادت أنيت إلى حالة الصمت. ثم قالت بصوت منخفض: «أريدك أن تساعدني في العثور على دفتر اليوميات ذاك من دون إخبار الشرطة بفقدانه أو بأهميته.»
اعترض روبرت: «ولكن في الحقيقة يا آنسة أويسيل، لا تستطيع الشرطة أن تعمل من غير امتلاك حقائق. فلماذا لا تريدين إخبارهم؟»
«لأنه إذا ضاع ذلك الدفتر فقد ضاع، والأحرى ألا يعلم من أخذه أننا نوليه أي اهتمام خاص.»
«إذا كان الأمر كذلك، فسأساعدك. هلا أخبرتِني ما هو شكله؟»
«دفتر من الجلد الأسود، صغيرٌ للغاية ورثٌّ للغاية. المدخلات مكتوبة بشفرات. وإذا توصَّل اللصوص إلى حل الشفرة، فستكون كارثة كبرى. وإذا لم يتوصلوا إلى حلها، فأعتقد أن التحفظ في الحديث أفضل.»
قال ويست: «ولكن قد يكون ذاك الدفتر مفتاحًا مهمًّا. إذا عثرنا على الذين بمقدورهم أن يعرفوا الشفرة …»
«لا أحد يعلم الشفرة. أخبرني جَدي ذات مرة أنه كوَّن تلك الشفرة مع صديق له منذ عدة سنوات.»
«إذن ذلك الصديق. هل تعرفين من هو؟»
«لا، ربما ليس على قيد الحياة الآن. أنا لم أسأل جدي أي أسئلة. لذلك كنت الشخص الوحيد الذي يحب أن يكون بالقرب منه مدة طويلة، عدا بيير بالطبع. لم أُظهر أدنى اهتمام بشئونه، ولم أشعر بأي اهتمام.»
سأل روبرت: «ألا يثير شيء اهتمامك؟» لم يُحسن في توجيه دفة الحديث إلى شيء شخصي أكثر من قضية جورج أويسيل.
أجابت أنيت بابتسامتها المتثاقلة: «أظن أنه حريٌّ بي ألا أُظهر ذلك إن أثار شيء اهتمامي. عشت ٢٠ عامًا مع جَدي يا سيد ويست. تلك فترة تدريب جيدة، صدقني.»
نهضت وجمع ويست قفازها وحقيبتها من أجلها. التدريب، نعم، ولكن من أجل ماذا؟ لماذا آل أويسيل كتومون إلى تلك الدرجة؟ هل لديهم أشياء يخفيها بعضهم عن بعض؟ هل أنيت تخفي شيئًا الآن، أم تُراها تحاول التلميح له بطريقة غامضة — فهي التي أصرت على أن الشرطة ينبغي ألا تستنتج أن جَدها قتل نفسه؟ وحينما كان روبرت يقودها في الحارة بين الطاولات المزدحمة، شعَر بالاهتمام تجاه تلك المرأة أكثر من أي إنسان قابله. لقد غرِق في التفكير بها لدرجة أنه لم يتذكر حتى أن يبتسم إلى جريس ريتشاردز وهما يمران بطاولتها.