روجيه جارودي
روجيه جارودي: فيلسوف فرنسي وأكاديمي ومثقَّف كبير. تبنَّى خلال حياته مواقف فكريةٍ متباينة، ومرَّ بتحوُّلاتٍ وأطوارٍ متعددةٍ، إلا أنها نبعَت جميعها من منبعٍ واحدٍ؛ هو حسه الإنساني الأصيل.
وُلد «روجيه جان شارل جارودي» في فرنسا عام ١٩١٣م لأبٍ ملحد وأمٍّ كاثوليكية، لكنه ما إن أتم الرابعة عشرة حتى اعتنق البروتستانتية. درس الآداب في جامعتَي آكس أون بروفانس وستراسبورج، وفي عام ١٩٣٧م عُيِّن أستاذًا للفلسفة في مدرسة الليسيه ألبي، ولم تمنعه مسيحيته من الانضمام إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، إبَّان صعود المد النازي في ألمانيا، فخاض تَجرِبةً سياسيةً برلمانيةً لفترةٍ وجيزة، وشارك في المقاومة ضد الغزو النازي لفرنسا.
حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة مرَّتَين؛ أولاهما من جامعة السوربون عام ١٩٥٣م وكان عنوان أطروحته: «النظرية المادية في المعرفة»، والأخرى من موسكو عام ١٩٥٤م وعنوانها: «الحرية». كان هذا التكوينُ الأكاديميُّ والنضاليُّ مؤهلًا له، ليكونَ أحدَ أهم مُنظِّري الحزب الشيوعي الفرنسي وأحدَ أشهر فلاسفته، لكنَّه — ولفرط انتقاده للتَّجرِبة الستالينية السوفييتية — طُرد من الحزب عام ١٩٧٠م، لكنَّه ظل يُدافع عن قناعاته الماركسيَّة التي أسماها خصومه «الماركسية التحريفية». وفي هذه الحقبة من حياته كانت له مؤلَّفاتٌ هامَّةٌ نذكر منها: «المصادر الفرنسية للاشتراكية العلمية»، «موت الله»، «فكر هيجل»، «نظرات حول الإنسان»، «الماركسية والوجودية».
وفي أوائل الثمانينيَّات اعتنق الإسلام، وألَّف العديد من الكتب التي أبان فيها عن تصوُّر تقدمي حضاري جمالي للإسلام، وأكَّد على حوار الأديان ووَحْدتها ونَبْذ التعصُّب الأصولي، ومجابهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية، وألَّف في هذه المرحلة العديد من الكتب، منها: «الإسلام في الغرب: قرطبة عاصمة العالم والفكر»، «وعود الإسلام»، «أصول الأصوليات والتعصبات السلفية»، «المأزق: إسرائيل». وفي عام ١٩٩٨م قاضَته «الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية» (ليكرا) بتهمة معاداة الساميَّة؛ لتشكيكه في الرواية الرسمية عن أحداث الهولوكوست، ومناهضته للسياسة الإسرائيلية في كتابه الشهير: «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، وحاول توضيح موقفه، وكانت لهذا الحادث أصداء كبيرة داخل فرنسا وخارجها.
رحل عن عالمنا يوم الأربعاء ١٣ يونيو عام ٢٠١٢م، بعد عمرٍ حافلٍ بالإنجازات والتبدُّلات قارب مائة العام.