ابن سينا
ابن سينا: عالِمٌ مَوْسوعيٌّ بُخاريُّ الأَصْل، لَه إِسْهاماتٌ مُهِمةٌ في الطبِّ والفَلْسفةِ والفِيزياءِ والفَلكِ والأَدبِ وغَيْرِها، يُعَدُّ أَمِيرَ الطبِّ وأَبا الطبِّ الحَدِيثِ في العُصورِ الوُسْطى.
هُوَ «أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا»، المُلقَّبُ بالشَّيخِ الرَّئِيس، وُلِدَ بالقُربِ مِن بُخارَى عامَ ٣٧٠ﻫ/٩٨٠م، كانَ أَبوهُ أحَدَ دُعاةِ الإِسْماعِليَّة، وصاحِبَ مَركزٍ في الدَّولةِ السَّامانِية. أكمَلَ حِفْظَ القُرآنِ وهُو دُونَ العاشِرة، واهتمَّ بالعُلومِ والفَلْسفةِ إلى جانِبِ اهْتِمامِه بالحَديثِ والفِقهِ والأَدَب، ارتحَلَ إلى بُخارَى والْتَحقَ ببَلاطِ السُّلْطانِ نوح بن منصور السَّامانيِّ للقِيامِ بالمَهامِّ المَالِيَّة، وكانَتْ لَحْظتُه الفارِقةُ عِندَما عالَجَ السُّلطانَ مِن مَرضٍ أَعجَزَ أطباءَ عَصْرِه، ففُتِحتْ مَكْتبةُ السُّلْطانِ لابن سينا ليَنْهلَ مِنْها ما يَشاء. زادَتْ مَعارِفُه وأصبَحَ مَقْصدَ العُلماءِ لِيَتَتلمَذُوا عَلى يدَيْه؛ فقَدْ كانَ أُعْجوبةَ عَصْرِه، وارتحَلَ إلى همدان وصارَ وَزِيرًا للأَمِيرِ شمس الدولة البُوَيهِي، وبعدَ وَفاةِ الأَخيرِ رحَلَ ابن سينا إلَى أصفهان في رِعايةِ أَمِيرِها علاء الدولة، ومعَ زِيادةِ شُهرتِه والتَّجدِيدِ الَّذي حمَلَتْه بَعضُ أَفْكارِه الفَلْسفيةِ زادَ حاقِدُوه، حتَّى كانَ ذلِكَ سَببًا فِي وَفاتِه.
كانَ ابن سينا عالِمًا وفَيْلسوفًا وطَبِيبًا وشاعِرًا، وعُرِفَ بأَمِيرِ الأَطِباءِ وأرسطو الإِسْلام، لَه يُنسَبُ الفَضلُ في العَدِيدِ مِنَ الإِنْجازاتِ في مُختلِفِ المَجَالات، ففِي الطبِّ استغَلَّ العَدْوَى لكشْفِ بعْضِ الأَمْراضِ المُعْدِيَة، ودرَسَ الاضْطِراباتِ العَصَبيةَ والعوامِلَ النَّفْسيةَ وتَأْثيرَها عَلى وظائِفِ الجِسْم، ووضَعَ أُسسَ الفَحصِ الطبِّيِّ المَعْروفةَ الآن، وبرَعَ في الجِراحَة، وغيَّرَ المَنْظورَ التَّقلِيديَّ لجِراحاتِ العَينِ واسْتِئصالِ الأَوْرام، ويُعَدُّ كِتابُه الأَشْهرُ «القَانُون في الطِّب» خَيرَ دَليلٍ عَلى بَراعتِه؛ فقَدْ تُرجِمَ إلى لُغاتِ العالَمِ واستمَرَّ تَدْريسُه في جامِعاتِ أوروبا حتَّى أَواخِرِ القَرنِ التاسِعَ عَشَر.
وبخِلافِ الطبِّ والعَقاقِيرِ فقَدْ نَبغَ في عُلومِ النَّباتِ وذكَرَ خَواصَّها، وفِي الفِيزياءِ مهَّدَ لعِلمِ الدِّينامِيكا الحَدِيثة، وكانَتْ أكثرُ كِتاباتِه في الفَلْسفة، مُقرِّبًا فِيها آراءَ الفَلَاسِفةِ إلَى المَنْظورِ الإِسْلامي، وأضافَ إلى عِلمِ الفَلَكِ وأَثْراه بالعَدِيدِ مِنَ النَّظَرياتِ والآلاتِ الَّتِي لَمْ يَسبِقْه إلَيْها أَحَد، وكتَبَ الشِّعرَ ونظَّرَ للمُوسِيقى وغَيْرِها مِنَ العُلُوم.
اعْتَلَّ جسَدُه، ويُقالُ إنَّه تَعرَّضَ لمُحاوَلاتٍ عَدِيدةٍ لقتْلِه بالسُّم، وإنَّ وَفاتَه كانَتْ بسَببِ هذِهِ المُحاوَلات، وكانَتْ وَفاتُه في سِنِّ الثامِنةِ والخمسِينَ مِن عُمْرِه عامَ ١٠٣٧م في همدان، بَعْدَما قدَّمَ للإِنْسانيةِ إِسْهاماتٍ لا تُنسَى.