عبد الرحمن بدوي
عبد الرحمن بدوي: مصري، قال عنه طه حسين أثناءَ مناقشتِه في رسالةِ الدكتوراه: «لأولِ مرةٍ نشاهدُ فيلسوفًا مصريًّا.» فقد استطاع بدوي بإنتاجه العلمي الذي وصل إلى مِائتَي كتابٍ تقريبًا أن يَجمعَ بين صُنوفِ الفلسفةِ ومَدارسِها المختلفةِ مُؤلِّفًا ومُترجِمًا وناقدًا ومُحقِّقًا ومُراجِعًا ومُؤرِّخًا.
وُلد «عبد الرحمن بدوي» في محافظةِ دمياط عامَ ١٩١٧م، لأسرةٍ ذاتِ نُفوذٍ ومكانة؛ إذ كان والدُه عُمدةَ القرية. كان بدوي مُتفوقًا في دراستِه؛ حيث حصل على المركزِ الثاني في البكالوريا عامَ ١٩٣٤م، كما حصل عامَ ١٩٣٨م على ليسانسِ الآدابِ قسمِ الفلسفةِ من جامعةِ فؤاد الأول بتقدير ممتاز؛ فعُيِّن مُعيدًا بالجامعة. واستمرَّ في دراستِه إلى أن حصل على شهادتَي الماجستير والدكتوراه. ظل بدوي يُمارسُ عملَه الجامعيَّ في مصرَ حتى عامِ ١٩٦٧م؛ إذ اضطُرَّ إلى مُغادرةِ البلادِ إثرَ أزمتِه مع النظامِ الناصري؛ وهو ما دَفعَه إلى التدريسِ بعِدةِ جامعاتٍ في لبنان وفرنسا وليبيا وإيران والكويت.
تَميَّز إنتاجُ «عبد الرحمن بدوي» بالتنوُّع من حيث الموضوعُ والإسهام؛ نظرًا لامتلاكِه أُسسَ المنهجِ العلميِّ السليمِ ومَلَكةَ النقد، وتَعلُّمِه اللغاتِ التي أَتقنَ منها الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والإسبانية، والفارسية، واليونانية، واللاتينية؛ وهو ما جعله مُطَّلعًا على أُمهاتِ الكتبِ والمصادر، مُجارِيًا في الوقتِ نفسِه حركةَ العِلمِ الحديث. تَرجَم بدوي لأبرزِ فلاسفةِ اليونان، مثلَ أفلاطون وأرسطو، بالإضافةِ إلى ترجمتِه لكبارِ الفلاسفةِ المُعاصِرين أمثالِ نيتشه وهايدجر وغيرهما. اتَّجَه بدوي كذلك إلى الشرقِ حيث نَقدَ أعمالَ الغزالي وابن سينا وحقَّقَها، واهتمَّ إلى جانبِ الفلسفةِ العقلانيةِ بالتصوُّفِ ذي النزعةِ الرُّوحانية؛ فأصدر كتابَه الشهير «شخصيات قلقة»، و«شهيدة العشق الإلهي». جَمَع بدوي بين مُتناقِضاتٍ كثيرة؛ فمِثلما كَتب عن الإسلام «الدفاع عن القرآن ضد منتقديه»، كَتب كذلك عن الإلحاد «تاريخ الإلحاد في الإسلام». إن بدوي هو صورةُ الأنا والآخر؛ يَكتبُ عن الشرقِ والغرب، وعن العقلانيةِ والرُّوحانية، وعن الإسلامِ والإلحاد، كل ذلك في انسجامٍ ويُسر.
عاش بدوي قُرابةَ خمسةٍ وثمانين عامًا أَثرى فيها المكتبةَ العربيةَ والغربيةَ على حدٍّ سواءٍ بمُؤلَّفاتِه التي جَعلتْ منه أحدَ أهمِّ الفلاسفةِ العربِ في القرنِ العشرين حتى أَسلمَ رُوحَه وَوُوريَ الثَّرى في يوليو عامَ ٢٠٠٢م.