قَطْرَةٌ فِي بَحْرٍ

Wave Image
تَــعَـالَـيْـتَ يَـا بَـحْـرُ هَـذَا جَـلَالُـ
ـكَ سِـرُّ الـزَّمَـانِ وَلُـغْـزُ الْـحِـقَبْ
تُـصَـاحِـبُ هَـذَا الـزَّمَانَ وَتَسْخَـ
ـرُ مِـنْـهُ وَتَـطْـوِيـهِ طَـيَّ الْـكُتُبْ
تُــنَــادِمُ حَــانُــكَ مِـنْـهُ الْـقُـرُونَ
وَيَمْضِي النَّدَامَى مَضَاءَ الْحَبَبْ
فَـيَـا لَـكَ قَـبْـرًا وَسِـعْـتَ الزَّمَانَ
وَلَاذَ الــزَّمَــانُ بِــذَيْــلِ الْــهَـرَبْ
•••
وَيَــا بَــحْـرُ كَـمْ فِـيـكَ مِـنْ آيَـةٍ
تَـسَـاءَلْـتُ عَـنْـهَـا وَلَـمْ تَسْتَجِبْ
تَـــهُـــمُّ بِأَمْـــرٍ وَتَـــرْتَــدُّ عَــنْــهُ
وَتَــطْــمَــعُ فِــيــهِ وَلَا تَــقْـتَـرِبْ
فَـفِـيـمَ انْـدِفَـاعُـكَ كَـالْـمُـسْتَعِدِّ
وَفِـيـمَ ارْتِـدَادُكَ كَـالْـمُـضْـطَرِبْ
وَيَـا بَـحْـرُ مَـاذَا يُـرَاقِـصُ مَوْجُـ
ـكَ مِـنْـكَ وَمَـاذَا وَرَاءَ الْـحُجُبْ
تَــلِـيـنُ وَتَـسْـكُـنُ عِـنْـدَ الـلَّـيَـانِ
وَطَـبْـعُ الْـحَـلِيمِ بَطِيءُ الْغَضَبْ
وَتَـشْـرَسُ حَـتَّـى تَـئِنَّ الصُّخُورُ
وَيَـطْـفُو مِنَ الرَّمْلِ مَا قَدْ رَسَبْ
وَتَـجْـمَـعُ بَـيْـنَ النَّقِيضَيْنِ جَمْعَـ
ـكَ بَـيْـنَ الـلَّآلِـئِ وَالْـمَـخْـشَـلَبْ
يُــشَـابِـهُـكَ الْآدَمِـيُّ الْـغَـمُـوضُ
وَتَــنْـتَـسِـبَـانِ بِـحَـبْـلِ الـنَّـسَـبْ
وَلَـنْ يَـسْـبُـرَ الْغَوْرَ مِنْكَ الرِّجَالُ
وَلَـنْ يَـكْشِفَ النَّفْسَ عِلْمٌ وَطِبْ
•••
تَـعَـالَـيْـتَ يَـا بَـحْـرُ هَـذَا جَـمَـالُـ
ـكَ ثَـغْـرُ الـطَّـبِـيعَةِ وَهْيَ الْغَبَبْ
تُـعَـرْبِـدُ نَـشْـوَانَ حَـتَّى الْمُجُونِ
وَتَـمْـجُنُ سَكْرَانَ حَتَّى الصَّخَبْ
تُـغَـازِلُـكَ الـشَّـمْسُ عِنْدَ الْغُرُوبِ
فَأَنْـتَ الـلُّـجَـيْـنُ وَفِـيكَ الذَّهَبْ
وَتُـشْـرِقُ مِـنْـكَ عَـلَـى صَـفْـحَـةٍ
تَــرَقْـرَقَ بَـيْـنَ سَـنَـاهَـا الـلَّـهَـبْ
وَتُــضْــفِــي عَـلَـيْـكَ أَكَـالِـيـلُـهَـا
دِمَـاءً وَتَـنْـشَـقُ مِـنْـكَ الْـقُـضُبْ
وَيَــجْـمَـعُـكَ الْأُفْـقُ بِـالـنَّـيِّـرَاتِ
فَأَنْـتَ الـسَّـمَـاءُ وَفِـيـكَ الشُّهُبْ
يُــسَــامِــرُكَ الْـبَـدْرُ مِـنْ شُـرْفَـةٍ
تَــبَــرَّجُ فِــيــهَــا ذَوَاتُ الـذَّنَـبْ
فَــتَــعْــكِــسُــهُـنَّ عَـلَـى ضَـوْئِـهِ
وَيَـلْـحَـظُـكَ الْـبَـدْرُ كَـالْـمُـرْتَقِبْ
•••
دَعَــانِــي حَـنِـيـنٌ خَـفِـيٌّ إِلَـيْـكَ
فَــلَــبَّـيْـتُ يَـا بَـحْـرُ لَـمَّـا غَـلَـبْ
وَيَـا بَـحْرُ جِئْتُكَ أُفْضِي بِنَفْسِي
وَأَشْـكُـو الـزَّمَـانَ وَمَـاذَا جَـلَـبْ
لَــعَــلَّ صُــخُــورَكَ أَنْــفَــذُ مِــنْ
قُــلُــوبٍ غِــلَاظٍ صِــلَادٍ صُـلُـبْ
وَأُغْــرِقُ فِـيـكَ هُـمُـومِـي وَأَنْـقَـ
ـعُ يَـا بَـحْـرُ جُرْحًا بِجَنْبِي وَثَبْ
وَمَـنْ شَـاغَـبَ الـدَّهْرَ مِثْلِي فَمَا
لَـهُ الـدَّهْـرُ إِنْ زَلَّ يَـا بَـحْـرُ حِبْ
وَغَـدْرُ الـزَّمَـانِ كَـخَـتْـلِ الرِّجَالِ
وَوَقْـعُ الـسِّـهَـامِ كَـلَـسْـعِ الـرُّقُبْ
•••
حَـنَـانَـيْـكَ يَـا بَـحْرُ يَشْكُو إِلَيْكَ
غَــرِيـبٌ تَـشَـرَّدَ حِـيـنَ اقْـتَـرَبْ
غَـــرِيـــبٌ تَـــشَـــرَّدَ فِـــي دَارِهِ
وَضَـاقَـتْ بِهِ الْأَرْضُ لَمَّا اغْتَرَبْ
•••
تَـعَـالَـيْـتَ يَـا بَـحْـرُ هَذَا الْجَلَالُ
وَهَـذَا الْـجَـمَـالُ وَهَـذَا الْـعَـجَبْ
وَهَـذَا نَـشِـيـدُكَ لَـحْـنُ الْـحَـيَـاةِ
فَـغَـنِّ الْـحَـيَـاةَ وَنُـحْ وَانْـتَـحِبْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المتقارب
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عزيز فهمي: شاعر مصري امتازَ بإنتاجٍ شِعريٍّ وفير، حازَ على إعجابِ مُعاصِريه في النصف الأول من القرن العشرين؛ لا سيما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وُلِد «عزيز عبد السلام فهمي محمد جمعة» في طنطا عامَ ١٩٠٩م، وكان والده أحدَ قِياديِّي حزب الوفد. تلقَّى «عزيز» تعليمَه الأساسي في مَسقط رأسه، ثم انتقَلَ إلى القاهرة فأكمَلَ دراستَه بمدرسة الجيزة الثانوية، والْتَحقَ بعدَها بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي الوقت نفسه انتسب إلى كلية الآداب، فدرَسَ فيهما معًا، وبعدما حصل على ليسانس الحقوق سافرَ إلى فرنسا لدراسة القانون، وهناك حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون عامَ ١٩٣٨م.

بعد عودته من فرنسا عمل بالنيابة، غيرَ أنه فُصِل من عمله بعدَ إقالة الحكومة الوفدية عامَ ١٩٤٤م، فاشتغل بالمحاماة، وانتُخِب لعضوية البرلمان المصري عن حزب الوفد عامَ ١٩٥٠م، وكانت له فيه صَولاتٌ وجَولاتٌ أشهَرُها دِفاعُه عن حُرية الصحافة؛ ما أوغَرَ صدْرَ المَلِك عليه، فاعتُقِل بتهمة العيب في الذات المَلكية إبَّانَ الحربِ العالَمية الثانية. وشارَكَ «عزيز» في تحرير الصُّحف والمَجَلات التي كان يُصدِرها حزبُ الوفد، وكان عضوًا في كتائب الفدائيِّين، واشترَكَ في عملياتٍ فِدائيةٍ استهدفَتْ معسكراتِ قواتِ الاحتلالِ الإنجليزي.

أمَّا شِعْره فيتنوَّع بينَ قصائدَ طويلةٍ ومتوسطةِ الطول، ويتَّجه إلى رِثاء النفس، والغَزَل العفيف، ومَدِيح أعلام عصره، وبخاصةٍ «طه حسين» و«حافظ إبراهيم»، ورثاء آخَرين، فضلًا عن بُروزِ النَّزْعةِ الوطنية في شِعره واهتمامِه بقضايا الوطن. وله قصائدُ نشرَتْها مَجلاتٌ عِدَّة، منها: «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الإرادة»، و«السياسة»، وقد نُشِر معظمُ شِعره في ديوانه «ديوان عزيز» عَقِب وفاته، وقدَّمَ للديوان الدكتور طه حسين، الذي أبدى في كلمته أسًى كبيرًا على الشاعر المُجِيد، الذي تَخطَّفَتْه يدُ المَنُون عاجلًا عامَ ١٩٥٢م في العيَّاط جنوبي القاهرة غَرَقًا في تُرْعةٍ مائية، بعدَ انقلابِ سيارةِ الأجرة التي كان يَستقِلُّها أثناءَ مُحاوَلتِه اللَّحاقَ بقطارِ الصَّعِيد ليتمكَّنَ من التَّرافُع في إحدى القضايا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤