رِثَاءُ شَوْقِي شَاعِرِ مِصْرَ الْأَكْبَرِ

Wave Image
الــشِّــعْــرُ بَـعْـدَ مُـصَـابِـهِ بِـكَـبِـيـرِهِ
فِـي مِـصْـرَ جَـلَّ مُـصَـابُـهُ بِأَمِـيـرِهِ
بَـيْـنَـاهُ يَـبْـكِـي حَـافِـظًـا بِـشَـهِـيقِهِ
إِذْ قَــامَ يَــبْــكِـي أَحْـمَـدًا بِـزَفِـيـرِهِ
لَـمْ يَـقْـضِ بَـعْـضَ حِـدَادِهِ لِـنَصِيرِهِ
حَـتَّـى أَحَـدَّ أَسًـى لِـفَـقْـدِ مُـجِـيـرِهِ
مَـا إِنْ خَـبَتْ فِي الْأُفْقِ شُعْلَةُ نُورِهِ
حَـتَّـى انْطَوَتْ فِي الْجَوِّ لَمْعَةُ نُورِهِ
بِــالْأَمْــسِ ظَــلَّ مُــرَزَّأً بِــمُــبِـيـنِـهِ
وَالْــيَــوْمَ بَـاتَ مُـفَـجَّـعًـا بِـمُـنِـيـرِهِ
أَخَـذَتْ فَـرَزْدَقَـهُ الْمَنُونُ وَضَاعَفَتْ
جُــلَّــى مُـصِـيـبَـتِـهِ بِأَخْـذِ جَـرِيـرِهِ
رُزْآنِ مُـلْـتَـهِـبَـانِ قَـدْ نَـضَـحَـتْـهُـمَـا
عَـيْـنُ الْـعُـلَا مِـنْ دَمْـعِـهَـا بِـغَـزِيـرِهِ
فَـالـشِّـعْـرُ بَـعْـدَهُـمَا اسْتَطَالَ بُكَاؤُهُ
وَتَـمَـوَّجَـتْ بِـالْـحُـزْنِ كُـلُّ بُـحُـورِهِ
وَهَــزَارُهُ تَــرَكَ الــصُّــدَاحَ وَلَــيْـثُـهُ
أَمِــنَــتْ أَعَــادِيــهِ سَــمَـاعَ زَئِـيـرِهِ
•••
يَـا نَـيِّـرًا فُـجِـعَ الْـقَـرِيـضُ بِـمَـوْتِـهِ
فَــبَـكَـتْـهُ عَـيْـنُ وَزِيـنِـهِ وَكَـسِـيـرِهِ
وَخَـلَـتْ سَـمَـاءُ الـشِّـعْـرِ بَـعْدَ أُفُولِهِ
مِـنْ مُـشْـرِقَـاتِ شُـمُـوسِـهِ وَبُـدُورِهِ
وَمُــؤَمَّــرًا لَــمْ تُـنْـتَـقَـضْ بِـوَفَـاتِـهِ
فِـي الـشِّـعْـرِ بَـيْـعَـتُـهُ عَـلَـى تَأْمِيرِهِ
إِذْ لَــنْ يَــقُـومَ نَـظِـيـرُهُ مِـنْ بَـعْـدِهِ
هَـيْـهَـاتَ أَنْ تَأْتِـي الـدُّنَـى بِـنَـظِيرِهِ
لَـكَ فِـي الْـخُـلُـودِ مَـكَـانَـةٌ مَـا نَالَهَا
فِـرْعَـوْنُ فِـي دِيـمَـاسِـهِ وَحَـفِـيـرِهِ
إِنَّ الـدَّفِـيـنَ مُـضَـمَّـخًـا بِـحَـنُـوطِهِ
دُونَ الـدَّفِـيـنِ مُـحَـنَّـطًـا بِـشُـعُـورِهِ
إِنَّ الْــمُــتَـوَّجَ فَـوْقَ عَـرْشِ ذَكَـائِـهِ
يَـعْـلُـو الْـمُـتَوَّجَ فَوْقَ عَرْشِ سَرِيرِهِ
مَــا مَـاتَ مَـنْ تَـرَكَـتْ لَـنَـا أَقْـلَامُـهُ
صُـوَرًا خَـوَالِـدَ مِـنْ بَـنَـاتِ ضَـمِـيرِهِ
صُــوَرًا تُــمَــثِّــلُ ذَاتَــهُ وَصِــفَـاتِـهِ
حَـتَّـى يَـقُـمْـنَ لَـنَـا مَـقَـامَ نُـشُـورِهِ
فَــكَأَنَّــهُ وَهُــوَ الــدَّفِــيــنُ بِـقَـبْـرِهِ
حَــيٌّ يَــعِــيـشُ بِـحُـزْنِـهِ وَسُـرُورِهِ
وَكَأَنَّـهُ فِـي الْـقَـوْمِ سَـاعَـةَ حَـفْـلِهِمْ
مُــتَــكَــلِّــمٌ بِــنَــظِــيـمِـهِ وَنَـثِـيـرِهِ
لِأَبِــي عَـلِـيٍّ مِـنْ قَـرِيـحَـةِ شِـعْـرِهِ
وَحْـيٌ أَتَـى مِـنْ جِـبْـرَئِـيـلِ شُعُورِهِ
كَـمْ قَـدْ رَمَـى الْغَيْبَ الْخَفِيَّ فُؤَادُهُ
بِـذَكَـائِـهِ فَأَصَـابَ كَـشْـفَ سُـتُـورِهِ
وَتَـصَـوَّرَ الْـمَـعْـنَـى الـدَّقِـيـقَ فَـرَدَّهُ
كَـالـصُّـبْـحِ مُـفْـتَـلِـقًـا أَوَانَ ظُـهُورِهِ
يَأْتِـيكَ بِالْمَعْنَى الْجَمِيلِ قَدِ اكْتَسَى
مِـنْ وَشْـيِ سُـنْـدُسِ لَفْظِهِ وَحَرِيرِهِ
فَـالـشِّـعْـرُ قَـدْ دُكَّـتْ جِـبَـالُ فُـنُونِهِ
إِذْ مَـوْتُ شَـوْقِـي كَانَ نَفْخَةَ صُورِهِ
يَــا رَاحِــلًا تَــرَكَ الْـقَـوَافِـيَ بَـعْـدَهُ
مُـحْـتَـاجَـةَ الْـمَـحْـيَـا إِلَـى تَـفْـكِيرِهِ
لَـهْـفِـي عَـلَـى ذَيَّـالِـكَ الْـقَـلَـمِ الَّـذِي
يَــتَـطَـرَّبُ الْأَرْوَاحَ لَـحْـنُ صَـرِيـرِهِ
الــشِّــعْـرُ كُـنْـتَ أَمِـيـرَهُ وَسَـمِـيـرَهُ
فَـمَـنِ الْـمُـسَـامِـرُ بَـعْـدَ فَقْدِ سَمِيرِهِ
حَـــرَّرْتَـــهُ مِــنْ رِقِّ كُــلِّ تَــصَــنُّــعٍ
فَـبَـدَتْ فُـنُـونُ الْـحَـقِّ فِـي تَحْرِيرِهِ
سَـخَّـرْتَ مِـنْ أَوْتَـارِهِ مَـا لَـمْ يَـكُـنْ
لِـيُـطِـيـعَ غَـيْـرَكَ قَـطُّ فِي تَسْخِيرِهِ
وَلَــكَـمْ شَـدَوْتَ بِـنَـغْـمَـةٍ مِـنْ بُـمِّـهِ
وَلَـكَـمْ صَـدَحْـتَ بِـنَـغْـمَـةٍ مِنْ زِيرِهِ
تَــتَــمَــايَــلُ الْأَبْـدَانُ فِـي إِنْـشَـادِهِ
طَـرَبًـا وَلَـيْـسَ يَـمَـلُّ مِـنْ تَـكْـرِيـرِهِ
•••
يَـا أَهْـلَ مِـصْـرَ عَـزَاءَكُـمْ فَمُصَابُكُمْ
أَمْــرٌ قَــضَــاهُ الــلـهُ فِـي تَـقْـدِيـرِهِ
الـشِّـعْـرُ قَـدْ ثُـلَّـتْ بِـمِـصْـرَ عُرُوشُهُ
بِــوَفَــاةِ سَــيِّــدِهِ وَمَــوْتِ أَمِــيـرِهِ
عَــلَــمَــانِ مِــنْ أَعْــلَامِــهِ كَـانَـا بِـهِ
يَـتَـنَـازَعَـانِ الـسَّـبْـقَ فِـي تَـحْـبِيرِهِ
لِـكِـلَـيْـهِـمَـا الْهَرَمَانِ قَدْ خَشَعَا أَسًى
وَالــنِّــيــلُ مَــدَّ أَنِــيــنَـهُ بِـخَـرِيـرِهِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤