مَحَاسِنُ الطَّبِيعَةِ

Wave Image
الْـبَـحْـرُ رَهْـوٌ وَالـسَّـمَـاءُ صَـاحِـيَة
وَالْـفَخْتُ فِي اللَّيْلِ شَبِيهُ السَّدِيمْ
وَالْــبَـدْرُ فِـي طَـلْـعَـتِـهِ الـزَّاهِـيَـة
قَـدْ ضَـاحَـكَ الْـبَـحْـرَ بِـثَـغْرٍ بَسِيمْ
•••
وَالـصَّـمْـتُ فِـي الْأَنْـحَاءِ قَدْ خَيَّمَا
فَـالـلَّـيْـلُ لَـمْ يَـسْـمَـعْ وَلَـمْ يَـنْطِقِ
وَالْـبَـدْرُ فِـي مَـفْـرِقِ هَـامِ الـسَّـمَـا
تَـحْـسَـبُـهُ الـتَّـاجَ عَـلَـى الْـمَـفْـرِقِ
أَغْـــرَقَ فِــي أَنْــوَارِهِ الْأَنْــجُــمَــا
وَبَــعْــضُــهَــا عَــامَ فَــلَــمْ يَـغْـرَقِ
وَالْـبَـحْـرُ فِـي جَـبْـهَـتِـهِ الـصَّـافِيَة
قَـامَ طَـرِيـقٌ لِـلـسَّـنَـا مُـسْـتَـقِـيـمْ
لَــمْ تَـخْـفَ فِـي أَثْـنَـائِـهِ خَـافِـيَـة
حَـتَّـى تَـرَى فِـيـهِ اهْـتِـزَازَ النَّسِيمْ
•••
وَقَـفْـتُ وَالـرِّيـحُ سَـرَتْ سَجْسَجَا
وِقْـفَـةَ مَـبْـهُـوتٍ عَـلَـى الـسَّـاحِـلِ
أَنْــظُــرُ مَــا فِـيـهِ يَـحَـارُ الْـحِـجَـا
فِـي الْـكَـوْنِ مِـنْ عَالٍ وَمِنْ سَافِلِ
يَـا مَـنْـظَـرًا أَضْـحَـكَ ثَـغْـرَ الدُّجَى
وَرَدَّ سَـــحْـــبَـــانَ إِلَـــى بَـــاقِـــلِ
مَــا أَنْــتَ إِلَّا صُــحُــفٌ عَــالِــيَــة
كَـمْ حَـارَ فِـي حِـكْـمَتِهَا مِنْ حَكِيمْ
إِذَا وَعَــــتْــــهَــــا أُذُنٌ وَاعِــــيَـــة
فَـقَـدْ وَعَـتْ خَـيْـرَ كِـتَـابٍ كَـرِيـمْ
•••
وَزَانَ عُــرْضَ الْـبَـحْـرِ مَـا قَـدْ بَـدَا
مِـنْ زَوْرَقٍ يَـجْـرِي بِـمِـجْـدَافَـتَيْنْ
عَــامَ بِـذَوْبِ الْـمَـاسِ أَوْ قَـدْ غَـدَا
يَـسْـبَـحُ فِـي لُـجَّـةِ ذَوْبِ الـلُّـجَيْنْ
فِـي صَـامِـتِ الـلَّـيْـلِ جَـرَى مُفْرَدَا
وَبَـيْـنَ جَـنْـبَـيْـهِ حَـوَى عَـاشِـقَـيْنْ
مِـنْ غَـادَةٍ فِـي حُـسْـنِـهَـا غَـانِـيَـة
تَــبْــسِــمُ عَــنْ لَأْلَاءِ دُرٍّ نَــظِــيــمْ
وَمِـــنْ فَــتًــى أَدْمُــعُــهُ جَــارِيَــة
قَـدْ صَـافَـحَ الْـعِشْقَ بِجِسْمٍ سَقِيمْ
•••
قَــابَــلَــهَــا وَالْــحُــبُّ قَــدْ شَـفَّـهُ
وَقَــابَــلَــتْ طَــلْـعَـةَ بَـدْرِ الـسَّـمَـا
وَظَـــلَّ يَـــرْنُـــو تَـــارَةً خَــلْــفَــهُ
وَتَـــارَةً يَـــنْـــظُـــرُهَــا مُــغْــرَمَــا
ثُـــمَّ تَـــدَانَـــى وَاضِـــعًــا كَــفَّــهُ
فِــي كَــفِّــهَـا يَـطْـلُـبُ أَنْ يَـلْـثِـمَـا
وَخَـرَّ مِـنْ وَجْـدٍ عَـلَـى الـنَّـاصِـيَـة
وَقَـلْـبُـهُ يَـرْكُـضُ رَكْـضَ الـظَّـلِـيـمْ
وَهْــيَ غَـدَتْ مِـنْ أَجْـلِـهِ جَـاثِـيَـة
وَاحْـتَـضَـنَـتْـهُ كَـاحْتِضَانِ الْفَطِيمْ
•••
ثُــمَّ رَمَــى نَــظْــرَةَ مُــسْــتَـرْحِـمِ
فِـي الْـكَـوْنِ عَـنْ طَـرْفٍ لَـهُ حَـائِرِ
وَقَــالَ قَــوْلَ الْــكَــلِــفِ الْـمُـغْـرَمِ
فِـي حُـبِّ ذَاتِ الـنَّـظَـرِ الـسَّـاحِـرِ
أَيَّــتُــهَـا الْأَرْضُ قِـفِـي وَاسْـلَـمِـي
مِـنْ أَجْـلِ هَـذَا الْـمَـشْـهَـدِ الـزَّاهِـرِ
حَــتَّــى أَرَى لَــيْــلَــتَــنَــا بَـاقِـيَـة
مَـحْـفُـوفَـةً مِـنْ وَصْـلِـنَـا بِـالنَّعِيمْ
فَإِنَّ هَـــذِي لِـــيْـــلَـــةٌ حَـــالِــيَــة
تَـزْهُـو بِـبَـدْرَيْـنِ وَطَـلْـقِ الـنَّـسِيمْ
•••
وَأَنْـتَ يَـا بَـدْرُ الـلَّـطِـيـفُ الـسَّـنَـا
فِـي الْـجَوِّ قِفْ وِقْفَةَ غَيْرِ الرَّقِيبْ
مَــا أَبْــهَــجَ الــنُّـورَ وَمَـا أَحْـسَـنَـا
إِذَا دَنَــا مِـنْـكَ لِـوَجْـهِ الْـحَـبِـيـبْ
كَأَنَّـــــهُ «نَــــدْرَةُ» لَــــمَّــــا دَنَــــا
نَـحْـوَ الْـمَـعَـالِـي يَبْتَغِيهَا النَّصِيبْ
فَــحَــازَ مِــنْــهَــا جُــمْـلَـةً وَافِـيَـة
مَـا حَـازَهَـا مِـنْ أَحَـدْ مِـنْ قَـدِيـمْ
وَصَـارَ يُـدْعَـى الـرَّجُـلَ الـدَّاهِـيَـة
فِـي الْـفِـكْـرِ وَالْمَجْدِ وَخُلْقٍ عَظِيمْ
•••
يَــا آلَ مَــطْــرَانَ لَــكُــمْ «نَــدْرَةُ»
وَأَكْـــرَمُ الـــنَّـــاسِ هُـــوَ الــنَّــادِرُ
لَــكِــنْ مَــعَــالِــيــكُــمْ لَـهَـا كَـثْـرَةُ
يَـعْـجِـزُ أَنْ يَـحْـصُـرَهَـا الْـحَـاصِـرُ
مِـنْ أَجْـلِـهَـا أَمْـسَـتْ لَـكُـمْ شُـهْـرَةُ
عَــمَّ الْــبَــرَايَـا صِـيـتُـهَـا الـطَّـائِـرُ
حَـيْـثُ مَـعَـالِـيـكُـمْ غَـدَتْ قَاضِيَة
لَـكُـمْ عَـلَـى الـنَّـاسِ بِـفَضْلٍ عَمِيمْ
فَــرَايَــةُ الْــمَــجْــدِ لَـكُـمْ عَـالِـيَـة
وَ«نَـدْرَةُ» الـشَّـهْـمُ عَـلَـيْـهَـا زَعِـيمْ
•••
يَـا مَـنْ بَـنَـى الْـمَـجْـدَ فَأَعْلَى الْبِنَا
فَـكَـانَ أَعْـلَـى الـنَّـاسِ فِـي مَجْدِهِ
اقْـبَـلْ مِـنَ الْـعَـبْـدِ جَـمِـيـلَ الـثَّـنَـا
وَإِنْ يَـــكُـــنْ قَــصَّــرَ عَــنْ حَــدِّهِ
وَمُــرْهُ ثُــمَّ احْــكُــمْ بِــهِ إِنْ وَنَـى
مَــا يَــحْـكُـمُ الـسَّـيِّـدُ فِـي عَـبْـدِهِ
إِذْ أَنْــتَ بِــالْــمَـنْـقَـبَـةِ الـسَّـامِـيَـة
قَـدْ خَـصَّـكَ الـلـهُ الْـعَـزِيـزُ الْـعَلِيمْ
فَـاهْـنَأْ وَدُمْ فِـي عِـيـشَـةٍ رَاضِـيَـة
رَغْـمَ الْـمُـعَـادِي وَسُـرُورِ الْـحَـمِيمْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: موشح
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤