فِي سَبِيلِ الْوَطَنِ

Wave Image
أَمَـا آنَ أَنْ تُـنْـسَـى مِـنَ الْـقَـوْمِ أَضْغَانُ
فَـيُـبْـنَـى عَـلَـى أُسِّ الْـمُـؤَاخَـاةِ بُـنْيَانُ
أَمَــا آنَ أَنْ يُــرْمَـى الـتَّـخَـاذُلُ جَـانِـبًـا
فَــتَــكْـسِـبَ عِـزًّا بِـالـتَّـنَـاصُـرِ أَوْطَـانُ
عَــلَامَ الــتَّــعَــادِي لِاخْــتِـلَافِ دِيَـانَـةٍ
وَإِنَّ الــتَّـعَـادِي فِـي الـدِّيَـانَـةِ عُـدْوَانُ
وَمَــا ضَــرَّ لَــوْ كَـانَ الـتَّـعَـاوُنُ دِيـنَـنَـا
فَـــتَــعْــمُــرَ بُــلْــدَانٌ وَتَأْمَــنَ قُــطَّــانُ
إِذَا جَـــمَـــعَــتْــنَــا وَحْــدَةٌ وَطَــنِــيَّــةٌ
فَــمَــاذَا عَــلَــيْــنَــا أَنْ تَــعَــدَّدَ أَدْيَــانُ
إِذَا الْــقَــوْمُ عَــمَّــتْــهُــمْ أُمُــورٌ ثَـلَاثَـةٌ
لِـــسَــانٌ وَأَوْطَــانٌ وَبِــالــلــهِ إِيــمَــانُ
فَأَيُّ اعْـــتِـــقَـــادٍ مَـــانِــعٌ مِــنْ أُخُــوَّةٍ
بِــهَــا قَــالَ إِنْــجِـيـلٌ كَـمَـا قَـالَ قُـرْآنُ
كِــتَــابَــانِ لَــمْ يُــنْــزِلْـهُـمَـا الـلـهُ رَبُّـنَـا
عَــلَــى رُسْــلِــهِ إِلَّا لِــيَــسْـعَـدَ إِنْـسَـانُ
فَـمَـنْ قَـامَ بِـاسْـمِ الـدِّيـنِ يَدْعُو مُفَرِّقًا
فَـدَعْـوَاهُ فِـي أَصْـلِ الـدِّيَـانَـةِ بُـهْـتَـانُ
أَنَــشْــقَـى بِأَمْـرِ الـدِّيـنِ وَهْـوَ سَـعَـادَةٌ
إِذَنْ فَـاتِّـبَـاعُ الـدِّيـنِ يَـا قَـوْمُ خُـسْرَانُ
وَلَـكِـنَّ جَـهْـلَ الْـجَـاهِـلِـيـنَ طَـحَـا بِـهِمْ
إِلَــى كُــلِّ قَــوْلٍ لَــمْ يُــؤَيِّـدْهُ بُـرْهَـانُ
فَـهَـامُـوا بِـتَـيْـهَـاءِ الْأَبَـاطِـيـلِ كَـالَّـذِي
تَـخَـبَّـطَـهُ مِـنْ شِـدَّةِ الْـمَـسِّ شَـيْـطَـانُ
•••
مَــوَاطِــنُــكُــمْ يَــا قَــوْمُ أُمٌّ كَــرِيــمَـةٌ
تَــدُرُّ لَـكُـمْ مِـنْـهَـا مَـدَى الْـعُـمْـرِ أَلْـبَـانُ
فَــفِـي حِـضْـنِـهَـا مَـهْـدٌ لَـكُـمْ وَمَـبَـاءَةٌ
وَفِـي قَـلْـبِـهَـا عَـطْـفٌ عَـلَـيْكُمْ وَتَحْنَانُ
فَــمَــا بَـالُـكُـمْ لَا تُـحْـسِـنُـونَ وَوَاجِـبٌ
عَـلَـى الْإِبْـنِ لِـلْأُمِّ الْـكَـرِيـمَـةِ إِحْـسَـانُ
أَصَـبْـرًا وَقَـدْ أَمْـسَـى الْـعَـدُوُّ يُـهِـيـنُـهَـا
أَمَـا فِـيـكُـمُ شَـهْـمٌ عَـلَـى الْأُمِّ غَـيْـرَانُ
أَجَـلْ إِنَّـكُـمْ تَأْبَـى الْـحَـيَـاةَ نُـفُـوسُـكُمْ
إِذَا لَـمْ يَـكُـنْ فِـيـهَـا عَلَى الْمَجْدِ عُنْوَانُ
أَلَـسْـتُـمْ مِـنَ الْـقَـوْمِ الَّـذِيـنَ عَـلَاؤُهُـمْ
تَـقَـاعَـسَ عَـنْـهُ الـدَّهْـرُ وَانْـحَطَّ كِيوَانُ
نَـمَـتْـكُـمْ إِلَـى الْـمَـجْـدِ الْـمُـؤَثَّـلِ تَغْلِبٌ
كَــمَـا قَـدْ نَـمَـتْـكُـمْ لِـلْـمَـكَـارِمِ غَـسَّـانُ
فَـلَا تُـنْـكِـرُوا عَـهْـدَ الْإِخَـاءِ وَقَـدْ أَتَـتْ
تُــصَــافِــحُــكُــمْ فِـيـهِ نِـزَارٌ وَعَـدْنَـانُ
أَجِـبْ أَيُّـهَـا الـنَّـدْبُ الْـمَـسِيحِيُّ مُسْلِمًا
صَــفَــا لَـكَ مِـنْـهُ الْـيَـوْمَ سِـرٌّ وَإِعْـلَانُ
فَــلَا تَـحْـرِمَـا الْأَوْطَـانَ أَنْ تَـتَـحَـالَـفَـا
يـــدًا بِـــيَــدٍ حَــتَّــى تُــؤَكَّــدَ أَيْــمَــانُ
أَلَا فَــانْــهَـضَـا نَـحْـوَ الْـعِـدَا وَكِـلَاكُـمَـا
لِـصَـاحِـبِـهِ فِـي الْـمَأْزِقِ الضَّنْكِ مِعْوَانُ
وَقُــولَا لِــمَـنْ قَـدْ لَامَ صَـهْ وَيْـكَ إِنَّـنَـا
عَـلَـى كُـلِّ حَـالٍ فِـي الْـمَوَاطِنِ إِخْوَانُ
•••
فَـــمَــنْ مُــبْــلِــغُ الْأَعْــدَاءِ أَنَّ بِــلَادَنَــا
مَآسِــدُ لَــمْ يَــطْـرُقْ ذَرَاهُـنَّ سِـرْحَـانُ
وَإِنَّــا إِذَا مَــا الــشَّــرُّ أَبْــدَى نُــيُــوبَــهُ
رَدَدْنَــاهُ عَـنَّـا بِـالـظُّـبَـى وَهْـوَ خَـزْيَـانُ
سَـنَـسْـتَـصْـرِخُ الْآسَـادَ مِـنْ كُلِّ مَرْبِضٍ
فَـتَـمْـشِـي إِلَـى الْـهَيْجَاءِ شِيبٌ وَشُبَّانُ
أُسُــودُ وَغًــى تَأْبَـى الْـحَـيَـاةَ ذَمِـيـمَـةً
وَتَــلْـبَـسُ بِـالْـعِـزِّ الـرَّدَى وَهْـوَ أَكْـفَـانُ
مَـقَـاحِـيـمُ تَـصْـلَـى الْـمَعْمَعَانَ مُشِيحَةً
إِذَا احْـتَدَمَتْ فِي حَوْمَةِ الْحَرْبِ نِيرَانُ
وَتَـكْـسُـو الْعَرَاءَ الرَّحْبَ مِسْحُ عَجَاجَةٍ
يَـمُـجُّ بِـهَـا الـسَّـيْفُ الرَّدَى وَهْوَ عُرْيَانُ
سَـنَـنْـهَـضُ لِـلْـمَـجْـدِ الْـمُـخَـلَّـدِ نَـهْـضَةً
يُــقِــرُّ بِــهَــا حَــوْرَانُ عَــيْـنًـا وَلُـبْـنَـانُ
وَتَــعْــتَـزُّ مِـنْ أَرْضِ الـشَّآمِ دِمَـشْـقُـهَـا
وَتَـهْـتَـزُّ مِـنْ أَرْضِ الْـعِـرَاقَـيْـنِ بَـغْـدَانُ
وَتَـطْـرَبُ فِـي الْـبَـيْتِ الْمُقَدَّسِ صَخْرَةٌ
وَتَـرْتَـاحُ فِـي الْـبَـيْـتِ الْـمُـحَـرَّمِ أَرْكَانُ
وَتَــحْــسُـنُ لِـلْـعُـرْبِ الْـكِـرَامِ عَـوَاقِـبٌ
فَـيَـحْـمَـدُهَـا مُـفْـتٍ وَيَـشْـكُـرُ مَـطْـرَانُ
وَلَـوْ أَنْـصَـفَـتْـنَـا سَاسَةُ الْغَرْبِ لَاغْتَدَتْ
دِمَـشْـقُ لَـهَـا مِـنْ سَـاسَةِ الْغَرْبِ أَعْوَانُ
وَرَقَّـــتْ قُــلُــوبٌ لِــلْــعِــرَاقِ وَأَهْــلِــهِ
وَأَصْـغَـتْ إِلَـى شَـكْـوَى فِلَسْطِينَ آذَانُ
وَلَــكِــنَّــهُــمْ رَانَـتْ عَـلَـيْـهِـمْ مَـطَـامِـعٌ
فَأَمْـسَـوْا وَهُـمْ صُـمٌّ عَـنِ الْحَقِّ عُمْيَانُ
لَــقَــدْ قِــيــلَ إِنَّ الْــغَـرْبَ ذُو مَـدَنِـيَّـةٍ
فَـقُـلْـتُ وَهَـلْ مَـعْـنَى التَّمَدُّنِ عُدْوَانُ؟
وَأَيُّ فَـــخَـــارٍ كَـــائِـــنٌ فِـــي تَــمَــدُّنٍ
إِذَا لَـمْ يَـقُـمْ فِـي الْـغَرْبِ لِلْعَدْلِ مِيزَانُ
إِذَا كَــانَــتِ الْأَخْــلَاقُ غَــيْـرَ شَـرِيـفَـةٍ
فَـمَـاذَا عَـسَـى تُـجْـدِي عُلُومٌ وَعِرْفَانُ؟
•••
بِـنَـفْـسِـيَ أَفْـدِي فِـي الْـعِـرَاقِ مَـنَـابِـتًا
يَــفُــوحُ بِـهَـا شِـيـحٌ وَيَـعْـبَـقُ حَـوْذَانُ
رِيَــاضٌ رَعَــتْــهَــا الــنَّــائِـبَـاتُ بِأَذْؤُبٍ
مِـنَ الْـجَـوْرِ فَـارْتَـاعَـتْ ظِـبَـاءٌ وَغِزْلَانُ
لَـقَـدْ كَـانَ فِـيـهَـا الـرَّنْـدُ وَالْـبَـانُ زَاهِـيًا
فَأَصْـــبَـــحَ لَا رَنْـــدٌ هُـــنَــاكَ وَلَا بَــانُ
وَأَصْــبَــحَ مَـرْصُـودًا بِـهَـا كُـلُّ مُـنْـهَـلٍ
عَـلَـيْـهِ مِـنَ الـتَّـرْنِـيـقِ بِـالـظُّـلْـمِ ثُعْبَانُ
وَظَــلَّ ابْـنُـهَـا عَـنْ كُـلِّ حَـوْضٍ مُـحَـلَّأً
يَـحُـومُ عَـلَـى سَـلْـسَـالِـهِ وَهْوَ عَطْشَانُ
سَأَبْـكِـي عَـلَـيْـهَـا كُـلَّـمَـا هَـبَّـتِ الـصَّـبَا
فَـمَـالَـتْ بِـهَـا مِـنْ حَـوْلِ دِجْلَةَ أَغْصَانُ
وَمَــنْ ذَرَفَــتْ آمَــاقُــهُ الـدَّمْـعَ لُـؤْلُـؤًا
ذَرَفْـتُ عَـلَـيْـهَـا أَدْمُـعِـي وَهْـيَ مَرْجَانُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤