شَكْوَى إِلَى الدُّسْتُورِ

Wave Image
شِـكَـايَـةُ قَـلْـبٍ بِـالْأَسَـى نَـابِـضِ الْـعِـرْقِ
إِلَـى قَـائِـمِ الـدُّسْـتُـورِ وَالْـعَـدْلِ وَالْـحَـقِّ
مُــلُــوكٌ عَــلَــى كُــلِّ الْــمُــلُــوكِ ثَــلَاثَــةٌ
لَـهَا الْحُكْمُ دُونَ النَّاسِ فِي الْفَتْقِ وَالرَّتْقِ
وَأُقْـــسِـــمُ أَنِّـــي لَا أَكُـــونُ لِــغَــيْــرِهَــا
مُـطِـيـعًـا وَلَـوْ مِـنْ أَجْـلِـهَـا ضُرِبَتْ عُنْقِي
فَــهَـلْ أَيُّـهَـا الـدُّسْـتُـورُ تَـسْـمَـعُ شَـاكِـيًـا
بِـكَ الْـيَـوْمَ يَرْجُو أَنْ يَرَى نَهْضَةَ الشَّرْقِ؟
لَـقَـدْ جِـئْـتَ مِـنْ أُفْـقِ الـصَّـوَارِمِ طَـالِـعًـا
عَـلَـيْـنَـا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مُنْتَهَى الْأُفْقِ
فَــصَــادَفْــتَ مِــنَّــا أُمَّـةً قَـدْ تَـعَـشَّـقَـتْ
لِــقَـاءَكَ حَـتَّـى جَـاوَزَتْ مَـبْـلَـغَ الْـعِـشْـقِ
وَلَــمْ نُــبْــدِ عُــنْـفًـا حِـيـنَ جِـئْـتَ وَإِنَّـمَـا
هَــتَــفْـنَـا جَـمِـيـعًـا بِـالْـوِفَـاقِ وَبِـالـرِّفْـقِ
وَظَــلْــنَـا نُـرَجِّـي مِـنْـكَ لِـلْـخَـرْقِ رَاقِـعًـا
وَلَــكِــنْ تَـرَاخَـى الْأَمْـرُ مُـتَّـسِـعَ الْـخَـرْقِ
بِـكَ الْـيَـوْمَ أَشْـقَـانَـا الْأُلَـى أَنْـتَ مُـسْـعِـدٌ
لَـدَيْـهِـمْ فَـيَـا لَـلـهِ لِـلْـمُـسْـعِـدِ الْـمُـشْـقِـي
نَــرَاكَ بِأَيْــدِيــهِـمْ عَـلَـى الْـخَـلْـقِ حُـجَّـةً
وَأَنْـتَ عَـلَـيْـهِـمْ حُـجَّـةٌ لَا عَـلَـى الْـخَـلْـقِ
قَــدِ اسْـتَأْثَـرُوا بِـالْـحُـكْـمِ وَارْتَـزَقُـوا بِـهِ
وَسَـدُّوا عَـلَـى مَـنْ حَـوْلَـهُـمْ مَـنْبَعَ الرِّزْقِ
كَأَنَّــا لَــهُــمْ شَــاءٌ فَــهُــمْ يَــحْــلُــبُـونَـنَـا
وَكَـمْ مَـخَـضُـوا أَوْطَـانَـنَـا مِـخْـضَـةَ الزِّقِّ
وَهُـمْ يَأْخُـذُونَ الـزُّبْـدَ مِـنْ بَـعْـدِ مَخْضِهَا
وَلَـمْ يَـتْـرُكُـوا لِـلـسَّـاكِـنِـيـهَا سِوَى الْمَذْقِ
أَتَـرْضَـى بِأَنْ تَـخْـتَـصَّ بِـالْـحُـكْـمِ مَعْشَرًا
وَتُــصْــبِــحَ لِــلْـبَـاقِـيـنَ حَـبْـرًا عَـلَـى رَقِّ
وَهُــمْ يَــرِدُونَ الـصَّـفْـوَ مِـنْـكَ وَلَـمْ نَـرِدْ
سِـوَى نُـغْـبَـةٍ مِـنْ بَـعْـضِ سُـؤْرِهِمُ الرَّنْقِ
فَــمَــا نَــحْــنُ إِلَّا كَــالــظِّــمَــاءِ وَإِنَّــهُــمْ
كَـسَـاقٍ يُـرِيـنَـا الْـمَـاءَ عَـذْبًـا وَلَا يَـسْـقِي
أَلَــمْ تَــرَ أَنَّــا طُــولَ عَــهْــدِكَ لَــمْ نَــقُــمْ
نُـسَـابِـقُ أَهْـلَ الْـمَـجْـدِ فِـي حَـلْبَةِ السَّبْقِ
وَلَــمْ نَــكُ نَــدْرِي لِاهْـتِـضَـامِ حُـقُـوقِـنَـا
أَنْــحَــنُ مِــنَ الْأَحْـرَارِ أَمْ نَـحْـنُ فِـي رِقِّ
وَلَـــمْ نَـــسْـــتَـــفِــدْ إِلَّا سُــقُــوطَ وِزَارَةٍ
وَتَأْلِــيــفَ أُخْــرَى مِــثْـلَ تِـلْـكَ بِـلَا فَـرْقِ
وَمَـا ضَـرَّهُـمْ لَـوْ أَسْـقَـطُـوا نَـهْجَ سَيْرِهِمْ
وَسَـارُوا بِـمِـنْـهَـاجِ الـتَّـبَـصُّـرِ وَالْـحِـذْقِ؟
أَلَـمْ يُـبْـصِـرُوا لِـلْـعَـدْلِ غَـيْـرَ طَـرِيـقِـهِمْ؟
فَإِنَّ طَـرِيـقَ الْـعَـدْلِ مِـنْ أَوْضَـحِ الـطُّرْقِ
وَمَــاذَا عَــسَــى يُـجْـدِي سُـقُـوطُ وِزَارَةٍ
إِذَا لَـمْ تَـقُـمْ أُخْـرَى عَـلَى الْعَدْلِ وَالصِّدْقِ
مَـضَـى كَـامِـلٌ مِـنْ قَبْلِ حِلْمِي وَإِنْ جَرَى
كَــمَــا جَــرَيَـا حَـقِّـي فَـمِـثْـلُـهُـمَـا حَـقِّـي
وَمَــا الْــهَــمُّ عِـنْـدِي بِـالَّـذِي قَـدْ ذَكَـرْتُـهُ
وَإِنْ كَـانَ يُـشْـجِـيـنِي وَيَدْعُو إِلَى الزَّعْقِ
وَلَـــكِــنْ وَرَاءَ الــسَّــتْــرِ كَــفٌّ خَــفِــيَّــةٌ
تُـزَحْـزِحُ مَـنْ شَـاءَتْ عَـنِ الْأَمْـرِ أَوْ تُبْقِي
وَلَــوْلَا يَــدٌ شَــدَّتْ لِــسَــانِــي بِــنِـعْـسَـةٍ
لَـبُـحْـتُ بِـسِـرٍّ كَـالـشَّـجَـا هُـوَ فِـي حَلْقِي
فَـيَـا أَيُّـهَـا الـدُّسْـتُـورُ فَـاقْـضِ بِـمَـا تَـرَى
وَأَبْــرِقْ وَلَــكِــنْ لَا تَــكُــنْ خُـلَّـبَ الْـبَـرْقِ
وَلَــسْـنَـا نُـرِيـدُ الْـيَـوْمَ حُـكْـمًـا عَـلَـيْـهِـمُ
وَلَــكِــنْ نُــنَـادِيـهِـمْ وَنَـدْعُـو إِلَـى الْـحَـقِّ
تَــعَــالَــوْا إِلَــى أَمْــرٍ نُــسَــاوِيــهِ بَـيْـنَـنَـا
وَبَـيْـنَـكُـمُ فِـي الْـجِـلِّ مِـنْـهُ وَفِـي الـدِّقِّ
فَإِنْ يَــفْــعَــلُـوا هَـذَا فَـيَـا مَـرْحَـبًـا بِـهِـمْ
وَإِلَّا فَـيَـا سُـحْـقَ الْـمُـعَـانِـدِ مِـنْ سُـحْـقِ
سَـنَـطْـلُـبُ هَـذَا الْـحَـقَّ بِـالـسَّـيْـفِ وَالْقَنَا
وَشِــيــبٍ وَشُــبَّــانٍ عَــلَــى ضُـمَّـرٍ بُـلْـقِ
بِــكُــلِّ ابْــنِ حَــرْبٍ كُــلَّــمَــا شَـدَّ هَـزَّهَـا
بِــعَــزْمٍ مِـنَ الـسَّـيْـفِ الْـمُـهَـنَّـدِ مُـشْـتَـقِّ
تَــرَاهُ إِذَا مَــا عَــبَّــسَ الْــمَــوْتُ وَجْــهَـهُ
بِـوَجْـهٍ يُـلَاقِـي الْـمَـوْتَ مُـبْـتَـسِـمٍ طَـلْـقِ
مِـنَ الْـعُـرْبِ مَـطْـبُـوعُ الـطِّبَاعِ عَلَى الْعُلَا
بَـدِيـعُ مَعَانِي الْحُسْنِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلْقِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤