أَحِبِّينِي …!

Wave Image
وَمَــــا مِــــنْ عَــــادَتِــــي نُــــكْــــرَانُ مَـــاضِـــيَّ الَّـــذِي كَـــانَـــا،
وَلَـــكِـــنْ … كُـــلُّ مَـــنْ أَحْـــبَـــبْـــتُ قَــبْــلَــكِ مَــا أَحَــبُّــونِــي
وَلَا عَـــطَـــفُـــوا عَـــلَـــيَّ، عَـــشِـــقْــتُ سَــبْــعًــا كُــنَّ أَحْــيَــانَــا
تَـــرِفُّ شُـــعُـــورُهُـــنَّ عَـــلَـــيَّ، تَـــحْــمِــلُــنِــي إِلَــى الــصِّــيــنِ
سَـفَائِنُ مِنْ عُطُورِ نُهُودِهِنَّ، أَغُوصُ فِي بَحْرٍ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْوَجْدِ
فَأَلْــتَــقِــطُ الْــمَــحَــارَ أَظُــنُّ فِــيــهِ الـدُّرَّ، ثُـمَّ تُـظِـلُّـنِـي وَحْـدِي
جَــــــــــدَائِــــــــــلُ نَــــــــــخْــــــــــلَــــــــــةٍ فَــــــــــرْعَـــــــــاءْ
فَأَبْـحَـثُ بَـيْـنَ أَكْـوَامِ الْـمَـحَـارِ، لَـعَلَّ لُؤْلُؤَةً سَتَبْزُغُ مِنْهُ كَالنَّجْمَة،
وَإِذْ تَـدْمَـى يَـدَايَ وَتُـنْـزَعُ الْأَظْـفَـارُ عَـنْـهَـا، لَا يَنِزُّ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَاءْ
وَغَــيْــرُ الــطِّــيــنِ مِــنْ صَــدَفِ الْــمَــحَــارِ، فَـتَـقْـطُـرُ الْـبَـسْـمَـة
عَـــلَـــى ثَـــغْـــرِي دُمُـــوعًـــا مِـــنْ قَــرَارِ الْــقَــلْــبِ تَــنْــبَــثِــقُ،
لِأَنَّ جَـــمِـــيـــعَ مَـــنْ أَحْـــبَـــبْـــتُ قَـــبْـــلَـــكِ مَــا أَحَــبُّــونِــي.
وَأُجْــلِــسُــهُــنَّ فِــي شُــرَفِ الْــخَــيَــالِ … وَتَــكْــشِـفُ الْـحُـرَقُ
ظِــلَالًا عَــنْ مَــلَامِــحِــهِــنَّ: آهِ فَــتِــلْــكَ بَــاعَــتْــنِــي بِــمَأْفُـونِ
لِأَجْــــلِ الْــــمَـــالِ، ثُـــمَّ صَـــحَـــا فَـــطَـــلَّـــقَـــهَـــا وَخَـــلَّاهَـــا.
وَتِــلْــكَ … لِأَنَّــهَــا فِــي الْـعُـمْـرِ أَكْـبَـرُ أَمْ لِأَنَّ الْـحُـسْـنَ أَغْـرَاهَـا
بِأَنِّــي غَــيْــرُ كُــفْءٍ، خَــلَّــفَــتْــنِــي كُــلَّــمَــا شَـرِبَ الـنَّـدَى وَرَقُ
وَفَــــتَّــــحَ بُــــرْعُـــمٌ مَـــثَّـــلْـــتُـــهَـــا وَشَـــمَـــمْـــتُ رَيَّـــاهَـــا؟
وَأَمْـــسِ رَأَيْـــتُـــهَـــا فِـــي مَـــوْقِـــفٍ لِـــلْـــبَـــاصِ تَـــنْـــتَــظِــرُ
فَـبَاعَدْتُ الْخُطَى وَنَأَيْتُ عَنْهَا، لَا أُرِيدُ الْقُرْبَ مِنْهَا، هَذِهِ الشَّمْطَاءْ
لَـهَـا الْـوَيْـلَاتُ؟ ثُـمَّ عَـرَفْـتُـهَـا: أَحَـسِـبْـتِ أَنَّ الْـحُـسْـنَ يَـنْـتَـصِـرُ
عَـــلَـــى زَمَـــنٍ تَـــحَـــطَّـــمَ سُــورُ بَــابِــلَ مِــنْــهُ، وَالْــعَــنْــقَــاءْ
رَمَـــادٌ مِـــنْـــهُ لَا يُـــذْكِـــيـــهِ بَـــعْـــثٌ فَـــهْـــوَ يَـــسْـــتَـــعِـــرُ؟
وَتِــــلْـــكَ كَأَنَّ فِـــي غَـــمَّـــازَتَـــيْـــهَـــا يَـــفْـــتَـــحُ الـــسَّـــحَـــرُ
عُــيُــونَ الْــفُــلِّ وَالــلَّــبْــلَابِ، عَــافَـتْـنِـي إِلَـى قَـصْـرٍ وَسَـيَّـارَة،
إِلَــــى زَوْجٍ تَـــغَـــيَّـــرَ مِـــنْـــهُ حَـــالٌ، فَـــهْـــوَ فِـــي الْـــحَـــارَة
فَـقِـيـرٌ يَـقْـرَأُ الـصُّـحُـفَ الْـقَـدِيـمَـةَ عِـنْدَ بَابِ الدَّارِ فِي اسْتِحْيَاءْ،
يُــحَــدِّثُــهَــا عَــنِ الْأَمْـسِ الَّـذِي وَلَّـى فَـيَأْكُـلُ قَـلْـبَـهَـا الـضَّـجَـرُ.
وَتِـــلْـــكَ وَزَوْجُـــهَـــا عَـــبْـــدَا مَـــظَـــاهِـــرَ، لَـــيْـــلُــهَــا سَــهَــرُ
وَخَـــمْـــرٌ أَوْ قِـــمَـــارٌ ثُـــمَّ يُـــوصِـــدُ صُـــبْـــحَـــهَـــا الْإِغْــفَــاءْ
عَـنِ الـنَّـهْـرِ الْـمُـكَـرْكِـرِ لِـلـشِّـرَاعِ يَـرِفُّ تَـحْـتَ الـشَّـمْسِ وَالْأَنْدَاءْ.
وَتِـلْـكَ؟ وَتِـلْـكَ شَـاعِـرَتِـي الَّـتِـي كَـانَـتْ لِـيَ الـدُّنْـيَـا وَمَـا فِـيـهَا،
شَــرِبْــتُ الــشِّــعْــرَ مِــنْ أَحْــدَاقِــهَــا وَنَــعَــسْــتُ فِــي أَفْــيَــاءْ
تُـــنَـــشِّـــرُهَـــا قَـــصَـــائِـــدُهَـــا عَـــلَـــيَّ: فَـــكُــلُّ مَــاضِــيــهَــا
وَكُـلُّ شَـبَـابِـهَـا كَـانَ انْـتِـظَـارًا لِـي عَـلَـى شَـطٍّ يُـهَوِّمُ فَوْقَهُ الْقَمَرُ
وَتَـــنْــعَــسُ فِــي حِــمَــاهُ الــطَّــيْــرُ رَشَّ نُــعَــاسَــهَــا الْــمَــطَــرُ
فَـــنَـــبَّــهَــهَــا فَــطَــارَتْ تَــمْــلَأُ الْآفَــاقَ بِــالْأَصْــدَاءِ نَــاعِــسَــةً
تَــؤُجُّ الــنُّــورَ مُــرْتَــعِــشًـا قَـوَادِمُـهَـا، وَتَـخْـفُـقُ فِـي خَـوَافِـيـهَـا
ظِــلَالُ الــلَّــيْــلِ. أَيْــنَ أَصِــيــلُــنَــا الــصَّــيْـفِـيُّ فِـي جِـيـكُـورْ؟
وَسَــــارَ بِــــنَـــا يُـــوَسْـــوِسُ زَوْرَقٌ فِـــي مَـــائِـــهِ الْـــبَـــلُّـــورْ؟
وَأَقْـرَأُ وَهْـيَ تُصْغِي وَالرُّبَى وَالنَّخْلُ وَالْأَعْنَابُ تَحْلُمُ فِي دَوَالِيهَا؟
تَـــفَـــرَّقَـــتِ الـــدُّرُوبُ بِـــنَـــا نَـــسِـــيــرُ لِــغَــيْــرِ مَــا رَجْــعَــة،
وَغَـــيَّـــبَـــهَـــا ظَــلَامُ الــسِّــجْــنِ تُــؤْنِــسُ لَــيْــلَــهَــا شَــمْــعَــة
فَـــتَـــذْكُـــرُنِـــي وَتَـــبْـــكِـــي، غَــيْــرَ أَنِّــي لَــسْــتُ أَبْــكِــيــهَــا
كَــــــــــــفَـــــــــــرْتُ بِأُمَّـــــــــــةِ الـــــــــــصَّـــــــــــحْـــــــــــرَاءْ
وَوَحْـيِ الْأَنْـبِـيَـاءِ عَـلَـى ثَـرَاهَـا فِـي مَـغَـاوِرِ مَـكَّةٍ أَوْ عِنْدَ وَادِيهَا.
وَآخِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرُهُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنَّ؟
آهٍ … زَوْجَــــــــــتِــــــــــي، قَــــــــــدَرِي، أَكَـــــــــانَ الـــــــــدَّاءْ
لِــــيُــــقْــــعِــــدَنِــــي كَأَنِّــــي مَــــيِّــــتٌ سَـــكْـــرَانُ لَـــوْلَاهَـــا؟
وَهَـــا أَنَـــا … كُـــلُّ مَــنْ أَحْــبَــبْــتُ قَــبْــلَــكِ مَــا أَحَــبُّــونِــي.
وَأَنْـــــــــــتِ؟ لَـــــــــــعَـــــــــــلَّـــــــــــهُ الْإِشْـــــــــــفَـــــــــــاقُ!
لَـــــــــــــــسْـــــــــــــــتُ لِأَعْـــــــــــــــذُرَ الـــــــــــــــلـــــــــــــــهَ
إِذَا مَــا كَــانَ عَــطْــفٌ مِـنْـهُ، لَا الْـحُـبُّ، الَّـذِي خَـلَّاهُ يَـسْـقِـيـنِـي
كُـــــــــــئُـــــــــــوسًـــــــــــا مِـــــــــــنْ نَــــــــــعِــــــــــيــــــــــمٍ.
آهِ، هَـــــــــــاتِـــــــــــي الْـــــــــــحُــــــــــبَّ، رَوِّيــــــــــنِــــــــــي
بِـــــهِ، نَـــــامِـــــي عَـــــلَـــــى صَـــــدْرِي، أَنِـــــيـــــمِــــيــــنِــــي
عَــــــــــــلَــــــــــــى نَــــــــــــهْــــــــــــدَيْــــــــــــكِ، أَوَّاهَـــــــــــا
مِـنَ الْـحُـرَقِ الَّـتِـي رَضَـعَـتْ فُـؤَادِي ثَـمَّـةَ افْـتَـرَسَـتْ شَـرَايِينِي.
أَحِــــــــــــــــــــــبِّــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــنِـــــــــــــــــــــي
لِأَنِّـــي كُـــلُّ مَـــنْ أَحْـــبَـــبْـــتُ قَـــبْـــلَـــكِ لَـــمْ يُـــحِـــبُّــونِــي.

عن القصيدة

  • طريقة النظم: حر
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

بدر شاكر السياب: شاعِرٌ عِراقِي، يُعَدُّ واحِدًا مِن أشْهَرِ الشُّعَراءِ العَربِ فِي العَصرِ الحَدِيث، ساهَمَ بالاشْتِراكِ معَ كِبارِ الشُّعَراءِ مِن أَمْثال: «صلاح عبد الصبور»، و«أمل دنقل»، و«لميعة عباس عمارة»، وغَيرِهِم فِي تَأْسِيسِ مَدْرسةِ «الشِّعْر الحُر».

لهُ العَدِيدُ مِنَ القَصائِدِ والمَجْموعاتِ الشِّعْريةِ الَّتي تَميَّزتْ بالتَّدفُّقِ الشِّعْريِّ والتَّمرُّدِ عَلى الشَّكلِ التَّقلِيديِّ للقَصِيدة، صدَرَ مِنْها: «أَزْهارٌ ذابِلة»، و«أَساطِير»، و«المُومِس العَمْياء»، و«الأَسْلِحة والأَطْفال»، وغَيْرُها. وإِلى جانِبِ أَشْعارِه أَسْهَمَ «السياب» فِي تَرْجَمةِ الكَثِيرِ مِنَ الأَعْمالِ الأَدَبيَّةِ والشِّعْريَّةِ العالَميَّة، وقَدْ أَصْدرَ مَجْموعةَ تَرْجَماتِه عامَ ١٩٥٥م في كِتابٍ سمَّاه: «قَصائِد مُخْتارة مِنَ الشِّعْر العالَمِي الحَدِيث».

فارَقَ «بدر شاكر السياب» الحَياةَ عامَ ١٩٦٤م، إثْرَ إِصابتِهِ بمَرضٍ شَدِيدٍ ظلَّ يُصارِعُه لسَنَواتٍ عَدِيدة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤