يَا جَارَتِي

Wave Image
قَــالَــتْ لِــجَــارَتِـهَـا يَـوْمًـا تُـسَـائِـلُـهَـا
عَـنِّـي، وَفِـي طَـرْفِهَا الْوَسْنَانِ أَشْجَانُ
مَـا بَـالُ هَـذَا الْـفَـتَـى فِي الدَّارِ مُعْتَزِلًا
كَـــمَـــا تَـــوَحَّـــدَ نُـــسَّــاكٌ وَرُهْــبَــانُ
يَـأْتِـي الْـمَـسَـاءُ عَـلَـيْـهِ وَهْـوَ مُـكْـتَئِبٌ
وَيَــرْجِــعُ اللَّــيْـلُ عَـنْـهُ وَهْـوَ حَـيْـرَانُ
يَــمُــرُّ بِــالْــقُــرْبِ مِــنَّــا لَا يُــكَــلِّـمُـنَـا
وَلِلْــحَــدِيــثِ مَـجَـالٌ، وَهْـوَ مِـلْـسَـانُ
وَإِنْ نُــكَــلِّــمْــهُ لَا يَــفْــقَــهْ مَـقَـالَـتَـنَـا
إِلَّا كَــمَــا يَـفْـقَـهُ الـتَّـسْـبِـيـحَ سَـكْـرَانُ
إِذَا تَـــبَـــسَّـــمَ، لَا تَـــبْـــدُو نَــوَاجِــذُهُ
وَإِنْ بَــــكَـــى، فَـــلَـــهُ نَـــزْعٌ وَإِرْنَـــانُ
كَــأَنَّــمَــا نِــيــطَــتِ الــدُّنْـيَـا بِـعَـاتِـقِـهِ
كَــأَنَّــمَــا كُــلُّ عُــضْــوٍ فِــيــهِ بُــرْكَـانُ
فَــلَا ابْـتِـسَـامُ ذَوَاتِ الْـغُـنْـجِ يُـطْـرِبُـهُ
وَلَا ابْـنَـةُ الْـحَـانِ تُـصْـبِـيـهِ وَلَا الْـحَانُ
أَمَــــالَــــهُ أَمَـــلٌ حُـــلْـــوٌ يَـــلَـــذُّ بِـــهِ
كَــمَــا تَــلَــذُّ بِــمَــرْأَى الــنُّــورِ أَجْـفَـانُ
أَمَــالَــهُ جِــيـرَةٌ فِـي الْأَرْضِ يَـأْلَـفُـهُـمْ
يَــا جَــارَتِـي، كَـانَ لِـي أَهْـلٌ وَجِـيـرَانُ
فَـبَـتَّـتِ الْـحَـرْبُ مَـا بَـيْـنِـي وَبَـيْـنَـهُمُ
كَــمَــا تُــقَــطَّــعُ أَمْــرَاسٌ وَخِــيــطَـانُ
فَـالْـيَـوْمَ كُـلُّ الَّـذِي فِـي مُـهْـجَـتِي أَلَمٌ
وَكُــلُّ مَــا حَــوْلَــهُــمْ بُــؤْسٌ وَأَحْـزَانُ
وَكَــانَ لِــي أَمَــلٌ إِذْ كَــانَ لِــي وَطَــنٌ
فِــيــهِ لِــنَــفْــسِــي لُــبَــانَـاتٌ وَخِـلَّانُ
فَــجَــرَّدَتْــهُ اللَّـيَـالِـي مِـنْ مَـحَـاسِـنِـهِ
كَــمَــا يُــعَـرَّى مِـنَ الْأَشْـجَـارِ بُـسْـتَـانُ
فَـلَا الْـمَـغَـانِـي الَّـتِـي أَشْـتَـاقُ رُؤْيَـتَهَا
تِـلْـكَ الْـمَـغَـانِـي، وَلَا الـسُّـكَّـانُ سُـكَّانُ
لَـــوِ الْـــمُــرُوءَةُ تَــدْرِي أَيَّ فَــاجِــعَــةٍ
بِـالـشَّـامِ، نَـاحَ عَـلَـيْـهَـا الْإِنْسُ وَالْجَانُ
وَلَــوْ يَــبُــثُّ بَــنُــو لُــبْـنَـانَ لَـوْعَـتَـهُـمْ
لَاهْــتَــزَّتِ الْأَرْضُ لَــمَّــا اهْـتَـزَّ لُـبْـنَـانُ
قَـالَـتْ: شَـكَـوْتَ الَّـذِي بِـالْـخَـلْقِ كُلِّهِمُ
وَمَــا كَــذَبْــتُــكَ إِنَّ الْـحَـرْبَ طُـوفَـانُ
تَـسَـاوَتِ الـنَّاسُ فِي الْبَلْوَى، فَقُلْتُ لَهَا
هَـيْـهَـاتَ، مَـا هَـانَ قَـوْمٌ مِـثْـلَـمَا هَانُوا
أَمَـــنْ يَـــمُــوتُ وَلَا سِــتْــرٌ يُــظَــلِّلُــهُ
كَــمَــنْ عَــلَــيْــهِ أَكَــالِـيـلٌ وَتِـيـجَـانُ؟
قَـالَـتْ، وَيَـا وَيْـحَ نَـفْـسِي مِنْ مَقَالَتِهَا،
كَـفْـكِـفْ دُمُوعَكَ، بَعْضُ الْحُزْنِ أَهْوَانُ
لَــوْ كَــانَ قَــوْمُـكَ أَهْـلًا لِلْـحَـيَـاةِ لَـمَـا
مَــاتُــوا وَفِــي أَرْضِــهِـمْ تُـرْكٌ وَأَلْـمَـانُ
وَكُـلُّ مَـنْ لَا يَـرَى فِـي الـذُّلِّ مَـنْـقَـصَةً
لَا يَــسْــتَــحِــقُّ بِـأَنْ يَـبْـكِـيـهِ إِنْـسَـانُ
كُــفِّــي مَـلَامَـكِ يَـا حَـسْـنَـاءُ وَاتَّـئِـدِي
فَــإِنَّ مَــدْحَ ذَوِي الْــعُــدْوَانِ عُــدْوَانُ
وَأَنْــتِ مِــنْ أُمَّــةٍ تَــأْبَــى خَــلَائِــقُـهَـا
أَنْ يَـقْـتُـلَ الطَّيْرَ فِي الْأَقْفَاصِ سَجَّانُ
وَإِنَّ قَــوْمِــي طُــيُــورٌ غَــيْـرُ كَـاسِـرَةٍ
سَـطَـتْ عَـلَـيْـهَـا شَـوَاهِـيـنٌ وَعُـقْـبَـانُ
لَا تَـحْـسَـبِـي أَنَّـنِـي أَبْـكِـي لِـمَصْرَعِهِمْ
فَـــكُــلُّــنَــا لِلــرَّدَى شِــيــبٌ وَشُــبَّــانُ
لَـكِـنْ بَـكَـيْـتُ مِـنَ الْـبَـاغِـي يُـعَـذِّبُـهُمْ
وَهُــمْ شُــيُــوخٌ وَأَطْــفَــالٌ وَنِــسْـوَانُ
وَرُحْـتُ أَشْـكُـو إِلَـيْـهَـا وَهْـيَ سَـاهِـيَةٌ
لَــكِــنَّــمَــا قَـلْـبُـهَـا الْـخَـفَّـاقُ يَـقْـظَـانُ
حَتَّى انْتَهَيْتُ فَصَاحَتْ وَهْيَ مُجْهِشَةٌ
يَــا لَــيْــتَ مَــا قُــلْــتَــهُ زُورٌ وَبُـهْـتَـانُ
بَـلْ لَـيْـتَـنِـي لَـمْ أُسَـائِـلْ عَـنْـكَ جَارَتَنَا
بَــلْ لَـيْـتَ قَـلْـبِـي إِذْ سَـاءَلْـتُ صَـوَّانُ
يَـا لَـيْـتَ شِـعْـرِي وَهَذِي الْحَرْبُ قَائِمَةٌ
هَـلْ تَـنْـجَـلِـي وَلَنَا فِي الشَّامِ إِخْوَانُ؟
وَهَــلْ تَــعُــودُ إِلَــى لُــبْـنَـانَ بَـهْـجَـتُـهُ
وَهَــلْ أَعُــودُ وَفِــي لُـبْـنَـانَ نِـيـسَـانُ؟
فَـأَسْـمَـعَ الـطَّـيْـرَ تَـشْـدُو فِـي خَـمَائِلِهِ
وَأُبْـصِـرَ الْـحَـقْـلَ فِـيهِ الشِّيحُ وَالْبَانُ؟
بَــنِــي بِــلَادِي، وَلَا أَدْعُــو بَــخِـيـلَـكُـمُ
غَــيْــرُ الْــبَـخِـيـلِ لَـهُ قَـلْـبٌ وَوِجْـدَانُ
بَــنِــي بِــلَادِي، وَلَا أَدْعُــو جَــبَــانَـكُـمُ
مَــا لِلْــجَــبَــانِ وَلَا لِــي فِــيــهِ إِيـمَـانُ
بَـنِـي بِـلَادِي، وَكَـمْ أَدْعُـو! أَلَـيْـسَ لَكُمْ
كَـــسَــائِــرِ الْــخَــلْــقِ أَكْــبَــادٌ وَآذَانُ؟
لَا تَـضْـحَـكُـوا وَبِـأَرْضِ الـشَّـامِ نَـائِحَةٌ
وَلَا تَــنَــامُــوا وَفِــي لُـبْـنَـانَ سَـهْـرَانُ!

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الفخر – الحكمة – الوصف
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤