مَصِيفُ رَشِيدٍ

Wave Image
أَرَشِـــــيـــــدُ لَا جُـــــرْحٌ وَلَا إِيــــلَامُ
عَــادَ الــزَّمَــانُ وَصَــحَّــتِ الْأَحْـلَامُ!
وَتَــمَــثَّــلَـتْ فِـيـكِ الْـحَـيَـاةُ فَـتِـيَّـةً
مِــنْ بَــعْــدِ مَــا عَــبِـثَـتْ بِـكِ الْأَيَّـامُ
يَــا زِيــنَــةً بَــيْــنَ الــثُّـغُـورِ وَفِـتْـنَـةً
سَــحَــرَ الْــمَــمَـالِـكَ ثَـغْـرُكِ الْـبَـسَّـامُ
يَــا وَرْدَةً بَــيْــنَ الــرِّمَــالِ نَــضِـيـرَةً
تُــزْهَــى بِــهَــا الْأَغْــصَـانُ وَالْأَكْـمَـامُ
يَــا دُرَّةَ الْــبَـحْـرِ الَّـتِـي بِـوَمِـيـضِـهَـا
ضَـحِـكَ الـصَّـبَـاحُ، وَأَشْـرَقَ الْإِظْـلَامُ
يَـا دَوْحَـةً نَـبَـتَ الْـقَـرِيـضُ بِأَرْضِـهَـا
فَأُصُـــولُـــهَـــا وَفُــرُوعُــهَــا إِلْــهَــامُ
يَـا رَوْضَـةً فَـتَـنَ الْـعُـيُـونَ جَـمَـالُـهَـا
وَتَــحَــدَّثَــتْ بِأَرِيــجِــهَــا الْأَنْــسَــامُ
يَــا هَـمْـسَـةَ الْأَمَـلِ الْـوَسِـيـمِ رُوَاؤُهُ
لَــوْ كَــانَ لِــلْأَمَــلِ الْــوَسِــيـمِ كَـلَامُ!
يَـا صَـحْـوَةَ الْـمَـجْـدِ الْـقَدِيمِ تَحَدَّثِي
طَــالَ الــزَّمَــانُ بِــنَـا وَنَـحْـنُ نِـيَـامُ!
يَـا طَـلْـعَـةً لِـلْـحُـسْـنِ شَـاعَ ضِـيَاؤُهَا
وَانْـجَـابَ عَـنْـهَـا الْـبَـحْـرُ وَهْـوَ لِـثَـامُ
•••
أَرَشِـيـدُ يَـا بَـلَـدِي وَيَـا مَـلْـهَـى الصِّبَا
بَـيْـنِـي وَبَـيْـنَ مَـدَى الـصِّـبَـا أَعْـوَامُ!
أَيَّــامَ لِــي فِــي كُــلِّ سَــرْحٍ نَــغْــمَـةٌ
وَبِـــكُـــلِّ رُكْـــنٍ وَقْـــفَـــةٌ وَلِـــمَـــامُ
أَيَّــــامَ لَا أَمْــــسِـــي يَـــجُـــرُّ وَرَاءَهُ
أَسَــفًــا، وَلَا يَــوْمِــي عَــلَــيَّ جَـهَـامُ
أَلْـهُـو كَـمَـا تَـلْـهُـو الـطُّـيُـورُ، حَـدِيثُهَا
شَـــدْوٌ، وَرَفُّ جَـــنَــاحِــهَــا أَنْــغَــامُ
مُــتَــنَــقِّــلَاتٍ بَــيْــنَ أَزْهَــارِ الــرُّبَــا
الْــجَــوُّ مَــتْــنٌ، وَالــنَّــسِــيــمُ زِمَـامُ
وَمَـطَـالِـبِـي لَـمْ تَـعْـدُ مَـدَّةَ سَـاعِـدِي
بُـعْـدًا، فَـمَـا اسْـتَـعْـصَـى عَـلَـيَّ مَرَامُ
لَـهْـوُ الـطُّـفُـولَـةِ خَـيْـرُ أَيَّـامِ الْـفَـتَـى
إِنَّ الْـــحَـــيَــاةَ وَكَــدْحَــهَــا أَوْهَــامُ!
•••
أَرَشِـيـدُ، فِـيـكِ لُـبَـانَـتِـي وَصَـبَـابَـتِي
وَالـــصِّــهْــرُ وَالْأَخْــوَالُ وَالْأَعْــمَــامُ
لَـمَـسَـتْ حُـنُـوَّ الْـحُـبِّ فِـيكِ تَمَائِمِي
وَرَأَيْــتُ فِــيــكِ الــدَّهْـرَ وَهْـوَ غُـلَامُ
وَنَـشَأْتُ فِـي ظِـلِّ الـنَّـخِـيـلِ يَـهُـزُّنِي
شَـــوْقٌ إِلَـــى أَفْـــيَـــائِـــهَــا وَغَــرَامُ
أَرْخَــتْ شُــعُــورًا لِــلـنَّـسِـيـمِ كَأَنَّـمَـا
أَظْــلَالُــهَــا تَــحْــتَ الْــغَـمَـامِ غَـمَـامُ
تَـهْـفُـو وَيَـمْـنَـعُـهَـا الْـحَـيَـاءُ فَـتَنْثَنِي
كَــالْــغِــيــدِ رَوَّعَ سِــرْبَــهَــا الــلُّـوَّامُ
إِنَّــا كَــبِــرْنَــا يَــا نَــخِــيــلُ وَحُـبُّـنَـا
بَــيْــنَ الْــجَــوَانِــحِ شُـعْـلَـةٌ وَضِـرَامُ
كَـمْ طَـوَّقَـتْ مِـنْـكِ الْقُدُودَ سَوَاعِدِي
وَلَــكَـمْ شَـفَـانِـي مِـنْ جَـنَـاكِ طَـعَـامُ
وَلَـكَـمْ هَـزَزْتِ فَـتَـاكِ حِـيـنَ حَـمَـلْـتِهِ
كَــالْأُمِّ تُـلْـهِـي الـطِّـفْـلَ حِـيـنَ يَـنَـامُ
إِنْ يُـقْـصِـنِـي عَـنْـكِ الـزَّمَـانُ وَأَهْـلُـهُ
فَــالْــحُــبُّ عَــهْــدٌ بَــيْــنَــنَـا وَذِمَـامُ
مِـيـسِـي كَأَيَّـامِ الـطُّـفُـولَـةِ وَارْفُـلِـي
فَــالْــجَــوُّ صَـفْـوٌ، وَالـنَّـعِـيـمُ جِـمَـامُ
غَــنَّــى لَــكِ الْــقَـلَـمُ الَّـذِي أَرْهَـفْـتِـهِ
أَرَأَيْـــتِ كَـــيْـــفَ تُـــغَــرِّدُ الْأَقْــلَامُ؟
هَــذَا وَلِــيــدُكِ جَـاءَ يُـنْـشِـدُ شِـعْـرَهُ
مَـا كُـلُّ مَـا تَـحْـوِي الْـخُـيُـوطُ نِـظَـامُ
أَصْـغَـى لَـهُ الْـوَادِي، وَغَـنَّـتْ بِـاسْـمِهِ
بَــغْــدَادُ، وَاهْــتَــزَّتْ إِلَــيْــهِ الــشَّـامُ
إِنْ قَــالَ مَــالَ لَــهُ الْـوُجُـودُ بِـرَأْسِـهِ
وَرَنَـــتْ لَـــهُ الْأَسْــمَــاعُ وَالْأَفْــهَــامُ
مَـلَـكَ الْـعَـصِـيَّ مِنَ الْقَرِيضِ بِسِحْرِهِ
طَـوْعًـا، فَـمَـا اسْـتَعْصَى عَلَيْهِ خِطَامُ
•••
أَرَشِـيدُ، هَلْ فِي أَنْ يَبُوحَ أَخُو الْهَوَى
حَــرَجٌ، وَهَــلْ فِـي أَنْ يَـحِـنَّ مَـلَامُ؟
يَــا مَــرْتَــعَ الْآرَامِ رَنَّــحَــهَــا الـصِّـبَـا
كَــيْــفَ الْــمَــرَاتِــعُ فِــيــكِ وَالْآرَامُ؟
مِــنْ كُــلِّ لَـفَّـاءِ الْـمَـعَـاطِـفِ طَـفْـلَـةٍ
جِــيــدٌ كَــمَـا يَـهْـوَى الْـهَـوَى وَقَـوَامُ
سَـتَـرَتْ مَـلَاحَـتَـهَـا الْـمُـلَاءَةُ مِـثْـلَـمَا
سَــتَــرَ الْــغَــمَـامُ الْـبَـدْرَ وَهْـوَ تَـمَـامُ
يَـدْنُـو الْـجَـمَـالُ بِـهَا فَيَحْجُبُهَا التُّقَى
«كَــظِــبَـاءِ مَـكَّـةَ صَـيْـدُهُـنَّ حَـرَامُ»
فَإِذَا نَـظَـرْتَ فَـخُـذْ لِـنَـفْـسِكَ حِذْرَهَا
إِنَّ الْـعُـيُـونَ — كَمَا عَلِمْتَ — سِهَامُ
•••
أَرَشِـيـدُ، مَـجْدُكِ فِي الْقَدِيمِ صَحِيفَةٌ
بَـــيْـــضَـــاءُ، لَا لَـــبْـــسٌ وَلَا إِبْــهَــامُ
مَــلَأَتْ مَآذِنُــكِ الـسَّـمَـاءَ شَـوَامِـخًـا
بَـــيْــنَ الــسَّــحَــابِ كَأَنَّــهَــا أَعْــلَامُ
كَـمْ شَـاهَـدَتْ قَـوْمًـا زَهَـتْ أَيَّـامُـهُـمْ
حِــيــنًــا، وَجَــاءَتْ بَــعْـدَهُـمْ أَقْـوَامُ
سُــبْــحَــانَ مَـنْ لَا مَـجْـدَ إِلَّا مَـجْـدُهُ
نَــفْــنَــى وَيَــبْـقَـى الْـوَاحِـدُ الْـعَـلَّامُ
خُـذْ مِـنْ زَمَـانِكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَمَا لِمَا
أَخَـــذَتْ يَــدَاكَ مِــنَ الــزَّمَــانِ دَوَامُ
وَارْضَ الْـحَـيَـاةَ نَـعِـيـمَـهَـا أَوْ بُـؤْسَهَا
نُــعْـمَـى الْـحَـيَـاةِ وَبُـؤْسُـهَـا أَقْـسَـامُ
•••
أَرَشِــيــدُ، لَــمْ نَـسْـمَـعْ لِـصَـدْرِكِ أَنَّـةً
لِــلــنَّــازِلَاتِ الــدُّهْــمِ وَهْـيَ جِـسَـامُ
أَجْـمَـلْـتِ صَـبْـرًا لِـلْـحَـوَادِثِ فَانْثَنَتْ
إِنَّ الْــكِــرَامَ عَـلَـى الْـخُـطُـوبِ كِـرَامُ
الْــيَـوْمَ جَـدَّدْتِ الـشَّـبَـابَ فَأَقْـدِمِـي
مَــعْــنَـى الـشَّـبَـابِ الْـعَـزْمُ وَالْإِقْـدَامُ
سَـعَـتِ الْـوُفُـودُ إِلَـى مَـصِـيفِكِ سُبَّقًا
يَــتْــلُــو الــزِّحَـامَ إِلَـى سَـنَـاهُ زِحَـامُ
الـنِّـيـلُ وَالْـبَـحْـرُ الْـخِـضَـمُّ يَـحُـوطُهُ
وَالْـبَـاسِـقَـاتُ عَـلَـى الـطَّـرِيـقِ قِـيَـامُ
وَالـتُّـوتُ وَالـصَّـفْـصَافُ يَهْتِفُ طَيْرُهُ
فَــــتُـــرَدِّدُ الْـــكُـــثْـــبَـــانُ وَالْآكَـــامُ
وَالـزَّهْـرُ فِـي جِـيـدِ الـرِّيَـاضِ قَـلَائِـدٌ
وَالـنَّـهْـرُ فِـي خَـصْـرِ الـرِّيَـاضِ حِـزَامُ
وَالْـمَـوْجُ كَـالْـخَـيْلِ الْجَوَامِحِ أُطْلِقَتْ
وَانْــحَــلَّ عَــنْــهَــا مِــقْــوَدٌ وَلِــجَـامُ
تَــجْــرِي الــسَّـفَـائِـنُ فَـوْقَـهُ وَكَأَنَّـهَـا
وَالــرِّيــحُ تَــدْفَـعُ بِـالـشِّـرَاعِ، حَـمَـامُ
وَمَـنَـاظِـرٌ يَـعْـيَـا الْـقَـرِيـضُ بِـوَصْفِهَا
وَيَـــضِــلُّ فِــي أَلْــوَانِــهَــا الــرَّسَّــامُ
وَالــنَّــاسُ بَــيْـنَ مُـمَـازِحٍ وَمُـدَاعِـبٍ
وَالْأُنْـــسُ حَـــتْــمٌ وَالــسُّــرُورُ لِــزَامُ
مَـنْ شَـاءَ فِـي ظِـلِّ الـسَّعَادَةِ ضَجْعَةً
فَــهُــنَــا تُــشَــادُ صُــرُوحُـهَـا وَتُـقَـامُ
أَوْ رَامَ نِــسْـيَـانَ الْـهُـمُـومِ فَـهَـا هُـنَـا
تُــنْــسَــى الْــهُـمُـومُ، وَتَـذْهَـبُ الْآلَامُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أنشد الشاعر هذه القصيدة في احتفال كبير أُقيمَ ببلد الشاعر «رشيد» بمناسبة افتتاح مصيفها سنة ١٩٣٩م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤