صُبْحُ الْأَمَانِيِّ

Wave Image
تَـبَـلَّـجَ أُفْـقُ الـشَّـرْقِ مِـنْ بَـعْـدِ مَا اغْبَرَّا
وَكَــشَّــرَ عَــنْ صُـبْـحِ الْأَمَـانِـيِّ مُـفْـتَـرَّا
وَلَـوْ كَـانَ صُـبْـحًـا نَـاصِـعَ الـلَّوْنِ سَرَّنِي
وَبَــرَّدَ حَــرًّا كَــانَ فِـي كَـبِـدِي الْـحَـرَّى
وَلَــكِــنَّــهُ صُــبْــحٌ يَــلُــوحُ لِــنَــاظِــرِي
بِــحَــاشِــيَـةِ الـزَّرْقَـاءِ كَـالـدَّمِ مُـحْـمَـرَّا
أَرَاهُ كَــوَجْــهِ الْــغَــادَةِ الْـخَـوْدِ رَاقَـنِـي
بِــحُــسْــنٍ وَلَــكِــنْ قَـدْ تَـجَـهَّـمَ وَازْوَرَّا
لَـمَـحْـتُ تَـبَـاشِـيـرَ الْـمُـنَـى مِـنْ خِـلَالِـهِ
ضِـئَـالًا كَـمَـنْـهُـوكٍ غَـدَا يَـشْـتَكِي الضُّرَّا
وَلَــمْ أَدْرِ لَــمَّــا اسْـتَـبْـهَـمَـتْ أُخْـرَيَـاتُـهُ
أَأَطْـمَـعُ أَمْ أَسْـتَـشْـعِـرُ الْـيَأْسَ مُضْطَرَّا؟
وَلَــوْ كُــنْــتُ أَدْرِي مَــا وَرَاءَ احْــمِـرَارِهِ
لَـسَـرَّى عَـنِ الـنَّـفْـسِ الْـكَـئِـيبَةِ مَا سَرَّى
وَلَــــكِــــنَّــــهُ وَرَّى عَــــوَاقِـــبَ أَمْـــرِهِ
فَـزَادَتْ شُكُوكُ النَّفْسِ مِنْ أَجْلِ مَا وَرَّى
يُـهَـامِـسُـنِـي بِـالْـوَعْـدِ قَـوْلًا مُـجَـمْـجَمًا
كَأَنْ هُــوَ يَــخْــشَــى أَنْ أُذِيــعَ لَـهُ سِـرَّا
وَإِنِّـــي لَأَخْـــشَــى أَنْ أَكُــونَ بِــوَعْــدِهِ
وَإِنْ أَسْــفَـرَتْ أَوْضَـاحُـهُ الْـغُـرُّ مُـغْـتَـرَّا
وَمَـا كُـلُّ صُـبْـحٍ يَـرْتَـجِـي النَّاسُ خَيْرَهُ
وَلَا كُــلُ لَــيْـلٍ مُـظْـلِـمٌ يُـضْـمِـرُ الـشَّـرَّا
فَإِنْ كُـنْـتَ يَـا صُـبْـحَ الْأَمَـانِـيِّ صَـادِقًـا
بِــوَعْــدٍ فَـحَـيَّـا الـلـهُ طَـلْـعَـتَـكَ الْـغَـرَّا
•••
خَـلِـيـلَـيَّ هَـلْ مِـنْ عَـاذِرٍ فِـي قَـصِـيـدَةٍ
أَقُــولُ بِــهَــا حَــقًّــا وَإِنْ قُــلْــتُــهُ مُــرَّا
أَرَى هَـبْـوَةً سَـوْدَاءَ فِـي الْـجَـوِّ أَسْـبَلَتْ
حِــجَــابًــا بِآفَــاقِ الْــعِـرَاقَـيْـنِ مُـمْـتَـرَّا
وَأَرْخَـتْ بِأَرْضِ الـشَّـامِ مِنْهَا عَلَى الرُّبَى
سُــدُولًا بِــهَـا جَـوُّ الـسَّـمَـاءِ قَـدِ اغْـبَـرَّا
وَمَــدَّتْ عَـلَـى بَـيْـرُوتَ مِـنْـهَـا غَـيَـابَـةً
بِــهَــا عَـادَ وَجْـهُ الْأُفْـقِ أَسْـفَـعَ مُـكْـدَرَّا
وَمَـــا هِـــيَ إِلَّا عَــارِضٌ مِــنْ تَــنَــاكُــرٍ
بِـــهِ مَـــرْبَـــعُ الْآمَــالِ أَقْــفَــرَ وَاقْــوَرَّا
تَــرَى الْــقَـوْمَ فِـيـهِ نَـوْءُهُـمْ مُـتَـخَـاذِلٌ
وَآمَــالُــهُــمْ أَمْــسَـتْ كَـتِـيـبَـتُـهَـا فُـرَّى
•••
عَـجِـبْـتُ لِـقَـوْمٍ أَصْـبَـحُـوا يُـنْـكِـرُونَـنَـا
وَقَـدْ عَـرَفُـونَـا فِـي الـزَّمَـانِ الَّـذِي مَـرَّا
هُـــمُ أَسْـــمَــعُــونَــا نَــعْــرَةً عَــرَبِــيَّــةً
فَـدَوَّى صَـدَاهَـا فِـي الْـمَـسَامِعِ مُصْطَرَّا
فَـكَـمْ مِـنْ خَـطِـيـبٍ قَـامَ فِـيـهَـا مُثَرْثِرًا
فَـطَـرَّى لَـنَـا مِـنْ يَـابِـسِ الْقَوْلِ مَا طَرَّى
وَكَـمْ شَـاعِـرٍ قَـدْ أَرْخَـصَ الـشِّـعْرَ دُونَهَا
وَكَــمْ قَـلَـمٍ فَـوْقَ الـطُّـرُوسِ بِـهَـا صَـرَّا
وَكُــنَّــا أَجَــبْــنَــاهُــمْ إِلَــيْــهَــا إِجَــابَـةً
بِـهَـا قَـدْ تَـرَكْـنَـا جَـانِـبَ الـدِّيـنِ مُـزْوَرَّا
رَجَــاءَ اتِّــحَــادٍ فِـي طَـرِيـقِ سِـيَـاسَـةٍ
تَــعُــمُّ مَــرَامِــيــهَــا بَـنِـي يَـعْـرُبٍ طُـرَّا
فَـمُـذْ حَـانَ أَنْ يَـخْـضَـلَّ غُصْنُ اعْتِزَازِنَا
وَيَـرْجِـعَ بَـعْـدَ الْـيُـبْـسِ رَطْـبًـا وَيَخْضَرَّا
نَـصَـبْـنَـا خَـيَـاشِـيـمَ الـرَّجَـاءِ لِـرِيـحِـهِمْ
فَــهَــبَّــتْ لَــنَــا نَــكْــبَـاءَ عَـاتِـيَـةً صِـرَّا
•••
لَـعَـمْـرِي لَـقَـدْ سَـاءَ الْـكِـرَامَ ابْـنُ غَـانِـمٍ
بِـبَـارِيـسَ إِذْ قَـدْ قَـالَ مَـا يُخْجِلُ الْحُرَّا
نَـفَـى عَـنْ مَـنَـامِـيـهِ الْـعُـرُوبَـةَ وَادَّعَـى
جُـزَافًـا، وَخَـلَّـى مَـنْـهَـجَ الْـقَـوْمِ وَابْـتَرَّا
وَهَـلْ حَـسِـبُـوا أَنَّ الْـعُـرُوبَـةَ فِي الْوَرَى
مِــنَ الْــعَـرِّ حَـتَّـى أَنْـكَـرُوا ذَلِـكَ الْـعَـرَّا
كَأَنْ لَــمْ يَـقُـمْ مِـنْ بَـيْـنِـهِـمْ نَـاعِـرٌ بِـهَـا
وَلَـمْ يَـكُ ضَـرَّانَـا بِـهَـا أَمْـسِ مَـنْ ضَرَّى
فَــمَــا أَحَــدٌ مِــنْــهُــمْ وَفَــى بِـعُـهُـودِهِ
وَلَا أَحَــدٌ مِــنْــهُــمْ بِــمَــا قَــالَ قَـدْ بَـرَّا
وَكَــانَ غُــرُورًا كُــلُّ مَــا حَــالَــفُــوا بِـهِ
وَشَـرُّ الْـحَـلِـيـفَـيْـنِ الَّـذِي خَـانَ أَوْ غَـرَّا
وَعَـــادَ الَّـــذِي كُــنَّــا نُــؤَمِّــلُ مِــنْــهُــمُ
إِلَــى غَــيْــرِ مَــا كُــنَّــا نُـؤَمِّـلُ مُـنْـجَـرَّا
وَقَــدْ صَــوَّحَــتْ تِـلْـكَ الْأَمَـانِـيُّ كُـلُّـهَـا
فَـحَـاكَـتْ نَـبَـاتَ الْأَرْضِ إِذْ هَاجَ مُصْفَرَّا
وَأَصْــبَـحَ فِـيـنَـا شَـامِـتًـا كُـلُّ مَـنْ غَـدَا
لِأَبْــنَــاءِ قَــنْــطُـورَاءَ يَـغْـضَـبُ مُـمْـقَـرَّا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤