فِي حَفْلَةِ شَوْقِي

Wave Image
أُمَــارِسُ دَهْــرًا مِــنْ جَــدِيـدِيَ دَاهِـرَا
وَمَـا زَالَ لَـيْـلِـي بِـالْـعِـرَاقَـيْـنِ سَـاهِـرَا
أَبَـــى الْـــحَـــقُّ إِلَّا أَنْ أَقُــومَ لِأَجْــلِــهِ
عَـلَـى الـدَّهْـرِ فِـي كُـلِّ الْـمَـوَاطِنِ ثَائِرَا
وَأَنْ أَتَــمَــادَى فِــي جِـدَالِ خُـصُـومِـهِ
وَأَقْــرَعَ مِــنْــهُـمْ بِـالْـبَـيَـانِ الْـمُـكَـابِـرَا
وَإِنِّـي لَأَهْـوَى الْـحَـقَّ كَـالطِّيبِ سَاطِعًا
وَكَـالـرِّيـحِ هَـبَّـابًـا وَكَـالـشَّـمْسِ ظَاهِرَا
سَـتَـبْـقَـى لِـنَـفْـسِـي فِـي هَـوَاهُ سَرِيرَةٌ
إِذَا الـدَّهْـرُ أَبْـلَـى مِـنْ بَـنِـيـهِ الـسَّـرَائِرَا
وَتَــكْــرَهُ نَـفْـسِـي أَنْ أَكُـونَ مُـخَـادِعًـا
لِأُدْرِكَ نَـــفْـــعًـــا أَوْ لِأَدْفَـــعَ ضَـــائِـــرَا
وَمِـنْ أَجْـلِ مَـقْـتِـي لِـلْمَخَانِيثِ أَنْكَرَتْ
يَـدِي أَنْ تُـحَـلَّـى فِـي الْـجِـنَـانِ أَسَاوِرَا
وَمَــا الْــعَــجْــزُ إِلَّا أَنْ أَكُـونَ مُـكَـاتِـمًـا
إِذَا مَـا تَـقَـاضَـتْـنِـي الْـعُـلَا أَنْ أُجَـاهِـرَا
وَمَــا أَنَــا مِـمَّـنْ يُـبْـهِـمُ الْـقَـوْلَ لَاحِـنًـا
فَـيُـضْـمِـرَ فِـيـهِ لِـلْـجَـلِـيـسِ الـضَّـمَائِرَا
وَلَـوْلَا طُـمُـوحِـي فِـي الْحَيَاةِ إِلَى الْعُلَا
سَـكَـنْـتُ الْـبَوَادِي وَاجْتَنَبْتُ الْحَوَاضِرَا
•••
يَـقُـولُـونَ لِـي فِـي مِـصْـرَ لِـلْعِلْمِ نَهْضَةٌ
تُــفَــتِّــقُ أَذْهَــانًــا وَتَــجْــلُـو بَـصَـائِـرَا
وَإِنَّ بِــهَــا لِــلْــعِــلْــمِ قَــدْرًا وَحُــرْمَـةً
وَإِنَّ بِــهَــا لِــلْــحَــقِّ عَــوْنًــا وَنَــاصِـرَا
وَإِنَّ لِأَهْــلِ الْــعِــلْــمِ فِــيــهَــا نَــوَادِيًـا
وَإِنَّ لِأَهْــلِ الْــفَــضْـلِ فِـيـهَـا دَسَـاكِـرَا
ألَــمْ تَــرَ أَنَّ الْــقَـوْمَ فِـي كُـلِّ مَـحْـفِـلٍ
بِــهَــا رَفَــعُــوا لِــلْـقَـائِـلِـيـنَ الْـمَـنَـابِـرَا
وَقَـدْ ضَـرَبُـوا وَعْـدًا لِـتَـكْـرِيـمِ شَـاعِـرٍ
تَـمَـلَّـكَ صِـيـتًـا فِـي الْأَقَـالِـيـمِ طَـائِـرَا
هُـوَ الـشَّـاعِـرُ الْـفَـحْـلُ الَّذِي رَاحَ شِعْرُهُ
بِإِنْــشَــادِهِ فِـي الْـبَـرِّ وَالْـبَـحْـرِ سَـائِـرَا
فَـلَوْ قُلْتَ بَعْضَ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ حَفْلِهِمْ
تَــشُــدُّ بِــهِ مِــنَّــا لِــمِــصْــرَ الْأَوَاصِـرَا
فَـقُـلْـتُ: أَجَـلْ وَالـشِّـعْرُ لَيْسَ بِمُعْجِزِي
وَلَـنْ تَـعْـدَمُـوا مِـنِّـي عَلَى الشِّعْرِ قَادِرَا
أَلَا إِنَّ شَــوْقِــي شَــاعِــرٌ جَــدُّ شَــاعِـرٍ
يَــفُــوقُ الْأَوَالِــي بَــلْ يَــبُـزُّ الْأَوَاخِـرَا
تَــمَــلَّــكَ حُــرَّ الــشِّـعْـرِ فَـهْـوَ رَقِـيـقُـهُ
وَقَـــامَ عَـــلَــيْــهِ بِــالَّــذِي شَــاءَ آمِــرَا
إِذَا رَامَ جَـــزْلًا مِـــنْــهُ أَنْــشَــدَ زَاخِــرًا
وَإِنْ رَامَ سَــهْــلًا مِـنْـهُ أَنْـشَـدَ سَـاحِـرَا
فَـلَا عَـجَـبٌ مِـنْ أَهْـلِ مِـصْـرَ وَغَـيْرِهِمْ
إِذَا عَـقَـدُوا مِـنْـهُـمْ عَـلَـيْـهِ الْـخَـنَـاصِرَا
بَــنَــى لَــهُـمُ مَـجْـدًا رَفِـيـعًـا بِـشِـعْـرِهِ
لِــذَا جَــعَـلُـوا حُـسْـنَ الـثَّـنَـاءِ وَكَـائِـرَا
•••
وَلَــكِـنَّـنِـي قَـدْ أَنْـظُـرُ الْـحَـفْـلَـةَ الَّـتِـي
تُـقَـامُ لَـهُ ذَا الْـيَـوْمَ فِـي مِـصْـرَ سَاخِرَا
إِذَا احْـتَـفَـلَـتْ مِـصْـرٌ بِـشَـوْقِي فَمَا لَهَا
تُـقِـيـمُ عَـلَـى الْأَحْرَارِ فِي الْعِلْمِ حَاجِرَا
فَـقَـدْ أَسْـمَـعَـتْـنَـا ضَـجَّـةً أَمْـطَـرَتْ بِهَا
عَــلِــيًّــا وَطَــهَ حَــاصِــبًــا مُـتَـطَـايِـرَا
فَـمَـا بَـالُ هَـذَا عُـدَّ فِـي مِـصْـرَ مَـارِقًـا
وَمَــا بَـالُ هَـذَا عُـدَّ فِـي مِـصْـرَ كَـافِـرَا
إِذَا لَــمْ تَـكُ الْأَفْـكَـارُ فِـي مِـصْـرَ حُـرَّةً
فَــلَــيْــسَ لِــمِــصْـرٍ أَنْ تُـكَـرِّمَ شَـاعِـرَا
أَيُــرْفَــعُ قَـدْرُ الْـعِـلْـمِ يُـنْـطَـقُ نَـاظِـمًـا
وَيُــوضَـعُ قَـدْرُ الْـعِـلْـمِ يُـنْـطَـقُ نَـاثِـرَا
وَيُـخْـتَـصُّ بِـالـتَّبْجِيلِ مَنْ جَاءَ مُنْشِدَا
وَيُـقْـذَفُ بِـالـتَّـجْـهِـيـلِ مَـنْ جَاءَ فَاكِرَا
أَلَا إِنَّ هَــذَا الــشِّــعْــرَ لَــيْـسَ بِـطَـائِـلٍ
إِذَا كَــانَ عَــمَّـا يَـبْـلُـغُ الْـعِـلْـمُ قَـاصِـرَا
كَــمَــا أَنَّ هَــذَا الْــعِـلْـمَ لَـيْـسَ بِـنَـافِـعٍ
إِذَا لَــمْ تَـكُـنْ فِـيـهِ الـنُّـفُـوسُ حَـرَائِـرَا
وَتَـكْـرِيـمُ رَبِّ الـشِّـعْـرِ لَـيْـسَ بِـمَـفْـخَرٍ
لِـمَـنْ كَـانَ عَـنْ حُـرِّيَّـةِ الْـفِـكْـرِ جَـائِـرَا
وَإِلَّا فَــعَــصْــرُ الْــجَــاهِــلِــيَّـةِ قَـبْـلَـنَـا
لَـهُ الـسَّـبْـقُ فِـي تَكْرِيمِ مَنْ كَانَ شَاعِرَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤