بَارِيسُ

Wave Image
عُــرْسٌ أُقِــيــمَ عَــلَـى الـدَّمِ الْـمَـسْـفُـوكِ
أَأُرَدِّدُ الْأَلْـــــحَـــــانَ أَمْ أَبْـــــكِـــــيــــكِ؟
بَــارِيــسُ حَــيَّــرْتِ الْــقَــرِيــضَ، فَـمَـرَّةً
يَـــشْــدُو، وَحِــيــنًــا وَالِــهًــا يَــرْثِــيــكِ
نَـهَـكَـتْـكِ دَاهِـيَـةُ الْـخُـطُـوبِ فَـلَـمْ تَـدَعْ
لِــلْــفَــوْزِ غَــيْــرَ حُــشَــاشَــةِ الْـمَـنْـهُـوكِ
إِنْ كَــانَ مَــا تَــعْــنِـي الْـحَـيَـاةُ تَـنَـفُّـسًـا
«فَــالْــعَـيْـشُ خَـيْـرٌ فِـي ظِـلَالِ الـنُّـوكِ»
لَـهْـفِـي عَـلَـيْـكِ! وَلَـهْـفَ شِـعْرِي! مَا الَّذِي
لَاقَـــيْـــتِ مِـــنْ جَـــبْـــرِيَّــةٍ وَفُــتُــوكِ؟
مَــا بَــيْــنَ ظُــلْــمٍ كَـالْـمَـنُـونِ مُـحَـجَّـبٍ
عَـــاتٍ، وَظُـــلْــمٍ كَــاسْــمِــهِ مَــهْــتُــوكِ
أَلْــقَــيْــتِ نَــفْــسَـكِ لِـلـطُّـغَـاةِ غَـنِـيـمَـةً
وَمَــضَـى الْـقَـضَـاءُ فَـعَـزَّ مَـنْ يُـنْـجِـيـكِ
جُـــرْحُ الْـــهَــزِيــمَــةِ لَا تَــجِــفُّ دِمَــاؤُهُ
وَتَــجِــفُّ دَامِــيَــةُ الْــقَــنَــا الْـمَـشْـكُـوكِ
نَــادَيْــتِ لَا «بِــيــتَــانُ» فِـي تِـسْـعِـيـنِـهِ
مُـــصْـــغٍ، وَلَا «لَا فَـــالُ» بَــيْــنَ ذَوِيــكِ
وَلَــقِــيــتِ مِــنْ عَـسْـفِ الْـعَـدُوِّ وَكَـيْـدِهِ
دُونَ الَّـــذِي لَاقَـــيْـــتِ مِـــنْ أَهْــلِــيــكِ!
وَلَّــى الْــحُــمَــاةُ فَــمَــا أَجَــابُــوا دَعْـوَةً
لَـــمَّـــا دَعَـــاهُـــمْ لِـــلـــرَّدَى دَاعِـــيـــكِ
تَـــرَكُـــوكِ لِـــلْــمَــوْتِ الــزُّؤَامِ وَأَدْبَــرُوا
يَــا لَــيْــتَــهُــمْ لِــلْــمَــوْتِ مَــا تَــرَكُــوكِ!
وَمَــضَــوْا حَــيَـارَى ذَاهِـلِـيـنَ، فَـمَـا رَأَوْا
كَـــفَّـــيْـــكِ ضَـــارِعَـــةً، وَلَا سَــمِــعُــوكِ
قَــذَفُــوا الــسِّــلَاحَ فَــصَــبَّـهُ أَعْـدَاؤُهُـمْ
غُــــلًّا، فَــــكَـــادَ حَـــدِيـــدُهُ يُـــرْدِيـــكِ
وَنُــعِــيــتِ لِــلــدُّنْــيَــا فَــشَــبَّـتْ لَـوْعَـةٌ
أَصْــلَــى الْــقُــلُــوبَ بِــحَــرِّهـا نَـاعِـيـكِ
•••
وَيْــلَ الــشَّــبَــابِ مِــنَ الــنُّـعُـومَـةِ إِنَّـهَـا
أَعْـــرَاضُ سُـــمٍّ لِــلــشُّــعُــوبِ وَشِــيــكِ
مَــا أَتْــعَــسَ الــزَّمَـنَ الْـجَـدِيـدَ بِـفِـتْـيَـةٍ
قَــتَـلُـوهُ فِـي الـتَّـصْـفِـيـفِ وَالـتَّـدْلِـيـكِ!
قَــلْــبٌ كَــقُــرْطِ الْــغَــانِــيَــاتِ مُــفَــزَّعٌ
وَإِرَادَةٌ مِـــــنْ حَـــــيْـــــرَةٍ وَشُــــكُــــوكِ
عَــاشُـوا صَـعَـالِـيـكَ الْـحَـيَـاةِ وَلَـيْـتَـهُـمْ
فَــازُوا بِــصِــدْقِ عَــزِيــمَـةِ الـصُّـعْـلُـوكِ!
أَبْــقَــتْ لَــيَـالِـي الْأُنْـسِ مِـنْ أَخْـلَاقِـهِـمْ
فَـــزَعَ الـــنَّـــعَــامَــةِ وَازْدِهَــاءَ الــدِّيــكِ
•••
بَـــارِيــسُ هَــالَــتْــكِ الــدِّمَــاءُ غَــزِيــرَةً
فَــسَــقَــطْــتِ بَــيْــنَ نِـصَـالِ جَـزَّارِيـكِ!
خِــفْــتِ الْــقَــذَائِــفَ أَنْ تَــهُــدَّ مَـعَـالِـمًـا
فَـــتَـــهَـــدَّمَ الــتَّــارِيــخُ فِــي أَيْــدِيــكِ!
مَــا كَـانَ أَحْـرَى لَـوْ دُكِـكْـتِ إِلَـى الـثَّـرَى
وَتَــرَكْــتِ ذِكْــرًا لَــيْــسَ بِــالْــمَــدْكُــوكِ!
مَــا بُــرْجُ «إِيـفِـلَ» حِـيـنَ يَـسْـلَـمُ مَـانِـعٌ
هَـــمْـــسًـــا يَــطِــنُّ غَــدًا بِأُذْنِ بَــنِــيــكِ
لَــوْ طَـالَ صَـبْـرُكِ فِـي الْـمَـكَـارِهِ سَـاعَـةً
لَـــرَأَيْــتِ أَنَّ الْــمَــوْتَ قَــدْ يُــنْــجِــيــكِ
إِنَّ الَّــذِي خَــلَــقَ الْــكَــرَامَــةَ صَــانَــهَــا
بِــالــسَّــيْــفِ يَــمْــحُــو رَأْيَ كُــلِّ أَفِـيـكِ
بَــيْــنَ الْــمَــهَــانَــةِ وَالْــمَــعَــزَّةِ خُـطْـوَةٌ
فَإِذَا ضَـــلِــلْــتِ فَــقَــلَّ مَــنْ يَــهْــدِيــكِ
شَــتَّــانَ بَــيْــنَ فَــتًـى يَـمُـوتُ مُـجَـالِـدًا
وَفَـتًـى يَـمُـوتُ بِـجُـرْعَـةِ «الْـفِـيـنِـيـكِ»!
شَــتَّــى أَسَــالِــيــبُ الْــحَــيَــاةِ، وَلَا أَرَى
لِــلْــمَــجْــدِ غَــيْــرَ طَـرِيـقِـهِ الْـمَـسْـلُـوكِ
سِــرُّ الْــبُــطُــولَــةِ فِـي الـشَّـدَائِـدِ جُـرْأَةٌ
سِــيَّــانِ: تَــفْــرِي الْـخَـطْـبَ أَمْ يَـفْـرِيـكِ
قَـدْ كُـنْـتِ فِـي «الـسَّـبْـعِينَ» أَكْرَمَ مَوْقِفًا
وَالْــغَــانِــيَــاتُ بِــشَــعْــرِهَــا تَــفْــدِيــكِ
•••
بَــارِيــسُ قَــدْ ضُــرِبَ الـثَّـبَـاتُ بِـلَـنْـدُنٍ
مَــــثَــــلًا إِلَـــى أَمْـــثَـــالِـــهِ يَـــدْعُـــوكِ
عَـبَـسَـتْ لَـهُمْ «دَنْكَرْكُ» فَاقْتَحَمُوا الرَّدَى
وَمَــشَــوْا بِــوَجْــهٍ لِــلْــمَــنُـونِ ضَـحُـوكِ
وَاسْــتَــقْـبَـلُـوا نُـوَبَ الـزَّمَـانِ ضَـرَاغِـمًـا
لَــمَّــا تَــخَــلَّــفَ عَــاهِــلُ «الْـبِـلْـجِـيـكِ»
جَــعَــلُــوا الْـهَـزَائِـمَ سُـلَّـمًـا، فَـتَـسَـلَّـقُـوا
لِــلــنَّــصْــرِ فَــوْقَ جَــمَــاجِــمٍ وَتَــرِيــكِ
أَصْــلَــتْــهُـمُ الْـهَـيْـجَـاءُ نَـارَ جَـحِـيـمِـهَـا
فَــتَــخَــلَّـصُـوا كَـالْـعَـسْـجَـدِ الْـمَـسْـبُـوكِ
لَــوْ أَنَّــهُــمْ وَهَــنُــوا لَــزَالَــتْ رِيــحُــهُـمْ
وَقَــضَــوْا عَــبِــيــدَ الــذُّلِّ وَالـتَّـفْـكِـيـكِ
وَلَـمَـا رَمَـى «شِـرْ بُـرْجَ» مِـنْـهُـمْ جَـحْـفَلٌ
فِــي مَأْزِقٍ كَــفَــمِ الــلُّــيُــوثِ ضَــنِــيـكِ
وَلَـــمَــا رَأَتْ «رُومَــا» طَــلَائِــعَ نَــجْــدَةٍ
تَــشْــرِي الْــمَـحَـامِـدَ بِـالـدَّمِ الْـمَـسْـفُـوكِ
وَلَـمَـا مَـضَـى «رُومِـيـلُ» يَـلْـعَـقُ جُـرْحَـهُ
وَيَـــجُـــرُّ ذَيْـــلَ الْــعَــاثِــرِ الْــمَــفْــلُــوكِ
وَلَـمَـا جَـرَتْ فِـي الْـبَـحْـرِ تَـخْـطِرُ سُفْنُهُمْ
مِــنْ آخِـرِ «الْـهَـادِي» إِلَـى «الْـبَـلْـطِـيـكِ»
•••
بَـارِيسُ — وَالذِّكْرَىَ جَحِيمٌ — فَانْظُرِي
نَــحْــوَ الــسَّــمَــاءِ لَــعَــلَّــهَــا تُـنْـسِـيـكِ!
وَتَــذَكَّــرِي مَــاضِــيــكِ فَــهْــوَ مَــجَـادَةٌ
قَـــدْ كَــانَ أُسْــتَــاذَ الْــوَرَى مَــاضِــيــكِ
يَــا أُمَّ «هُــوجُــو» كُــلُّ شِــعْـرٍ يَـرْتَـجِـي
لَــوْ كَــانَ يَــلْــقَــى وَحْــيَــهُ مِــنْ فِـيـكِ
أَشْــعَـلْـتِ مِـصْـبَـاحَ الْـفُـنُـونِ فَأَشْـرَقَـتْ
بِـــضِـــيَـــائِـــهِ الْأَيَّـــامُ بَـــعْــدَ حُــلُــوكِ
فِــيــكِ الــثَّـقَـافَـةُ بِـالْـمَـجَـانَـةِ تَـلْـتَـقِـي
مَـــاذَا أَقُـــولُ وَكُـــلُّ شَـــيْءٍ فِـــيـــكِ؟
يَــا كَــعْــبَــةَ الـدُّنْـيَـا، وَيَـا نَـادِي الْـهَـوَى
الْآنَ كَـــيْـــفَ الْـــحَـــالُ فِــي نَــادِيــكِ؟
أَتُـــرَى الْـــبَـــلَابِــلُ لَا تَــزَالُ صَــوَادِحًــا
أَمْ رَاعَـــهَـــا الْـــغِــرْبَــانُ فِــي وَادِيــكِ؟
وَالْـــغَـــانِــيَــاتُ؟ أَفُــزِّعَــتْ أَسْــرَابُــهَــا
وَتَـــفَـــرَّقَ الـــسُّـــمَّــارُ عَــنْ شَــادِيــكِ؟
طَـلَـعَـتْ عَـلَـيْـكِ مَـعَ الـصَّـبَـاحِ فَـوَارِسٌ
وَمَــشَــى الْــغَــرِيــمُ لِــحَـقِّـهِ الْـمَـتْـرُوكِ
طَـاحُـوا بِـقَـيْـدِكِ فِـي الْـهَـوَاءِ، وَكَـمْ لَهُمْ
مِــنَــنٌ عَــلَــى الْــمَأْسُــورِ وَالْــمَـمْـلُـوكِ؟
وَجُــنُــودُكِ الْأَحْــرَارُ تَــسْـتَـبِـقُ الْـخُـطَـا
لِـــتَـــرُدَّ صَـــفْـــعَــتَــهَــا إِلَــى غَــازِيــكِ
فَـــتَـــفَـــرَّقَ الْأَعْـــدَاءُ عَــنْــكِ بَــدَائِــدًا
وَالــطَّــعْــنُ فَــوْقَ قَـفَـاهُـمُ الْـمَـصْـكُـوكِ
سُــبْــحَــانَ مَــنْ لَا حُــكْــمَ إِلَّا حُــكْــمُـهُ
يُـــمْـــضِـــي إِرَادَتَـــهُ بِــغَــيْــرِ شَــرِيــكِ
عُــودِي إِلَــى ظِــلِّ الــسَّــلَامِ وَأَشْــرِقِـي
كَــالــشَّــمْــسِ تَـعْـلُـو الْأُفْـقَ بَـعْـدَ دُلُـوكِ
وَاسْـتَـقْـبِـلِـي الـدُّنْـيَـا جَـدِيـدًا وَاعْـلَـمِـي
أَنَّ الْأَسَـــى وَالْـــحُـــزْنَ لَا يُـــجْـــدِيــكِ
قَــــدَرُ الْإِلَــــهِ إِذَا كَــــرِهْــــتِ لِــــقَـــاءَهُ
فَــلَــعَــلَّ فِــي عُــقْــبَــاهُ مَــا يُــرْضِـيـكِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: يتألَّم الشاعر لذكر سقوط باريس في الحرب العالمية الثانية، ويتحسر لسرعة استسلامها، ثم يذكر إنقاذ الحلفاء والفرنسيين الأحرار لها من أيدي الألمان عام ١٩٤٤م، فضمَّن هذه القصيدة مشاعره وخوالج نفسه.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤