وَقْفَةٌ فِي الرَّوْضِ

Wave Image
نَــاحَ الْــحَــمَــامُ وَغــرَّدَ الــشُّـحْـرُورُ
هَـــذَا بِـــهِ شَـــجَـــنٌ وَذَا مَـــسْــرُورُ
فِـي رَوْضَـةٍ يُـشْـجِي الْمَشُوقَ تَرَقْرُقٌ
لِــلْــمَــاءِ فِــي جَــنَــبَــاتِــهَـا وَخَـرِيـرُ
مَـاءٌ قَـدِ انْـعَـكَـسَ الـصَّـفَـاءُ بِـوَجْـهِهِ
وَصَــــفَــــا فَــــلَاحَ كَأَنَّــــهُ بَــــلُّـــورُ
قَــدْ كَــادَ يُــمْــكِــنُ عِـنْـدَ ظَـنِّـي أَنَّـهُ
بِـالْـمَـاسِ يُـوشَـرُ مِـنْـهُ لِـي مَـوْشُـورُ
وَتَـسَـلْـسَلَتْ فِي الرَّوْضِ مِنْهُ جَدَاوِلٌ
بَـــيْـــنَ الــزُّهُــورِ كَأَنَّــهُــنَّ سُــطُــورُ
حَـيْـثُ الْـغُـصُـونُ مَـعَ الـنَّسِيمِ مَوَائِلٌ
فَـــكَأَنَّـــهُــنَّ مَــعَــاطِــفٌ وَخُــصُــورُ
•••
مَــاذَا أَقُــولُ بِـرَوْضَـةٍ عَـنْ وَصْـفِـهَـا
يَــعْــيَـا الْـبَـيَـانُ وَيَـعْـجِـزُ الـتَّـعْـبِـيـرُ
عُـنِـيَ الـرَّبِـيـعُ بِـوَشْـيِـهَـا فَـتَـنَـوَّعَـتْ
لِـــلْـــعَـــيْـــنِ أَنْـــوَارٌ بِـــهَــا وَزُهُــورُ
مَـثَـلَـتْ بِـهَـا الْأَغْـصَـانُ وَهْـيَ مَـنَـابِرٌ
وَتَـلَـتْ بِـهَـا الْـخُـطَـبَـاءُ وَهْـيَ طُـيُورُ
مُــتَــعَــطِّــرٌ فِـيـهَـا الـنَّـسِـيـمُ كَأَنَّـمَـا
جَـيْـبُ الـنَّـسِـيـمِ عَـلَـى الشَّذَا مَزْرُورُ
لِـلـنَّـرْجِـسِ الْـمَـطْـلُـولِ تَـرْنُـو أَعْـيُـنٌ
فِــيــهَــا وَتَــبْــسِــمُ لِــلْأَقَــاحِ ثُـغُـورُ
تَـخِـذَتْ خُـزَامَـاهَـا الْـبَـنَـفْسَجَ خِدْنَهَا
وَغَــدَا يُــشِــيــرُ لِــوَرْدِهَـا الْـمَـنْـثُـورُ
وَكَأَنَّ مُــحْــمَــرَّ الــشَّـقِـيـقِ وَحَـوْلَـهُ
فِـي الـرَّوْضِ زَهْـرُ الْـيَـاسَـمِـيـنِ يَمُورُ
شَــمْــعٌ تَــوَقَّــدَ فِــي زُجَــاجٍ أَحْــمَـرٍ
فَــغَــدَا حَــوَالَــيْــهِ الْــفَــرَاشُ يَـدُورُ
وَتَـــرُوقُ مِـــنْ بُـــعْـــدٍ بِــهَــا فَــوَّارَةٌ
فِــي الْــجَــوِّ يَـدْفُـقُ مَـاؤُهَـا وَيَـفُـورُ
يَــحْـكِـي عَـمُـودُ الْـمَـاءِ فِـيـهَـا آخِـذًا
صُـعُـدًا عَـمُـودَ الـصُّـبْـحِ حِـيـنَ يُـنِـيرُ
نَـــادَيْــتُ لَــمَّــا أَنْ رَأَيْــتُ صَــفَــاءَهُ
وَالــنُّــورُ فِــيــهِ مُــغَـلْـغَـلٌ مَـكْـسُـورُ
هَـلْ ذَاكَ ذَوْبُ الْـمَـاسِ يَجْمُدُ صَاعِدًا
أَمْ قَــدْ تَــجَـسَّـمَ فِـي الْـهَـوَاءِ الـنُّـورُ
تَــتَــنَـاثَـرُ الْـقَـطَـرَاتُ فِـي أَطْـرَافِـهَـا
فَـــكَأَنَّـــمَـــا هِـــيَ لُــؤْلُــؤٌ مَــنْــثُــورُ
يَـنْـحَـلُّ فِـيـهَـا الـنُّـورُ حَـتَّـى قَدْ تَرَى
قَـوْسَ الـسَّـحَـابِ لَـهَـا بِـهَـا تَـصْـوِيـرُ
كَـمْ قَدْ لَبِسْتُ بِهَا الضُّحَى مِنْ رَوْضَةٍ
فِــيــهَــا عَــلَــتْــنِــي نَـضْـرَةٌ وَسُـرُورُ
فَأَجَـلْـتُ فِـي الْأَزْهَـارِ لَـحْـظَ تَـعَجُّبِي
وَلِــفِــكْــرَتِــي بِــصِــفَــاتِــهِــنَّ مُـرُورُ
فَــنَــظَــرْتُــهُــنَّ تَـحَـيُّـرًا وَنَـظَـرْنَـنِـي
حَـــتَّـــى كِــلَانَــا نَــاظِــرٌ مَــنْــظُــورُ
فَــكَأَنَّ طَــرْفَ الــزَّهْــرِ ثَـمَّـةَ سَـاحِـرٌ
لَـــمَّـــا رَنَـــا وَكَأَنَّـــنِـــي مَــسْــحُــورُ
إِنَّ الـــزُّهُـــورَ تُـــكِـــنُّــهُــنَّ بَــرَاعِــمٌ
مِــثْــلُ الْــعُــلُــومِ تُــجِـنُّـهُـنَّ صُـدُورُ
وَتَــضَــوُّعُ الـنَّـفَـحَـاتِ مِـنْـهَـا مِـثْـلُـهُ
تَــبْــيِــيــنُــهَــا لِــلــنَّـاسِ وَالـتَّـقْـرِيـرُ
وَبِـتِـلْـكَ قَـلْـبُ الْـجَـهْـلِ مَصْدُوعٌ كَمَا
ثَـــوْبُ الْــهُــمُــومِ بِــهَــذِهِ مَــطْــرُورُ
وَالــزَّهْـرُ يُـنْـبِـتُـهُ الـسَّـحَـابُ بِـمَـائِـهِ
كَـالْـعِـلْـمِ يُـنْـبِـتُ غَـرْسَـهُ الـتَّـفْـكِـيـرُ
إِنْ كَـانَ هَـذَا فِـي الْـحَـدَائِـقِ بَـهْـجَـةً
يَــزْهُــو فَـذَلِـكَ فِـي الـنُّـهَـى تَـنْـوِيـرُ
أَوْ كَـــــانَ هَـــــذَا لَا يَـــــدُومُ فَإِنَّ ذَا
لَــيَــدُومُ مَــا دَامَــتْ تَــكُــرُّ عُــصُـورُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤