لَوْ أَنَّ أَطْلَالَ الْمَنَازِلِ تَنْطِقُ

Wave Image
لَــوْ أَنَّ أَطْــلَالَ الْــمَــنَــازِلِ تَــنْــطِــقُ
مَــا ارْتَــدَّ حَــرَّانَ الْــجَــوَانِـحِ شَـيِّـقُ
هَــلْ عِــنْــدَ ذَاكَ الــسِّــرْبِ أَنَّـا بَـعْـدَهُ
فِــي الْــحَــيِّ مِـنْ آمَـاقِـنَـا نَـتَـدَفَّـقُ؟
أَوْ أَنَّ أَضْـلُعَنَا — عَلَى مَا اسْتُودِعَتْ
يَـوْمَ الْـفِـرَاقِ — مِـنَ الْجَوَى تَتَحَرَّقُ
أَمَــنَــازِلَ الْأَقْــمَــارِ أَهْــلُـكِ أَسْـرَفُـوا
فِـي الـنَّأْيِ إِسْـرَافَ الْـغَـنِـيِّ وَأَغْـرَقُوا
لَــوْ أَنَّــهُــمْ قَــدْ أَنْــصَــفُــوكِ مَــنَـازِلًا
مَـا حَـازَهُـمْ فِـي الْكَوْنِ بَعْدَكِ مَشْرِقُ
•••
عِــيــدَ الْــفِــدَاءِ أَلَا سَــعِــدْتَ بِـسُـدَّةٍ
أَمْـسَـى يُـحِـيـطُ بِهَا الْجَلَالُ وَيُحْدِقُ
هَــلَّا رَأَيْــتَ ﺑِ «عَـابِـدِيـنَ» مَـعَ الْـمَـلَا
مَــلِــكًــا خَــلَائِــقُـهُ تَـضُـوعُ وَتَـعْـبَـقُ
وَرَجَـعْـتَ مِـنْ تِـلْـكَ الـشَّـمَـائِلِ طَاقَةً
تَـــزْدَانُ أَيَّـــامًـــا بِـــهَـــا وَتُـــخَــلَّــقُ
وَرَجَــعْــتَ مِــنْ نُــورِ الْأَمِـيـرِ مُـزَوَّدًا
حَــتَّــى تَــعُــودَ وَأَنْــتَ زَاهٍ مُــشْــرِقُ
أَحْـرَزْتَ يَـا «عَـبَّـاسُ» كُـلَّ فَـضِـيـلَـةٍ
وَبَــلَـغْـتَ شَأْوًا فِـي الْـعُـلَا لَا يُـلْـحَـقُ
مَـنْ ذَا يُـجَـارِي أَخْـمَـصَيْكَ إِلَى مَدًى
وَهَــوَاكَ سَــبَّــاقٌ وَعَــزْمُــكَ أَسْــبَـقُ
إِنْ يُــرْتَـجَـلْ عُـرْفٌ فَأَنْـتَ إِلَـى الَّـذِي
لَــمْ يَــرْتَــجِــلْــهُ الْـمَـالِـكُـونَ مُـوَفَّـقُ
•••
سَـدِّدْ سِـهَامَ الرَّأْيِ ﺑِ «الشُّورَى» يُحِطْ
بِـكَ مِـنْـهُ فِـي ظُـلَـمِ الْـحَوَادِثِ فَيْلَقُ
وَاسْـبِـقْ بِـهِ وَاضْـرِبْ بِـهِ وَافْـتَـحْ بِـهِ
مَــا شِـئْـتَ مِـنْ بَـابٍ أَمَـامَـكَ يُـغْـلَـقُ
عَـوَّذْتُ مَـجْـدَكَ أَنْ تَنَامَ وَفِي الْحِمَى
أَمَـــلٌ عَــقِــيــمٌ أَوْ رَجَــاءٌ مُــخْــفِــقُ
وَلَـرُبَّ مَـحْـلٍّ فِـي الـنُّـهَـى مُـتَـحَـكِّمٍ
قَـدْ كَـادَ يَـخْـتَـرِمُ الـنُّـفُـوسَ وَيُـوبِـقُ
أَرْسَـلْـتَ فِـيـهِ نَـظْـرَةً ضَـمِـنَ الْـحِجَا
وَالْــعِـلْـمُ نُـصْـرَتَـهَـا وَقَـلْـبٌ مُـشْـفِـقُ
وَأَخَـذْتَ رَأْيَ أُولِـي الـنُّـهَى مُسْتَوْثِقًا
مُــسْــتَـوْزِرًا وَكَـذَا الْـحَـكِـيـمُ يُـدَقِّـقُ
حَتَّى اهْتَدَيْتَ إِلَى الصَّوَابِ وَلَمْ يَزَلْ
بَـيْـنَ الـصَّـوَابِ وَبَـيْـنَ رَأْيِـكَ مَـوْثِـقُ
وَوَهَـبْـتَ فَـابْـتَـكَـرَ الـنُّـضَـارُ سَـحَائِبًا
تَـهْـمِـي وَتَـفْـتَـقِـدُ الْـمَـحِـيـلَ وَتُـغْدِقُ
إِنْ أَمْـرَعَـتْ تِـلْـكَ الْـمَـوَاتُ وَأَوْرَقَـتْ
فِــيــهَــا الــرِّيَـاضُ فَإِنَّـمَـا لَـكَ تُـورِقُ
•••
وَأَقَـلْـتَ عَـثْـرَةَ قَـرْيَـةٍ حَـكَـمَ الْـهَـوَى
فِــي أَهْـلِـهَـا وَقَـضَـى قَـضَـاءٌ أَخْـرَقُ
إِنْ أَنَّ فِـــيـــهَـــا بَـــائِــسٌ مِــمَّــا بِــهِ
وَأَرَنَّ جَـــاوَبَـــهُ هُـــنَـــاكَ مُـــطَـــوَّقُ
وَا رَحْــمَــتَـا لِـجُـنَـاتِـهِـمْ مَـاذَا جَـنَـوْا
وَقُــضَـاتِـهِـمْ مَـا عَـاقَـهُـمْ أَنْ يَـتَّـقُـوا
مَــا زَالَ يُــقْــذِي كُــلَّ عَــيْـنٍ مَـا رَأَوْا
فِــيــهَـا وَيُـؤْذِي كُـلَّ سَـمْـعٍ مَـا لَـقُـوا
حَـتَّـى حَـكَـمْـتَ فَـجَـاءَ حُـكْـمُـكَ آيَةً
لِــلــنَّــاسِ طَــيَّ صَــحِــيــفَـةٍ تَـتَأَلَّـقُ
نَـزَلَـتْ تُـرَفْـرِفُ حَـوْلَ كَـاتِـبِ نَـصِّـهَا
زُمَــرًا مَــلَائِــكَــةُ الــرِّضَــا وَتُــحَـلِّـقُ
شَـكَـرَتْـكَ مِـصْـرُ عَـلَى سَلَامَةِ بَعْضِهَا
شُــكْـرًا يُـغَـرِّبُ فِـي الْـوَرَى وَيُـشَـرِّقُ
ذَكَـرَتْ لَـكَ الـصَّفْحَ الْجَمِيلَ وَلَمْ تَزَلْ
تَـــرْمِـــي إِلَــى أَمْــرٍ أَجَــلَّ وَتَــرْمُــقُ
قَـانُـونُ «دِنْـشَـاوَايَ» ذَاكَ صَـحِـيـفَـةٌ
تُــتْـلَـى فَـتَـرْتَـاعُ الْـقُـلُـوبُ وَتَـخْـفِـقُ
هَـلْ يُـرْتَـجَـى صَـفْـوٌ وَيَـهْـدَأُ خَـاطِـرٌ
وَالْـمَـوْتُ حَـوْلَ نُـصُـوصِـهَـا يَتَرَقْرَقُ
وَمَــضَــاجِــعُ الْـقَـوْمِ الـنِّـيَـامِ أَوَاهِـلٌ
بِـــمُـــعَـــذَّبٍ يَــرْدَى وَآخَــرَ يُــرْهَــقُ
لَــنْ تَــبْـلُـغَ الْـجَـرْحَـى شِـفَـاءً كَـامِـلًا
مَــا دَامَ جَــارِحُــهَــا الْـمُـهَـنَّـدُ يَـبْـرُقُ
فَـاحْـكُـمْ بِـغَـيْـرِ الْعُنْفِ وَاكْسِرْ سَيْفَهُ
فَــالْــحِـلْـمُ أَجْـمَـلُ وَالْـمَـكَـارِمُ أَلْـيَـقُ
لَـكَ مِـصْـرُ مَـاضِـيـهَـا وَحَـاضِرُهَا مَعًا
وَلَــكَ الْـغَـدُ الْـمُـتَـحَـتِّـمُ الْـمُـتَـحَـقِّـقُ
وَالـلـهُ عَـوْنُـكَ إِنْ رَكِـبْـتَ إِلَـى الْـعُـلَا
طُــرُقًــا تَــضِـلُّ بِـهَـا الْـهُـدَاةُ وَتَـفْـرَقُ
وَالْأَمْـــرُ أَمْــرُكَ لَا يُــشَــابُ بِــرِيــبَــةٍ
وَالْــحُــكْـمُ حُـكْـمُـكَ وَالْإِلَـهُ مُـصَـدِّقُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إسماعيل صبري باشا: ولد في مصر بمدينة القاهرة عام ١٨٥٤م، وتلقى الدروس الثانوية في المدارس المصرية، ونال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية مدينة إكس في فرنسا سنة ١٨٧٨م، حيث وصلها مع إحدى البعثات الفرنسية، ولما عاد إلى مصر تنقل في مناصب القضاء والإدارة حيث شغل وظائف القضائيين، كما عُين رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الأهلية، ثم محافظًا للإسكندرية، فوكيلًا لوزارة العدلية «الحقانية»، ولما بلغ الستين أحيل للتقاعد ففتح داره التي صارت منتدى الشعراء والأدباء.

يعد إسماعيل صبري من شعراء الطبقة الأولى في العصر الحديث، كان يكتب شعره على هوامش الكتب والمجلات، وينشره أصدقاؤه خلسة، حيث كان كثيرًا ما يمزق قصائده صائحًا: «إن أحسن ما عندي ما زال في صدري!» وقد امتاز شعره بقوة الخيال ورقة وعذوبة المعنى، وحب الفن والجمال، وخفة الروح، كان يكتب أحيانًا مقطوعات قصيرة، وأحيانًا أخرى قصائد طويلة، ولشعر صبري مسحة من الترف الحضري واللين والجلاء، وعلى الرغم من سهولة ألفاظه إلا أنه كان شعرًا محملًا بالمعاني الجليلة. كما كان نثره أشد تأثيرًا في النفس وأثبت أثرًا.

وقد نظم صبري الكثير من الشعر الغنائي والأدوار والمواويل، وقال في المديح والتهاني والتقاريض والهجاء، كما قال في الوصف والاجتماعات والسياسات والإلهيات والمراثي والأناشيد. كان شاعرنا وطنيًّا ومثاليًّا، فمثلًا لم يزر أي إنجليزي قط، وكانت له في السياسة مواقف مشرفة مثل وقعة حادثة دنشواي المؤلمة التي نظم فيها قصيدة معبرة، وقيل إن كرومر كان يريد التمهيد لجعله رئيسًا للوزارة؛ فرد عليه بالقول: «لن أكون رئيسًا للوزارة وأخسر ضميري!»

توفي عام ١٩٢٣م، ودفن في مقبرة الإمام الشافعي في القاهرة، وأقيم له حفل تأبين كبير تبارى فيه الشعراء والخطباء لمواقفه النزيهة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤