ذِكْرَى الرِّجَالِ مِنْ حَيَاةِ الْأُمَمِ

Wave Image
لَـعَـمْـرُكَ لَـوْ كَـانَـتْ حَـدِيـدًا جُـسُومُنَا
لَأَبْــلَــتْــهُ مِــنْ كَــرِّ الـلَّـيَـالِـي مَـبَـارِدُ
فَــكَــيْـفَ وَلَـسْـنَـا بِـالْـحَـدِيـدِ وَإِنَّـمَـا
جَـوَارِحُـنَـا هَـذِي الـدِّمَـاءُ الْـجَـوَاسِـدُ
إِذَا مَـا افْـتَـكَـرْنَـا فِـي الْحَيَاةِ وَأَصْلِهَا
وَغَـايَـتِـهَـا هَـانَـتْ عَـلَـيْـنَـا الـشَّـدَائِـدُ
وَمَـاذَا عَـسَى يُجْدِي التَّوَجُّعُ وَالْأَسَى
مِـنَ الْـمَـوْتِ إِذْ كُـلٌّ عَلَى الْمَوْتِ وَارِدُ
نُــعِــيــنُ مَـنَـايَـانَـا عَـلَـيْـنَـا بِـحُـزْنِـنَـا
فَــيَــقْــرُبُ مِـنْ آجَـالِـنَـا الْـمُـتَـبَـاعِـدُ
وَلَـيْـسَ بِـرُزْءٍ أَنْ نَـرَى الْـمَـرْءَ هَـالِـكًـا
إِذَا حَـيِـيَـتْ بِـالـذِّكْـرِ مِـنْـهُ الْـمَـحَامِدُ
بَـلِ الـرُّزْءُ كُـلُّ الرُّزْءِ أَنْ يَذْهَبَ الْفَتَى
وَلَـيْـسَ لَـهُ مِـنْ بَـعْـدِهِ الـدَّهْـرَ حَـامِـدُ
وَيُـدْفَنَ فِي التُّرْبِ اسْمُهُ دَفْنَ جِسْمِهِ
فَــلَــمْ يَــتَـفَـقَّـدْهُ مِـنْ الـنَّـاسِ فَـاقِـدُ
وَمَـنْ تَـفْـنَ بَـعْـدَ الْـمَـوْتِ آثَـارُ مَجْدِهِ
فَآثَــارُ «رُوحِــي الْـخَـالِـدِيِّ» خَـوَالِـدُ
فَـتًـى غَـمَـدَتْ مِـنْـهُ الْـمَـنُـونُ مُـهَـنَّدًا
وَأَيُّ حُــسَــامٍ مَــا لَــهُ الـدَّهْـرَ غَـامِـدُ
يُـــعَـــدُّ بِأَلْـــفٍ مِــنْ رِجَــالِ زَمَــانِــهِ
عَــلَــى أَنَّــهُ فِــي الْأَلْــمَــعِـيَّـةِ وَاحِـدُ
لَــقَــدْ بَــقِـيَـتْ لِـلْـخَـالِـدِيِّـيـنَ بَـعْـدَهُ
مَــنَــاقِــبُ غُــرٌّ دُونَــهُــنَّ الْــفَــرَاقِـدُ
وَكَـمْ حَـبَّـرَتْ أَقْـلَامُـهُ مِـنْ صَـحَـائِفٍ
بِــجِــيــدِ الْــعُــلَا مِــنْ دُرِّهِـنَّ قَـلَائِـدُ
نَـمَـاهُ إِلَـى الْـمَـجْـدِ الـصُّـرَاحِ مُـتَـمِّـمًا
بِــهِ فَــخْـرَهُ الـسَّـيْـفُ الْإِلَـهِـيُّ خَـالِـدُ
دَعَــانَــا ابْــنُ جَــبْــرٍ أَنْ نُـلِـمَّ بِـذِكْـرِهِ
لَـدَى مَـحْـفِـلٍ قَـدْ ضَـمَّـنَا وَهْوَ حَاشِدُ
فَـقُـمْـنَـا لِـذِكْـرَى مَـجْـدِهِ بَـعْـدَ مَـوْتِـهِ
نُــبَــاهِــي بِــهِ أَحْــيَــاءَنَــا وَنُـمَـاجِـدُ
وَنَـسْـتَـشْـهِـدُ الـدُّنْـيَـا عَـلَـى حَـسَنَاتِهِ
وَقَـدْ كَـثُـرَتْ فِـيـهَـا عَـلَـيْـهَا الشَّوَاهِدُ
وَإِنِّــي وَإِنْ لَــمْ أَحْــظَ مِــنْـهُ بِـرُؤْيَـةٍ
لِـيَـشْـهَـدَ لِـي مِـنْ «عَادِلٍ» فِيهِ شَاهِدُ
أَلَا يَـا ابْـنَ جَـبْـرٍ أَنْـتَ أَيْـقَـظْـتَ لِلْعُلَا
عَـوَاطِـفَ كَـانَـتْ وَهْـيَ فِـيـنَـا رَوَاقِـدُ
فَـقُـلْـتُ اذْكُرُوا يَا قَوْمُ فَضْلَ رِجَالِكُمْ
فَـفِـي ذِكْـرِ فَـضْـلِ الْـغَـابِـرِيـنَ فَـوَائِدُ
وَسِـيـرُوا عَـلَـى آثَـارِهِـمْ وَاهْـتِفُوا بِهَا
لِــيَـنْـشَـطَ كَـسْـلَانٌ وَيَـنْـهَـضَ قَـاعِـدُ
فَـفِـي الْـغَرْبِ أَمْوَاتٌ أُقِيمَتْ لِذِكْرِهِمْ
تَــمَــاثِــيــلُ فِــي كُــلِّ الْـبِـلَادِ أَوَابِـدُ
أَعَـادِلُ قَـدْ أَنْـهَـضْـتَ لِـلْـعِـلْـمِ جُـثَّـمًـا
فَأَنْـتَ لَـنَـا فِـي نَـهْـضَـةِ الْـعِـلْـمِ قَـائِدُ
أَقَــمْــتَ لِـذِكْـرَى الْـخَـالِـدِيِّ مَـقَـامَـةً
بِـهَـا حَـسُـنَـتْ لِـلْـقَـوْمِ مِـنْكَ الْمَقَاصِدُ
وَجَـاهَـدْتَ فِـي إِنْـهَـاضِ حَـيٍّ بِـمَيِّتٍ
فَـجُـهْـدُكَ فِـي إِنْـهَـاضِ قَـوْمِكَ جَاهِدُ
ذَكَـــرْتَ مَـــزَايَـــاهُ وَذَكَّـــرْتَـــنَــا بِــهِ
وَهَــلْ يَــذْكُـرُ الْأَمْـجَـادَ إِلَّا الْأَمَـاجِـدُ
فَـسَـعْـيُـكَ مَـشْـكُـورٌ وَرَأْيُـكَ صَـائِـبٌ
وَفِــعْــلُـكَ مَـحْـمُـودٌ وَسَـيْـرُكَ رَاشِـدُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤