لِمَنْ تَرَكْتَ فُنُونَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ

Wave Image
لِــمَــنْ تَــرَكْــتَ فُـنُـونَ الْـعِـلْـمِ وَالْأَدَبِ
أَمَـا خَـشِـيـتَ عَـلَـيْـهَـا مِـنْ يَـدِ الْـعَطَبِ
تِـلْـكَ الْـمَـدَارِسُ قَـدْ أَوْحَـشْـتَـهَا فَغَدَتْ
خِـلْـوًا مِـنَ الـدَّرْسِ وَالـطُّـلَّابِ وَالْـكُتُبِ
مَـا إِنْ تَـرَكْـتَ لَـهَـا فِـي الْـعِلْمِ مِنْ وَطَرٍ
وَلَا لِــمُـنْـتَـابِـهَـا فِـي الـدَّرْسِ مِـنْ أَرَبِ
إِنَّ «الْأَلُـوسِـيَّ مَـحْـمُـودًا» عَـرَتْـهُ لَـدُنْ
لَاقَـاكَ «مَـحْـمُـودُ شُـكْرِي» خِفَّةُ الطَّرَبِ
فَــاهْــتَــزَّ لِابْــنٍ أَبٌ فِــي قَـبْـرِهِ وَغَـدَا
يُـبْـدِي الْـحَـفَـاوَةَ خَـيْـرُ ابْـنٍ لِـخَـيْرِ أَبِ
بَـحْـرَيْـنِ فِـي الْـعِـلْمِ عَجَّاجَيْنِ قَدْ ثَوَيَا
فَـانْـصَبَّ مُضْطَرِبٌ فِي جَنْبِ مُضْطَرِبِ
مِـنْ فَـخْـرِ أَزْمَـانِـنَـا فِـي الْـعِـلْـمِ أَنَّـهُـمَـا
عَــلَّامَــتَــا هَــذِهِ الْأَزْمَــانِ وَالْــحِــقَـبِ
عَـلَـيْـكَ «شُكْرِي» غَدَتْ شَكْرَى مَدَامِعُنَا
تَـكْـفِـيـكَ أَدْمُـعُـهَـا الـسُّقْيَا مِنَ السُّحُبِ
مَـا كُـنْـتَ فَـخْـرَ «الْأَلْـوَسِيِّينَ» وَحْدَهُمُ
بَـلْ كُـلُّ مَـنْ سَـادَ مِـنْ صُـيَّـابَـةِ الْـعَرَبِ
وَلَا رَزَأْتَ الــنُّــهَـى وَالْـعِـلْـمَ وَحْـدَهُـمَـا
بَـلْ قَـدْ رَزَأْتَ صَـمِـيمَ الْمَجْدِ وَالْحَسَبِ
وَلَـمْ يَـخُـصَّ الْأَسَـى دَارًا نُـعِـيـتَ بِـهَـا
بَــلْ عَـمَّ مُـبْـتَـعِـدًا مِـنْ بَـعْـدِ مُـقْـتَـرِبِ
مَــنَ الْــعِــرَاقِ إِلَــى نَــجْــدٍ إِلَـى يَـمَـنٍ
إِلَــى الْـحِـجَـازِ إِلَـى مِـصْـرٍ إِلَـى حَـلَـبِ
لَـقَـدْ تَـرَحَّـلْـتَ فِـي يَـوْمٍ بِـنَـا انْـقَـلَـبَـتْ
حَــوَادِثُ الــدَّهْــرِ فِـيـهِ شَـرَّ مُـنْـقَـلَـبِ
حَـتَّـى تَـقَـدَّمَ مَـا فِـي الْـقَـوْمِ مِـنْ ذَنَبٍ
فَـصَـارَ رَأْسًـا وَصَـارَ الـرَّأْسُ فِي الذَّنَبِ
وَبَـاتَ يَـحْـسُـو الطِّلَا بِالْكَأْسِ مِنْ ذَهَبٍ
مَـنْ كَـانَ يَـشْـرَبُ رَنْـقَ الْـمَـاءِ بِـالْـعُـلَبِ
فَـاذْهَـبْ نَـجَـوْتَ، رَعَـاكَ الـلهُ، مِنْ زَمَنٍ
مَـنْ عَـاشَ فِـيـهِ دَعَـا بِـالْـوَيْلِ وَالْحَرَبِ
تَـسْـتَـثْـقِـلُ الـصِّـدْقَ فِـيـهِ أُذْنُ سَـامِعِهِ
وَتُــطْــرِبُ الْــقَــوْمَ فِـيـهِ رَنَّـةُ الْـكَـذِبِ
وَالْـخَـيْـرُ قَـدْ ضَـاعَ حَـتَّـى إِنَّ طَـالِـبَـهُ
لَـمْ يَلْقَ مِنْهُ سِوَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ
أَمَّــا الــرِّجَــالُ فَــنَــارُ الــشَّــرِّ مُـوقَـدَةٌ
فِـيـهِـمْ وَهُـمْ بَـيْـنَ نَـفَّـاخٍ وَمُـحْـتَـطِـبِ
أَفْــعَــالُــهُــمْ لَــمْ تَـكُـنْ جِـدًّا وَلَا لَـعِـبًـا
لَــكِــنْ تُــرَاوِغُ بَــيْــنَ الْـجِـدِّ وَالـلَّـعِـبِ
إِذَا جَـلَـسْـتَ إِلَـيْـهِـمْ فِـي مَـجَـالِـسِـهِـمْ
تَـلْـقَـى الْـقَـوَارِصَ فِيهَا ذَاتَ مُصْطَخَبِ
أَرْقَـى الـصَّـحَـائِـفِ فِـيـمَـا عِـنْدَهُمْ أَدَبًا
مَـا شَـذَّ مِـنْـهَـا بِـهِـمْ عَـنْ خُـطَّـةِ الْأَدَبِ
قَـدْ يَـطْـرَبُـونَ لِـشَـتْـمِ الْـمَـرْءِ صَـاحِـبَهُ
كَأَنَّــمَــا الـشَّـتْـمُ مَـدْعَـاةٌ إِلَـى الـطَّـرَبِ
وَيَــسْــتَــلِــذُّونَ مِــنْ قَــوْمٍ سِـبَـابَـهُـمُ
كَـمَـا اسْـتَـلَـذَّ بِـحَـكِّ الْـجِـلْـدِ ذُو جَـرَبِ
لَا يَـــغْــضَــبُــونَ لِأَمْــرٍ عَــمَّ بَــاطِــلُــهُ
كَأَنَّـهُـمْ غَـيْـرُ مَـخْـلُـوقِـيـنَ مِـنْ عَـصَبِ
وَلَـيْـسَ تَـنْـدَى مِـنَ الـنَّـكْـرَاءِ أَوْجُـهُـهُمْ
كَأَنَّـمَـا الْـقَـوْمُ مَـنْـجُـورُونَ مِـنَ خَـشَبِ
يَـــا رَاحِـــلًا تَـــرَكَ الْآمَـــاقَ سَـــائِــلَــةً
يَـذْرُفْـنَ مُـنْـسَـكِـبًـا فِـي إِثْـرِ مُـنْـسَـكِبِ
أَجَــبْــتَ دَاعِــيَ مَــوْتٍ حُـمَّ عَـنْ قَـدَرٍ
وَأَيُّ نَـفْـسٍ لِـدَاعِـي الْـمَـوْتِ لَـمْ تُـجِـبِ
وَالـنَّـاسُ أَسْـرَى الْـمَـنَـايَـا فِـي حَـيَاتِهِمُ
مَـنْ فَـاتَـهُ الـسَّيْفُ مِنْهُمْ مَاتَ بِالْوَصَبِ
هَـذِي جُـيُوشُ الرَّدَى فِي النَّاسِ زَاحِفَةً
لَـــكِـــنَّـــهُـــنَّ بِـــلَا نَـــقْــعٍ وَلَا لَــجَــبِ
بَــيْــنَ الــدَّوَاءِ وَبَــيْــنَ الـدَّاءِ مُـعْـتَـرَكٌ
فِــيــهِ قَــضَــى رَبُّــنَـا لِـلـدَّاءِ بِـالْـغَـلَـبِ
وَالــنَّــاسُ فِــيــهِ عَـتَـادٌ لِـلْـحِـمَـامِ فَـلَا
يَــنْــجُـونَ مِـنْ عَـطَـبٍ إِلَّا إِلَـى عَـطَـبِ
وَإِنَّ لِــلْــمَــوْتِ أَسْــبَــابًــا يُــسَــبِّــبُـهَـا
مَــنْ سَــدَّ كُــلَّ طَــرِيـقٍ عَـنْـهُ لِـلْـهَـرَبِ
لَا يَـخْـلُـقُ الـلـهُ مَـخْـلُـوقًـا يَـجُـولُ بِـهِ
دَمُ الْـــــحَـــــيَــــاةِ بِــــلَا أُمٍّ لَــــهُ وَأَبِ
وَلَا يُــــمِـــيـــتُ بِـــلَا دَاءٍ وَلَا سَـــقَـــمٍ
وَلَا يُـــعِـــيـــشُ بِـــلَا كَـــدٍّ وَلَا تَــعَــبِ
وَلَــيْــسَ ذَلِــكَ مِــنْ عَــجْـزٍ بِـخَـالِـقِـنَـا
عَـنْ أَنْ يَـزُجَّ بِـنَـا فِـي قَـبْـضَـةِ الشَّجَبِ
لَــكِــنَّــهُ جَــعَــلَ الــدُّنْــيَــا مُــسَــبَّــبَـةً
لِــكُــلِّ أَمْــرٍ بِــهَــا لَا بُــدَّ مِــنْ سَــبَــبِ
•••
يَـــا مَــنْ إِذَا مَــا ذَكَــرْنَــاهُ نَــقُــومُ لَــهُ
عَـلَـى الْأَخَـامِـصِ أَوْ نَـجْثُو عَلَى الرُّكَبِ
لَـقَـدْ تَـرَكْـتَ يَـتِـيـمَ الْـعِـلْـمِ مُـنْـتَـحِـبًـا
وَالْــكُــتْــبَ رَاثِــيَــةً مِـنْـهُ لِـمُـنْـتَـحِـبِ
إِنْ كُـنْـتَ فِـي هَـذِهِ الـدُّنْـيَـا لَـمُـنْـقَـطِعًا
إِلَــيْــهِ عَــنْ كُـلِّ مَـوْرُوثٍ وَمُـكْـتَـسَـبِ
أَعْـرَضْـتَ عَـنْـهَـا مُـشِـيـحًا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ
إِلَـى الْـمَـنَـاصِـبِ فِـيـهَـا أَوْ إِلَـى الـرُّتَـبِ
أُولِــعْــتَ بِـالْـعِـلْـمِ تُـنْـمِـيـهِ وَتَـجْـمَـعُـهُ
مُـنْـذُ الـشَّـبَـابِ وَمَـا أُولِـعْـتَ بِـالـنَّـشَبِ
فَـعِـشْـتَ دَهْـرًا حَـلِـيـفَ الْـعِـلْـمِ تَنْصُرُهُ
حَـتَّـى قَـضَـيْـتَ فَـقِـيـدَ الْـعِـلْمِ وَالْأَدَبِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤