نَذَرْتُ نَفْسِيَ قُرْبَانًا لِفَادِيهَا

Wave Image
شَـكَـتْ إِلَـى الـلـهِ مِـنْ عُـدْوَانِ أَهْلِيهَا
وَعَـاثَ غَـاصِـبُـهَـا فِـي أَرْضِ رَاعِـيـهَـا
وَا حَــرَّ قَـلْـبَـاهُ مِـنْ يَأْسٍ يُـصَـارِعُـهَـا
يَــكَــادُ لَــوْلَا بَـقَـايَـا الـصَّـبْـرِ يُـرْدِيـهَـا
فَـزِعْـتُ مِـنْ غَـدِهَـا عِـلْـمًـا بِـحَاضِرِهَا
وَرُضْـتُ نَـفْـسِـي عَلَى نِسْيَانِ مَاضِيهَا
وَقَـفْـتُ قَـلْـبِـي عَـلَـيْـهَـا فِـي شَـبِيبَتِهِ
فَـشَـابَ مِـنْـهَـا وَمِـنْ عُـدْوَانِ سَـالِـيهَا
لَــمَّــا أَفَـقْـتُ مِـنَ الْـمَـاضِـي بِـلَا أَمَـلٍ
نَــذَرْتُ نَــفْــسِــيَ قُــرْبَــانًـا لِـفَـادِيـهَـا
•••
ذَكَـرْتُ مِـصْـرَ فَـهَـاجَـتْـنِـي مَـوَاجِـعُهَا
وَعَـزَّنِـي الـدَّمْـعُ حَـتَّـى كِـدْتُ أَبْـكِـيهَا
يَـا لَائِـمِـي وَأَنَـا الْـجَـانِـي عَـلَـى كَبِدِي
دَعْ عَـنْـكَ لَـوْمِـي فَإِنَّ الـلَّـوْمَ يُـفْـرِيهَا
كُـلٌّ يُـغَـنِّـي لِـيُـشْـجِـي سَـامِرًا وَهَوًى
وَقَــدْ يُــغَــنِّــي لِأَوْطَــارٍ يُــرَجِّــيــهَــا
وَلَــيْــسَ لِــي سَـامِـرٌ فِـيـهَـا وَلَا وَطَـرٌ
وَلَا زَعَــمْــتُ جَــوَادِي مِـنْ مَـذَاكِـيـهَـا
وَإِنَّـــمَـــا هِـــيَ آلَامِـــي أُكَـــتِّـــمُـــهَــا
حَـتَّـى يَـضِـيـقَ بِـهَـا صَـدْرِي فَأَحْكِيهَا
•••
نَـزَحْـتُ عَـنْـهَـا فَـلَـمْ أَعْـدِلْ بَـهَا وَطَنًا
وَبَـاتَ قَـلْـبِـي أَسِـيـرًا فِـي مَـغَـانِـيـهَـا
وَصُــنْــتُ شِــعْـرِيَ إِلَّا عَـنْ مَـفَـاتِـنِـهَـا
وَهِـمْـتُ فِـي الْأَرْضِ مَسْحُورًا بِوَادِيهَا
وَرَقَّ شِــعْــرِي كَــمَـا رَقَّـتْ جَـدَاوِلُـهَـا
وَرَاقَ وَصْـفِـي كَـمَـا رَاقَـتْ مَـجَـالِـيهَا
وَمَــا رَأَيْــتُ كِــنَــاسًــا فِــيـهِ جُـؤْذُرُهُ
إِلَّا ذَكَـــرْتُ غَــزَالًا فِــي مَــرَاعِــيــهَــا
وَمَــا شَــرِبْـتُ عَـلَـى صَـحْـوٍ وَلَا كَـدَرٍ
إِلَّا ذَكَــرْتُ نَــدِيــمًــا فِــي نَــوَادِيــهَــا
•••
لَـــمَّــا رُدِدْتُ إِلَــيْــهَــا رُدَّ لِــي أَمَــلِــى
عِــنْــدَ الــلِّــقَـاءِ وَأَحْـيَـانِـي تَـدَانِـيـهَـا
وَقَـدْ طَـوَيْـتُ إِلَـيْـهَـا الْـيَـمَّ وَاقْـتَرَبَتْ
بِــيَ الـسَّـفِـيـنَـةُ مِـنْ أُولَـى مَـوَانِـيـهَـا
فَــكَــادَ يَــطْــفُــرُ قَـلْـبِـي مِـنْ تَـوَثُّـبِـهِ
وَقَــدْ تَــنَــسَّـمَ رِيـحًـا مِـنْ نَـوَاحِـيـهَـا
وَحَـالَ قَـلْـبِـي دُمُـوعًـا عِـنْـدَمَا اتَّأَدَتْ
فَـرُحْـتُ أَنْـثُـرُ دَمْـعِـي فِـي ضَـوَاحِيهَا
سَــجَــدْتُ لِــلــهِ عِــرْفَــانًـا لِـنِـعْـمَـتِـهِ
لَــمَّــا حَــلَــلْـتُ رَفِـيـفًـا مِـنْ رَوَابِـيـهَـا
فَـكَـيْـفَ حَـالَـتْ حَـيَـاتِي عِنْدَهَا سَقَرًا
وَكَـيْـفَ أُصْـلِـيـتُ نَـارًا مِـنْ سَـوَاقِـيهَا
•••
جَارَتْ عَلَيْهَا صُرُوفُ الدَّهْرِ وَاخْتَلَفَتْ
أَيْــدِي الــرُّمَــاةِ فَآهًــا مِــنْ أَعَـادِيـهَـا
رَاشُـوا لَـهَـا الـسَّـهْـمَ مَسْمُومًا فَشَتَّتَهَا
وَكَــادَ لَــوْلَا يَـدُ الـرَّحْـمَـنِ يُـصْـمِـيـهَـا
وَأَثْــخَـنُـوهَـا جِـرَاحًـا فِـي مَـقَـاتِـلِـهَـا
يَــا لَـلْـجَـرِيـحَـةِ مِـنْ عُـدْوَانِ آسِـيـهَـا
لَـوْلَا الْـخَوَارِجُ وَالْأَحْزَابُ مَا انْتَكَسَتْ
فِـي فَـجْـرِ نَـهْـضَـتِـهَـا وَالْـوَفْدُ هَادِيهَا
إِنْ كَـانَ دُسْـتُـورُهَـا حِـبْـرًا عَـلَى وَرَقٍ
فَــفِـيـمَ مَـجْـلِـسُ شُـورَاهَـا وَنَـادِيـهَـا
•••
فَـزِعْـتُ مِـنْ شَـرَكٍ يُـلْـقِـيـهِ غَـاصِـبُـهَا
قَـبْـلَ الْـجَـلَاءِ لَـعَـلَّ «الْـوَعْـدَ» يُغْرِيهَا
وَمَــا الْــجَــلَاءُ إِذَا شُـدَّتْ بِـسِـلْـسِـلَـةٍ
مِـنَ الْـقُـيُـودِ وَ«شَرْطُ الْحِلْفِ» يُمْلِيهَا
تَــشَــعَّــبَ الــرَّأْيُ وَالْأَحْــزَابُ سَـادِرَةٌ
وَمِـصْـرُ صَـابِـرَةٌ وَالـصَّـبْـرُ يُـضْـنِـيـهَـا
وَكَــيْــفَ تَـنْـهَـضُ مِـنْ أَسْـرٍ يُـكَـبِّـلُـهَـا
وَالْــقَــيْــدُ آمِــرُهَـا وَالْـقَـيْـدُ نَـاهِـيـهَـا
•••
تَـلَـفَّـتَـتْ مِـصْـرُ حَـيْـرَى وَاسْـتَـبَدَّ بِهَا
فِـي لَـيْـلِ مِـحْـنَـتِـهَـا مَـنْ لَا يُـصَافِيهَا
وَقَــدْ أَهَــابَ بِـهَـا حَـامِـي قَـضِـيَّـتِـهَـا
إِلَــى الْــكِــفَــاحِ وَلَــبَّــاهُ ضَــوَارِيــهَــا
وَالْــوَفْــدُ رُبَّــانُـهَـا فِـي كُـلِّ عَـاصِـفَـةٍ
وَالْــوَفْــدُ مُـنْـقِـذُهَـا وَالـلـهُ حَـامِـيـهَـا
وَمُـصْـطَـفَـى دِرْعُهَا الْوَاقِي وَسَاعِدُهَا
وَمُـصْـطَـفَـى سَـيْفُهَا الْمَاضِي وَفَادِيهَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عزيز فهمي: شاعر مصري امتازَ بإنتاجٍ شِعريٍّ وفير، حازَ على إعجابِ مُعاصِريه في النصف الأول من القرن العشرين؛ لا سيما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وُلِد «عزيز عبد السلام فهمي محمد جمعة» في طنطا عامَ ١٩٠٩م، وكان والده أحدَ قِياديِّي حزب الوفد. تلقَّى «عزيز» تعليمَه الأساسي في مَسقط رأسه، ثم انتقَلَ إلى القاهرة فأكمَلَ دراستَه بمدرسة الجيزة الثانوية، والْتَحقَ بعدَها بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي الوقت نفسه انتسب إلى كلية الآداب، فدرَسَ فيهما معًا، وبعدما حصل على ليسانس الحقوق سافرَ إلى فرنسا لدراسة القانون، وهناك حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون عامَ ١٩٣٨م.

بعد عودته من فرنسا عمل بالنيابة، غيرَ أنه فُصِل من عمله بعدَ إقالة الحكومة الوفدية عامَ ١٩٤٤م، فاشتغل بالمحاماة، وانتُخِب لعضوية البرلمان المصري عن حزب الوفد عامَ ١٩٥٠م، وكانت له فيه صَولاتٌ وجَولاتٌ أشهَرُها دِفاعُه عن حُرية الصحافة؛ ما أوغَرَ صدْرَ المَلِك عليه، فاعتُقِل بتهمة العيب في الذات المَلكية إبَّانَ الحربِ العالَمية الثانية. وشارَكَ «عزيز» في تحرير الصُّحف والمَجَلات التي كان يُصدِرها حزبُ الوفد، وكان عضوًا في كتائب الفدائيِّين، واشترَكَ في عملياتٍ فِدائيةٍ استهدفَتْ معسكراتِ قواتِ الاحتلالِ الإنجليزي.

أمَّا شِعْره فيتنوَّع بينَ قصائدَ طويلةٍ ومتوسطةِ الطول، ويتَّجه إلى رِثاء النفس، والغَزَل العفيف، ومَدِيح أعلام عصره، وبخاصةٍ «طه حسين» و«حافظ إبراهيم»، ورثاء آخَرين، فضلًا عن بُروزِ النَّزْعةِ الوطنية في شِعره واهتمامِه بقضايا الوطن. وله قصائدُ نشرَتْها مَجلاتٌ عِدَّة، منها: «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الإرادة»، و«السياسة»، وقد نُشِر معظمُ شِعره في ديوانه «ديوان عزيز» عَقِب وفاته، وقدَّمَ للديوان الدكتور طه حسين، الذي أبدى في كلمته أسًى كبيرًا على الشاعر المُجِيد، الذي تَخطَّفَتْه يدُ المَنُون عاجلًا عامَ ١٩٥٢م في العيَّاط جنوبي القاهرة غَرَقًا في تُرْعةٍ مائية، بعدَ انقلابِ سيارةِ الأجرة التي كان يَستقِلُّها أثناءَ مُحاوَلتِه اللَّحاقَ بقطارِ الصَّعِيد ليتمكَّنَ من التَّرافُع في إحدى القضايا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤