نُوَاحُ دِجْلَةَ

Wave Image
هِــيَ عَــيْــنِـي وَدَمْـعُـهَـا نَـضَّـاحُ
كُــلُّ حُــزْنٍ لِــمَــائِــهَــا يَــمْــتَـاحُ
كَــيْـفَ لَا أَذْرُفُ الـدُّمُـوعَ وَعِـزِّي
بِــيَــدِ الــذُّلِّ هَــالِــكٌ مُــجْــتَــاحُ
قَـدْ رَمَـتْـنِـي يَـدُ الـزَّمَانِ بِخَطْبٍ
جَـــلَــلٍ مَــا لِــلَــيْــلِــهِ إِصْــبَــاحُ
حَـيْـثُ غَـمَّـتْ عَلَيَّ وَجْهَ سَمَائِي
ظُـلُـمَـاتٌ تَـخْـفَـى بِـهَـا الْأَشْـبَـاحُ
وَتَـوَارَى عَـنْ أَعْـيُـنِـي مُـضْـمَحِلًّا
شَــرَفٌ فِــي مَــوَاطِــنِـي وَضَّـاحُ
يَـوْمَ أَمْـسَيْتُ لَا حُمَاةٌ تَذُودُ الضَّـ
ـيْـــمَ عَــنِّــي وَلَا ظُــبًــا وَرِمَــاحُ
فَأَنَـا الْـيَـوْمَ كَـالـسَّـفِـيـنَـةِ تَـجْرِي
لَا شِـــــرَاعٌ لَـــــهَــــا وَلَا مَــــلَّاحُ
ضِـقْـتُ ذَرْعًـا بِـمِـحْنَتِي فَتَرَاءَتْ
قِـيـدَ شِـبْـرٍ لِـيَ الْـفِـجَاجُ الْفِسَاحُ
أَخْـرَسَ الْـحُـزْنُ مَـنْطِقِي بِنَحِيبٍ
أَلْـسُـنُ الـدَّمْـعِ فِـيـهِ ذُلْـقٌ فِـصَاحُ
نُـحْـتُ حَـتَّـى رَثَـى الْعَدُوُّ لِحَالِي
وَاعْـتَـرَانِـي مِـنَ الْـعَـوِيـلِ بُـحَاحُ
فَـمِـيَـاهِـي هِـيَ انْسِكَابُ دُمُوعِي
وَخَــرِيــرِي هُـوَ الْـبُـكَـا وَالـنُّـوَاحُ
أَوَمَـا تُـبْـصِـرُ اضْـطِـرَابِـي إِذَا مَـا
خَـفَـقَـتْ فِـي جَـوَانِـبِـي الْأَرْوَاحُ
لَـيْـسَ ذَا الْـمَوْجُ فِيَّ مَوْجًا وَلَكِنْ
هُـــوَ مِــنِّــي تَــنَــهُّــدٌ وَصِــيَــاحُ
إِنَّ وَجْـدِي هُـوَ الْـجَـحِـيـمُ وَلَـوْلَا
أَدْمُــعِــي أَحْــرَقَــتْــنِــيَ الْأَتْـرَاحُ
لَــوْ دَرَى مَـنْـبَـعِـي بِـمَـا أَنَـا فِـيـهِ
مِـنْ أَسًـى جَـفَّ مَاؤُهُ الضَّحْضَاحُ
عَـــلَّـــهُ قَـــدْ دَرَى بِــذَاكَ فَــهَــذَا
هُـــوَ بَـــاكٍ وَدَمْـــعُـــهُ سَـــفَّـــاحُ
•••
أَيْـنَ أَهْـلُ الْـحِـفَـاظِ هَلْ تَرَكُونِي
نُـهْـبَـةً فِـي يَـدِ الْـعَـدُوِّ وَرَاحُـوا؟
بَــرِحُــوا وَادِيَ الــسَّــلَامٍ عِـجَـالًا
أَفَـــجِـــدٌّ بَــرَاحُــهُــمْ أَمْ مُــزَاحُ؟
مَـا لَـهُـمْ يَـبْـعُـدُونَ عَـنِّي انْتِزَاحًا
وَعَــزِيــزٌ مِـنْـهُـمْ عَـلَـيَّ انْـتِـزَاحُ؟
أَوَمَــا يَــعْــلَــمُــونَ أَنَّ حَـرِيـمِـي
لِـلْـمُـعَـادِيـنَ بَـعْـدَهُـمْ مُـسْـتَبَاحُ؟
فَــلَــئِــنْ يَــبْــعُــدُوا فَإِنَّ فُـؤَادِي
لَإِلَــــيْــــهِــــمْ بِــــوُدِّهِ طَـــمَّـــاحُ
تَــرَكُــونِـي مِـنَ الْـفِـرَاقِ أُقَـاسِـي
أَلَـــمًـــا مَـــا تُــطِــيــقُــهُ الْأَرْوَاحُ
لَـوْ رَأَوْنِـي سَـبْـيًـا بِأَيْدِي الْأَعَادِي
لَـبَـكَـوْا مِـثْـلَـمَـا بَـكَـيْـتُ وَنَـاحُوا
لَا مَـسَـائِـي بَـعْـدَ الْـبِـعَـادِ مَـسَـاءٌ
يَـوْمَ بَـانُـوا وَلَا الـصَّـبَـاحُ صَـبَـاحُ
أَتَـــمَــنَّــى بِأَنْ أَطِــيــرَ إِلَــيْــهِــمْ
بِــجَــنَــاحٍ وَأَيْـنَ مِـنِّـي الْـجَـنَـاحُ
أَنَــا أَدْرِي بِأَنَّــهُــمْ بَــعْـدَ هَـجْـرِي
لَـمْ يَـذُوقُـوا غُـمْضًا وَلَمْ يَرْتَاحُوا
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ عَازِمُونَ عَلَى الزَّحْـ
ـفِ بِـجَـيْـشٍ بِـهِ تَـغَـصُّ الْـبِـطَاحُ
إِنْ تَأَنَّـوْا فَـرَبْـضَـةُ الـلَّـيْـثِ تَأْتِـي
بَـــعْــدَهَــا وَثْــبَــةٌ لَــهُ وَكِــفَــاحُ
كَـيْـفَ يُـغْـضُـونَ عَـنْ إِغَـاثَةِ وَادٍ
زَانَــــهُ مِـــنْ وِدَادِهِـــمْ أَوْضَـــاحُ
فَـعَـلَـيْـهِ مِـنْ فَـخْـرِ عُـثْـمَـانَ تَاجٌ
وَلَــــهُ رَايَـــةُ الْـــهِـــلَالِ وِشَـــاحُ
أَنَــا بَــاقٍ عَــلَـى الْـوَفَـاءِ وَإِنْ كَـا
نَـتْ بِـقَـلْـبِـي مِـمَّـنْ أُحِـبُّ جِرَاحُ
فَإِلَـيْـهِـمْ وَمِـنْـهُـمُ الْـيَـوْمَ أَشْـكُـو
بَــلِّــغِـيـهِـمْ شِـكَـايَـتِـي يَـا رِيَـاحُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤