مِنْ أَيْنَ وَإِلَى أَيْنَ

Wave Image
مِـنْ أَيْـنَ مِـنْ أَيْـنَ يَا ابْتِدَائِي
ثُــمَّ إِلَـى أَيْـنَ يَـا انْـتِـهَـائِـي؟
أَمِـــنْ فَـــنَـــاءٍ إِلَـــى وُجُــودٍ
وَمِـــنْ وُجُــودٍ إِلَــى فَــنَــاءِ؟
أَمْ مِــنْ وُجُــودٍ لَــهُ اخْـتِـفَـاءٌ
إِلَــى وُجُــودٍ بِــلَا اخْــتِـفَـاءِ؟
خَـرَجْـتُ مِـنْ ظُـلْـمَـةٍ لِأُخْـرَى
فَــمَــا أَمَــامِـي وَمَـا وَرَائِـي؟
مَـا زِلْـتُ، مِـنْ حَـيْـرَةٍ بِأَمْـرِي،
مُــعَــانِــقَ الْــيَأْسِ وَالــرَّجَـاءِ
إِنَّ طَــرِيــقَ الــنَّــجَــاةِ وَعْــرٌ
يَـكْـبُـو بِـهِ الـطِّرْفُ ذُو النَّجَاءِ
يَـا قَوْمُ هَلْ فِي الزَّمَانِ نَطْسٌ
يَــهْــدِي إِلَــى نَــاجِـعِ الـدَّوَاءِ
لِأَيِّ أَمْــــرٍ ذِهِ الــــلَّـــيَـــالِـــي
تَأْتِـي وَتَـمْـضِـي عَـلَى الْوِلَاءِ؟
فَـتَـطْـلُـعُ الـشَّـمْسُ فِي صَبَاحٍ
وَتَـغْـرُبُ الـشَّـمْـسُ فِي مَسَاءِ
أَرَى ضِــيَــاءً يَــرُوقُ عَـيْـنِـي
وَلَـسْـتُ أَدْرِي كُـنْـهَ الـضِّـيَـاءِ
وَمَـــا اهْـــتِـــزَازُ الْأَثِـــيــرِ إِلَّا
عُــــلَالَــــةٌ نَـــزْرَةُ الْـــجَـــلَاءِ
نَـحْـنُ عَـلَـى رَغْـمِ مَـا عَـلِـمْـنَا
نَـعِـيـشُ فِـي غَـيْـهَـبِ الْـعَمَاءِ
نَــشْــرَبُ مَـاءَ الـظُّـنُـونِ عَـبًّـا
فَــلَــمْ نَــعُــدْ مِــنْــهُ بِـارْتِـوَاءِ
تَأْتِــي عَــلَــيْــنَـا مُـشَـاهَـدَاتٌ
نَـــرُوحُ مِــنْــهُــنَّ فِــي مِــرَاءِ
وَكَــمْ نَــرَى فَـضْـلَ فَـاعِـلَاتٍ
مِـنَ الْـقُـوَى وَهْـيَ فِي الْخَفَاءِ
يَــا وَيْــلَــةَ الْــحِـسِّ إِنَّـهُ عَـنْ
حَــقِـيـقَـةِ الْأَمْـرِ فِـي غِـطَـاءِ
فَإِنَّ أَجْــــزَاءَ كُـــلِّ جِـــسْـــمٍ
مُــبْــتَــعِــدَاتٌ بِــلَا الْــتِــقَـاءِ
وَفِــي دِقَــاقِ الْــجَـمَـادِ عَـرْكٌ
يَــتَّــهِــمُ الْـحِـسَّ بِـالْـخَـطَـاءِ
•••
يَـا قُـوَّةَ الْـجَـذْبِ أَطْـلِـقِـيـنِي
مِـنْ ثِـقْـلَـةٍ أَوْجَـبَـتْ عَـنَـائِـي
لَــوْلَاكَ لَــوْلَاكَ يَــا شِــكَــالِـي
لَـطِـرْتُ كَـالـنُّـورِ فِـي الْـفَضَاءِ
أَنْــتِ عِــمَــادُ الـسَّـمَـاءِ لَـكِـنْ
خَــفِـيـتِ عَـنْ عَـيْـنِ كُـلِّ رَاءِ
رَبَـطْـتِ كُـلَّ الـنُّـجُـومِ فِـيـهَـا
بَـعْـضًـا بِـبَـعْـضٍ رَبْـطَ اعْـتِنَاءِ
فَــدُرْنَ فِــي الْـجَـوِّ جَـارِيَـاتٍ
كَأَنَّــهَــا الــسُّــفْـنُ فَـوْقَ مَـاءِ
نَـحْـنُ بَـنِـي الْأَرْضِ قَـدْ عَلِمْنَا
بِأَنَّــنَــا مِــنْ بَــنِــي الــسَّـمَـاءِ
لَـوْ كُـنْـتُ فِي الْمُشْتَرِي لَبَانَتْ
أَرْضِــي سَــمَــاءً بِـلَا امْـتِـرَاءِ
فَـلَـيْـسَ فَـوْقٌ وَلَـيْـسَ تَـحْتٌ
وَلَا اعْــتِــلَاءٌ لِــذِي اعْــتِــلَاءِ
وَإِنَّــمَــا نَــحْــنُ فَــوْقَ نَـجْـمٍ
نَـحْـيَـا مُـحَـاطِـيـنَ بِـالْـهَـوَاءِ
فَــلَــيْــتَ شِـعْـرِي أَيُّ ارْتِـقَـاءٍ
لِــلــرُّوحِ يَــبْــقَـى أَيُّ ارْتِـقَـاءِ
وَأَنْـــتِ يَـــا كَـــهْــرَبَــاءُ سِــرٌّ
بَــدَا وَمَــا زَالَ فِــي غِــشَــاءِ
عَـجَـائِـبُ الْـكَـوْنِ وَهْيَ شَتَّى
فِـيـكِ انْـطَـوَتْ أَيَّـمَـا انْـطِوَاءِ
أَضَأْتِ إِنْ شِـــئْـــتِ كُــلَّ دَاجٍ
لَـــنَـــا وَأَدْنَـــيْـــتِ كُــلَّ نَــاءِ
فَأَنْـــتِ لِـــلْــكَــائِــنَــاتِ رُوحٌ
إِنْ كَــانَــتِ الــرُّوحُ لِــلْـبَـقَـاءِ
وَكَــمْ تَــقَـاضَـاكِ فَـيْـلَـسُـوفٌ
حَــقِــيــقَــةً صَــعْــبَــةَ الْأَدَاءِ
فَــقَــالَ وَالْــقَــوْلُ مِـنْـهُ ظَـنٌّ
مَــا الْــكَــوْنُ إِلَّا بِـالْـكَـهْـرَبَـاءِ
•••
وَلَـــيْـــلَـــةٍ بِـــتُّـــهَـــا أُنَــادِي
نُــجُــومَــهَــا أَبْــعَــدَ الــنِّـدَاءِ
آخُــذُ مِــنْــهُــنَّ بِــالــتَّــدَانِـي
فِــكْــرًا وَيَأْخُـذْنَ بِـالـتَّـنَـائِـي
فَأَنْــثَــنِــي بَــاكِـيًـا بِـشِـعْـرِي
وَيَـطْـرَبُ الـلَّـيْـلُ مِـنْ بُـكَـائِي
وَرُبَّـــمَـــا كَـــرَّ بَـــعْــدَ وَهْــنٍ
فِـكْـرِي فَأَلْـفَـى بَـعْضَ الشِّفَاءِ
فَأَرْجِــعُ الْــقَــهْــقَــرَى أُغَـنِّـي
وَمَـا سِـوَى الـشِّـعْـرِ مِـنْ غِنَاءِ
أَقُـولُ وَالـنَّـسْـرُ فَـوْقَ رَأْسِـي
وَطَــالِــعُ الـنَّـجْـمِ فِـي إِزَائِـي
يَــا أَيُّــهَـا الْأَنْـجُـمُ الـزَّوَاهِـي
لِــلــهِ مَــا فِــيــكِ مِـنْ بَـهَـاءِ!
أَمَــا كَــفَــاكِ الــسَّــنَـا جَـمَـالًا
حَــتَّــى تَــجَـلَّـلْـتِ بِـالـسَّـنَـاءِ
يَـا أَنْـجُـمَ الـنَّعْشِ فَاصْدُقِينِي
أَمَـاتَ ذُو الـنَّـعْـشِ بِـانْـطِـفَـاءِ
إِنِّــي إِذَا كُــنْــتُ فِــي حِــدَادٍ
إِلَـيْـكِ أُهْـدِي حُـسْـنَ الْـعَـزَاءِ
وَأَنْــتَ يَــا نَــسْــرُ مِـنْ كَـلَالٍ
وَقَــعْــتَ أَمْ طِــلْــبْـةَ الْـغِـذَاءِ
أَخُـــوكَ هَــلْ طَــائِــرٌ لِــوَكْــرٍ
أَمْ قَـاصِـدٌ مُـنْـتَـهَـى الْـفَـضَاءِ
كَأَنَّ أُمَّ الـــنُّـــجُــومِ سَــيْــفٌ
سُـلَّ عَـلَـى الـلَّـيْـلِ ذُو مَـضَاءِ
رُصِّـــعَ مَــتْــنَــاهُ بِــالــدَّرَارِي
فَـرَاقَ فِـي الْـحُـسْـنِ وَالـرُّوَاءِ
كَأَنَّ نَــجْــمَ الــسُّــهَــا أَدِيــبٌ
فِــي أَرْضِ بَــغْــدَادَ ذُو ثَـوَاءِ
كَأَنَّ خَــطَّ الــشِّــهَــابِ مُــدْلٍ
لِأَسْــفَــلِ الْــبِــئْــرِ بِــالـرِّشَـاءِ
كَأَنَّـــمَـــا أَنْـــجُـــمُ الــثُّــرَيَّــا
فِـي شَـكْـلِـهَـا الْـبَـاهِـرِ الضِّيَاءِ
قُــفَّــازُ كَــفٍّ بِــهِ فُــصُــوصٌ
مِـنْ حَـجَرِ الْمَاسِ ذِي الصَّفَاءِ
بَــرِئْــتُ لِـلْـمَـوْتِ مِـنْ حَـيَـاةٍ
مَــا نُـكِّـبَـتْ مَـهْـيَـعَ الـشَّـقَـاءَ
لَــمْ يَــكْـفِـهَـا أَنَّـهَـا احْـتِـيَـاجٌ
حَـتَّـى غَـدَتْ حَـوْمَـةَ الْـبَـلَاءِ
يَــا أَيُّــهَــا الْـمُـتْـرَفُ الْـمُـهَـنَّـا
يَــمْــرَحُ فِــي ثَـوْبِ كِـبْـرِيَـاءِ
مَـهْـلًا أَخَـا الْـكِـبْـرِ بَـعْـضَ كِبْرٍ
أَلَـسْـتَ تَـقْـنَـى بَـعْـضَ الْحَيَاءِ
أَنْــتَ ابْــنُ فَــقْــرٍ إِلَــى أُمُـورٍ
بِـهِـنَّ تُـدْعَـى يَـا ابْـنَ الـثَّـرَاءِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: مخلع البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤