عَلَى ضَرِيحِ النَّائِبِ

Wave Image
هِــيَ دُنْــيَــا بَــقَـاؤُهَـا مُـسْـتَـحِـيـلُ
فَــلْــيَــقِــفْ عِــنْــدَ حَـدِّهِ الـتَّأْمِـيـلُ
لَـيْـسَ يُـغْـنِـي فِـيـهَا عَنِ الْمَرْءِ شَيْئًا
شَـــرَفٌ بَـــاذِخٌ وَمَـــجْـــدٌ أَثِـــيـــلُ
إِنَّــمَــا الــرَّاحَــةُ الْــمُــرَجَّـاةُ فِـيـهَـا
تَــعَــبٌ وَالْــهُــدَى بِــهَــا تَــضْــلِـيـلُ
كُــلُّ شَــيْءٍ فِـي أَهْـلِـهَـا مُـسْـتَـعَـارٌ
مِـــنْ سِــوَاهُ وَكُــلُّ حَــالٍ تَــحُــولُ
لَـيْـسَ مَـا قَـدْ جَـنَـى عَـلَيْنَا بِهَا الْإِفْـ
ـقَـارُ أَدْهَـى مِـمَّـا جَـنَـى الـتَّـمْـوِيـلُ
رَتَّـــلَـــتْ أَلْـــسُــنُ الــلَّــذَائِــذِ آيَ الْـ
ـعَــيْــشِ فِــيـهَـا فَـغَـرَّنَـا الـتَّـرْتِـيـلُ
فَــرَجَــوْنَــا طُـولَ الْـبَـقَـاءِ وَإِنْ كُـنَّـ
ـا عَـــلِـــمْـــنَـــا بِأَنَّـــنَـــا سَـــنَــزُولُ
وَطَـــلَـــبْـــنَـــا تَــعِــلَّــةً لِــنُــفُــوسٍ
لَـيْـسَ يُـشْـفِـي غَـلِـيـلَـهَـا الـتَّـعْـلِـيلُ
قَـدْ قَـتَـلْـتُ الْـحَـيَـاةَ خُـبْـرًا وَلَـكِـنْ
أَنَــا مِــنْــهَــا بِــحَــيْــرَتِـي مَـقْـتُـولُ
كُـلُّ مَـا قِـيـلَ فِـي الْـحَـيَـاةِ ظُـنُـونٌ
جَـرَّهَـا فِـي افْـتِـكَـارِنَـا الـتَّـخْـيِـيـلُ
قَـدْ وَهِـمْـنَـا فِـي الْـبَـدْءِ مِـنْـهَـا وَأَمَّا
مُــنْــتَــهَــاهَــا فَــسِــتْـرُهُ مَـسْـدُولُ
إِنْ يَـكُ الْعَقْلُ فِي دُجَى الشَّكِّ نَجْمًا
فَــخَــفِــيٌّ مِـثْـلُ الـسُّـهَـا وَضَـئِـيـلُ
وَيْـكَ إِنَّ الْـمَـعْـقُـولَ مَـا صَـحَّ عِنْدِي
فَــمَــتَــى صَــحَّ عِـنْـدَكَ الْـمَـنْـقُـولُ
كُــلُّــنَــا خَــابِــطُــونَ فِـي ظُـلُـمَـاتٍ
حَـــائِـــرٌ بَـــائِـــرٌ بِـــهِــنَّ الــدَّلِــيــلُ
إِنَّ حُـــبَّ الْـــحَـــيَــاةِ أَوْهَــمَ أَنَّ الْـ
ـمَـوْتَ نَـوْمٌ تَـحْـتَ الـثَّـرَى لَا يَطُولُ
إِنَّـــمَـــا هَـــذِهِ الْــجُــسُــومُ مَــبَــانٍ
قَــدْ بَــنَــاهَــا مِــنَ الـزَّمَـانِ عَـمُـولُ
نَـزَلَـتْـهَـا الْأَرْواحُ حِـيـنًـا فَأَضْـحَـتْ
عَــامِــرَاتٍ مَــا دَامَ فِــيـهَـا الـنُّـزُولُ
ثُـــمَّ لَا بُـــدَّ أَنْ تَـــرْحَّـــلَ عَـــنْــهَــا
فَــيُـسَـمَّـى بِـالْـمَـوْتِ ذَاكَ الـرَّحِـيـلُ
إِنَّـــمَـــا هَـــذِهِ الْــجُــسُــومُ رُسُــومٌ
مُــوحِــشَـاتٌ بَـعْـدَ الـرَّدَى وَطُـلُـولُ
مَــا بِـسِـقْـطِ الـلِّـوَى مَـثَـلْـنَ وَلَـكِـنْ
بِــسُــقُــوطِ الْــبِــلَــى لَــهُـنَّ مُـثُـولُ
لَـيْـسَ يُـسْـلِـي الْـفَتَى عَنِ الْمَوْتِ إِلَّا
خَـــلَــفٌ صَــالِــحٌ وَذِكْــرٌ جَــمِــيــلُ
مِـثْـلَـمَـا مَاتَ شَيْخُنَا «النَّائِبُ» الْحَبْـ
ـرُ فَــسَــالَـتْ مِـنْ الـدُّمُـوعِ سُـيُـولُ
إِنَّ «عَـبْـدَ الْـوَهَّـابِ» عَاشَ جَلِيلَ الْـ
ـقَــدْرِ فَــرْدًا وَمَــاتَ وَهْــوَ جَــلِـيـلُ
وَقَــضَـى عَـادِمَ الْـمَـثِـيـلِ فَأَمْـسَـى
مَـا لِـمَـنْـعَـاهُ فِـي الْـخُـطُـوبِ مَـثِيلُ
حَـادِثٌ أَظْـلَـمَـتْ بِـهِ الْأَرْضُ وَاسْـتَوْ
حَــشَ مِـنْـهَـا حُـزُونُـهَـا وَالـسُّـهُـولُ
إِنْ أَسِــيــنَــا أَسًــى عَــلَـيْـهِ كَـثِـيـرًا
فَــكَــثِــيــرُ الْأَسَــى عَــلَـيْـهِ قَـلِـيـلُ
كَـانَ فَـحْـلَ الْـفُـحُـولِ عِـلْمًا وَفَضْلًا
فَــلِــهَــذَا بَــكَــتْ عَـلَـيْـهِ الْـفُـحُـولُ
كَــيْـفَ لَا تَـجْـزَعُ الْـعُـلُـومُ لِـمَـنْـعَـى
رَجُـــلٍ بَـــاعُـــهُ بِـــهِـــنَّ طَـــوِيـــلُ
قَـــدْ بَــكَــتْــهُ مَــدَارِسٌ عَــامِــرَاتٌ
هُــوَ فِــيــهَـا الْـمُـدَرِّسُ الْـمَـسْـئُـولُ
وَبَـكَـاهُ الْـكِـتَـابُ ذُو الـذِّكْـرِ شَـجْـوًا
وَعُـــلُــومٌ إِلَــى الْــكِــتَــابِ تَــئُــولُ
وَبَـــكَـــتْـــهُ آيٌ بِـــهِ مُــحْــكَــمَــاتٌ
وَبَــكَــاهُ الــتَّــفْــسِــيــرُ وَالــتَّأْوِيـلُ
وَبَــــكَـــتْـــهُ أَرَامِـــلٌ وَيَـــتَـــامَـــى
جُــذَّ عَــنْــهَــا بِــمَــوْتِــهِ الـتَّـنْـوِيـلُ
إِنْ يَـكُـنْ أَغْـمَـدَ الـرَّدَى مِنْهُ فِي الْقَبْـ
ـرِ حُــسَــامًــا فَــذِكْــرُهُ مَــسْــلُــولُ
أَوْ رَمَـــى حَـــدَّهُ الــرَّدَى بِــفُــلُــولٍ
فَـــمَـــعَــالِــيــهِ مَــا بِــهِــنَّ فُــلُــولُ
أَوْ خَــلَــتْ مِــنْـهُ دُورُهُ مُـوحِـشَـاتٍ
فَـــذَرَاهَـــا بِـــفَـــضْـــلِـــهِ مَأْهُـــولُ
كَـــيْـــفَ لَا؟ هَـــؤُلَاءِ أَبْــنَــاؤُهُ الْــغُـ
ـرُّ شُـــهُـــودٌ بِـــمَـــا أَقُــولُ عُــدُولُ
كُــلُّــهُــمْ فِــي الْــعَــلَاءِ مِـثْـلُ أَبِـيـهِ
حَــسَــنُ الْــخُــلْـقِ فَـاضِـلٌ بُـهْـلُـولُ
هَـلْ تَـطِـيـبُ الْـفُـرُوعُ فِي النَّاسِ إِلَّا
حَـيْـثُ طَـابَـتْ فِـيـهِـمْ لَـهُـنَّ أُصُولُ
عِــذْرَةً يَــا أَبَــا الْــحُــسَــيْـنِ بِـمَـاذَا
نَــصِــفُ الــرُّزْءَ وَهْــوَ رُزْءٌ جَــلِـيـلُ
وَإِذَا طَـــاشَــتِ الْــحُــلُــومُ بِــيَــوْمٍ
فِــيــهِ فَــارَقْــتَــنَــا فَــمَــاذَا نَـقُـولُ
أُخْـرِسَ الـشِّـعْـرُ يَـوْمَ مَـنْـعَـاكَ لَـكِـنْ
نَـــــابَ عَــــنْــــهُ تَأَوُّهٌ وَعَــــوِيــــلُ
وَإِذَا أَسْــكَــتَ الْــمَــقَــاوِيــلَ حُـزْنٌ
تَــرْجَــمَــتْ عَـنْـهُـمُ دُمُـوعٌ تَـسِـيـلُ
فَــصَــلَــتْــكَ الْــمَـنُـونُ عَـنَّـا وَلَـكِـنْ
أَنْــتَ بِــالْـحَـمْـدِ وَالـثَّـنَـا مَـوْصُـولُ
لَـكَ فِـي الْـعِـلْـمِ رُتْـبَـةٌ لَـنْ تُـسَـامَـى
فَــاضِـلُ الْـقَـوْمِ عِـنْـدَهَـا مَـفْـضُـولُ
وَمُـحَـيًّـا صَـلْـتُ الْـجَـبِـيـنِ طَـلِـيـقٌ
يَـــــتَـــــلَالَا كَأَنَّـــــهُ قِــــنْــــدِيــــلُ
وَيَــدٌ يَــجْــمَــعُ الــشِّــفَــاهَ عَـلَـيْـهَـا
كُــلَّــمَــا قَــدْ مَــدَدْتَــهَــا الـتَّـقْـبِـيـلُ
إِنَّــمَــا قَــدْ ذَكَــرْتُ بَــعْــضَ مَــزَايَـا
كَ وَإِلَّا فَــــشَـــرْحُـــهُـــنَّ يَـــطُـــولُ
وَإِذَا الْــقَــوْلُ لَــمْ يُـفِـدْهُ اخْـتِـصَـارٌ
لَــمْ يُـفِـدْهُ الْإِطْـنَـابُ وَالـتَّـفْـصِـيـلُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤