فِي مَكْتَبَةِ الْأَوْقَافِ

Wave Image
لَـقَـدْ جَـمَـعَ الـشَّـيْـخُ هَذِي الْكُتُبْ
فَأَنْــقَــذَهَــا مِــنْ أَكُــفِّ الْـعَـطَـبْ
وَرَتَّـــبَـــهَــا فَــهْــيَ مَــعْــرُوضَــةٌ
لِــمَــنْ يَــتَــنَــاوَلُــهَــا مِـنْ كَـثَـبْ
وَكَــانَــتْ لَــعَـمْـرُكَ رَهْـنَ الْـغُـبَـارِ
مُــكَــدَّسَـةً فِـي زَوَايَـا الـشَّـجَـبْ
يَــمُــرُّ بِــهَــا الــدَّهْــرُ مَــطْـمُـورَةً
تُـعَـانِـي الـدَّمَـارَ وَتَـدْعُـو الْـحَرَبْ
نَــسِـيـجُ الْـعَـنَـاكِـبِ مِـنْ فَـوْقِـهَـا
وَمِنْ تَحْتِهَا السُّوسُ فِيهَا انْسَرَبْ
يَــعِــيــثُ بِــهَــا آكِــلًا طِــرْسَــهَـا
كَـمَـا تَأْكُـلُ الـنَّـارُ جَـزْلَ الْـحَـطَبْ
وَكَــانَــتْ عَــلَـى عِـلْـمِ حُـرَّاسِـهَـا
تَــحُــفُّ الــظُّـنُـونُ بِـهَـا وَالـرِّيَـبْ
فَــمَــدَّ إِلَــيْــهَــا مَــعَـالِـي الْـوَزِيـرِ
يَـدًا دَأْبُـهَـا الْـغَـوْثُ عِـنْـدَ الْـكُـرَبْ
فَأَخْــرَجَ مِــنْــهَــا كُـنُـوزَ الْـعُـلُـومِ
لِأَهْـــلِ الْـــفُــنُــونِ وَأَهْــلِ الْأَدَبْ
فَـــهَـــا إِنَّ أَرْوَاحَ مَـــنْ أَوْقَــفُــوا
مُــرَفْــرِفَــةٌ فَــوْقَــهَـا مِـنْ طَـرَبْ
كَــــمَـــا أَنَّ أَرْوَاحَ مَـــنْ أَلَّـــفُـــوا
قَـدِ ابْـتَـسَـمَـتْ كَـالْـتِـمَاعِ الشُّهُبْ
لَــقَــدْ رَضِــيَ الْـعِـلْـمُ عَـنْ فِـعْـلِـهِ
وَإِنْ أَخَـذَ الْـجَـاهِـلِـيـنَ الْـغَـضَـبْ
فَـمَـا بَـالُ قَـوْمٍ غَـدَوْا يَـصْـرُخُونَ
صُـرَاخًـا بِـهِ يَـقْـصِـدُونَ الـشَّـغَبْ
يَـــقُـــولُــونَ هَــذَا خِــلَافٌ لِــمَــا
لَـدَى الـنَّـاسِ فِـي وَقْفِهَا مِنْ أَرَبْ
فَــيَــا لَــلْــعُــقُــولِ لِـهَـذَا الْـغَـبَـاءِ
وَيَــا لَــلْـفُـحُـولِ لِـهَـذَا الْـعَـجَـبْ!
أَلِــلــسُّــوسِ أَوْقَــفَــهَـا الْـوَاقِـفُـو
نَ، أَمْ لِــلْــعَــنَــاكِـبِ، أَمْ لِـلـتُّـرَبْ!
إِلَـــى كَـــمْ نَـــظَــلُّ لِأَغْــرَاضِــنَــا
نُــعَـارِضُ مِـنْ دُونِ أَدْنَـى سَـبَـبْ
وَنَــجْــمُــدُ فِــي غَــفْــلَــةٍ هَـكَـذَا
وَنَــمْــرَحُ فِــي لَــهْـوِنَـا وَالـلَّـعِـبْ
أَرَى هَــؤُلَاءِ ضِــعَــافَ الْــعُــقُـولِ
وَإِنْ قَــدْ نَــرَاهُـمْ غِـلَاظَ الـرَّقَـبْ
تَــضِــيــقُ عَـنِ الْـحَـقِّ أَرْوَاحُـهُـمْ
وَإِنْ لَــبِـسُـوا وَاسِـعَـاتِ الْـجُـبَـبْ
فَـهُـمْ يَـقْـطَـعُونَ عَلَى الْمُصْلِحِينَ
طَــرِيـقَ الْـقِـيَـامِ بِـمَـا قَـدْ وَجَـبْ
فَـسِـرْ فِـي طَـرِيـقِـكَ مُـسْـتَـعْـلِـيًا
وَخَــلِّ ضَـفَـادِعَـهُـمْ تَـصْـطَـخِـبْ
فَـلِـلـشَّـرِّ مَـا صَـخِـبَ الـصَّاخِبُونَ
وَلِـلْـخَـيْـرِ جَـمْـعُـكَ هَـذِي الْـكُتُبْ
لَـقَـدْ صُـنْـتَـهَـا مِـنْ طُـرُوقِ الْـبِلَى
وَخَـلَّـصْـتَـهَـا مِـنْ يَـدِ الْـمُـسْـتَلِبْ
وَأَعْــدَدْتَــهَــا لِــشِــفَـاءِ الْـعُـقُـولِ
مِـنَ الْـجَـهْـلِ وَهْـوَ أَشَـدُّ الْـوَصَبْ
وَمَـا كُـنْـتَ فِـي الـرَّأْيِ بِـالْـمُسْتَبِدِّ
وَلَا كُـنْـتَ فِـي الْفِعْلِ بِالْمُضْطَرِبْ
وَقَــدْ كَــانَ عَـزْمُـكَ فِـيـمَـا أَرَدْتَ
يَـفُـلُّ ظُـبَـا الْـمُـرْهَـفَـاتِ الْـقُضُبْ
فَــمَـنْ كَـانَ جَـذْلَانَ فَـلْـيَـبْـتَـسِـمْ
وَمَـنْ كَـانَ غَـضْـبَـانَ فَـلْـيَـنْتَحِبْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المتقارب
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤