وَا شَيْخَاهُ

Wave Image
أَزْمَــعْــتَ عَــنَّــا إِلَــى مَــوْلَاكَ تَــرْحَــالَا
لَـــمَّــا رَأَيْــتَ مُــنَــاخَ الْــقَــوْمِ أَوْحَــالَا
رَأَيْــتَــنَــا فِــي ظَــلَامٍ لَــيْـسَ يَـعْـقُـبُـهُ
صُــبْــحٌ فَــشَــمَّــرْتَ لِـلـتَّـرْحَـالِ أَذْيَـالَا
كَــرِهْــتَ طُــولَ مُــقَـامٍ بَـيْـنَ أَظْـهُـرِنَـا
بِــحَــيْــثُ تُــبْــصِــرُنَــا لِــلْـحَـقِّ خُـذَّالَا
وَلَـمْ تَـرُقْ نَـفْـسَـكَ الـدُّنْـيَـا وَنَـحْـنُ بِـهَا
لَـــسْـــنَـــا نُــؤَكِّــدُ بِــالْأَفْــعَــالِ أَقْــوَالَا
وَكَــيْــفَ تَــحْــلُــو لِـذِي عِـلْـمٍ إِقَـامَـتُـهُ
فِــي مَــعْــشَـرٍ صَـحِـبُـوا الْأَيَّـامَ جُـهَّـالَا
لِـذَاكَ كُـنْـتَ اعْـتَـزَلْـتَ الْـقَـوْمَ مُـنْـفَـرِدًا
حَــــتَّـــى أَقَـــارِبَـــكَ الْأَدْنَـــيْـــنَ وَالْآلَا
وَمَــا رَكَــنْــتَ إِلَــى الـدُّنْـيَـا وَزُخْـرُفِـهَـا
وَلَا أَرَدْتَ بِــــهَــــا جَــــاهًــــا وَلَا مَـــالَا
لَـكِـنْ سَـلَـكْـتَ طَـرِيـقَ الْـعِـلْـمِ مُجْتَهِدًا
تَــهْـدِي بِـهِ مِـنْ جَـمِـيـعِ الـنَّـاسِ ضُـلَّالَا
«مَحْمُودَ شُكْرِي» فَقَدْنَا مِنْكَ خَبْرَ هُدًى
لِــلْــمُــشْــكِــلَاتِ بِـحُـسْـنِ الـرَّأْيِ حَـلَّالَا
قَـدْ كُـنْـتَ لِـلْـعِـلْـمِ فِـي أَوْطَـانِـنَـا جَـبَلًا
إِذَا تُـــقُـــسِّـــمَ فِـــيــهَــا كَــانَ أَجْــبَــالَا
وَبَــحْــرَ عِــلْــمٍ إِذَا جَــاشَــتْ غَــوَارِبُـهُ
تَــقَــاذَفَ الــدُّرُّ فِــي لُــجَّــيْــهِ مُــنْـهَـالَا
يَــا مَــنْ بِـشَـوَّالَ قَـدْ شَـالَـتْ نَـعَـامَـتُـهُ
نَـغَّـصْـتَ بِـالْـحُـزْنِ شَـهْـرَ الْـعِـيدَ شَوَّالَا
أَعْــظِـمْ بِـرُزْئِـكَ فِـي الْأَيَّـامِ مِـنْ حَـدَثٍ
هَـــزَّتْ عَـــلَـــيَّ بِـــهِ الْأَيَّـــامُ عَـــسَّــالَا
أَمْــسَـتْ لِـرَوْعَـتِـهِ الْأَبْـصَـارُ شَـاخِـصَـةً
أَمَّــا الْــقُــلُــوبُ فَـقَـدْ أَجْـفَـلْـنَ إِجْـفَـالَا
طَـاشَـتْ حَـصَـاةُ الْـعُـلَا لَـمَّـا نُـعِـيتَ لَهَا
وَكُــلُّ مِــيــزَانِ عِــلْــمٍ بِــالْأَسَــى شَــالَا
إِذَا نَــعِــيُّـكَ وَافَـى «مِـصْـرَ» مُـنْـتَـشِـرًا
جَـثَـا «أَبُـو الْـهَـوْلِ» يَـشْـكُـو مِنْهُ أَهْوَالَا
وَإِنْ أَتَـى الْـبَـيْـتَ «بَـيْـتَ الـلـهِ» رُجَّ بِـهِ
وَأَوْجَـسَ «الـرُّكْـنُ» مِـنْ مَـنْـعَـاكَ زِلْـزَالَا
أَمَّـا «الْـعِـرَاقُ» فَأَمْـسَـى «الرَّافِدَانِ» بِهِ
سَـطْـرَيْـنِ لِـلـدَّمْـعِ فِـي خَـدَّيْـهِ قَدْ سَالَا
بَـكَـى الْـوَرَى مِـنْـكَ حَـبْـرًا لَا مَـثِـيـلَ لَهُ
أَقْــوَالُــهُ ضُــرِبَــتْ فِـي الْـعِـلْـمِ أَمْـثَـالَا
بَـكَـوْكَ حَـتَّـى قَـدِ احْـمَـرَّتْ مَـدَامِـعُـهُمْ
كَأَنَّــهُــمْ نَــضَــحُــوا فِــيــهِــنَّ جِــرْيَـالَا
وَلَــوْ لَــفَــظْــنَــا لَـكَ الْأَرْوَاحَ مِـنْ كَـمَـدٍ
لَـمْ نَـقْـضِ مِـنْ حَـقِّـكَ الْمَفْرُوضِ مِثْقَالَا
وَلَا نُـــخَــصِّــصُ فِــي رُزْءٍ بِــتَــعْــزِيَــةٍ
إِلَّا عُــلُــومًــا أَضَـاعَـتْ مِـنْـكَ مِـفْـضَـالَا
فَإِنَّ رُزْءَكَ عَـــمَّ الـــنَّـــاسَ قَـــاطِـــبَـــةً
يَــا أَكْــرَمَ الــنَّــاسِ أَعْــمَــامًـا وَأَخْـوَالَا
شُـكْـرًا لِأَقْـلَامِـكَ الـلَّائِـى كَـشَـفْـتَ بِـهَا
عَــنْ أَوْجُــهِ الْــعِــلْــمِ أَسْـتَـارًا وَأَسْـدَالَا
كَـتَـبْـنَ فِـي الْـعِـلْـمِ أَسْـفَـارًا سَـيَدْرُسُهَا
أَهْــلُ الْــبَــسِــيــطَــةِ أَجْـيَـالًا فَأَجْـيَـالَا
أَمْــدَدْتَــهَــا بِــمِــدَادٍ لَــيْــسَ يَــعْــقُـبُـهُ
دَمْـــعُ الْأَنَـــامِ وَإِنْ يَـــبْــكُــوكَ أَحْــوَالَا
وَكُــنْــتَ أَنْــتَ نِــطَـاسِـيَّ الْـعُـلُـومِ بِـهَـا
وَكُـنَّ فِـي سَـبْـرِ جُـرْحِ الْـجَـهْـلِ أَمْـيَـالَا
يَـا مُـطْـلِـعًـا فِـي سَـمَـاءِ الْـفِـكْـرِ أَنْـجُمَهُ
تَــهْــدِي إِلَــى الْــعِــلْــمِ رُحَّــالًا وَقُــفَّـالَا
لَــوْ أَنَّــنِـي بَـلَـغَـتْ زُهْـرَ الـنُّـجُـومِ يَـدِي
نَــحَــتُّــهَــا لَــكَ بَــعْــدَ الْـمَـوْتِ تِـمْـثَـالَا
مَـا ضَـرَّ مِـنْ بَـعْـدِ مَـا خَـلَّـدْتَ مِنْ كُتُبٍ
أَلَّا نَـــرَى لَــكَ بَــيْــنَ الــنَّــاسِ أَنْــجَــالَا
إِذَا ذَكَــرْنَــاكَ يَــوْمًــا فِــي مَــحَـافِـلِـنَـا
قُــمْــنَــا لِــذِكْــرَاكَ تَــعْـظِـيـمًـا وَإِجْـلَالَا
إِنِّــي أَخِــفُّ لَــدَى ذِكْــرَاكَ مُــضْــطَـرِبًـا
وَإِنْ حَـــمَــلْــتُ مِــنَ الْأَحْــزَانِ أَثْــقَــالَا
لَأَشْـكُـرَنَّـكَ يَـا «شُـكْـرِي» مَـدَى عُـمُـرِي
وَأَبْــــكِــــيَــــنَّــــكَ أَبْــــكَـــارًا وَآصَـــالَا
فَأَنْــتَ أَنْــتَ الَّــذِي لَــقَّـنْـتَـنِـي حِـكَـمًـا
بِــهَــا اكْــتَــسَـيْـتُ مِـنَ الْآدَابِ سِـرْبَـالَا
أَوْجَــرْتَــنِـي مِـنْ فُـنُـونِ الْـعِـلْـمِ أَدْوِيَـةً
شَــفَــتْ مِــنَ الْــجَـهْـلِ دَاءً كَـانَ قَـتَّـالَا
فَـصَـحَّ عَـقْـلِـي وَقَـبْـلًا كُـنْـتُ مُـشْـتَكِيًا
مِــنْ عِــلَّــةِ الْـجَـهْـلِ أَوْجَـاعًـا وَأَوْجَـالَا
أَنَــا الْــمُــقَـصِّـرُ عَـنْ نُـعْـمَـاكَ أَشْـكُـرُهَـا
وَلَــوْ مَــلَأْتُ عَــلَــيْــكَ الــدَّهْــرَ إِعْـوَالَا
فَـاغْـفِـرْ عَـلَـيْـكَ سَـلَامُ الـلـهِ مَـا طَلَعَتْ
شَــمْــسٌ وَمَـا ضَـاءَ بَـدْرُ الـلَّـيْـلِ أَوْ لَالَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤