تَحِيَّةُ الْوَدَاعِ

Wave Image
دَارَ الــسَّــلَامِ عَــلَـى رُبَـاكِ تَـحِـيَّـةٌ
مَــا غَـرَّدَ الْـعُـصْـفُـورُ فَـوْقَ الْـبَـانِ
إِنِّـي رَكِـبْـتُ إِلَـيْـكِ أَخْـشَنَ مَرْكَبٍ
وَالصَّبُّ يَشْقَى فِي الْهَوَى وَيُعَانِي
حَـتَّـى رَأَيْـتُ مَـعَ الْأَصِـيلِ سَبَائِكًا
تَـجْـرِي فَـقُـلْـتُ سَـبَـائِـكُ الْـعِقْيَانِ
لَـعِـبَ الـنَّـسِـيـمُ بِـهَـا فَرَقَّصَهَا كَمَا
لَــعِــبَ الْــمُــدَامُ بِأَغْــيَـدٍ سَـكْـرَانِ
لَـعِـبَ الـنُّـعَـاسُ بِـهِ فَـقَـامَ مُـثَـقَّلًا
لَــمَّــا تَــجَــاوَبَ هَـاتِـفُ الْـعِـيـدَانِ
•••
يَـا كَـعْـبَـةَ الْـمَاضِي الْجَمِيلِ تَحِيَّةً
مِــنْ حَــاضِــرٍ مُــتَــلَـهِّـفٍ ثَـكْـلَانِ
إِنِّـي رَأَيْـتُـكِ وَادَّكَـرْتُ عَـشِـيـرَتِي
فَــنَــسِــيــتُــهَـا وَذَكَـرْتُـهَـا فِـي آنِ
إِنِّـي رَأَيْـتُـكِ فَـاسْـتَفَاضَتْ عَبْرَتِي
وَشُـغِـلْتُ عَنْ يَوْمِي بِأَمْسِ الدَّانِي
أَيْـنَ الْـبَـهَـالِيلُ الْجَحَاجِحُ مِنْ بَنِي
عَـبَّـاسَ وَالْـمَـلْـكِ الْـيَـتِـيـمِ الشَّانِ
أَمْ أَيْـنَ قَـصْـرُ الْـخُـلْـدِ هَـلْ بَاقٍ بِهِ
حَـــجَـــرٌ فَأَسْأَلَـــهُ عَـــنِ الْإِيــوَانِ
عَـبِـثَ الْـفَـنَـاءُ بِـهِ فَـصَـيَّـرَهُ هَشِيـ
ـمًــا تَــبْـتَـنِـيـهِ كَـوَاسِـرُ الْـعِـقْـبَـانِ
وَالْـمُـلْـكُ أَيَّـامٌ تَـجِـيءُ وَتَـنْـقَضِي
كَـالْـحُـلْـمِ طَـافَ بِـغَـافِـلٍ وَسْـنَـانِ
لَـوْ كَـانَ لِـي جَـلَدٌ عَلَى نَظْمِ الْقَرِيـ
ـضِ لَـقُـلْـتُ فِـيـكِ يَـتِيمَةَ الْأَزْمَانِ
•••
بَـغْـدَادُ قَـدْ عَـنَـتِ الْوُجُوهُ كَمَا عَنَا
وَجْـهُ الـزَّمَـانِ لِـمَـجْـدِكِ الْـفَـيْـنَـانِ
فِــي دَوْلَــةٍ مَــا رَامَــهَــا أَحَــدٌ وَلَا
خَـطَـرَتْ عَـلَـى كِـسْرَى أَنُوشِرْوَانِ
وَالْـيَـوْمُ أَنْـتِ كَـمَـا تَـرَيْـنَ هَضِيمَةٌ
الــذِّئْـبُ عَـاثَ وَأَنْـتِ فِـي غَـفَـلَانِ
هَـذِي طُـلُـولُـكِ قَـدْ عَـفَـتْ آثَـارُهَا
مَـاذَا أَقُـولُ وَفِـي الْـفُـؤَادِ مَـعَـانِي
أَبْـكِـي عَـلَـى طَـلَـلٍ قَـدِيـمٍ دَارِسٍ
يَـا بُـؤْسَ مَـنْ يَـبْـكِـي عَـلَى أَوْثَانِ
قُـلْ لِـلَّـذِي يَـبْـكِـي عَـلَى رَسْمٍ عَفَا
هَـلَّا ارْعَـوَيْـتَ فَـقُـمْـتَ لِـلْـعُـمْرَانِ
الْــمَــجْـدُ يَـا هَـذَا لِأَنْـضَـاءِ الـثَّـرَى
لَــمْ يَـسْـتَـبِـقْ مَـجْـدٌ إِلَـى نَـوْمَـانِ
فِـيـمَ الـنُّـوَاحُ عَـلَـى مَـحَلٍّ دَارِسٍ
وَالْـغَـرْبُ مُـسْـتَـبِـقٌ إِلَـى الْـبُـنْـيَانِ
•••
أَأَنُـوحُ مِـثْـلَ الـنَّـائِـحِـيـنَ جَـهَالَةً؟
لَا بَــلْ أَصِــيــحُ بِـصَـوْتِـيَ الـرَّنَّـانِ
هَـذِي تَـبَـاشِـيـرُ الـصَّـبَاحِ تُعِيدُ لِي
أَمَــلًا طَــوَتْــهُ نَــوَازِلُ الْــحَـدَثَـانِ
هَـذِي تَـبَـاشِـيـرُ الـنُّـهُـوضِ جَـلِـيَّةٌ
كَـالـشَّـمْـسِ لَا تَـحْـتَـاجُ لِـلْـبُـرْهَانِ
بَـغْـدَادُ إِنْ يَـكُ بَـدَّدَ الـدَّهْـرُ الْـمُنَى
فَـلَـسَـوْفَ يَـجْمَعُهَا الزَّمَانُ الْجَانِي
إِنَّ الْأُمُــورَ رَهِــيــنَــةٌ بِــمِــعَـادِهَـا
وَلَــسَــوْفَ تُــنْــقَـعُ غُـلَّـةُ الـظَّـمْآنِ
جِــدِّي إِذَا هَـزَلَ الـزَّمَـانُ وَجَـدِّدِي
الْـمَـجْـدُ لِـلـشَّـعْـبِ الْـمُـجِـدِّ الْبَانِي
الْـمَـجْـدُ لَـنْ يَـسْـعَـى إِلَيْكَ مُجَرِّرًا
أَذْيَـــالَـــهُ فِـــي حَــلْــبَــةٍ وَرِهَــانِ
إِنِّـي أَتَـيْـتُ وَفِـي لِـسَـانِـي عُـقْـدَةٌ
مِـنْ سِـحْـرِ بَـابِـلَ فَازْدَرَيْتُ بَيَانِي
مَــاذَا أَقُــولُ وَقَــدْ تَـغَـنَّـى بُـلْـبُـلٌ
هَـزِجٌ وَأَشْـجَـى سَـاجِـعُ الْـكَـرَوَانِ
أَيَـقُـولُ بَـعْـدَكَ يَـا زَهَـاوِي شَاعِرٌ؟
هَـيْـهَـاتَ إِنِّـي قَـدْ عَـقَـلْـتُ لِسَانِي
أَيْـكٌ، جَـمِـيـلٌ وَالـرُّصَـافِي شَاعِرَا
هُ يَـضِيقُ عَنْ هَزَجِي وَعَنْ أَلْحَانِي
•••
عَـبَـثًـا أُحَـاوِلُ أَنْ أُبِـيـنَ خَوَاطِرِي
جَـهْـدِي وَفَـاءَ الْـعُـرْفِ بِـالـشُّكْرَانِ
هَــذَا مَــجَــالٌ لِــلْــقَـوَافِـي وَاسِـعٌ
مَـا لِـي عَـيِـيـتُ وَخَانَنِي شَيْطَانِي
إِنِّـــي إِذَا عُـــدَّ الْـــكِـــرَامُ لَــذَاكِــرٌ
وَلَــرُبَّ ذِكْــرَى قَــرَّبَـتْ أَشْـجَـانِـي
جِـئْـنَـا وَقَـدْ خَـبَّ الْـمَـطِـيُّ بِرَكْبِنَا
لَــيْــلًا أَمِــيـمًـا مُـوحِـشَ الْأَدْجَـانِ
أَهْــلًا لَـقِـيـنَـاكُـمْ فَـمَـا حَـنَّـتْ رَكَـا
ئِــبُــنَـا عَـلَـى ضَـجَـرٍ إِلَـى أَوْطَـانِ
إِخْـوَانُـنَـا فِـي سَكْرَةِ الْمَاضِي وَهَا
أَنْـتُـمْ وَنَـحْـنُ عَـلَى الْأَسَى عَوْنَانِ
إِنَّـا لَـتَـجْـمَـعُـنَـا بِـكُـمْ أَقْوَى الْعُرَى
وَالْأَمْــسُ أَبْــقَـاهَـا عَـلَـى الْأَزْمَـانِ
وَيَــزِيــدُكُــمْ حُــبًّــا إِلَــيْــنَــا أَنَّـنَـا
فِــي الْـجُـرْحِ وَالْآلَامِ مُـشْـتَـرِكَـانِ
•••
إِنَّــا لَــنَــرْحَــلُ وَالْــهَـوَى تَـنْـتَـابُـهُ
فِـي الـذِّكْـرَيَـاتِ لَـوَاذِعُ الـتَّـحْـنَانِ
وَيَـكَـادُ مِـنْ شَـوْقٍ إِلَـيْـكُـمْ يَلْتَقِي
لَــوْلَا الـتُّـخُـومُ الـنِّـيـلُ وَالـنَّـهْـرَانِ
بَـغْـدَادُ إِنِّـي قَـدْ رَضِـيـتُـكِ مَوْطِنًا
مِــصْـرٌ وَأَنْـتِ الْـيَـوْمَ لِـي وَطَـنَـانِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: ذهبت بعثة علمية إلى العراق من الجامعة المصرية، وليلة عودة البعثة أقيمت حفلة تكريمية للأستاذ عزيز فهمي الطالب بكلية الآداب — حينئذٍ — وزميل له، فألقى هذه القصيدة.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عزيز فهمي: شاعر مصري امتازَ بإنتاجٍ شِعريٍّ وفير، حازَ على إعجابِ مُعاصِريه في النصف الأول من القرن العشرين؛ لا سيما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وُلِد «عزيز عبد السلام فهمي محمد جمعة» في طنطا عامَ ١٩٠٩م، وكان والده أحدَ قِياديِّي حزب الوفد. تلقَّى «عزيز» تعليمَه الأساسي في مَسقط رأسه، ثم انتقَلَ إلى القاهرة فأكمَلَ دراستَه بمدرسة الجيزة الثانوية، والْتَحقَ بعدَها بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي الوقت نفسه انتسب إلى كلية الآداب، فدرَسَ فيهما معًا، وبعدما حصل على ليسانس الحقوق سافرَ إلى فرنسا لدراسة القانون، وهناك حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون عامَ ١٩٣٨م.

بعد عودته من فرنسا عمل بالنيابة، غيرَ أنه فُصِل من عمله بعدَ إقالة الحكومة الوفدية عامَ ١٩٤٤م، فاشتغل بالمحاماة، وانتُخِب لعضوية البرلمان المصري عن حزب الوفد عامَ ١٩٥٠م، وكانت له فيه صَولاتٌ وجَولاتٌ أشهَرُها دِفاعُه عن حُرية الصحافة؛ ما أوغَرَ صدْرَ المَلِك عليه، فاعتُقِل بتهمة العيب في الذات المَلكية إبَّانَ الحربِ العالَمية الثانية. وشارَكَ «عزيز» في تحرير الصُّحف والمَجَلات التي كان يُصدِرها حزبُ الوفد، وكان عضوًا في كتائب الفدائيِّين، واشترَكَ في عملياتٍ فِدائيةٍ استهدفَتْ معسكراتِ قواتِ الاحتلالِ الإنجليزي.

أمَّا شِعْره فيتنوَّع بينَ قصائدَ طويلةٍ ومتوسطةِ الطول، ويتَّجه إلى رِثاء النفس، والغَزَل العفيف، ومَدِيح أعلام عصره، وبخاصةٍ «طه حسين» و«حافظ إبراهيم»، ورثاء آخَرين، فضلًا عن بُروزِ النَّزْعةِ الوطنية في شِعره واهتمامِه بقضايا الوطن. وله قصائدُ نشرَتْها مَجلاتٌ عِدَّة، منها: «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الإرادة»، و«السياسة»، وقد نُشِر معظمُ شِعره في ديوانه «ديوان عزيز» عَقِب وفاته، وقدَّمَ للديوان الدكتور طه حسين، الذي أبدى في كلمته أسًى كبيرًا على الشاعر المُجِيد، الذي تَخطَّفَتْه يدُ المَنُون عاجلًا عامَ ١٩٥٢م في العيَّاط جنوبي القاهرة غَرَقًا في تُرْعةٍ مائية، بعدَ انقلابِ سيارةِ الأجرة التي كان يَستقِلُّها أثناءَ مُحاوَلتِه اللَّحاقَ بقطارِ الصَّعِيد ليتمكَّنَ من التَّرافُع في إحدى القضايا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤