مَا رَأَيْتُ فِي بِكْ أُوغْلِي

Wave Image
ذَهَــبْــتُ لِــحَـيٍّ فِـي فَـرُوقَ تَـزَاحَـمَـتْ
بِـهِ الْـخَـلْـقُ حَـتَّـى قُـلْتُ مَا أَكْثَرَ الْخَلْقَا
تَــرَى الــنَّــاسَ أَفْــوَاجًــا إِلَــيْــهِ وَإِنَّـمَـا
إِلَـى الـتَّـلَـعَـاتِ الـزُّهْـرِ فِـي دَرَجٍ تَـرْقَى
يُــضِــيءُ بِــهِ ثَـغْـرُ الْـحَـضَـارَةِ بَـاسِـمًـا
بِــلَامِــعِ نُــورٍ عَــلَّـمَ الـسُّـحُـبَ الْـبَـرْقَـا
رَأَيْــتُ مَــبَــانِــيَــهُ وَجُــلْــتُ بِــطُــرْقِـهِ
فَـمَـا أَحْـسَـنَ الْمَبْنَى وَمَا أَوْسَعَ الطُّرْقَا!
فَـكَـمْ فِـيـهِ مِـنْ صَرْحٍ تَرَى الدَّهْرَ مُتْلِعًا
يَــمُــدُّ إِلَــى إِدْرَاكِ شُــرْفَــتِــهِ الْــعُـنْـقَـا
قُـصُـورٌ عَـلَـتْ فِـي الْـجَـوِّ لَـمْ تَلْقَ بَيْنَهَا
وَبَـيْـنَ الـنُّـجُـومِ الزُّهْرِ فِي حُسْنِهَا فَرْقَا
هُــنَــالِــكَ لِــلْأَرْضِــيــنَ أُفْــقٌ بُــرُوجُـهُ
تُــضَــاحِـكُ أَبْـرَاجَ الـسَّـمَـوَاتِ وَالْأُفْـقَـا
بُــرُوجٌ وَلَــكِــنْ شَــارِقَــاتُ شُـمُـوسِـهَـا
تَـدُورُ بِأُفْـقٍ يَـجْـمَـعُ الْـغَـرْبَ وَالـشَّـرْقَـا
بِـحَيْثُ تَرَى حُمْرَ «الطَّرَابِيشِ» خَالَطَتْ
«بَـرَانِـيـطَ» سُـودًا كَـالسَّلَاحِفِ أَوْ وُرْقَا
وَتَـلْـقَـى الْـوُجُوهَ الْبِيضَ حُمْرًا خُدُودُهَا
وَتَـلْـقَـى الْـعُـيُونَ السُّودَ وَالْأَعْيُنَ الزُّرْقَا
خُــدُودٌ جَـرَى مَـاءُ الـشَّـبِـيـبَـةِ فَـوْقَـهَـا
فَـفِـيـهِ عُـقُـولُ الـنَّـاظِـرِيـنَ مِنَ الْغَرْقَى
مَـحَـاسِـنُ كَـالْأَزْهَـارِ قَـدْ طَـلَّـهَـا الْـهَوَى
وَهَـبَّ نَـسِـيـمُ الْـعِـشْـقِ مِـنْ بَيْنِهَا طَلْقَا
فَـمِـنْ ذَاتِ دَلٍّ أَعْـجَـزَ الـشِّـعْـرَ وَصْـفُـهَا
وَإِنْ كَـانَ فِـيـهَـا الـشِّـعْـرُ مُـمْـتَلِئًا عِشْقَا
وَمِــنْ ذِي دَلَالٍ رَنَّـحَ الْـحُـسْـنُ عِـطْـفَـهُ
إِلَـى أَنْ رَجَـا مِـنْ حُـسْـنِـهِ عِطْفُهُ الرِّفْقَا
•••
وَكَـمْ مَـسْـرَحٍ فِـيـهِ الْـحِـسَـانُ تَـلَاعَبَتْ
تُـمَـثِّـلُ كَـيْـفَ الـنَّـاسُ تَـسْـعَدُ أَوْ تَشْقَى
حِـسَـانٌ عَـلَـتْ فِي الْحُسْنِ خُلْقًا وَخِلْقَةً
وَهَـلْ خِـلْـقَـةٌ تَـعْـلُـو إِذَا سَـفَـلَـتْ خُـلْـقَا
تُــمَــثِّــلُ مَــا قَــدْ مَــرَّ مِــنَّــا وَمَــا حَـلَا
وَمَــا جَــلَّ مِــنْ أَمْـرِ الْـحَـيَـاةِ وَمَـا دَقَّـا
فَــتُـلْـقِـي دُرُوسًـا لَـوْ وَعَـتْـهَـا حَـيَـاتُـنَـا
لَــبُــدِّلَ كِــذْبٌ فِــي سَـعَـادَتِـهَـا صِـدْقَـا
إِذَا مَـثَّـلَـتْ شَـكْـوَى الْـحَـزِيـنِ بَـكَتْ لَهَا
عُــيُــونُ الْــبَــلَايَــا وَالــزَّمَــانُ لَـهَـا رَقَّـا
وَإِنْ صَــوَّرَتْ حَــقًّــا هَــوَى كُـلُّ بَـاطِـلٍ
عَــلَــى رَأْسِــهِ حَــتَّــى تَـجَـدَّلَ مُـنْـدَقَّـا
•••
وَمَـــاذَا تَـــرَى فِـــيـــهِ إِذَا زُرْتَ حَــانَــةً
تَرَى الْأُنْسَ يَشْدُو فِي فَمٍ يَجْهَلُ النُّطْقَا
سَــكُـوتٌ عَـلَـى قَـرْعِ الْـكُـئُـوسِ مُـغَـرِّدٌ
بِــلَــحْــنِ سُـرُورٍ يَـتْـرُكُ الْـهَـمَّ مُـنْـشَـقَّـا
عَـلَـيْـهِـمْ سَـحَـابُ الْإِحْـتِـشَـامِ يُـظِـلُّـهُمْ
مَـتَـى هُـمْ أَرَادُوا سَـحَّ مِـنْ قُـبَـلٍ وَدْقَـا
أَوَانِـــسُ قَـــدْ نَـــادَمْـــنَ كُــلَّ غُــرَانِــقٍ
فَـمِـنْـهُـنَّ مَـنْ تَـسْقِي وَمِنْهُنَّ مَنْ تُسْقَى
فَــمَــنْ ذَا يَــرَاهُــمْ ثُــمَّ لَــمْ يَـكُ وَاغِـلًا
عَـلَـيْـهِـمْ وَإِنْ أَمْـسَى يُعَدُّ الْفَتَى الْأَتْقَى
أَلَـــسْـــتُ بِـــمَــعْــذُورٍ إِذَا أَنَــا زُرْتُــهُــمْ
وَسَـاجَـلْـتُـهُـمْ شَـوْقًا فَقُلْ وَيْحَكَ الْحَقَّا
فَــقَــدْ لَامَــنِــي لَــمَّــا رَآنِــي بِــحُـبِّـهِـمْ
فَـتًـى مِـنْـهُ قِـحْفُ الرَّأْسِ مُمْتَلِئٌ حُمْقَا
فَـقَـالَ أَفِـي الْـحَـيِّ الَّـذِي شَـاعَ فِـسْـقُهُ
تَـجُـولُ أَلَـمْ تَـمْـنَـعْ عِـمَـامَـتُـكَ الْفِسْقَا؟
فَــقُــلْــتُ أَجَــلْ إِنَّ الْــعَــمَـائِـمَ عِـنْـدَنَـا
لَـتَـمْـنَـعُ فِـي لَـوْثَـاتِـهَـا الْـفِـسْقَ وَالرِّزْقَا
وَلَـــكِـــنَّــنِــي مَــا جِــئْــتُ إِلَّا تَــوَصُّــلًا
لِـذِكْـرَى شَـقَـاءٍ فِـي الْـعِـرَاقِ بِـهِ نَـشْقَى
•••
شَــقَــاءٌ تَـمَـطَّـى فِـي الْـعِـرَاقِ تَـمَـطِّـيًـا
وَأَلْـقَـى جِـرَانًـا لَا يُـزَحْـزَحُ وَاسْـتَـلْـقَـى
فَإِنَّ الْــعِــرَاقَ الْــيَــوْمَ قَـدْ نَـشِـبَـتْ بِـهِ
نُـيُـوبُ الـدَّوَاهِـي فَـهْـيَ تَـعْـرُقُـهُ عَـرْقَا
تَــمَــشَّــتْ بِــهِ حَــتَّــى أَعَـادَتْ سَـوَادَهُ
بَــيَــاضًــا وَمَــدَّتْ لِــلْــبَــوَارِ بِــهِ رِبْــقَـا
فَـلَـهْـفِـي عَـلَـى بَـغْـدَادَ إِذْ قَـدْ أَضَـاعَـهَا
بَـنُـوهَـا فَـسُـحْـقًـا لِـلْـبَـنِـيـنَ بِـهَا سُحْقَا
جَــزَوْهَــا عُــقُــوقًــا وَهْــيَ أُمٌّ كَـرِيـمَـةٌ
وَأَلْأَمُ أَبْـــنَــاءِ الْــكَــرِيــمَــةِ مَــنْ عَــقَّــا
أَدَامَــتْ لَــهَـا الْأَحْـدَاثُ مَـخْـضًـا كَأَنَّـهَـا
قَــدِ اتَّــخَــذَتْــهَــا الْـحَـادِثَـاتُ لَـهَـا زِقَّـا
سَأَبْـكِـي عَـلَـيْـهَـا كُـلَّـمَـا جُـلْـتُ سَـائِـحًا
وَشَـاهَـدْتُ فِـي الْـعُـمْـرَانِ مَمْلَكَةً تَرْقَى
وَأَنْـــدُبُــهَــا عِــنْــدَ الْأَغَــارِيــدِ شَــارِبًــا
مِــنَ الــدَّمْــعِ كَأْسًـا لَا أُرِيـدُ لَـهَـا مَـذْقَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤