فِي سَلَانِيكَ

Wave Image
لَـقَـدْ سَـمِـعُـوا مِـنَ الْـوَطَنِ الْأَنِينَا
فَــضَـجُّـوا بِـالْـبُـكَـاءِ لَـهُ حَـنِـيـنَـا
وَنَــادَاهُــمْ لِــنُــصْـرَتِـهِ فَـقَـامُـوا
جَــمِـيـعًـا لِـلـدِّفَـاعِ مُـسَـلَّـحِـيـنَـا
وَثَــارُوا مِـنْ مَـرَابِـضِـهِـمْ أُسُـودًا
بِــصَــوْتِ الْإِتِّـحَـادِ مُـزَمْـجِـرِيـنَـا
شَـبَـابٌ كَـالـصَّـوَارِمِ فِـي مَـضَـاءٍ
يُـرَوْنَ، وَكَـالـشُّـمُـوسِ مُـنَـوَّرِيـنَـا
سَــلَانِــيـكُ الْـفَـتَـاةُ حَـوَتْ ثَـرَاءً
بِـهِـمْ فَـنَـضَتْ عَنِ الْوَطَنِ الدُّيُونَا
لَـقَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ فَمِنْ نَصَارَى
وَمِــنْ هُـودٍ هُـنَـاكَ وَمُـسْـلِـمِـيـنَـا
فَـكَـانُـوا الْـجَـيْشَ أُلِّفَ مِنْ جُنُودٍ
مُــجَــنَّــدَةٍ وَمِــنْ مُـتَـطَـوِّعِـيـنَـا
تَــرَاهُـمْ فِـيـهِ مُـتَّـحِـدِيـنَ عَـزْمًـا
وَمَـا هُـمْ فِـيـهِ مُـتَّـحِـدِيـنَ دِيـنَـا
هِـيَ الْأَوْطَـانُ تَـجْـعَـلُ فِـي بَنِيهَا
إِخَــاءً فِــي مَــحَـبَّـتِـهَـا رَصِـيـنَـا
وَتَــتْــرُكُــهُــمْ أُولِـي أَنَـفٍ كِـبَـارًا
يَــرَوْنَ حَــيَــاةَ ذِي ذُلٍّ جُــنُــونَـا
وَأَنَّ الْــمَــوْتَ خَــيْـرٌ مِـنْ حَـيَـاةٍ
يَـظَـلُّ الْـمَـرْءُ فِـيـهَـا مُـسْـتَـكِـيـنَا
•••
مَــشَــوْا وَالْـوَالِـدَاتُ مُـشَـيِّـعَـاتٌ
خَــرَجْــنَ وَرَاءَهُــمْ وَالْــوَالِـدُونَـا
يَــقُــلْــنَ وَهُــنَّ مِــنْ فَـرَحٍ بَـوَاكٍ
وَهُـمْ مِـنْ حُـزْنِـهِـمْ مُـتَـبَـسِّـمُـونَا
عَـلَـى الْـبَـاغِينَ مُنْتَصِرِينَ سِيرُوا
وَعُــودُوا لِــلــدِّيَــارِ مُــظَـفَّـرِيـنَـا
وَلَا تُـبْـقُـوا الَّـذِيـنَ قَـدِ اسْـتَـبَدُّوا
وَرَامُــوا كَــيْــدَنَــا وَتَــخَــوَّنُـونَـا
فَإِنْ لَــمْ تُـنْـقِـذُوا الْأَوْطَـانَ شَـرًّا
بِـدَارِ الْـمُـلْـكِ كَـيْ يَـسْـتَـعْـبِـدُونَـا
هُـمُ الْأَشْـرَارُ بِـاسْـمِ الـدِّينِ قَامُوا
فَـعَـاثُـوا فِـي الْـمَـوَاطِنِ مُفْسِدِينَا
فَـمَا تَرَكُوا مِنَ الدُّسْتُورِ «شُورَى»
وَلَا أَبْــقَـوْا لِـنَـغْـمَـتِـهِ «طَـنِـيـنَـا»
•••
وَكَـمْ قَـدْ قُـلْـنَ مِـنْ قَـوْلٍ شَـجِيٍّ
لَــهُـمْ فَـتَـرَكْـنَـهُـمْ مُـتَـهَـيِّـجِـيـنَـا
وَمُـذْ حَـانَ الْـوَدَاعُ دَنَـوْنَ مِـنْـهُـمْ
فَــقَــبَّـلْـنَ الـصَّـوَارِمَ وَالْـجُـفُـونَـا
وَمَـا أَنْـسَـى الَّـتِـي بَـرَزَتْ وَقَالَتْ
وَقَـدْ لَـفَـتُـوا لِـرُؤْيَـتِـهَـا الْـعُـيُـونَـا
أَلَا يَــا رَاحِــلِــيــنَ لِــحَـرْبِ قَـوْمٍ
لِـئَـامٍ ضَـيَّـعُـوا الْـوَطَـنَ الـثَّـمِـيـنَا
خُـذُونِـي لِـلْـوَغَـى مَعَكُمْ خُذُونِي
مُــمَــرِّضَـةً لِـجَـرْحَـاكُـمْ حَـنُـونَـا
وَإِنْ لَـمْ تَـفْـعَـلُـوا فَـخُـذُوا رِدَائِي
بِــهِ سُــدُّوا الْـجُـرُوحَ إِذَا دَمِـيـنَـا
•••
وَلَــمَّــا جَــدَّ جِــدُّهُـمُ اسْـتَـقَـلُّـوا
عَـلَـى ظَـهْـرِ الْـقِـطَـارِ مُـسَـافِـرِينَا
فَــطَــارُوا فِـي مَـرَاكِـبِـهِ سِـرَاعًـا
بِأَجْــنِـحَـةِ الْـبُـخَـارِ مُـرَفْـرِفِـيـنَـا
وَظَـلَّ الْـجَـيْـشُ صُـبْحًا أَوْ مَسَاءً
تَــسِـيـرُ جُـمُـوعُـهُ مُـتَـتَـابِـعِـيـنَـا
فَــلَــمْ يَــتَــصَــرَّمِ الْأُسْــبُـوعُ إِلَّا
وَهُــمْ بِــرُبَـا فَـرُوقَ مُـخَـيِّـمُـونَـا
هُـنَـالِـكَ قُـمْـتُ مُـرْتَـحِـلًا إِلَـيْـهِـمْ
لِأُبْــصِــرَ مَــا أُؤَمِّــلُ أَنْ يَــكُــونَـا
•••
وَبَـاخِـرَةٍ عَـلَـتْ فِـي الْـبَحْرِ حَتَّى
حَـكَـتْ بِـعُـبَابِهِ الْحِصْنَ الْحَصِينَا
يُـؤَثِّـرُ جَـرْيُـهَـا فِـي الْـبَـحْـرِ إِثْـرًا
تَــكَــادُ بِــهِ تَــظُـنُّ الْـمَـاءَ طِـيـنَـا
فَــتَـتْـرُكُ خَـلْـفَـهَـا خَـطًّـا مَـدِيـدًا
بِـوَجْـهِ الْـبَـحْـرِ يَـمْـكُـثُ مُسْتَبِينَا
رَكِـبْـتُ بِـهَـا عَـلَـى اسْمِ اللهِ بَحْرًا
غَــدَا بِــسُــكُـونِ لُـجَّـتِـهِ رَهِـيـنَـا
فَـرُحْـنَـا مِـنْـهُ نَـنْـظُـرُ فِـي جَـمَالٍ
يَـعِـزُّ عَـلَـى الـطَّـبِـيـعَـةِ أَنْ يَـهُونَا
وَمَـرْأَى الْـبَـحْـرِ أَحْـسَنُ كُلِّ شَيْءٍ
إِذَا لَــبِـسَـتْ غَـوَارِبُـهُ الـسُّـكُـونَـا
كَأَنَّــكَ مِــنْـهُ تَـنْـظُـرُ فِـي سَـمَـاءٍ
وَقَـدْ طَـلَـعَـتْ كَـوَاكِـبُـهَـا سَـفِـينَا
•••
أَتَـيْـنَـا دَارَ قُـسْـطَـنْـطِـيـنَ صُـبْحًا
وَقَـدْ فُـتِـحَـتْ لَـهُـمْ فَـتْـحًا مُبِينَا
وَظَـلَّ الْـجَيْشُ جَيْشُ اللهِ يَشْفِي
بِــحَـدِّ سُـيُـوفِـهِ الـدَّاءَ الـدَّفِـيـنَـا
فَأَزْهَـقَ أَنْـفُـسَ الـطَّـاغِـيـنَ حَتَّى
سَـقَـاهُـمْ مِـنْ عَـدَالَـتِـهِ الْـمَـنُـونَـا
وَرَدَّ الْــخَــائِــنِــيــنَ إِلَــى جَــزَاءٍ
أَحَــلَّــهُـمُ الْـمَـقَـابِـرَ وَالـسُّـجُـونَـا
وَحَـطُّـوا قَـصْـرَ يِـلْـدِزَ عَـنْ سَمَاءٍ
لَــهُ فَـانْـحَـطَّ أَسْـفَـلَ سَـافِـلِـيـنَـا
وَأَصْـبَـحَ خَـاشِـعَ الْـبُنْيَانِ يُغْضِي
عُــيُــونًــا عَـنْ تَـطَـاوُلِـهِ عَـمِـيـنَـا
خَــلَا مِـنْ سَـاكِـنِـيـهِ وَحَـارِسِـيـهِ
فَـلَـمْ تَـرَ فِـيـهِ مِـنْ أَحَـدٍ قَـطِـيـنَـا
هَـوَى عَـبْـدُ الْـحَـمِـيـدِ بِـهِ هُـوِيًّـا
إِلَــى دَرَكِ الْــمُـلُـوكِ الـظَّـالِـمِـيـنَـا
وَأُنْـزِلَ عَـنْ سَـرِيـرِ الْـمُـلْـكِ خَـلْعًا
وَأُفْـــرِدَ لَا نَـــدِيــمَ وَلَا قَــرِيــنَــا
فَـسِـيـقَ إِلَـى سَـلَانِـيـكَ احْتِبَاسًا
لَـهُ كَـيْ يَـسْـتَـرِيـحَ بِـهَـا مَـصُـونَا
وَلَــكِــنْ كَــيْــفَ رَاحَـةُ مُـسْـتَـبِـدٍّ
غَــدَا بِــدِيَــارِ أَحْــرَارٍ سَــجِــيـنَـا
يَـرَاهُـمْ حَـوْلَ مَـسْـكَـنِـهِ سِـيَـاجًا
وَيَـعْـجِـزُ أَنْ يُـنِـيـمَ لَـهَـا عُـيُـونَـا
وَمَــوْتُ الْـمَـرْءِ خَـيْـرٌ مِـنْ مَـقَـامٍ
لَــهُ بَــيْــنَ الَّـذِيـنَ سَـقَـوْهُ هُـونَـا
•••
لَـقَـدْ نَـقَـضَ الْـيَـمِـينَ وَخَانَ فِيهَا
فَـذَاقَ جَـزَاءَ مَـنْ نَـقَـضَ الْـيَـمِينَا
وَقَـدْ كَـانَـتْ بِـهِ الْـبُـلْـدَانُ تَـشْقَى
شَــقَــاءً مِــنْ تَــجَــبُّــرِهِ مُـهِـيـنَـا
فَــكَــمْ أَذْكَـى بِـهَـا نِـيـرَانَ ظُـلْـمٍ
وَكَـمْ مِـنْ أَهْـلِـهَـا قَـتَـلَ الْـمِـئِـيـنَا
وَكَــانَ يُـدِيـرُ مِـنْ سَـفَـهٍ رَحَـاهَـا
بِـجَـعْـجَـعَـةٍ وَلَـمْ يُـرِهَـا طَـحِـيـنَا
وَقَــدْ كَـانَـتْ بِـهِ الْأَيَّـامُ تَـمْـضِـي
شُـهُـورًا وَالـشُّـهُـورُ مَـضَتْ سِنِينَا
وَلَـمَّـا ضَـاقَ صَـدْرُ الْـمُـلْـكِ يَأْسًـا
وَصَــارَ يُــرَدِّدُ الْــوَطَــنُ الْأَنِـيـنَـا
أَتَـى الْـجَـيْـشُ الْـجَـلِيلُ لَهُ مُغِيثًا
فَـصَـدَّقَ مِـنْ بَنِي الْوَطَنِ الظُّنُونَا
وَأَضْـحَـى سَـيْـفُ قَـائِـدِهِ الْمُفَدَّى
عَـلَـى الـدُّسْـتُـورِ مُـحْـتَفِظًا أَمِينَا
حَــمَـاهُ مِـنَ الْـعُـدَاةِ فَـكَـانَ مِـنْـهُ
مَـكَـانَ الـلَّـيْـثِ إِذْ يَـحْمِي الْعَرِينَا
وَأَسْــقَــطَ ذَلِــكَ الْــجَـبَّـارَ قَـهْـرًا
وَأَنْــبَأَهُ بِــصَــارِمِــهِ الْــيَــقِــيــنَـا
فَــقَــرَّتْ أَعْـيُـنُ الـدُّسْـتُـورِ أَمْـنًـا
وَشَــاهَــتْ أَوْجُـهُ الْـمُـتَـمَـرِّدِيـنَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال معروف الرصافي هذه القصيدة عندما زحف جيش سلانيك إلى الآستانة بقيادة محمود شوكت باشا؛ وذلك لقمع الحركة الرجعية التي حدثت في ٣١ مارس سنة ١٩٠٨م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤