تُرِيدُ لِيَ الْأَيَّامُ أَنْ أَتَقَيَّدَا

Wave Image
تُــــرِيــــدُ لِـــيَ الْأَيَّـــامُ أَنْ أَتَـــقَـــيَّـــدَا
وَأَطْــلُــبَ فِــيــهَـا أَنْ أَكُـونَ الْـمُـجَـدِّدَا
وَتَـقْـعُـدَ بِـي دُونَ الْـمَـدَى فِـي خُـطُوبِهَا
وَغَــايَـةُ هَـمِّ الـنَّـفْـسِ أَنْ أَبْـلُـغَ الْـمَـدَى
كَـفَـى لِـصَـرِيـحِ الْـعَـقْـلِ قَـيْـدًا لِـمُـطْلَقٍ
مِـنَ الـنَّـاسِ يَـبْـغِـي أَنْ يَـكُـونَ مُـقَـيَّـدَا
لَـعَـمْـرُ الْـهُـدَى إِنَّ النُّهَى لَيْسَ مِنْ صُوًى
سِـوَاهَـا لِـمَـنْ ضَـلُّـوا الطَّرِيقَ إِلَى الْهُدَى
فَـمَـا بَـالُ هَـذَا الْـعَـقْـلِ أَمْـسَـى مُـعَـطَّلًا
لَـــدَيْـــنَـــا كَأَنَّ الـــلــهَ أَوْجَــدَهُ سُــدَى
أَيُــخْــلِــقُــنَــا كَــرُّ الْــجَـدِيـدَيْـنِ ضِـلَّـةً
وَلَــمْ نَــتَــقَــمَّـصْ فِـيـهِـمَـا مَـا تَـجَـدَّدَا
فَــيَـا مُـنْـجِـدِي فِـيـمَـا أُرِيـدُ مِـنَ الْـعَـلَا
وَلَـوْلَا الْـعُـلَا لَـمْ أَطْـلُـبِ الـدَّهْـرَ مُـنْجِدَا
أَعِــنِّــي عَــلَــى مَــا لَـوْ تَـحَـقَّـقَ كَـوْنُـهُ
لَــمَــا كَـانَ لِـي بَـلْ لِـلْأَنَـاسِـيِّ مُـسْـعِـدَا
تَـجَـهَّـزْ مِـنَ الْـحُـسْـنَـى بِـمَـا أَنْـتَ قَـادِرٌ
عَـلَـيْـهِ وَلَا تَـقْـبَـلْ سِـوَى الْـعَـقْلِ مُرْشِدَا
وَأَحْــسِــنْ إِلَــى مَـنْ قَـدْ أَسَـاءَ تَـكَـرُّمًـا
وَإِنْ زَادَ بِـــالْإِحْــسَــانِ مِــنْــكَ تَــمَــرُّدَا
وَحِــبَّ الَّــذِي عَــادَاكَ إِنْ رُمْــتَ قَـتْـلَـهُ
فَإِنِّــي رَأَيْــتُ الْــحُــبَّ أَقْــتَــلَ لِــلْـعِـدَا
فَـلَـيْـسَ مُـضِـرًّا فِـي الْـعُـلَا بِـالَّـذِي أَرَى
عَـلَـى كُـلِّ حَـالٍ أَنْ تُـحِـبَّ مَـنِ اعْـتَـدَى
إِذَا دُفِــعَ الــشَّــرُّ الْــقَــبِــيــحُ بِــمِــثْـلِـهِ
تَـــحَـــصَّـــلَ شَـــرٌّ ثَـــالِـــثٌ وَتَـــوَلَّــدَا
وَأَمْـسَـتْ دَوَاعِـي الـشَّـرِّ ذَاتَ تَـسَـلْـسُلٍ
مَـدِيـدٍ وَصَـارَ الـشَّـرُّ فِـي النَّاسِ سَرْمَدَا
فَـمَـا الـرَّأْيُ عِـنْـدِي إِنْ تَـمَخَّضَتِ الْوَغَى
سِـوَى أَنْ يَظَلَّ السَّيْفُ فِي الْغِمْدِ مُغْمَدَا
وَأَنْ تَــجْــمَـعَ الـدُّنْـيَـا عَـلَـى رَدِّ طَـامِـعٍ
أَشَـــارَ إِلَـــى أَسْـــيَـــافِـــهِ مُـــتَــهَــدِّدَا
فَإِنْ كَـانَ هَـذَا فِـي الْـعُـصُورِ الَّتِي خَلَتْ
عَــسِــيــرًا فَـفِـي هَـذَا الـزَّمَـانِ تَـمَـهَّـدَا
فَإِنَّ جَــمِــيــعَ الْأَرْضِ أَمْــسَـتْ كَـبَـلْـدَةٍ
بِـهَـا كُـلُّ جَـمْـعٍ عُـدَّ فِـي الْـحُـكْـمِ مُفْرَدَا
وَلِــي خُــلُــقٌ يَأْبَــى عَــلَــيَّ انْـطِـبَـاعُـهُ
عَـلَـى الْـخَـيْـرِ تَـسْلِيمِي إِلَى الشَّرِّ مِقْوَدَا
وَأُضْـرِبُ عَـنْ جَـهْـلِ الْـجَـهُـولِ وَلَمْ أَكُنْ
لِأَضْــرِبَ فِــي الْأَيَّــامِ لِــلْـغَـدْرِ مَـوْعِـدَا
إِذَا مَــا اتَّــقَــتْ نَــفْــسٌ رَدَاهَــا بِــذِلَّــةٍ
فَــعِـنْـدِيَ نَـفْـسٌ تَـتَّـقِـي الـذُّلَّ بِـالـرَّدَى
وَلَـوْ طَـلَـبَـتْ نَـفْـسِـي الْـغِـنَـى بِامْتِهَانِهَا
لَأَصْـبَـحْـتُ فِـي الْـمُـثْـرِيـنَ أَطْوَلَهُمْ يَدَا
وَلَـــكِـــنَّـــنِـــي آلَـــيْـــتُ أَلَّا أُذِيـــقَــهَــا
مِـنَ الْـعَـيْـشِ إِلَّا مَـا اسْـتُـطِـيبَ وَحُمِّدَا
سَـجِـيَّـةُ نَـفْـسٍ لَـمْ أَحُـلْ عَـنْ عُـهُـودِهَا
وَإِنْ لَامَــنِــي الْأَعْـمَـى عَـلَـيْـهَـا وَفَـنَّـدَا
وَمَــا ضَــرَّنِــي إِذْ عَــضَّـنِـي مُـتَـشَـادِقٌ
شَـحَـا بِـفَـمٍ قَـدْ كَـانَ فِـي الْـعَـضِّ أَدْرَدَا
وَلِــي وَطَــنٌ أَفْــنَــيْـتُ عُـمْـرِي بِـحُـبِّـهِ
وَشُــتِّــتَ شَــمْــلِــي فِـي هَـوَاهُ مُـبَـدَّدَا
وَلَــمْ أَرَ لِــي شَــيْــئًــا عَــلَــيْــهِ وَإِنَّــمَـا
عَــلَــيَّ لَــهُ فِــي الْــحُــبِّ أَنْ أَتَــشَــدَّدَا
تَــعَــلَّـقْـتُـهُ مُـنْـذُ الـصِّـبَـا مُـغْـرَمًـا كَـمَـا
تَــعَــلَّــقَ لَــيْــلَــى الْــعَــامِــرِيُّ مُـعَـمَّـدَا
وَسَـيَّـرْتُ فِـيـهِ الـشِّـعْـرَ فَـخْـرًا فَـطَـالَمَا
شَـدَوْتُ بِـهِ فِـي مَـحْـفِـلِ الْـقَوْمِ مُنْشِدَا
وَكَــمْ رَامَ إِسْــكَــاتِـي أُنَـاسٌ أَبَـى لَـهُـمْ
خَــنَــا الـطَّـبْـعِ إِلَّا أَنْ يُـرَوْا لِـيَ حُـسَّـدَا
وَمِـنْ عَـجَـبٍ أَنْ يَـعْـشَـقَ الـرَّوْضَ بُلْبُلٌ
وَيَــــمْـــنَـــعَـــهُ ذِبَّـــانُـــهُ أَنْ يُـــغَـــرِّدَا
وَمَـا الـنَّـاسُ إِلَّا اثْـنَـانِ فِـي الـشَّرْقِ كُلِّهِ
جَــهُــولٌ تَــلَــهَّــى أَوْ حَــلِــيــمٌ تَــبَـلَّـدَا
وَلَـمْ أَرَ مِـثْـلَ الْفَضْلِ فِي الشَّرْقِ مُخْفِقًا
وَلَا مِــثْـلَ جَـدِّ الْـمَـرْءِ لِـلْـمَـرْءِ مُـسْـعِـدَا
تَأَمَّــلْ قَــلِــيــلًا فِــي بَــنِــيــهِ مُــفَـكِّـرًا
لِـتَـشْـهَـدَ مِـنْـهُـمْ لِـلْـعَـجَـائِـبِ مَـشْـهَـدَا
فَــتُـبْـصِـرَ أَيْـقَـاظًـا يُـطِـيـعُـونَ هُـجَّـدًا
وَتُــبْــصِــرَ أَحْــرَارًا يَــخَــافُـونَ أَعْـبُـدَا
وَكَـمْ فَأْرَةٍ فِـي الـشَّـرْقِ تُـحْـسَـبُ هِـرَّةً
وَكَـمْ عَـقْـعَـقٍ فِـي الـشَّرْقِ سُمِّيَ هُدْهُدَا
أَلَا رُبَّ شَـــاكٍ قَـــالَ لِــي وَهْــوَ آسِــفٌ:
أَمَــا آنَ لِــلــتَّــهْــذِيــبِ أَنْ يَــتَــبَـغْـدَدَا
فَـــقُــلْــتُ لَــهُ: أَبْــشِــرْ بِــخَــيْــرٍ فَإِنَّــهُ
بِــبَــغْـدَادَ لِـلـتَّـهْـذِيـبِ أُسِّـسَ مُـنْـتَـدَى

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤