أَرَى الْعَلْيَاءَ وَاضِحَةَ السَّبِيلِ

Wave Image
أَرَى الْـعَـلْـيَـاءَ وَاضِـحَـةَ الـسَّبِيلِ
فَــمَــا لِلْــغُـرِّ سَـالِـمَـةَ الْـحُـجُـولِ
إِلَـى كَـمْ يَـقْـتَـضِـيكَ الْمَجْدُ دَيْنًا
تُـحِـيـلُ بِـهِ عَـلَـى الْـقَدَرِ الْمَطُولِ
وَأَيُّ فَــتًــى تَـمَـرَّسَ بِـالْـمَـعَـالِـي
فَـلَـمْ يَـهْـجُـمْ عَـلَـى خَـطَرٍ مَهُولِ
وَإِنَّ عِــنَــاقَ حَــرِّ الْـمَـوْتِ أَوْلَـى
بِـذِي الْإِمْـلَاقِ مِـنْ بَـرْدِ الْـمَـقِـيلِ
وَمَـا كَـانَـتْ مُـنًـى بَـعُـدَتْ لِـتَغْلُو
بِـطُـولِ مَـشَـقَّـةِ الـسَّـيْـرِ الطَّوِيلِ
فَــكَـيْـفَ تَـخِـيـمُ وَالْآمَـالُ أَدْنَـى
إِلَـيْـكَ مِـنَ الْـقِـدَاحِ إِلَـى الْمُجِيلِ
وَقَـدْ نَـادَى الـنَّـدَى هَلْ مِنْ رَجَاءٍ
وَقَـالَ الـنَّـيْـلُ هَـلْ مِـنْ مُـسْتَنِيلِ
وَلَـــمْ أَرَ قَـــبْـــلَــهُ أَمَــلًا جَــوَادًا
يُــشَــارُ بِــهِ إِلَــى عَــزْمٍ بَــخِـيـلِ
عَـلَامَ تُـرَوِّضُ الْـحَـصْـبَـاءُ خِصْبًا
وَتَـجْـزَعُ أَنْ تُـعَـدَّ مِـنَ الْـمُـحُـولِ
وَكَــيْـفَ تَـرَى مِـيَـاهَ الْـفَـضْـلِ إِلَّا
وَقَــدْ رُشِـفَـتْ بِـأَفْـوَاهِ الْـعُـقُـولِ
لَـقَـدْ أَعْـطَـتْـكَ صِـحَّـتَهَا الْأَمَانِي
فَــلَا تَــعْــتَـلَّ بِـالْـحَـظِّ الْـعَـلِـيـلِ
وَمَـا لَـكَ أَنْ تَـسُـومَ الـدَّهْـرَ حَظًّا
إِذَا مَــا فُـزْتَ بِـالـذِّكْـرِ الْـجَـمِـيـلِ
إِذَا أَهْــلُ الــثَّـنَـاءِ عَـلَـيْـكَ أَثْـنَـوْا
فَـسِـرْ فِـي الْـمَـكْـرُمَـاتِ بِلَا دَلِيلِ
أَرَى حُــلَلَ الـنَّـبَـاهَـةِ قَـدْ أَظَـلَّـتْ
تُــنَــازِعُ فِــيَّ أَطْــمَـارَ الْـخُـمُـولِ
فَـيَـا جَـدِّي نَـهَـضْـتَ وَيَـا زَمَانِي
جَـنَـيْـتَ فَـكُنْتَ أَحْسَنَ مُسْتَقِيلِ
وَيَا فَخْرِي — وَفَخْرُ الْمُلْكِ مُثْنٍ
عَـلَـيَّ — لَـقَـدْ جَرَيْتُ بِلَا رَسِيلِ
تَـفَـنَّـنَ فِـي الْـعَطَاءِ الْجَزْلِ حَتَّى
حَـبَـانِـي فِـيـهِ بِـالْـحَـمْـدِ الْجَزِيلِ
فَـهَـا أَنَـا بَـيْـنَ تَـفْـضِـيـلٍ وَفَضْلٍ
تَـــبَـــرُّعُ خَــيْــرِ قَــوَّالٍ فَــعُــولِ
غَـرِيـبُ الْـجُـودِ يَـحْـمَـدُ سَـائِلِيهِ
وَفَـرْضُ الْـحَـمْـدِ أَلْـزَمُ لِلـسَّـئُـولِ
سَـقَـانِـي الـرِّيَّ مِـنْ بِـشْـرٍ وَجُـودٍ
كَـمَا رَقَصَ الْحَبَابُ عَلَى الشَّمُولِ
وَأَعْــلَــمُ أَنَّ نَــشْــوَانَ الْـعَـطَـايَـا
سَـيَـخْـمَـرُ بِـالْـغِـنَـى عَـمَّـا قَـلِـيلِ
أَمَـــا وَنَـــدَاكَ إِنَّ لَـــهُ لَـــحَـــقًّـــا
يُـــبِـــرُّ بِـــهِ أَلِـــيَّـــةَ كُـــلِّ مُــولِ
لَـئِـنْ أَغْـرَبْـتَ فِـي كَـرَمِ السَّجَايَا
لَـقَـدْ أَعْـرَبْـتَ عَـنْ كَـرَمِ الْأُصُـولِ
أَلَا أَبْـــلِـــغْ مُــلُــوكَ الْأَرْضِ أَنِّــي
لَـبِـسْـتُ الْـعَـيْشَ مَجْرُورَ الذُّيُولِ
لَــدَى مَـلِـكٍ مَـتَـى نَـكَّـبْـتَ عَـنْـهُ
فَـلَـسْـتَ عَـلَى الزَّمَانِ بِمُسْتَطِيلِ
وَلَـــمَّــا عَــزَّ نَــائِــلُــهُــمْ قِــيَــادًا
وَهَـبْـتُ الـصَّـعْـبَ مِـنْـهُمْ لِلذَّلُولِ
وَطَـلَّـقْـتُ الْـمُـنَـى لَا الْـعَزْمُ يَوْمًا
لَــهُــنَّ وَلَا الــرَّكَــائِــبُ لِلـذَّمِـيـلِ
وَلَــــوْلَا آلُ عَـــمَّـــارٍ لَـــبَـــاتَـــتْ
تَـرَى عَـرْضَ الـسَّـمَـاوَةِ قِيدَ مِيلِ
أَعَــزُّونِــي وَأَغْــنَــوْنِـي وَمِـثْـلِـي
أُعِـــيـــنَ بِـــكُــلِّ مَــنَّــاعٍ بَــذُولِ
وَحَــسْــبُــكَ أَنَّــنِــي جَـارٌ لِـقَـوْمٍ
يُـجِـيـرُونَ الْـقَـرَارَ مِـنَ الـسُّـيُولِ
أَلَا لِلــــهِ دَرُّ نَــــوًى رَمَـــتْ بِـــي
إِلَــى أَكْــنَــافِ ظِـلِّـهِـمُ الـظَّـلِـيـلِ
وَدَرُّ نَــوَائِــبٍ صَــرَفَـتْ عِـنَـانِـي
إِلَــى تِــلْـقَـائِـهِـمْ عِـنْـدَ الـرَّحِـيـلِ
أُسَـــرُّ بِـــأَنَّ لِـــي جَــدًّا عَــثُــورًا
وَعَــمَّــارُ بْــنُ عَــمَّــارٍ مُــقِــيـلِـي
وَلَــوْلَا قُــرْبُــهُ مَــا كُــنْـتُ يَـوْمًـا
لِأَشْـكُـرَ حَـادِثَ الْـخَطْبِ الْجَلِيلِ
وَقَـدْ يَـهْوَى الْمُحِبُّ الْعَذْلَ شَوْقًا
إِلَــى ذِكْــرِ الْأَحِــبَّــةِ لَا الْــعَـذُولِ
لَــهُ كَــرَمُ الْـغَـمَـامِ يَـجُـودُ عَـفْـوًا
فَــيُــغْـنِـي عَـنْ ذَرِيـعٍ أَوْ وَسِـيـلِ
وَمَــا إِنْ زِلْــتُ أَرْغَـبُ عَـنْ نَـوَالٍ
يُـقَـلِّـدُنِـي يَـدًا لِـسَـوَى الْـمُـنِـيـلِ
تَـجُـودُ بِـطِـيـبِ رَيَّـاهَـا الْخُزَامَى
وَيَـغْـدُو الـشُّـكْـرُ لِلـرِّيـحِ الْـقَبُولِ
وَغَـيْـرِي مَـنْ يُـصَـاحِـبُهُ خُضُوعٌ
أَنَـمُّ مِـنَ الـدُّمُـوعِ عَـلَـى الْـغَـلِيلِ
يَـعُـبُّ إِذَا أَصَـابَ الـضَّـيْـمُ شَـرْبًا
وَبَــعْــضُ الـذُّلِّ أَوْلَـى بِـالـذَّلِـيـلِ
تَــرَفَّـعَ مَـطْـلَـبِـي عَـنْ كُـلِّ جُـودٍ
فَـمَـا أَبْـغِـي بِـجُـودِكَ مِـنْ بَـدِيـلِ
وَمَــا لِــيَ لَا أَعَـافُ الـطَّـرْقَ وِرْدًا
وَقَـدْ عَـرَضَتْ حِيَاضُ السَّلْسَبِيلِ
وَقَـدْ عَـلَّـمْـتَـنِـي خُـلُـقَ الْـمَـعَالِي
فَـــمَـــا أَرْتَـــاحُ إِلَّا لِلـــنَّـــبِـــيــلِ
وَلِــي عِــنْـدَ الـزَّمَـانِ مُـطَـالَـبَـاتٌ
فَـمَـا عُـذْرِي وَأَنْـتَ بِـهَـا كَـفِـيـلِي
وَإِنَّ فَــــتًــــى رَآكَ لَــــهُ رَجَــــاءً
لَأَهْـــلٌ أَنْ يُـــبَـــلَّــغَ كُــلَّ سُــولِ
وَرُبَّ صَـنِـيـعَـةٍ خُـطِـبَـتْ فَزُفَّتْ
إِلَـى غَـيْـرِ الْـكَـفِـيءِ مِـنَ الْـبُعُولِ
أَبِـنْ قَـدْرَ اصْـطِـنَاعِكَ لِي بِنُعْمَى
تَـبُـوحُ بِـسِـرِّ مَـا تُـسْـدِي وَتُـولِـي
إِذَا مَــا رَوَّضَ الْـبَـطْـحَـاءَ غَـيْـثٌ
تَـبَـيَّـنَ فَـضْـلُ عَـارِضِـهِ الْـهَطُولِ
وَأَعْـلِـنْ حُـسْـنَ رَأْيِكَ فِيَّ يَرْجَحْ
عَـدُوِّي فِـي الْـمَـوَدَّةِ مِـنْ خَلِيلِي
فَــلَــيْـسَ بِـعَـائِـبِـي نُـوَبٌ أَكَـلَّـتْ
شَـبَـا عَـزْمِـي وَلَـمْ يَـكُ بِـالْـكَلِيلِ
فَــإِنَّ الــسَّـيْـفَ يُـعْـرَفُ مَـا بَـلَاهُ
بِـمَـا فِـي مَـضْـرِبَـيْـهِ مِـنَ الْفُلُولِ
وَكَـائِـنْ بِـالْـعَـوَاصِـمِ مِـنْ مُـعَـنًّى
بِــشِــعْــرِي لَا يَـرِيـعُ إِلَـى ذُهُـولِ
أَقَـمْـتُ بِـأَرْضِـهِـمْ فَـحَـلَلْـتُ مِنْهَا
مَـحَـلَّ الْـخَـالِ فِـي الْخَدِّ الْأَسِيلِ
وَلَــكِـنْ قَـادَنِـي شَـوْقِـي إِلَـيْـكُـمْ
وَحُــبِّـي كُـلَّ مَـعْـدُومِ الـشُّـكُـولِ
فَـأَطْـلَـعَ فِـي سَـمَـائِكَ مِنْ ثَنَائِي
نُــجُــومَ عُـلًا تَـجِـلُّ عَـنِ الْأُفُـولِ
سَــوَائِــرُ تَــمْــلَأُ الْآفَــاقَ فَــضْـلًا
تُــعِــيــدُ الْــغُــمْـرَ ذَا رَأْيٍ أَصِـيـلِ
قَـصَـائِـدُ كَـالْـكَـنَـائِنِ فِي حَشَاهَا
سِــهَـامٌ كَـالـنُّـصُـولِ بِـلَا نُـصُـولِ
نَـزَائِـعُ عَـنْ قِـسِـيِّ الْـفِـكْـرِ يُرْمَى
بِــهَـا غَـرَضُ الْـمَـوَدَّةِ وَالـذُّحُـولِ
وَكُــنَّ إِذَا مَــرَقْــنَ بِـسَـمْـعِ صَـبٍّ
أَصَـبْـنَ مَـقَـاتِـلَ الْـهَـمِّ الـدَّخِـيـلِ
إِذَا مَـا أُنْـشِـدَتْ فِـي الْـقَوْمِ رَقَّتْ
شَـمَـائِـلُ يَـوْمِـهِـمْ قَـبْـلَ الْأَصِيلِ
تَــزُورُ أَبَــا عَــلِـيٍّ حَـيْـثُ أَرْسَـتْ
هِـضَـابُ الْـعِـزِّ وَالْـمَـجْـدِ الْأَثِـيـلِ
وَمَـنْ يَـجْـزِيـكَ عَـنْ فِـعْـلٍ بِقَوْلٍ
لَـقَـدْ حَـاوَلْـتَ عَـيْـنَ الْـمُسْتَحِيلِ
وَكَـيْـفَ لِـيَ الـسَّـبِـيـلُ إِلَى مَقَالٍ
يُـخَـفِّـفُ مَـحْـمِـلَ الْـمَـنِّ الـثَّقِيلِ
فَــلَا تَـلُـمِ الْـقَـوَافِـيَ إِنْ أَطَـالَـتْ
قَــطِــيــعَـةَ بِـرِّكَ الْـبَـرِّ الْـوَصُـولِ
هَـرَبْـتُ مِنِ ارْتِيَاحِكَ حِينَ أَنْحَى
عَـلَـى حَمْدِي بِعَضْبِ نَدًى صَقِيلِ
وَلَــمَّــا عُــذْتُ بِـالْـعَـلْـيَـاءِ قَـالَـتْ
لَـعَـلَّـكَ صَـاحِـبُ الـشُّـكْـرِ الْقَتِيلِ
فَـيَـا لَـكِ مِـنَّـةً فَـضَـحَـتْ مَـقَالِي
وَمِـثْـلِـي فِـي الْـقَرِيضِ بِلَا مَثِيلِ
فَـعُـذْرًا إِنْ عَـجَـزْتُ لِـطُولِ هَمِّي
عَـنِ الْإِسْـهَـابِ وَالـنَّفَسِ الطَّوِيلِ
فَــإِنَّ وَجَـى الْـجِـيَـادِ إِذَا تَـمَـادَى
بِـهَـا شَـغَـلَ الْـجِـيَادَ عَنِ الصَّهِيلِ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: المدح
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

هو أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي، يُعَد أحد رُواد الأدب العربي، وأشهر شعراء الشام الذين ساهموا في النهضة الشعرية التي شهدها العصر العباسي الثاني، اتسم شِعره بحُسن البيان، وجزالة العبارة، وعُمق المعنى.

وُلد في دمشق سنة ٤٥٠ﻫ/ ١٠٥٨م، حين كانت تحت سيطرة الدولة الفاطمية، ونشأ وترعرع بها؛ فدرس علوم اللغة، والكتابة، ونَظَم فيها أُولى قصائده. وظل بها حتى سيطر عليها السلاجقة فهاجر منها إلى حماة، وكان عُمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، ومكث في حماة مدةً قاربت اثنتَي عشرة سنة، واتصل بأميرها «محمد بن مانك» وعمل عنده كاتبًا، ثم انتقل إلى شينيز ومدح أميرها «علي بن مقلد بن منقذ»، ومنها إلى حلب السورية، وهناك التقى ﺑ «ابن حيُّوس» أشهر شعراء زمانه، ولازَمه مدةً حتى صار امتدادًا لشِعره، ثم اتجه غربًا إلى طرابلس الليبية التي أقام فيها مدةً قاربت عشر سنوات، وفيها ذاع صِيتُه، ووصلت شُهرته الآفاق، ونَظَم أبدع قصائده وأشهرها، وتَقرَّب من حاكمها «جلال الدين بن عمار»، ثم عاد ثانيةً إلى دمشق وحط فيها رِحاله، وصاحَب وزيرها السلجوقي «هبة الله بن بديع الأصفهاني».

سُمي ﺑ «ابن الخياط» لاشتغال أبيه بحرفة الخياطة، وسُمي بالكاتب لاشتغاله بالكتابة؛ حيث عمل كاتبًا لدى أمراء الدولة العباسية، كما نَظَم الشعر بأغراضه المتنوعة، كالهِجاء، والرِّثاء، والغزَل، ولكنَّ النصيب الأوفر من قصائده كان في المديح، حتى اشتُهر بذلك؛ فذكَرَته كُتُب المؤرخين المعاصرين بأنه من الشعراء المُجيدين، امتَدح الناس، وطاف البلاد، ودخل بلاد العجم وامتَدح أهلها. وصل إلينا ديوانه الذي حوى أبهى قصائد الشعر العربي، وأعذب العبارات، وأبلغ المعاني.

تُوفِّي «ابن الخياط» بدمشق في ١١ رمضان ٥١٧ﻫ/١ نوفمبر ١١٢٣م، عن عُمرٍ يُناهز سبعًا وستين سنة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤