تَأْثِيرُ التَّرْبِيَةِ

Wave Image
إِلَـيْـكَ مَـا شَـاهَـدَتْ عَـيْنِي مِنَ الْعَجَبِ
فِـي مَـسْـرَحٍ مَـاجَ بَـيْـنَ الْـجِـدِّ وَاللَّعِبِ
خَــافُــوا بِــهِ أَنْ تَــقُـومَ الْأُسْـدُ وَاثِـبَـةً
حَـتَّـى بَـنَـوْا حَـاجِـزًا فِـيهِ مِنَ الْخَشَبِ
وَحَــصَّــنُـوهُ مِـنَ الْأَعْـلَـى بِـمُـشْـتَـبِـكٍ
مِـنَ الْـحِـبَـالِ جَـدِيـدٍ غَـيْـرِ مُـنْـقَـضِـبِ
بِــهِ الْأُسُــودُ تَـمَـطَّـى فِـي مَـرَابِـضِـهَـا
وَالـنِّـمْـرُ يَـخْـطُرُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْغَضَبِ
وَالـذِّئْـبُ يُـبْـصِـرُ جَـدْيَ الْـمَـعْـزِ مُقْتَرِبًا
مِــنْــهُ فَــيَـرْجِـعُ عَـنْـهُ غَـيْـرَ مُـقْـتَـرِبِ
أَمَّـا الْـكِـلَابُ فَـجَـاءَتْ وَهْـيَ كَـاسِـيَـةٌ
يَـرْقُـصْـنَ مُـنْـتَـصِـبًـا فِـي إِثْرِ مُنْتَصِبِ
قَـامَـتْ عَـلَـى أَرْجُـلٍ تَـمْـشِـي مُـعَـلَّـمَـةً
مَـشْـيَ الْـمَـلِـيـحَـةِ فِي أَبْرَادِهَا الْقُشُبِ
تَــخْــشَـى مُـؤَدِّبَـهَـا وَالـصَّـوْلَـجَـانُ لَـهُ
فِـي الْـكَـفِّ فَرْقَعَةٌ كَالرَّعْدِ فِي السُّحُبِ
تَــرْنُــو إِلَـيْـهِ بِـعَـيْـنِ الْـخَـوْفِ فَـاعِـلَـةً
مَـا كَـانَ يُـصْـدِرُ مِـنْ أَمْـرٍ وَمِـنْ طَـلَـبِ
خَـضَـعْـنَ لِـلـسَّـوْطِ حَـتَّـى إِنَّ أَعْـقَـدَهَا
لَـوْ يَأْمُـرُ الـسَّـوْطُ يَـغْـدُو مُرْسِلَ الذَّنَبِ
وَكَـانَـتِ الْأُسْـدُ تَـجْـرِي فِـي إِطَـاعَـتِـهَا
مَـجْرَى الْكِلَابِ بِحُكْمِ الْخَوْفِ وَالرَّهَبِ
كَأَنَّــمَـا الـلَّـيْـثُ لَـمْ يُـخْـلَـقْ أَخَـا ظُـفُـرٍ
مُــحَــدَّدَ الـنَّـابِ قَـذَّافًـا إِلَـى الْـعَـطَـبِ
شَـاهَـدْتُـهُ مَـشْـهَـدًا بِـدْعًـا عَـلِـمْـتُ بِـهِ
أَنَّ الْـغَـرَائِـزَ لَـمْ تُـطْـبَـعْ عَـلَـى الـشَّـغَبِ
وَأَنَّ خُــبْــثَ الْــبَـرَايَـا فِـي طَـبَـائِـعِـهَـا
لَا بُـدَّ فِـيـهِ سِـوَى الْأَطْـبَـاعِ مِـنْ سَـبَبِ
وَأَنَّ لَـيْـثَ الـشَّـرَى مَـا صِـيـغَ مُـفْـتَرِسًا
لَــكِــنْ أَحَــالَـتْـهُ فَـرَّاسًـا يَـدُ الـسَّـغَـبِ
وَكَـمْ مِـنَ الـنَّـاسِ مَـنْ قَـدْ رَاحَ مُنْدَفِعًا
بِـدَافِـعِ الْـجُـوعِ نَـحْـوَ الْـقَـتْلِ وَالسَّلَبِ
وَأَنَّ تَـــرْبِـــيَـــةَ الْإِنْــسَــانِ يُــرْجِــعُــهُ
إِكْـسِـيـرُهَـا وَهْـوَ مِـنْ تُرْبٍ إِلَى الذَّهَبِ
هَــذَا إِذَا حَــسُــنَــتْ أَمَّــا إِذَا قَـبُـحَـتْ
فَـالْـمَـنْـدَلِـيُّ بِـهَـا يُـمْـسِـي مِنَ الْحَطَبِ
فَـكُـلُّ مَـا هُـوَ فِـي الْإِنْـسَـانِ مُـكْـتَسَبٌ
فَـلَا تَـقُـلْ فِـيـهِ شَـيْءٌ غَـيْـرُ مُـكْـتَسَبِ
إِنِّــــي أَرَى أَسْـــوَأَ الْآبَـــاءِ تَـــرْبِـــيَـــةً
لِــلِابْــنِ أَحْــرَى بِأَنْ يُــدْعَــى أَعَـقَّ أَبِ
وَالْـمَـرْءُ كَـالـنَّـبْـتِ يَـنْـمُـو حَسْبَ تُرْبَتِهِ
وَلَــيْـسَ يَـنْـبُـتُ نَـبْـعٌ مَـنْـبِـتَ الْـغَـرَبِ
مَـنْ عَاشَ فِي الْوَسَطِ الزَّاكِي زَكَا خُلُقًا
حَـتَّـى عَـلَا فِـي الْـمَـعَـالِـي أَرْفَعَ الرُّتَبِ
فَـاحْـرِصْ عَـلَـى أَدَبٍ تَحْيَا النُّفُوسُ بِهِ
فَإِنَّـــمَـــا قِــيــمَــةُ الْإِنْــسَــانِ بِــالْأَدَبِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال معروف الرصافي هذه القصيدة بعد أن شاهد مسرح الحيوانات.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤