لَقِيتُهَا لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَا

Wave Image
لَــقِــيـتُـهَـا لَـيْـتَـنِـي مَـا كُـنْـتُ أَلْـقَـاهَـا
تَـمْـشِـي وَقَـدْ أَثْـقَـلَ الْإِمْـلَاقُ مَـمْـشَاهَا
أَثْــوَابُــهَــا رَثَّــةٌ وَالــرِّجْــلُ حَــافِــيَــةٌ
وَالـدَّمْـعُ تَـذْرِفُـهُ فِـي الْـخَـدِّ عَـيْـنَـاهَـا
بَـكَـتْ مِـنَ الْـفَـقْـرِ فَـاحْـمَـرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْـفَـرَّ كَـالْـوَرْسِ مِـنْ جُـوعٍ مُـحَيَّاهَا
مَـاتَ الَّـذِي كَـانَ يَـحْـمِـيـهَـا وَيُـسْعِدُهَا
فَـالـدَّهْـرُ مِـنْ بَـعْـدِهِ بِـالْـفَـقْـرِ أَشْـقَـاهَـا
الْــمَــوْتُ أَفْـجَـعَـهَـا وَالْـفَـقْـرُ أَوْجَـعَـهَـا
وَالْــهَــمُّ أَنْــحَــلَــهَــا وَالْــغَـمُّ أَضْـنَـاهَـا
فَـمَـنْـظَـرُ الْـحُـزْنِ مَـشْـهُـودٌ بِـمَـنْـظَرِهَا
وَالْــبُــؤْسُ مَــرْآهُ مَــقْــرُونٌ بِــمَــرْآهَــا
كَــرُّ الْـجَـدِيـدَيْـنِ قَـدْ أَبْـلَـى عَـبَـاءَتَـهَـا
فَــانْــشَــقَّ أَسْـفَـلُـهَـا وَانْـشَـقَّ أَعْـلَاهَـا
وَمَـزَّقَ الـدَّهْـرُ، وَيْـلُ الـدَّهْـرِ، مِـئْـزَرَهَـا
حَـتَّـى بَـدَا مِـنْ شُـقُـوقِ الـثَّوْبِ جَنْبَاهَا
تَـمْـشِـي بِأَطْـمَـارِهَـا وَالْـبَـرْدُ يَـلْـسَـعُـهَـا
كَأَنَّـــهُ عَـــقْـــرَبٌ شَـــالَــتْ زُبَــانَــاهَــا
حَـتَّـى غَـدَا جِـسْـمُـهَـا بِـالْـبَـرْدِ مُـرْتَجِفًا
كَـالْـغُصْنِ فِي الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
•••
تَـمْـشِـي وَتَـحْـمِـلُ بِـالْـيُـسْـرَى وَلِـيدَتَهَا
حَـمْـلًا عَـلَـى الـصَّـدْرِ مَـدْعُـومًا بِيُمْنَاهَا
قَــدْ قَــمَّــطَــتْــهَــا بِأَهْــدَامٍ مُــمَــزَّقَـةٍ
فِـي الْـعَـيْـنِ مَـنْـشَـرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَا
مَـا أَنْـسَ لَا أَنْـسَ أَنِّـي كُـنْـتُ أَسْـمَـعُـهَا
تَــشْــكُــو إِلَـى رَبِّـهَـا أَوْصَـابَ دُنْـيَـاهَـا
تَـــقُــولُ يَــا رَبُّ لَا تَــتْــرُكْ بِــلَا لَــبَــنٍ
هَـذِي الـرَّضِـيـعَـةَ وَارْحَـمْـنِـي وَإِيَّـاهَـا
مَـا تَـصْـنَـعُ الْأُمُّ فِـي تَـرْبِـيـبِ طِـفْـلَـتِهَا
إِنْ مَـسَّـهَـا الـضُّـرُّ حَـتَّـى جَـفَّ ثَـدْيَـاهَا
يَـا رَبُّ مَـا حِـيـلَـتِـي فِـيـهَـا وَقَـدْ ذَبَلَتْ
كَـزَهْـرَةِ الـرَّوْضِ فَـقْـدُ الْـغَـيْثِ أَظْمَاهَا
مَـا بَـالُـهَـا وَهْـيَ طُـولَ الـلَّـيْـلِ بَـاكِـيَـةٌ
وَالْأُمُّ سَــاهِــرَةٌ تَــبْــكِــي لِــمَــبْــكَـاهَـا
يَــكَــادُ يَـنْـقَـدُّ قَـلْـبِـي حِـيـنَ أَنْـظُـرُهَـا
تَـبْـكِـي وَتَـفْـتَـحُ لِـي مِـنْ جُـوعِـهَا فَاهَا
وَيْــلُــمِّــهَــا طِــفْــلَــةً بَــاتَـتْ مُـرَوَّعَـةً
وَبِـتُّ مِـنْ حَـوْلِـهَـا فِـي الـلَّـيْـلِ أَرْعَـاهَا
تَــبْــكِــي لِــتَــشْــكُـوَ مِـنْ دَاءٍ أَلَـمَّ بِـهَـا
وَلَــسْـتُ أَفْـهَـمُ مِـنْـهَـا كُـنْـهَ شَـكْـوَاهَـا
قَـدْ فَـاتَـهَـا الـنُّـطْـقُ كَـالْـعَجْمَاءِ أَرْحَمُهَا
وَلَــسْــتُ أَعْــلَــمُ أَيَّ الــسُّــقْــمِ آذَاهَــا
وَيْـحَ ابْـنَـتِـي إِنَّ رَيْـبَ الـدَّهْـرِ رَوَّعَـهَـا
بِــالْــفَــقْــرِ وَالْــيُـتْـمِ آهًـا مِـنْـهُـمَـا آهَـا
كَــانَـتْ مُـصِـيـبَـتُـهَـا بِـالْـفَـقْـرِ وَاحِـدَةً
وَمَــوْتُ وَالِــدِهَــا بِــالْــيُــتْــمِ ثَــنَّـاهَـا
•••
هَـذَا الَّـذِي فِـي طَـرِيـقِـي كُـنْتُ أَسْمَعُهُ
مِــنْــهَـا فَأَثَّـرَ فِـي نَـفْـسِـي وَأَشْـجَـاهَـا
حَــتَّــى دَنَــوْتُ إِلَـيْـهَـا وَهْـيَ مَـاشِـيَـةٌ
وَأَدْمُـعِـي أَوْسَـعَـتْ فِـي الْـخَدِّ مَجْرَاهَا
وَقُــلْــتُ يَــا أُخْـتُ مَـهْـلًا إِنَّـنِـي رَجُـلٌ
أُشَــارِكُ الــنَّــاسَ طُــرًّا فِــي بَــلَايَـاهَـا
سَـمِـعْـتُ يَـا أُخْـتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
فِـي قَـالَـةٍ أَوْجَـعَـتْ قَـلْـبِـي بِـفَـحْـوَاهَا
هَـلْ تَـسْـمَـحُ الْأُخْـتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَـا فِـي يَـدِي الْآنَ أَسْـتَـرْضِـي بِـهِ الـلهَ
ثُـمَّ اجْـتَـذَبْـتُ لَـهَـا مِـنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
دَرَاهِــمًــا كُــنْـتُ أَسْـتَـبْـقِـي بَـقَـايَـاهَـا
وَقُـلْـتُ يَـا أُخْـتُ أَرْجُـو مِـنْـكِ تَكْرِمَتِي
بِأَخْـــذِهَـــا دُونَــمَــا مَــنٍّ تَــغَــشَّــاهَــا
فَأَرْسَــلَــتْ نَــظْــرَةً رَعْــشَــاءَ رَاجِـفَـةً
تَـرْمِـي الـسِّـهَـامَ وَقَـلْـبِـي مِـنْ رَمَـايَاهَا
وَأَخْــرَجَــتْ زَفَــرَاتٍ مِــنْ جَـوَانِـحِـهَـا
كَـالـنَّـارِ تَـصْـعَـدُ مِـنْ أَعْـمَـاقِ أَحْـشَـاهَا
وَأَجْــهَـشَـتْ ثُـمَّ قَـالَـتْ وَهْـيَ بَـاكِـيَـةٌ
وَاهًــا لِــمِــثْــلِــكَ مِــنْ ذِي رِقَّــةٍ وَاهَـا
لَـوْ عَمَّ فِي النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَـا تَـاهَ فِـي فَـلَـوَاتِ الْـفَـقْـرِ مَـنْ تَـاهَـا
أَوْ كَـانَ فِـي الـنَّـاسِ إِنْـصَـافٌ وَمَرْحَمَةٌ
لَــمْ تَــشْــكُ أَرْمَـلَـةٌ ضَـنْـكًـا بِـدُنْـيَـاهَـا
•••
هَــذِي حِــكَـايَـةُ حَـالٍ جِـئْـتُ أَذْكُـرُهَـا
وَلَـيْـسَ يَـخْـفَـى عَـلَـى الْأَحْرَارِ مَغْزَاهَا
أَوْلَــى الْأَنَــامِ بِـعَـطْـفِ الـنَّـاسِ أَرْمَـلَـةٌ
وَأَشْـرَفُ الـنَّـاسِ مَنْ فِي الْمَالِ وَاسَاهَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤